أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 142

جلسة 7 من فبراير سنة 1956

برياسة السيد حسن داود - المستشار، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(48)
القضية رقم 759 سنة 25 القضائية

( أ ) قانون. حكم. التوقيع عليه. بيان واجب القضاة وحقوق المتقاضين في هذا الشأن. المرجع فيه إلى قانون الإجراءات الجنائية. الرجوع إلى قانون المرافعات. محله.
(ب) إجراءات. محضر الجلسة. عدم توقيع رئيس المحكمة والكاتب على كل صفحة منه في اليوم التالي على الأكثر. لا بطلان.
(ج) إصابة خطأ. رابطة السببية. هي ركن من أركان الجريمة. ماهيتها.
(د) إثبات. خبراء. تقدير رأيهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. موضوعي.
1 - تنظيم التوقيع على الأحكام الصادرة في المواد الجنائية وبيان واجب القضاة وحقوق المتقاضين وغيرها من مواد التنظيم مبينة في قانون الإجراءات الجنائية مما لا محل معه للرجوع إلى قانون المرافعات إلا لسد نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها في ذلك القانون.
2 - المادة 276 من قانون الإجراءات الجنائية وإن نصت في الفقرة الأولى منها على وجوب تحرير محضر بما يجري في جلسة المحاكمة ويوقع على كل صفحة منه رئيس المحكمة وكاتبها في اليوم التالي على الأكثر إلا أن مجرد عدم التوقيع على كل صفحة لا يترتب عليه بطلان الإجراءات.
3 - جريمة الإصابة الخطأ لا تقوم قانوناً إلا إذا كان وقوع الجرم متصلاً بحصول الخطأ من المتهم اتصال السبب بالمسبب بحيث لا يتصور حصول الجرح لو لم يقع الخطأ، فإذا انعدمت رابطة السببية انعدمت الجريمة لعدم توافر أحد العناصر القانونية المكونة لها.
4 - الأمر في تقدير رأي الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مما يختص به قاضي الموضوع وله في حدود سلطته التقديرية أن يأخذ بما يطمئن إليه منها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه تسبب بغير عمد في إصابة أحمد صالح الوسيمي بالإصابات المبينة بالتقرير الطبي وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم مراعاة اللوائح بأن قاد سيارة بسرعة تزيد عن المقرر دون أن يستعمل آلة التنبيه فصدمت المجني عليه وسببت إصابته وطلبت عقابه بالمادة 244 من قانون العقوبات.
وقد ادعى أحمد صالح الوسيمي بحق مدني قبل المتهم وطلب القضاء له عليه بمبلغ 5000 جنيه بصفة تعويض. ومحكمة جنح الموسكي الجزئية قضت حضورياً عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله وألزمت رافعها بمصاريفها المدنية بلا مصاريف جنائية. فاستأنفت النيابة هذا الحكم كما استأنفه المدعي بالحق المدني. ولدى نظر الدعوى دفع المتهم بعدم جواز استئناف النيابة. ومحكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضورياً. أولاً - بعدم جواز استئناف النيابة. ثانياً - بقبول استئناف المدعي بالحق المدني شكلاً وتأجيل نظر الموضوع لجلسة 9 من يناير سنة 1954 والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 27 من نوفمبر سنة 1954 في موضوع الاستئناف الخاص بالدعوى المدنية برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المدعي بالحق المدني بالمصروفات المدنية الاستئنافية ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول هو أن الحكم المطعون فيه شابه البطلان لعدم التوقيع عليه في خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره وفقاً لما تقضي به المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية ولعدم إيداع مسودته عند النطق به طبقاً لنص المادة 346 من قانون المرافعات.
وحيث إن عدم ختم الحكم وإيداعه ملف الدعوى في ظرف الثمانية الأيام التالية لصدوره لا يترتب عليه بطلانه لأن قانون الإجراءات الجنائية إنما أوجب ذلك في المادة 312 على قدر الإمكان، كما لا محل لما يثيره الطاعن من عدم إيداع مسودة الحكم عقب النطق به لأن تنظيم التوقيع على الأحكام الصادرة في المواد الجنائية وبيان واجب القضاة، وحقوق المتقاضين وغيرها من مواد التنظيم مبينة في قانون الإجراءات الجنائية مما لا محل معه للرجوع إلى قانون المرافعات إلا لسد نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها في ذلك القانون ومن ثم يتعين رفض هذا الوجه.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو أن الحكم أخطأ في الإسناد إذ نسب إلى الشاهدين محمود سيد إبراهيم وسيد محمد محمود أنهما قررا في محضر البوليس أن قائد السيارة لم يكن مسرعاً في السير إذ كانت تتقدمه سيارات أخرى وأنه كان يستعمل آلة التنبيه وأوقف السيارة فور الاصطدام في حين أنهما لم يذكرا شيئاً من ذلك وقد كان لهذا الخطأ أثره في تكوين عقيدة المحكمة والقضاء بالبراءة.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن أقوال الشاهدين في محضر ضبط الواقعة تتفق مع ما جاء بالحكم وأنه لم يقع خطأ فيما أسند إليهما - لما كان ذلك وكان مقرراً أن لمحكمة الموضوع أن توازن بين أقوال الشهود في التحقيقات وبالجلسة فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداها وكان ما أخذت به المحكمة له أصله الثابت في الأوراق فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو أن الحكم شابه بطلان في الإجراءات لعدم التوقيع على محاضر جلسات المحاكمة من رئيس الجلسة الاستئنافية طبقاً لما تقضي به المادة 276 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إن المادة 276 من قانون الإجراءات الجنائية وإن نصت في الفقرة الأولى منها على وجوب تحرير محضر بما يجري في جلسة المحاكمة ويوقع على كل صفحة منه رئيس المحكمة وكاتبها في اليوم التالي على الأكثر إلا أن مجرد عدم التوقيع على كل صفحة لا يترتب عليه بطلان الإجراءات وما دام أن الطاعن لا يدعي أن شيئاً مما دون في المحاضر قد جاء مخالفاً لحقيقة الواقع فإن ما يثيره في هذا الوجه أيضاً لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع هو أن الحكم المطعون فيه شابه خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال ذلك أنه اسند إلى الشاهد محمود سيد إبراهيم أنه نفى ما قاله الشاهد عبد العزيز آدم من أن المتهم رجاه في أن يشهد لصالحه مع أن الأقوال الأخيرة للشاهد محمود سيد إبراهيم في محضر البوليس تؤيد هذه الواقعة ولا تنفيها كما أطرح الحكم شهادة بعض شهود الإثبات بمقولة إن المدعي بالحق المدني أحضرهم بالجلسة في حين أنهم أعلنوا من النيابة بالحضور لأداء الشهادة.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه استند في القضاء ببراءة المتهم إلى شهادة محمود سيد إبراهيم الذي أبلغ بالحادث وسيد محمد محمود وهو صاحب محل لبيع النظارات يجاور مكان الحادث وكلاهما نفى الخطأ عن قائد السيارة التي أصابت المجني عليه، وأما ما أثبتته المعاينة وما جاء في التقرير الطبي ولم يأخذ بشهادة الشاهدين عبد القادر آدم وحسن حسين إسماعيل اللذين جيء بهما في اليوم التالي للحادث على أثر بلاغ تقدم به ابن المجني عليه معللاً ذلك بأنهما لم يدليا بأقوالهما فور الحادث مما يحتمل معه أن يكونا قد وقعا تحت تأثير ما - لما كان ذلك وكان الحكم قد استخلص بأدلة سائغة أن الحادث وقع نتيجة خطأ المجني عليه وحده وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال بعض الشهود دون البعض الآخر وأن تطرح أقوال من لا تثق بشهادته من غير أن تكون ملزمة بتبرير هذا الإطراح وكانت وهي تقضي بالبراءة غير ملزمة أيضاً بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام لأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى الحكم بالإدانة فإن الطعن بهذا الوجه أيضاً يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس أن الحكم أخل بحق الطاعن في الدفاع إذ دفع الحاضر عنه بأن المتهم خالف القوانين واللوائح بأن قاد السيارة في وسط الطريق وبحالة ينجم عنها الخطر على حياة الجمهور مما أدى إلى وقوع الحادث ولكن المحكمة لم تتناول هذا الدفاع ولم ترد عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين قضى بالبراءة استخلص من أقوال الشاهدين محمود سيد إبراهيم وسيد محمد محمود أن المدعي بالحق المدني اجتاز الطريق قبل أن يتحقق من خلوه من السيارات فاصطدم بالجهة الأمامية اليسرى للسيارة التي أوقفها السائق فور الاصطدام واستخلص من المعاينة أن السيارة كانت تسير في حدود يمين الطريق على الشريط الأيمن للترام المتجه إلى ميدان العتبة وهو اتجاه السيارة" - لما كان ذلك وكانت جريمة الإصابة الخطأ لا تقوم قانوناً إلا إذا كان وقوع الجرم متصلاً بحصول الخطأ من المتهم اتصال السبب بالمسبب بحيث لا يتصور حصول الجرح لو لم يقع الخطأ فإذا انعدمت رابطة السببية انعدمت الجريمة لعدم توافر أحد العناصر القانونية المكونة لها وكان وجه الخطأ الذي أسنده الطاعن إلى المتهم وهو السير في وسط الطريق بفرض صحته ليس هو العامل الذي أدى مباشرة إلى وقوع الحادث ولا تتحقق به رابطة السببية اللازمة لقيام المسئولية الجنائية فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل ويتعين رفضه.
وحيث إن مبنى الوجه السادس أن الحكم شابه التناقض إذ تارة يقرر بأن عجلة السيارة مرت على يد المصاب قبل أن يتمكن السائق من إيقافها وتارة يقول بأنه أوقف السيارة فور الاصطدام كما أنه لم يأخذ بالتقرير الطبي المقدم من مبرة محمد علي والذي أثبت أن المصاب صدمته السيارة بشدة وقذفت به إلى الأرض فسقط وتكسرت أضلاعه ثم استمرت السيارة في سيرها حتى مرت عجلتها بيده اليسرى فهرستها ولم يبين علة إطراحه له.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعن ورد عليه في قوله "وأما بالنسبة لما انتهى إليه الطبيب الشرعي الدكتور حسن الدباغ أمام هذه المحكمة من أن إصابة يد المدعي المدني سواء أكانت تهتكية وفق ما تضمنه تقرير مستشفى قصر العيني أو كانت هرسية وفق ما تضمنه تقرير مستشفى مبرة محمد علي فإنه لابد أن تكون قد حدثت من مرور عجلة السيارة عليها فإن هذا الذي انتهى إليه ذلك الطبيب مرده إلى أن المدعي المدني إذ سقط بعد اصطدام الجانب الأمامي الأيسر للسيارة قد مرت عجلة السيارة على يده قبل أن يتمكن السائق من إيقاف السير وهذا يؤيد أن هذا الأخير أوقف السيارة فور الاصطدام وبالتالي لم يكن مسرعاً ذلك أنه لو أن السيارة لم يوقفها السائق لفور الاصطدام لمرت على أجزاء أخرى من جسم المصاب" - لما كان ذلك وكان ما قاله الحكم كافياً للرد على دفاع الطاعن وكان الأمر في تقدير رأي الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مما يختص به قاضي الموضوع وله في حدود سلطته التقديرية أن يأخذ بما يطمئن إليه منها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن أيضاً لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.