أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 148

جلسة 7 من فبراير سنة 1956

برياسة السيد حسن داود - المستشار، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(49)
القضية رقم 794 سنة 25 القضائية

رأفة. نقض. المصلحة من الطعن. إدانة متهم بجناية القتل العمد. نعيه بأن الوصف الصحيح للفعل المسند إليه هو الضرب المفضي إلى الموت. لا يجديه ما دامت العقوبة المقضي بها تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت. لا يغير من ذلك إعمال حكم م 17 ع. ظروف الرأفة. تقديرها. يكون بالنسبة لذات الواقعة الجنائية التي ثبتت لدى المحكمة.
لا جدوى للمتهم من القول بأن الوصف الصحيح للفعل الجنائي المسند إليه هو مجرد "ضرب أفضى إلى الموت" لا "قتل عمد" إذا كانت العقوبة المقضي بها عليه مقررة في القانون للجريمة الأولى ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد طبقت المادة 17 من قانون العقوبات في حقه إذ أن تقدير ظروف الرأفة إنما يكون بالنسبة إلى الواقعة الجنائية التي ثبت لدى المحكمة وقوعها لا بالنسبة إلى وصفها القانوني ولو أنها رأت أن تلك الظروف كانت تقتضي منها النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك اعتبارها المتهم مسئولاً عن جناية القتل العمد فهي إذ لم تفعل ذلك تكون قد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها مع الواقعة التي أثبتتها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - محمد أحمد إبراهيم و2 - كامل يس إسماعيل و3 - إسماعيل يس قطب و4 - عبد الحكيم عبيد الطوخي و5 - عطية عبد اللطيف و6 - خميس عبد العليم عمار و7 - عبد الرحمن عبد اللطيف و8 - طه عبد الله الطوخي و9 - محمد حسن زهانه بأنهم في يوم 24 مايو سنة 1947 الموافق 4 رجب سنة 1366 بناحية عزبة القمادير مركز سمالوط مديرية المنيا - اشتركوا مع آخرين مجهولين في تجمهر الغرض منه الاعتداء على الكونستابل فهمي قطب والقوة المرافقة له وهم العساكر عبد الحليم أحمد رزق ومحمود عبد الباسط وعلي محمد مسعود وأبو العلا منصور السروجي ومنعهم من تنفيذ القوانين واللوائح عند قيامهم بتفتيش منزل المتهم الأول محمد أحمد إبراهيم للبحث عن أسلحة حالة كونهم يحملون عصياً غليظة من شأنها إحداث الموت بأن تجمعوا على منزل المتهم الأول المذكور عندما علموا بوجود القوة فيه وضبطهم بندقية بقصد الاعتداء على أفراد القوة واستخلاص البندقية المضبوطة منهم وقد وقعت الجرائم الآتية تنفيذاً للغرض المقصود من هذا التجمهر وهم عالمون به. أولاً: المتهم الأول محمد أحمد إبراهيم ضرب العسكري محمود عبد الباسط عمداً بعصا على رأسه فأحدث به الإصابة المبينة بالكشف الطبي والتي تخلفت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي فقد جزء من عظام الجمجمة مما يعرض حياته للخطر نتيجة لعدم حماية المخ أو لحصول المضاعفات المبينة بالكشف الطبي - ثانياً: المتهم الأول أيضاً مع المتهمين الثاني كامل يس والثالث إسماعيل يس والرابع عبد الحكيم عبيد الطوخي والخامس عطية عبد اللطيف سرقوا بندقية الكونستابل فهمي قطب والعسكري عبد الحليم رزق الأميريتين بطريق الإكراه الواقع عليهما بأن أوصدوا الباب عليهما عندما دخلا منزل المتهم الأول لتفتيشه وانهالوا عليهما بالضرب فعطلوا بذلك مقاومتهما وتمكنوا من استخلاص البندقيتين منهما وفر بهما المتهمان الأول والثاني وقد ترك الإكراه بالمجني عليهما الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية للكونستابل فهمي قطب والتقرير الطبي للعسكري عبد الحليم أحمد رزق. ثالثاً: المتهمان الخامس عطية عبد اللطيف والسادس خميس عبد العليم شرعا في سرقة بندقية العسكري محمود عبد الباسط الأميرية بطريق الإكراه الواقع عليه بأن اعتديا عليه بالضرب فعطلا بذلك مقاومته وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه وهو ضبط شيخ الخفراء عمران شاهين لهما قبل فرارهما بالبندقية - وقد ترك الإكراه بالمجني عليه المذكور الإصابات الأخرى المبينة بالكشف الطبي والتي أعجزته عن أعماله الشخصية مدة تزيد على العشرين يوماً - رابعاً: والمتهمان الرابع عبد الحكيم عبيد والسابع عبد الرحمن عبد اللطيف ضربا العسكري عبد الحليم رزق عمداً على رأسه فأحدثا به إصابة الرأس المبينة بالكشف الطبي والتي تخلفت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي فقد جزء من عظام الجمجمة مما يعرض حياته للخطر نتيجة لعدم حماية المخ أو تسبب حصول المضاعفات المبينة بالكشف الطبي. خامساً: المتهمان الأول والخامس: اتفقا مع المتهمين الثامن طه عبد الله الطوخي والتاسع محمد حسن زهانه وضربوا العسكري عبد الحليم رزق فأحدثوا به الإصابات الأخرى المبينة بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أعماله الشخصية مدة تزيد على العشرين يوماً كما وقعت تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر جناية قتل الكونستابل فهمي قطب بضربه عدة ضربات بعصا غليظة على رأسه أودت بحياته والتي اقترنت بالجرائم السابق ذكرها الأمر المنطبق على المادة 234/ 2 عقوبات. وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 2 و3 من القانون رقم 10 سنة 1914 الخاص بالتجمهر والمواد 240/ 1 و314/ 2 و45 و46 و234/ 1 و232/ 1 عقوبات والأول بالمادتين 240/ 1 و314/ 2 عقوبات وبالمادة 241/ 1 عقوبات والثاني والثالث والسادس بالمواد 314/ 2 و45 و46 عقوبات والرابع بالمادتين 314/ 2 و240/ 1 عقوبات والخامس بالمواد 314/ 2 و45 و46 و241/ 1 عقوبات والسابع بالمادة 240/ 1 عقوبات والثامن والتاسع بالمادة 241/ 1 عقوبات - فقرر قاضي الإحالة إحالة المتهمين المذكورين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمواد سالفة الذكر كل فيما يخصه.
وقد ادعى كل من وهيبة حسن عمر ونفيسة فرغلي بحق مدني قبل المتهمين وطلبتا القضاء لهما عليهم بمبلغ 562 جنيهاً و500 مليم على سبيل التعويض المؤقت ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة كل من محمد أحمد إبراهيم وكامل يس إسماعيل وإسماعيل يس قطب وعبد الحكيم عبيد الطوخي وعطية عبد اللطيف وخميس عبد العليم العمار وطه عبد الله الطوخي ومحمد حسن زهانه بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنين وبإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للسيدتين وهيبة حافظ ونفيسة فرغلي المدعيتين بالحق المدني المبلغ المطلوب وقدره خمسمائة واثنان وستون جنيها ونصف والمصاريف المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وثانياً: ببراءة عبد الرحمن عبد اللطيف مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله. ثالثاً - إعفاء جميع المتهمين من المصاريف الجنائية. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول من وجهي الطعن هو أن الحكم المطعون فيه جاء قاصر البيان إذ لم يستظهر الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها فلم يبين في واقعة الدعوى أنهم اشتركوا في تجمهر خارج المنزل الذي كانوا فيه وقت الحادث مع أن القانون لا يعاقب إلا على التجمهر الذي يحصل في طريق أو محل عام - هذا إلى أن أحداً من الشهود لم يشهد بأن الطاعنين الثاني والثالث اشتركا في تجمهر خارج المنزل وعلى فرض حصول اعتداء منهما فإنهما لا يسألان إلا عن القدر المتيقن وهو الضرب البسيط - كما لم يبين الحكم المطعون فيه أن الطاعنين قد علموا فعلاً بالغرض الإجرامي من التجمهر وما قاله عن نية ارتكاب جرائم ضد البوليس جاء مجهلاً - وعلى فرض قيام الدليل على ثبوت علم الطاعنين بالغرض الإجرامي من التجمهر فإن الحكم لم يبين على وجه القطع أن الجريمة وقعت أثناء قيام الطاعنين بالتجمهر - ولا محل للمسئولية الجنائية إذا وقعت الجريمة قبل اشتراك الشخص في التجمهر أو بعد ابتعاده عنه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما يتوافر فيه أركان الجريمة التي دان الطاعنين بها واستند في ذلك إلى الأدلة السائغة التي أوردها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها فقال "... ولما دخل رجل القوة المنزل ضبط الكونستابل بندقية من طراز إيطالي كانت مسندة إلى أحد الجدران وتشبث بالبندقية المضبوطة صاحب المنزل وكان معه وقتئذ كامل وإسماعيل يس وعبد الحكيم عبيد وحاولوا جميعاً انتزاع البندقية وحصلت مشادة على أثرها ارتفع صياح امرأتين كانتا في المنزل فتجمع الناس أمام المنزل وحاول بعضهم اقتحامه ودفعوا بابه الذي كان قد أغلق من الداخل واختلط الحابل بالنابل وكثر تجمع الأهلين وكان من بينهم باقي المتهمين - عدا السابع وبدأ الاعتداء على الكونستابل والعسكري عبد الحليم رزق بداخل المنزل والاستيلاء على بندقيتهما بعد الاستيلاء على البندقية المضبوطة وخرج خلال ذلك المتهم الرابع عبد الحليم عبيد على جمهرة من الناس المجتمعين مهدداً متوعداً بصوت مسموع بأن رجال البوليس لا يمضي عليهم يومهم إذ قال بصوت جمهوري محرضاً الحاضرين على الاعتداء "والله ما هو فايت عليهم نهار ولاد الكلب دول" وفي هذه الأثناء كان الاعتداء يقع على الكونستابل والعسكري عبد الحليم رزق داخل المنزل وكان يقع على العسكري محمود عبد الباسط الذي كان على جسر الطراد على بعد بضعة أمتار من منزل محمد أحمد إبراهيم فتحول الغرض من التجمهر بعد ذلك وبعد أن أصيب أحد الأهلين وهو محمد عبد الغني من عيار ناري لم يكشف التحقيق عن مطلقه - تحول من تجمع قد يكون قد قصد به كشف حقيقة ما كان يجري في المنزل واستطلاع الخبر إلى تجمهر قوامه جمع غفير من الأهلين المسلحين بالعصا الغليظة - قصد منه الاعتداء على رجال البوليس وأصبح أمره معروفاً للجميع بعد أن أعلنه إليهم المتهم الرابع بأعلى صوته وبعد أن شاهدوا الاعتداء بأعينهم يقع على رجال البوليس في ذات مكان التجمهر - ولم يبتعد المتهمون عدا السابع وهم الذين اشتركوا في التجمهر بعد أن أيقنوا من الغرض منه وعلموه وشاهدوا بأنفسهم الاعتداء بل واشتركوا في ارتكاب بعض الجرائم التي وقعت تنفيذاً للغرض منه - فقد بدأ الاعتداء على الكونستابل والعسكري عبد الحليم رزق من المتهمين الأربعة الأول الذين قاوموهما وانتزعوا سلاحهما واعتدوا عليهما بالضرب ولم يبرحوا مكان التجمهر حتى قتل مجهولون من بين المتجمهرين الكونستابل عمداً إذ أوسعوه ضرباً بأجسام راضة كالعصا الغليظة قاصدين قتله فأصابوه في رأسه وصدره وظهره ويده وساعديه وتوفي على الأثر بسبب كسور في الجمجمة وتهتك في المخ ونزيفه" - ولما كان يبين مما أورده الحكم مما تقدم أنه أثبت على الطاعنين وجودهم في محل الحادث واشتراكهم في التجمهر أو العصبة التي توافقت على التعدي على رجال البوليس بعد علمهم بالغرض الإجرامي المقصود منه - كما أثبت عليهم أنهم لم يبتعدوا عن محل الحادث إلى أن وقعت بعض الجرائم تنفيذاً لهذا الغرض - الأمر الذي يتحقق به أركان جريمة التجمهر التي دين الطاعنون بها دون حاجة إلى استظهار كل ركن من هذه الأركان على حدة - لما كان ما تقدم فإن الحكم يكون صحيحاً في القانون ويكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب إذ استندت المحكمة في القول بتوفر نية القتل إلى أدلة لا يمكن أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها والقدر المتيقن الذي يمكن الاطمئنان إليه في خصوص هذه الدعوى وهو أن بعض الضاربين ممن اشتركوا في التجمهر قد أحدثوا بالمجني عليه إصابات لم يقصدوا منها قتله ولكنها أفضت إلى موته الأمر الذي يقع تحت طائلة المادة 236 من قانون العقوبات - ولا يمكن أن يرد على ذلك بأن لا جدوى للطاعن من المجادلة في وصف التهمة ما دامت العقوبة المقضي بها تدخل في نطاق العقوبة المقررة للمادة 236 سالفة الذكر ذلك لأن محكمة الجنايات قد رأت استعمال الرأفة مع المتهمين للأسباب التي ذكرتها في حكمها والتي لا يعقل معها أن تقضي عليهم بأقصى العقوبة لو اهتدت إلى الوصف الصحيح للجريمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد تحدث عن نية القتل واستظهرها من ظروف الواقعة في قوله "وحيث إن نية قتل الكونستابل فهمي قطب مستفادة من استعمال الجناة آلات راضة غليظة في الاعتداء وهي قاتلة ومن تكرار الضرب بشدة وتسديد الضربات إلى مواضع قاتلة من جسمه وهي الرأس والوجه والصدر ولم يزالوا به حتى تركوه جثة هامدة مصاباً بالإصابات العديدة الجسيمة وبالكسور المختلفة السابق وصفها بتقرير الصفة التشريحية" - ولما كان ما قاله الحكم من ذلك وأسس عليه اقتناع المحكمة بقيام نية القتل لدى المتهم كافياً في العقل للاستدلال به على ثبوتها - فضلاً عن أنه لا جدوى للطاعن من القول بأن الوصف الصحيح للفعل الجنائي هو مجرد "ضرب أفضى إلى الموت" لأن العقوبة المقضي بها عليهم مقررة في القانون لهذه الجريمة ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد طبقت المادة 17 من قانون العقوبات في حقهم إذ أن تقدير ظروف الرأفة إنما يكون بالنسبة إلى الواقعة الجنائية التي ثبت لدى المحكمة وقوعها لا بالنسبة إلى وصفها القانوني ولو أنها رأت أن تلك الظروف كانت تقتضي منها النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك اعتبارها الطاعنين مسئولين عن جناية القتل العمد - فهي إذ لم تفعل ذلك تكون قد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها مع الواقعة التي أثبتها - لما كان ما تقدم فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.