مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 337

(45)
جلسة 24 من ديسمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر - المستشارين.

القضية رقم 1614 لسنة 8 القضائية

( أ ) موظف "انتهاء الخدمة. استقالة تيسيرية". مهندس.
القانون رقم 120 لسنة 1960 - الهدف من إصداره - اعتزال الخدمة طبقاً له في حقيقته استقالة - ثمة اعتبارات من المصلحة العامة ترد على حق الموظف في اعتزال الخدمة طبقاً لهذا القانون. تعطيل استعمال هذا الحق بالنسبة إلى طائفة المهندسين.
(ب) تكليف "تكليف المهندسين". موظف. "انتهاء الخدمة. استقالة".
القانون رقم 296 لسنة 1956 بتكليف المهندسين - سريان مواده الثلاثة الأولى الخاصة بالتكليف على خريجي كليات الهندسة في الجامعات المصرية - لا يؤدي إلى عدم سريان حكم مادته الخامسة الخاصة بمنع الاستقالة على من يعد مهندساً بالتطبيق لأحكام قانون نقابة المهن الهندسية رقم 89 لسنة 1946 وإن لم يكن من خريجي كليات الهندسة في الجامعات المذكورة.
1 - أن القانون رقم 120 لسنة 1960 نص في مادته الأولى على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاثة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوي معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز هذا الضم سن الستين على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة، وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا تتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة" وإذا كان المشرع قد هدف أصلاً من إصدار هذا القانون إلى علاج وضع الموظفين الشاغلين درجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية قدر المستطاع بما يجعل من المصلحة العامة إجابة هؤلاء إلى طلباتهم بترك الخدمة وفق الشروط والأوضاع التي نص عليها، إلا أن اعتزال الخدمة طبقاً للقانون المذكور لا يعدو أن يكون في حقيقته استقالة من الخدمة وإذا كان الأصل في الاستقالة أنها حق للموظف يباشره متى شاء إلا أن ثمة اعتبارات أخرى تتعلق بالمصلحة العامة ترد على استعمال هذا الحق لأن الموظف العام إنما يعمل في خدمة المجموع ومن أجل ذلك حرص المشرع عند تنظيم أوضاع الاستقالة وأحكامها على أن يوفق بين حرية الموظف في ترك العمل وبين حق الجماعة في الحصول على الخدمة التي يؤديها ضماناً لحسن سير المرافق العامة بانتظام وإطراد فجعل قبول الاستقالة رهيناً بمشيئة الجهة الإدارية التي لها أن ترفضها أو تقبلها صراحة أو ضمناً بتعبير إيجابي أو سلبي وأوجب على الموظف أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ إليه قرار قبول الاستقالة أو إلى أن ينقضي الميعاد الذي تعتبر بمضيه مقبولة حكماً، بحيث لا تنتهي خدمة الموظف إلا عندئذ، وقد رأى لمصلحة عامة عليا بالنسبة إلى طائفة المهندسين تعطيل استعمال هذا الحق تعطيلاً نهائياً من شأنه عدم الاعتداد بالاستقالة التي يقدمها أفراد هذه الطائفة من موظفي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها واعتبر هذه الاستقالة كأن لم تكن سواء كانت صريحة أو ضمنية إذ نص في المادة الخامسة من القانون 296 لسنة 1956 على أن "يحظر على مهندسي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم، ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه، وذلك فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية فإنها تعتبر كأن لم تكن" وقد أبرزت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور الأسباب التي تبرر تقرير الحكم المتقدم إذ جاء بها "كان من آثار نهضتنا الإصلاحية أن زادت المشروعات الإنتاجية في البلاد زيادة كبيرة مضطردة مما استلزم زيادة عدد المهندسين لتنفيذ هذه المشروعات وقد لوحظ أن عدداً كبيراً منهم في الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة قد رغبوا في التخلي عن وظائفهم مؤثرين العمل في المشروعات الخاصة والأعمال الحرة - ولما كان في ذلك تعرض المشروعات الحكومية لخطر التوقف وتعويق سير الجهاز الحكومي بوجه عام فقد صدر ناهياً مهندسي الوزارات والهيئات الحكومية من الدرجة الثالثة فما دونها عن الامتناع عن تأدية الأعمال التي يعهد إليهم بها، ولو كان ذلك عن طريق الاستقالة إلا إذا انتهت مدة خدمتهم ببلوغ السن القانونية أو لأسباب صحية يقرها القومسيون الطبي العام..." ويخلص مما تقدم أن مهندسي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها يحظر عليهم طلب ترك الخدمة عن طريق الاستقالة للحكمة التشريعية التي قام عليها القانون آنف الذكر سواء كان ذلك وفقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 أو القانون رقم 120 لسنة 1960 الصادر بتعديل بعض هذه الأحكام بالاستثناء منها لتعارض ذلك مع أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956.
2 - أن القانون رقم 296 لسنة 1956 قد تضمنت نصوصه أمرين أولهما تكليف المهندسين خريجي كليات الهندسة في الجامعات المصرية العمل بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة حسبما تدعو إليه حاجة العمل وهو ما نظمته المواد الثلاث الأولى من هذا القانون والثاني حظر الامتناع عن العمل ومنع الاستقالة من الخدمة ويسري هذا الحكم العام على جميع المهندسين من الدرجة الثالثة فما دونها بالجهات المشار إليها سواء منهم من تخرج في الجامعات المصرية أو في غيرها طالما أنهم يحملون لقب المهندس فضلاً عن أنه طبقاً للفقرة "ج" من المادة الثالثة من قانون نقابة المهن الهندسية رقم 89 لسنة 1946 يعد المهندس المساعد - مثل الحاصل على دبلوم الفنون والصناعات ودبلوم مدرسة الفنون الجميلة - مهندساً "إذا مارس مدة عشر سنوات على الأقل بعد تخرجه أعمالاً هندسية يعتبرها وزير الأشغال العمومية بعد أخذ رأي مجلس النقابة كافية لمنحه لقب مهندس".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 22 من مايو سنة 1962 وقد تقدم المدعي في 12 من يوليه سنة 1962 - أي خلال ستين يوماً من تاريخ صدوره إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية العليا بالطلب رقم 363 لسنة 8 القضائية لإعفائه من رسوم الطعن في هذا الحكم، فقررت اللجنة بجلستها المنعقدة في 28 من يوليه سنة 1962 قبول هذا الطلب وعليه أقام المدعي الطعن الحالي بإيداع تقريره قلم كتاب المحكمة في 25 من سبتمبر سنة 1962 أي في ميعاد الستين يوماً التالية - ومن ثم يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في خصوص أثر طلب المساعدة القضائية القاطع لميعاد رفع الطعن أمامها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق في أن المدعي أقام الدعوى رقم 819 لسنة 8 القضائية ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية بصحيفة أودعها قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بالهيئة العامة لشئون السكك الحديدية في 10 من مايو سنة 1961 وذلك بناء على قرار إعفاء من الرسوم القضائية صادر له من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة بجلسة 8 من أبريل سنة 1961 في الطلب رقم 159 لسنة 8 القضائية المقدم منه في 10 من نوفمبر وطلب الحكم "بأحقيته في ترك الخدمة بالهيئة العامة لشئون السكك الحديدية وبتسوية معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش على أن يمنح علاوتين من علاوات درجته وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقال بياناً لدعواه أنه قام بتقديم طلب إلى السيد مدير عام الهيئة المدعى عليها في 31 من يونيه سنة 1960 يلتمس فيه الموافقة على اعتزاله الخدمة بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة في الإقليم الجنوبي وبعرض الأمر على السيد المدير العام قرر في 4 من يوليه سنة 1960 أن العمل بالقانون المذكور قد انتهى بالنسبة إلى السكك الحديدية اعتباراً من 30 من يونيه سنة 1960، مع أن المدعي سبق أن قدم طلبه في 21 من يونيه سنة 1960، ولذلك فإن القرار المذكور يكون قد وقع مخالفاً للقانون وكان يتعين على الهيئة أن تجيبه إلى طلبه هذا ولكنها لم تفعل، الأمر الذي اضطره إلى إقامة دعواه الراهنة وقد ذكرت الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية في ردها على الدعوى أن طلبات اعتزال الخدمة المقدمة من الموظفين - ومنها طلب المدعي - قد وردت إليها يوم 7 من يوليه سنة 1960 وبعرض الموضوع على السيد المدير العام للهيئة قرر في 4 من يوليه سنة 1960 أنه قد "انتهى العمل بالقانون رقم 129 لسنة 1960 فيما يختص بالسكك الحديدية من 30 من يونيه سنة 1960 فلا محل للنظر الآن في طلبات الاستقالة التي تقدم على أساسه" وأضافت الهيئة أن المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكاليف للمهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية تنص على أن استقالات المهندسين من الدرجة الثالثة فما دونها سواء أكانت صريحة أم ضمنية تعتبر كأن لم تكن، وأن ديوان الموظفين قد أبدى في كتابه رقم 181/ 1/ 34 م المؤرخ 19 من يوليه سنة 1960 أنه لا يجوز قبول اعتزال الخدمة للمهندسين بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 لتعارض ذلك مع القانون رقم 296 لسنة 1956 المشار إليه. وانتهت الهيئة إلى طلب الحكم برفض الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات. وبجلسة 22 من مايو سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية برفض الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات، وبنت قضاءها على أن المشرع قد ترك للجهة الإدارية سلطة تقديرية في قبول أو رفض الطلبات التي يقدمها الموظفون باعتزال الخدمة والانتفاع بالمزايا التي قررها القانون رقم 120 لسنة 1960 وفقاً لمقتضيات الصالح العام بلا معقب عليها في ذلك ما دام قرارها قد جاء خالياً من إساءة استعمال السلطة ومن ثم فلا تثريب على الجهة الإدارية إن هي أعملت سلطتها التقديرية ورأت أن المصلحة العامة تقتضي عدم الموافقة على طلب المدعي اعتزاله الخدمة طبقاً لأحكام هذا القانون مستندة في ذلك سواء إلى أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 التي تحظر على مهندسي الوزارات والمؤسسات العامة الاستقالة أو إلى غير ذلك من الأسباب ما دام لم يقم دليل من الأوراق على أن الإدارة قد أساءت استعمال سلطتها في هذا الخصوص.
ومن حيث إن طعن المدعي يقوم على أنه قد اكتسب الحق في الإفادة من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 طالما أنه تقدم إلى الهيئة العامة التابع لها بطلب اعتزاله الخدمة في 21 من يونيه سنة 1960 أي قبل أول يوليه سنة 1960 أو أنه يجب ألا يضار الموظف من تراخي الجهة الإدارية في عرض طلبه الذي لم يكن ثمة مانع قانوني من قبوله حتى بعد هذا التاريخ. وأضاف الطاعن أن نص المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 لا يسري في حقه لأنه ليس بمهندس، إذ يحمل دبلوم الفنون والصناعات ولذلك وضع بالكادر الفني المتوسط وهذا الدبلوم لا يخول صاحبه سوى الحصول على لقب مساعد مهندس، وإذ كانت بعض الجهات قد جرت على تلقيب حملة الدبلوم المذكور بمهندسين كتقدير أدبي فإنه ليس معنى ذلك اعتبارهم مهندسين وفق أحكام قانون المهن الهندسية هذا فضلاً عن أن القانون المشار إليه لا يطبق إلا في شأن المهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية وهم خريجو كليات الهندسة بالجامعات دون غيرهم وذلك حسبما أكدته المذكرة الإيضاحية لهذا القانون، وواقع الأمر أن حملة دبلوم الفنون والصناعات ليسوا من خريجي الجامعات ولذلك لا تسري أحكام القانون المذكور في حالة الطاعن. أما من ناحية مقتضيات الصالح العام في مدى الحاجة إلى خدماته فإن السيد المفتش العام للهندسة الميكانيكية والكهربائية بالهيئة باعتباره الرئيس المسئول بل والمباشر له والذي يعلم تمام العلم مدى حاجة العمل إليه، قد وافق في 28 من يونيه سنة 1960 على طلب اعتزاله الخدمة، وطلب رفع الأمر إلى السيد المدير العام لإصدار القرار اللازم لإحالته إلى المعاش، ومن ثم يتبين أنه ما كان ثمة أي مانع يحول دون قبول طلب الطاعن سواء من الناحية الموضوعية أو القانونية بيد أن المسئولين لم يعرضوا الأمر على السيد المدير العام في حينه بل عرضوه عليه متأخراً في 4 من يوليه سنة 1960 فما كان منه إلا أن أصدر قراره المطعون فيه، بأن قد انتهى العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وأنه ولا محل إذن للنظر في طلبات الاستقالة التي تقدم على أساسه وعلى هذا فليس صحيحاً ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية في حكمها المطعون فيه من أن الجهة الإدارية التابع لها الطاعن قد أعملت سلطتها التقديرية فيما انتهت إليه من رفض طلبه وأن رائدها في ذلك كان الصالح العام.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن المنازعة الراهنة إنما تنحصر الآن فيما إذا كان للمدعي الحق في الإفادة من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما قرره من مزايا أم أنه يحول دون ذلك ما نصت عليه المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956.
ومن حيث إن القانون 120 لسنة 1960 نص في مادته الأولى على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاثة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوي معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز هذا الضم سن الستين على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37 سنة ونصف سنة، وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا تتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة". وإذ كان المشرع قد هدف أصلاً من إصدار هذا القانون إلى علاج وضع الموظفين الشاغلين درجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية قدر المستطاع بما يجعل من المصلحة العامة إجابة هؤلاء إلى طلباتهم بترك الخدمة وفق الشروط والأوضاع التي نص عليها، إلا أن اعتزال الخدمة طبقاً للقانون المذكور لا يعدو أن يكون في حقيقته استقالة من الخدمة وإذا كان الأصل في الاستقالة أنها حق للموظف يباشره متى شاء إلا أن ثمة اعتبارات أخرى تتعلق بالمصلحة العامة ترد على استعمال هذا الحق، لأن الموظف العام إنما يعمل في خدمة المجموع ولذلك حرص المشرع عند تنظيم أوضاع الاستقالة وأحكامها على أن يوفق بين حرية الموظف في ترك العمل وبين حق الجماعة في الحصول على الخدمة العامة التي يؤديها ضماناً لحسن سير المرافق العامة بانتظام وإطراد، فجعل قبول الاستقالة رهيناً بمشيئة الجهة الإدارية التي لها أن ترفضها أو تقبلها صراحة أو ضمناً بتعبير إيجابي أو سلبي وواجب على الموظف أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ إليه قرار قبول الاستقالة أو إلى أن ينقضي الميعاد الذي تعتبر بمضيه مقبولة حكماً، بحيث لا تنتهي خدمة الموظف إلا عندئذ، وقد رأى لمصلحة عامة عليا - بالنسبة إلى طائفة المهندسين - تعطيل استعمال هذا الحق تعطيلاً نهائياً من شأنه عدم الاعتداد بالاستقالة التي يقدمها أفراد هذه الطائفة من موظفي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها واعتبر هذه الاستقالة كأن لم تكن سواء كانت صريحة أو ضمنية إذ نص في المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 على أن "يحظر على مهندسي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم، ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه، وذلك فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية فإنها تعتبر كأن لم تكن" وقد أبرزت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور الأسباب التي تبرر تقرير الحكم المتقدم إذ جاء بها: كان من آثار نهضتنا الإصلاحية أن زادت المشروعات الإنتاجية في البلاد زيادة كبيرة مطردة مما استلزم زيادة عدد المهندسين لتنفيذ هذه المشروعات وقد لوحظ أن عدداً كبيراً منهم في الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة قد رغبوا في التخلي عن وظائفهم مؤثرين العمل في المشروعات الخاصة والأعمال الحرة - ولما كان في ذلك تعرض المشروعات الحكومية لخطر التوقف وتعويق سير الجهاز الحكومي بوجه عام فقد صدر ناهياً مهندسي الوزارات والهيئات الحكومية من الدرجة الثالثة فما دونها عن الامتناع عن تأدية الأعمال التي يعهد إليهم بها، ولو كان ذلك عن طريق الاستقالة إلا إذا انتهت مدة خدمتهم ببلوغ السن القانونية أو لأسباب صحية يقرها القومسيون الطبي العام..." ويخلص مما تقدم أن مهندسي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها يحظر عليهم طلب ترك الخدمة عن طريق تقديم الاستقالة للحكمة التشريعية التي قام عليها القانون آنف الذكر سواء كان ذلك وفقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 أو القانون رقم 120 لسنة 1960 الصادر بتعديل بعض هذه الأحكام بالاستثناء منها لتعارض ذلك مع أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956".
ومن حيث إنه يبين من استقراء أوراق ملف خدمة المدعي أنه حاصل على دبلوم مدرسة الفنون والصناعات في عام 1925 وأنه عين بوزارة الأشغال (مصلحة الورش الأميرية) في أول ديسمبر سنة 1925 في وظيفة مساعد فني في الدرجة السابعة الفنية المتوسطة ثم وقع عليه اختيار وزارة المعارف العمومية في عام 1926 لإيفاده في بعثة إلى انجلترا لحساب مصلحة السكك الحديدية وعند عودته من البعثة التحق بخدمة المصلحة المذكورة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1929 في وظيفة ملاحظ وابورات بقسم هندسة الوابورات ثم رقي إلى الدرجة الخامسة من 29 من يناير سنة 1949 وقد حصل على لقب مهندس في عام 1952 من نقابة المهن الهندسية، ومنح بدل التخصص المقرر للمهندسين اعتباراً من شهر يناير سنة 1952 (المرفق رقم 404 من ملف خدمته)، ثم رقي وهو مهندس صيانة بالهندسة الميكانيكية والكهربائية بالمصلحة - إلى الدرجة الرابعة الشخصية اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1953 وقد طلب السيد مفتش أقسام الصيانة والتشغيل التابع له المدعي - في 18 من يوليه سنة 1961 مد خدمته خمس سنوات تتجدد سنوياً نظراً للحاجة إلى خدماته لسابق خبرته في أعمال الأعطال والحوادث ولاسيما أن حالته الصحية تسمح بذلك، فلم توافق الهيئة على هذا المد اكتفاء ببقائه في الخدمة لمدة ثلاثة أشهر بعد بلوغه سن الستين لتسليم ما في عهدته.
ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن المدعي - وقت تقديمه طلب اعتزاله الخدمة في 21 من يونيه سنة 1960 - كان في عداد المهندسين الحاصلين على لقب مهندس بالتطبيق لأحكام قانون نقابة المهن الهندسية رقم 89 لسنة 1946 وهم الذين يسري في حقهم حكم المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 المشار إليه، ومن ثم يمتنع عليه قانوناً طلب الاستقالة من خدمة الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية ويعتبر الطلب المقدم منه في هذا الشأن في غير محله وكأن لم يكن وعلى ذلك فإن تصرف الهيئة بعدم قبول طلبه هذا يكون متفقاً مع الفهم الصحيح لحكم القانون.
ومن حيث إنه لا وجه لاحتجاج المدعي بعدم سريان حكم القانون رقم 296 لسنة 1956 على حالته، بمقولة أن هذا القانون وما تضمنه من أحكام إنما يسري فقط على خريجي الجامعات المصرية دون من سواهم في حين أنه خريج مدرسة الفنون والصناعات، وأن الدبلوم الحاصل عليه لا يمنحه سوى لقب مساعد مهندس - لا وجه لذلك إذ أن القانون المذكور قد تضمنت نصوصه أمرين أولهما تكليف المهندسين خريجي كليات الهندسة في الجامعات المصرية العمل بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة حسبما تدعو إليه حاجة العمل وهو ما نظمته المواد الثلاث من هذا القانون والثاني حظر الامتناع عن العمل ومنع الاستقالة من الخدمة ويسري هذا الحكم العام على جميع المهندسين من الدرجة الثالثة فما دونها بالجهات المشار إليها سواء منهم من تخرج في الجامعات المصرية أو في غيرها طالما أنهم يحملون لقب المهندس فضلاً عن أنه طبقاً للفقرة "ج" من المادة الثالثة من قانون نقابة المهن الهندسية رقم 89 لسنة 1946 يعد المهندس المساعد مثل الحاصل على دبلوم الفنون والصناعات ودبلوم مدرسة الفنون الجميلة - مهندساً "إذا مارس مدة عشر سنوات على الأقل بعد تخرجه أعمالاً هندسية يعتبرها وزير الأشغال العمومية بعد أخذ رأي مجلس النقابة كافية لمنحه لقب مهندس". والثابت أن المدعي قد حصل فعلاً على هذا اللقب في عام 1952 بالتطبيق لأحكام هذا القانون واعتباراً من هذا التاريخ أصبح داخلاً في عداد المهندسين الذين يسري عليهم حكم المادة الخامسة سالفة الذكر.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى المدعي، استناداً إلى ما تقضي به المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 يكون قد أصاب الحق وصادف الصواب فيما انتهى إليه وطبق القانون سليماً ومن ثم يكون طعن المدعي في هذا الحكم غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه وإلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بمصروفاته.