مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 346

(46)
جلسة 30 من ديسمبر سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي - المستشارين.

القضية رقم 1206 لسنة 8 القضائية

مسئولية. مسئولية أمناء المخازن وأرباب العهد. لائحة المخازن والمشتريات. مسئولية أمناء المخازن وأرباب العهد عن فقد الأشياء المعهود بها إليهم أو تلفها - بيان أحكام لائحة المخازن والمشتريات في هذا الشأن - دفع هذه المسئولية برد السبب في الفقد أو التلف إلى قوة قاهرة.
أن لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنه 1948 قد نظمت الإجراءات التي تتبع في حاله فقد أو تلف أو اختلاس الأصناف في المواد 339 وما بعدها، ومن ذلك ما نصت عليه المادتان 342، 343 - من أن الأصناف التي تفقد أو تتلف بسبب الإهمال أو سوء الاستعمال يحصل ثمنها الأصلي أو سعرها في السوق وقت الفقد أو التلف أيهما أكثر مضافاً إليه 10% مصاريف إدارية - والمادة 346 - من أن رئيس المصلحة هو المختص بتحصيل الثمن من المسئول - وأن المادة 349 قد رسمت حدود المسئولية الإدارية في هذا المجال إذ نصت على أن الأصناف المفقودة أو التالفة لا تخصم قيمتها على جانب الحكومة إلا إذا ثبت أن فقدها أو تلفها نشأ عن سرقة بإكراه أو بالسطو أو عن حريق أو سقوط مبان أو عوارض خارجة عن إرادة أو مراقبة صاحب العهدة. أما الأصناف التي تفقد أو تتلف بسبب سرقة أو حريق أو أي حادث آخر كان في الإمكان منعه فيسأل عنها من كانت في عهدته تلك الأصناف حين حصول السرقة أو التلف، وأن المستفاد من هذا النص الأخير أن المسئولية في هذا المجال لا تخضع خضوعاً مطلقاً لقواعد المسئولية كما رسمها القانون المدني.. ذلك أن صاحب العهدة لا يمكنه دفع مسئوليته عن الفقد أو التلف إلا بإثبات القوة القاهرة كأن تقع سرقة بإكراه أو سطو أو حريق أو سقوط مبان أو عوارض أخرى خارجة عن إرادته ومراقبته.. أما إذا كان سبب الفقد أو التلف حريقاً أو حادثاً آخر كان في الإمكان منعه فإن ذلك لا يعفيه من المسئولية كصاحب عهدة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي السيد/ راسم مشرقي محارب أقام الدعوى رقم 528 لسنة 8 القضائية ضد وزارة الأشغال وتفتيش ري الجيزة بصحيفة أودعها سكرتارية المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 4 من يوليه سنة 1960 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر في 7 من ديسمبر سنة 1959 مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وقال - شرحاً لدعواه - أنه يعمل كاتباً بهندسة ري العياط التابعة لوزارة الأشغال ومن بين أعماله عهدة عدة مخازن، منها مخزن بلدة جرزة التي تبعد عن مدينة العياط بحوالي 30 كيلو متراً.. وفى 2 من أغسطس سنة 1959 حدثت سرقة من مخزن تلك البلدة المعين عليه خفير دائم للحراسة ليلاً ونهاراً هو السيد/ أحمد حسنين.. فأجرت نيابة العياط تحقيقاً.. وقدرت الأشياء المسروقة والعجز بمعرفة لجنة من تفتيش ري الجيزة بمبلغ 273 جنيهاً و163 مليماً في 16 من نوفمبر سنة 1959.. ثم صدر قرار في 7 من ديسمبر سنة 1959 بتحصيل هذا المبلغ مناصفة بينه وبين الخفير المذكور.. ثم قال المدعي أن هذا القرار يجافي العدالة ولا يستند على دعامة من القانون إذ أنه ليس مسئولاً عن السرقة التي حدثت بالمخزن المنوه عنه لأن المادة 163 من القانون المدني تتطلب وقوع خطأ من المسئول يترتب عليه حدوث ضرر وتتوافر فيه رابطة السببية وهذا غير متوافر في الحالة
المعروضة.. وأن المادة 349 من لائحة المخازن والمشتريات تنص أن الأصناف التي تفقد أو تتلف بسبب سرقة أو حريق أو أي حادث آخر كان في الإمكان منعه يسأل عنها من كانت في عهدته تلك الأصناف حين حصول السرقة.. والأشياء المسروقة كانت في عهدة خفير المخزن وأنه، وإن كان أميناً لهذا المخزن مع مخازن أخرى، فليس معنى هذا أنه مسئول عنها ما دام أن المخزن الذي حدثت فيه السرقة في عهدة الخفير، لا في عهدته، كما أنه بعيد عن مركز عمله بأكثر من ثلاثين كيلو متراً.. فضلاً عن أنه لا يمكن أن ينسب إليه إهمال في الجرد لأنه - كأمين للمخزن - لا يقوم بعملية الجرد على نفسه بل لا بد أن تتم بمعرفة لجنة من مهندس الري ومندوب من حسابات الهندسة.
ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن هندسة ري قبلي أبلغت في 2 من أغسطس سنة 1959 عن سرقة ألفي جوال خيش من مخزن بلدة حرزة فشكلت لجنة برئاسة أحد المهندسين وعضوية مندوب من المخازن وآخر من الحسابات لإجراء التحقيق اللازم وتحديد المسئولية طبقاً لنص الفقرة (ج) من المادة 340 من لائحة المخازن والمشتريات وقد عاينت هذه اللجنة المخزن المذكور وتبين لها الآتي:
(1) أن المخزن لا يمكن اقتحامه بالطريقة التي شرحها الخفير المعين لحراسته كما أنه لا توجد آثار لكسر الباب أو الأقفال.
(2) أن هناك أصناف كثيرة مفقودة خلاف التي ذكرها الخفير في حادث السرقة منها أصناف ثقيلة من الحديد الزهر تحتاج لنقلها إلى عربات وأنه ليس هناك أي أثر لوجود عربات.
(3) أن الخفير لا يسكن بالغرفة المخصصة له بالمخزن.
(4) أن المدعي لم يقم بزيارة المخزن ومفاجأة الخفير وجرد عهدته.
(5) لم يثبت المدعى صرف بعض الأصناف في حينه كما أنه أخطأ في إثبات مقدار ما صرف من البعض الآخر.
(6) حاول الخفير تضليل اللجنة بتقديمه قطعاً من حديد المساحة على أنه من الحديد الزهر المفقود كما قدم خوص حديد بدلاً من الزوايا مع أنه لا يجهل الفرق بين هذه وتلك.
(7) أن المدعي لا يعرف مكان كثير من الأشياء الموجودة بالمخازن ولا كيفية المحافظة عليها من التلف، بل يعتمد في كل ذلك على الخفراء كلياً وجزئياً.
وأضافت الجهة الإدارية أن اللجنة انتهت لذلك إلى أن الخفير والمدعي مسئولان عن فقد هذه الأصناف التي قدرتها بمبلغ 273 جنيهاً و163 مليماً ورأت قيامها بسداده مناصفة بينهما واقترحت نقل المدعي إلى عمل آخر بعيداً عن المخازن والأعمال المالية والحسابية لأنها لا تتناسب وعقليته لأنه مستهتر.. ثم استعرضت اللجنة عدة أمثلة على إهماله واستهتاره بلوائح المخازن.. وأضافت الجهة الإدارية أنه تأسيساً على ذلك قام تفتيش ري الجيزة بخصم المبلغ المذكور من راتبهما في حدود الربع استناداً إلى المادة الأولى من القانون رقم 111 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 324 لسنة 1956 والمواد 343، 349 من لائحة المخازن والمشتريات.. وانتهت الجهة الإدارية إلى أنه بتطبيق هذه النصوص يتضح أن قرار الخصم من مرتب المدعي قد صدر صحيحاً ومستنداً إلى ما يؤيده إذ أن واقعة فقد الأصناف من المخزن لم يكن بسبب خارجي وإنما كما سبق إيضاحه من إهمال خفير المخزن والمدعي ومخالفات الأخير المتكررة للتعليمات وأنه لو كان الفقد بسبب السرقة - كما يزعم المدعي - فإن هذه السرقة كان يمكن تلافيها لو قام هو بتدارك الأمر في الوقت المناسب وأنه لذلك تكون دعواه على غير أساس سليم وطلبت القضاء برفضها مع إلزامه بالمصروفات. وقدمت أوراق التحقيق الذي قامت به اللجنة المنوه عنها وملف تحقيق النيابة الإدارية في هذا الشأن وملف الخدمة.
وعقب المدعي على رد الحكومة بمذكرة ردد فيها ما ذكره بصحيفة الدعوى وأضاف إليه أنه لا عبرة بما قيل من أنه أهمل في الجرد لأن الجرد لا يكون بمعرفته ومع هذا فإن السرقة لم تكن نتيجة عدم الجرد بل كانت نتيجة إهمال الخفير إذ لولا إهماله لما حصلت السرقة سواء حصل الجرد أم لم يحصل بمعنى أن رابطة السببية منعدمة.
قدمت هيئه مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى انتهت فيه إلى التوصية برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات واستندت في ذلك إلى ما ذكرته الحكومة في ردها إلى نصوص لائحة المخازن والمشتريات وإلى أن هناك فرقاً بين الجرد كإجراء تفتيش تجريه الرئاسة للتحقق من سلامة العهدة، وبين واجب صاحب العهدة ذاته في المحافظة عليها ومراقبتها.
وقد عقب المدعي على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة قال فيها أن الجرد هو الرقابة وهو من اختصاص الرئاسة لأن الإنسان لا يراقب نفسه ثم أضاف أنه ليس مفتشاً حتى يمر على جميع المخازن وهي بعيدة عن مركز عمله، بل أنه لا يملك هذا المرور لأنه مكلف بأعمال يجريها في مقر عمله بمدينة العياط ولم يعهد إليه الرئيس بالمرور.
وبجلسة 5 من فبراير سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.. وأقامت قضاءها على أن الثابت من محاضر تحقيق اللجنة التي قامت بالجرد وتحقيق النيابة الإدارية أن المدعي بوصفه أميناً لمخزن حرزه قد أهمل في مراقبة عهدته ومراجعة أصنافها وعدم إثبات ما يصرف منها في حينه، الأمر الذي سهل لخفير المخزن اختلاس الأصناف التي ادعى سرقتها كما أدى إلى وجود عجز في أصناف المخازن الأخرى..
وأن لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 قد نظمت الإجراءات التي تتبع في حالة فقد أو تلف أو اختلاس الأصناف في المواد 339 وما بعدها، ومن ذلك ما نصت عليه المادتان 342، 343 من أن الأصناف التي تفقد أو تتلف بسبب الإهمال أو سوء الاستعمال يحصل ثمنها الأصلي أو سعرها في السوق وقت الفقد أو التلف أيهما أكثر مضافاً إليه 10% مصاريف إدارية - والمادة 346 - من أن رئيس المصلحة هو المختص بتحصيل الثمن من المسئول - وأن المادة 349 قد رسمت حدود المسئولية الإدارية في هذا المجال إذ نصت على أن "الأصناف المفقودة أو التالفة لا تخصم قيمتها على جانب الحكومة إلا إذا ثبت أن فقدها أو تلفها نشأ عن سرقة بإكراه أو بالسطو أو عن حريق أو سقوط مبان أو عوارض أخرى خارجة عن إرادته ومراقبته.. أما إذا كان سبب الفقد أو التلف حريقاً أو حادثاً آخر كان في الإمكان منعه فإن ذلك لا يعفيه من المسئولية كصاحب عهدة".. وأنه لما كانت الأصناف المفقودة من المخزن عهدة المدعي لم تفقد لسرقة بإكراه أو سطو وإنما فقدت بوساطة الخفير المعين لحراسة ذلك المخزن، وهي أصناف كثيرة متنوعة كما أن بعضها ثقيل الوزن مما يتعذر سرقته مرة واحدة وإنما يبدو من ظروف الحال أن الخفير استمرأ غفلة المدعي عن مراقبة عهدته فشرع يختلس على دفعات ما أختلسه من أصناف وأنه لا جدال في أنه لو كان المدعي على مستوى رفيع من اليقظة والانتباه بحيث يراقب عهدته ويتابع التفتيش على محتوياتها في كل وقت لأمكنه اكتشاف العجز ومعرفة أسبابه في وقت مناسب ولكنه لم يفعل بحجة أن المخزن بعيد عن مقر عمله وأن في عهدته مخازن أخرى وهو قول، إن صح مبرراً لتخفيف العقاب الإداري، إلا أنه لا ينهض مانعاً من التزامه بقيمة ما فقد نتيجة لإهماله في مراقبة المخزن، وردت المحكمة على ما ذكره المدعي - من عدم وجود علاقة سببية بين ما يمكن أن ينسب إليه من خطأ وبين فقد الأصناف - بأن مجرد إهماله في المحافظة على عهدته هو الذي سهل فقدها.. كما ردت على ما أثاره المدعي - من أنه غير مسئول عن الجرد - بأن هناك فارقاً واضحاً بين الجرد كإجراء تفتيش تجريه الرئاسة للتحقق من سلامة العهدة وبين واجب صاحب العهدة ذاته في المحافظة عليها ومراقبتها حتى لا تكون عرضة للتلف أو الضياع.. وانتهت المحكمة إلى أن قرار الجهة الإدارية يخصم قيمة العهدة الناقصة من راتب المدعي قد وقع مطابقاً للقانون ومن ثم تكون دعواه غير قائمة على سند سليم من القانون متعيناً رفضها.
طعن المدعي في هذا الحكم بصحيفة أودعها سكرتارية هذه المحكمة في 29 من مايو سنة 1963 طالباً القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر بتحصيل مبلغ 273 جنيهاً و163 مليماً من الطاعن ورد ما سبق خصمه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة واستند في ذلك إلى ما استند إليه في صحيفة دعواه وفي مذكراته التي قدمها للمحكمة الإدارية وأضاف إليها أن التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة والنيابة الإدارية تثبت أن الأمر لا يعدو مجرد حادث سرقة عادية دون أية مسئولية على الطاعن أو الخفير.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه على أساس قصر قرار الخصم على مبلغ 135 جنيهاً و190 مليماً.. واستندت في ذلك على أن هذا المبلغ هو الذي قدرته اللجنة بالاستمارة رقم 188 ع. ح. المحررة في 10 من أغسطس سنة 1959.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق في قضائه - بأن قرار الجهة الإدارية بخصم قيمة نصف العهدة الناقصة من راتب المدعي قد وقع مطابقاً للقانون وأن دعواه لذلك متعينة الرفض - وذلك للأسباب التي استند إليها الحكم المذكور والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها إذ يبين من اطلاع على تحقيق اللجنة، التي شكلت لبحث الموضوع وجرد المخزن المنوه عنه، وعلى تحقيقات الشرطة والنيابة الإدارية في هذا الشأن، أنه لم يسرق شيء من محتويات ذلك المخزن، لا سرقة بإكراه أو سطو، بل ولا سرقة عادية فقد ثبت من معاينة تلك اللجنة أن المخزن لا يمكن اقتحامه بالطريقة التي شرحها الخفير في بلاغه كما لم توجد به آثار لكسر الباب أو الأقفال.. وإنما الأمر لا يعدو أن الخفير المذكور قد اختلس بعض الأصناف الفاقدة وسهل له ذلك إهمال المدعي في تنفيذ ما توجبه عليه نصوص لائحة المخازن والمشتريات من المحافظة على عهدته ومراقبة الخفير المعين لحراستها ومراجعة هذه العهدة من آن لآخر وإثبات ما يصرف منها أولاً بأول على ما هو ثابت تفصيلياً بتقرير اللجنة المنوه عنها وبتحقيقات النيابة الإدارية والتي أشار إليها الحكم المطعون فيه.. يؤيد ذلك ويعززه ما أثبته تقرير السيد ضابط مباحث العياط المؤرخ 2 من أغسطس سنة 1958 المرفقة صورته بتحقيقات النيابة الإدارية - من أن تحرياته اليومية تدل على أن الخفير هو الذي اختلس الأصناف التي أبلغ عن سرقتها وأنه باع بعضها إلى أشخاص ذكرهم في تقريره.. هذا بالإضافة إلى أن الثابت من تقرير تلك اللجنة أن أصنافاً أخرى - غير تلك التي ادعى الخفير سرقتها - قد فقدت من المخزن نتيجة تقصير المدعي وخطئه في حفظها وفي إثبات صحة ما صرف منها.
ومن حيث إنه لا صحة لما ذكره المدعي - من أن التحقيقات التي أجرتها النيابة الإدارية قد أثبتت أنه والخفير غير مسئولين عن العجز الذي ظهر بالمخزن - ذلك أن الثابت من هذه التحقيقات أن النيابة الإدارية قد وجهت للمدعي تهمة الإهمال في المحافظة على عهدته وفي إحداث تغيير في تاريخ بعض الإيصالات لإبعاد مسئوليته عن تأخير تحرير إذن الصرف وفي مخالفته نصوص لائحة المخازن والمشتريات وسمعت أقواله في هذا الشأن وانتهت في مذكرتها المؤرخة في 22 من ديسمبر سنة 1960 إلى أن الثابت من الفحص والتحقيق أن راسم مشرقي محارب (المدعي) وأحمد حسنين علي (الخفير) مسئولان عن العجوزات التي وجدت في عهدة الأول خاصة بمخزن جرزه حيث إن الأول أمين المخزن الثاني كان خفيراً له.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهبت إليه هيئة مفوضي الدولة، في تقريرها عن الطعن من أنها ترى تعديل الحكم المطعون فيه على أساس قصر الخصم على نصف مبلغ 135 جنيهاً و190 مليماً الذي قدرته اللجنة بالاستمارة رقم 108 ع. ح المحررة في 10 من أغسطس سنة 1959 - لا حجة في ذلك إذ أنه يبين من الاطلاع على هذه الاستمارة أن المبلغ الذي قدر بها هو قيمة الأصناف التي أبلغ الخفير عن سرقتها فقط. والثابت من الأوراق - حسبما سبق البيان - أن هناك أصنافاً أخر قد تبين أنها فقدت من محتويات المخزن غير تلك التي أبلغ الخفير عن سرقتها. وثابت من تقرير اللجنة التي قامت بالتحقيق والجرد أن قيمة الأصناف جميعها التي فقدت من المخزن تبلغ 248 جنيهاً و330 مليماً يضاف إليه مبلغ 24 جنيهاً و33 مليماً، وهو ما يعادل 10% من تلك القيمة والتي نصت المادتان 342 و343 من لائحة المخازن والمشتريات، المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1946، على إضافته إلى قيمة الأصناف الفاقدة مقابل المصاريف الإدارية. ومجموع ذلك مبلغ 273 جنيهاً و163 مليماً وهو ما قامت الجهة الإدارية بخصمه من مرتبي المدعي والخفير مناصفة وفي حدود الربع بالتطبيق لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 111 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 324 لسنة 1956 التي تنص على أنه لا يجوز إجراء خصم أو توقيع حجز على المبالغ الواجبة الأداء من الحكومة والمصالح العامة... للموظف أو المستخدم مدنياً كان أو عسكرياً بصفة مرتب أو أجر أو راتب إضافي أو حق في صندوق ادخار أو معاش أو مكافأة أو أي رصيد من هذه المبالغ إلا فيما لا يجاوز الربع وذلك لوفاء نفقة محكوم بها من جهة الاختصاص أو لأداء ما يكون مطلوباً لهذه الجهات من الموظف أو المستخدم بسبب يتعلق بأداء وظيفته أو لاسترداد ما صرف إليه بغير وجه حق من المبالغ المذكورة أو بصفة بدل سفر أو اغتراب أو تمثيل أو ثمن عهدة شخصية.
ومن حيث إنه لذلك يكون طعن المدعي على الحكم المطعون فيه على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.