مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 369

(50)
جلسة 6 من يناير سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد وعباس فهمي محمد بدر - المستشارين.

القضية رقم 858 لسنة 10 القضائية

( أ ) عقد إداري.
القوانين واللوائح التي يتم التعاقد في ظلها تخاطب الكافة - صيرورة أحكامها جزءاً لا يتجزأ من العقد ما لم ينص صراحة فيه على استبعادها كلها أو بعضها عدا ما تعلق منها بالنظام العام.
(ب) عقد إداري. "غرامة التأخير".
توقيع الغرامة لا يكون إلا بالنسبة إلى المتعاقد الذي يتأخر في تسليم العمل في الميعاد المحدد - عدم بدء سريان هذا الميعاد لتخلف المتعاقد عن أداء التأمين النهائي وبالتالي عدم صدور أمر التشغيل إليه - لا تجوز المطالبة بتوقيع غرامة تأخير.
(جـ) عقد إداري. "مصروفات إدارية".
التنفيذ على حساب المتعاقد المتخلف عن أداء التأمين النهائي - لا يستتبع مطالبته بالمصروفات الإدارية إلا إذا ثبت أن جهة الإدارة قد تحملت خسائر أو لحقها أضرار نتيجة لتنفيذ العمل على حساب المتعاقد - مثال ذلك أن تقوم بإعادة المناقصة - اقتصار الجهة المتعاقدة على إخطار صاحب العطاء التالي بتنفيذ العملين - لا وجه للمطالبة بالمصروفات الإدارية.
1 - أن القوانين واللوائح التي يتم التعاقد عليها إنما تخاطب الكافة، وعلمهم بمحتواها مفروض، فإن أقبلوا - حال قيامها - على التعاقد مع الإدارة فالمفروض أنهم قد ارتضوا كل ما ورد بها من أحكام، وحينئذ تندمج في شروط عقودهم وتصير جزءاً لا يتجزأ منها حيث لا فكاك من الالتزام بها ما لم ينص العقد صراحة على استبعاد أحكامها كلها أو بعضها عدا ما تعلق منها بالنظام العام.. ولما كان العقد المحرر مع المدعى عليه لم ينص على استبعاد أحكام لائحة المناقصات والمزايدات أو لائحة المخازن والمشتريات فإنه يتعين تطبيق نصوص هذه اللوائح.
2 - إن غرامة التأخير التي تطالب بها المحافظة لا حق لها في المطالبة بها لأنها لم تثبت أن ثمة أضراراً لحقتها من جراء عدم قيام مورث المطعون ضدهن بأداء التأمين النهائي عدا فرق الأسعار آنف الذكر.. ولا محل لاستناد المحافظة على نص المادتين 28، 31 من العقد المحرر معه ولا الاستناد إلى المادة 93 من لائحة المناقصات والمزايدات لأن توقيع الغرامة بالتطبيق لأحكام هذه المواد، لا يكون إلا بالنسبة للمتعاقد المتراخي في تنفيذ العمل وفي تسليمه في الميعاد المحدد وطبيعي أن هذا الميعاد لا ينتهي إلا إذا بدأ وهو لا يبدأ إلا بعد قيام المتعاقد بأداء التأمين النهائي وصدور أمر التشغيل إليه وبدئه فعلاً في تنفيذ العمل.. والثابت من الأوراق أن مورث المطعون ضدهن لم يقم بأداء التأمين النهائي وبالتالي لم يصدر له أمر التشغيل ولم يبدأ في العمل.
3 - أنه من المصاريف الإدارية التي تطالب بها المحافظة المدعية فإنه يمكن القول باستحقاقها لها إذا أثبتت أنها قد تحملت خسائر أو لحقتها أضرار من جراء تنفيذ العمل على حساب مورث المطعون ضدهن كما إذا كانت قد قامت بإعادة إجراءات المناقصة من جديد. وما يقتضي ذلك من نشر جديد وتشكيل لجان لفتح المظاريف وأخرى للبت في العطاءات وما يستتبع ذلك من جهد ووقت ونفقات ما كانت لتتحملها لولا عدم قيام المتعاقد معها بأداء التأمين النهائي.. ولكن لما كانت المحافظة في الحالة الراهنة موضوع الدعوى لم تقم إلا بإخطار صاحب العطاء التالي لتنفيذ العملية ومن ثم فإنها لا تستحق المصاريف الإدارية المطالب بها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن محافظة القاهرة أقامت الدعوى رقم 452 لسنة 14 القضائية ضد السيد المهندس علي البديني بصحيفة أودعتها سكرتارية محكمة القضاء الإداري "هيئة المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية والتعويضات" في 15 من ديسمبر سنة 1959 طالبة الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 1825 جنيهاً و851 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وقالت - شرحاً لدعواها - أنه في 10 من أغسطس سنة 1957 تقدم المدعى عليه بعطاء لعمل تكسبه من الدبش (تبنى بمونة أسمنت ورمل) لترعة الخليج والترعة الجانبية لطريق المعاهدة بسعر المتر المكعب 750 مليماً.. وأخطر بقبول عطائه في حدود 3000 جنيه وطلب إليه دفع التأمين النهائي خلال عشرة أيام واستعجل أكثر من مرة.. ولما لم يحضر اضطرت المحافظة لقبول العطاء الذي يلي عطاءه والمقدم من السيد/ أحمد أحمد إسماعيل بسعر المتر المكعب جنيهاً واحداً و550 مليماً وقام فعلاً بتنفيذ العملية التي بلغ حجمها 2005.94 م3.. وأضافت المحافظة أنه، طبقاً للمادة 31 من العقد يحق لها مطالبة المدعى عليه بالمبالغ الآتية:
1604 جنيه و752 مليم الفرق في السعر.
60 جنيه و178 مليم غرامة تأخير بواقع 4% من قيمة العقد المبرم مع المدعى عليه.
310 جنيه و921 مليم مصاريف إدارية بواقع 10% من تكاليف الأعمال التي قام بها المقاول الجديد على حساب المدعى عليه.
1975 جنيه و851 مليم جملة المستحق.
150 جنيه قيمة التأمين الابتدائي المدفوع من المدعى عليه.
1825 جنيه و851 مليم الباقي في ذمته.
وبالرغم من إعلان المدعى عليه بصحيفة الدعوى فإنه لم يحضر ولم يقدم دفاعه.. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى ساندت فيه المحافظة في طلباتها.
وبجلسة 29 من أبريل سنة 1962 قضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة لوفاة المدعى عليه.
وبصحيفة أودعت في 12 من مارس سنة 1963 عجلت المحافظة الدعوى في مواجهة الورثة وهم: السيدة كاميليا علي البديني عن نفسها وبصفتها وصية على أختها القاصر رجاء، 2 - السيدة خيرية إبراهيم رشدي.. وطلبت الحكم بإلزامهن بأن يدفعن من تركة مورثهن المبالغ المرفوع بها الدعوى.
وبجلسة 2 من فبراير سنة 1964 قضت المحكمة بإلزام المدعى عليهن بأن يدفعن من تركة مورثهن إلى المحافظة مبلغ 1454 جنيهاً و752 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ الحكم حتى تمام الوفاء والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من طلبات.. وأقامت قضاءها بعد أن استعرضت نصوص المواد 14، 27، 18، 31 من العقد المبرم مع المورث - على أن شروط المناقصة التي رست على المورث المذكور لم تتضمن أية إشارة إلى التزام المتناقضين بأحكام لائحة المخازن والمشتريات أو غيرها من الأحكام التي تعطي جهة الإدارة حق الخيار - في حالة التخلف عن دفع التأمين النهائي في الميعاد - بين سحب قبول العطاء ومصادرة التأمين وبين التمسك بالعقد وتنفيذه على حساب الراسي عليه العطاء مع الأحقية في المطالبة بالتعويض عن جميع الأضرار المباشرة التي تترتب على عدم التنفيذ.. وأنه لذلك يتعين تطبيق أحكام المادة 14 من العقد.. وهذه المادة قد خولت المحافظة حق مصادرة التأمين المؤقت والمطالبة بالتعويض نظير الأضرار التي ترتبت على عجز المقاول عن دفع التأمين النهائي. وأنه لما كانت المحافظة قد تحملت أضراراً تتمثل في الفرق بين قيمة العملية حسب الاتفاق الذي تم مع مورث المدعى عليهن، ومقدار هذه القيمة مبلغ 1504 جنيهاً و455 مليماً وبين القيمة التي نفذت بها فعلاً، ومقدارها 3109 جنيهاً و207 مليماً، فيكون الفرق مبلغ 1604 جنيهاً و752 مليماً يخصم منه قيمة التأمين المؤقت، ومقدار مبلغ 150 جنيهاً، باعتباره بمثابة تعويض اتفاقي سابق فيكون الباقي مبلغ 1454 جنيهاً و752 مليماً وهو مما يحق للمدعية المطالبة به كتعويض لجبر ما أصابها من أضرار ولا حق لها في المطالبة بغرامة التأخير والمصاريف الإدارية وإذ ليس من حق المحافظة أن تطبق على مورث المدعى عليهن حكم المادتين 27، 31 من العقد لأن حقها في الشراء على الحساب وفي توقيع الغرامة وتحصيل المصاريف الإدارية لا يكون إلا بالنسبة للمتعاقد المتأخر في التنفيذ وأن التأخير في التنفيذ لا يتحقق إلا إذا انقضت المدة المحددة في العقد دون أن يقوم المتعاقد بكل أو بعض ما التزم به وبديهي أن المدة لا تنتهي إلا إذا بدأت وهي لا تبدأ إلا من تاريخ أمر التوريد أو تسليم الموقع، ولو حكماً، وأنه لما كانت المادة 27 من العقد قد حددت المدة اللازمة لنهو العمل بثلاثة أشهر من تاريخ صدور أول أمر كتابي إلى المقاول بالبدء فيه وأن الثابت من المكاتبات المرسلة إليه أن المحافظة لم تطلب منه البدء في العمل في تاريخ معين وإنما اقتصرت على إخطاره بقبول عطائه وعلى طلب سداد التأمين النهائي والإفادة عن اسم المهندس الذي عينه لتنفيذ العملية والحضور للتوقيع على العقد فلا يمكن القول بأن العقد قد بدئ في تنفيذه.. وأقامت قضاءها - بالفوائد من تاريخ الحكم - على أن المبلغ المستحق للمحافظة لا يخرج عن كونه تعويضاً عما وقع من مورث المدعى عليهن من خطأ، وهو تعويض خاضع لتقدير المحكمة، ومن ثم فإنه لم يكن معلوم المقدار وقت الطلب بل أصبح معلوماً على وجه اليقين من تاريخ الحكم به.
طعنت المحافظة في هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة في أول أبريل سنة 1964 طالبة القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى الحكم بإلزام المطعون ضدهن بأن يدفعن من تركة مورثهن المرحوم علي البديني إلى الطاعن بصفته مبلغ 1825 جنيهاً و851 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وبنت طعنها على الأسباب الآتية:
أولاً - أن السبب في عدم إصدار أمر البدء في التنفيذ يرجع إلى المورث إذ أنه لم يقم بسداد التأمين في الميعاد المحدد بالعقد رغم إنذاره مراراً مما اضطر المحافظة إلى التعاقد مع المقاول أحمد أحمد إسماعيل لتنفيذ العملية على حسابه ومن ثم فإن المورث هو المتسبب في تأخر تنفيذ المشروع بأكمله وبذلك يلتزم بغرامات التأخير المقررة.
ثانياً - أن لائحة المخازن والمشتريات واجبة التنفيذ بذاتها على كافة العقود الإدارية باعتبارها قانون العقد سواء ورد ذكرها في العقد أم لم يرد وقد نص البند الثلاثون منها على حق الحكومة في الشراء على حساب صاحب العطاء الذي لم يودع التأمين النهائي مع مطالبته بالتعويضات وخصمها من أية مبالغ تكون مستحقة أو تستحق للمتعهد لأي سبب كان. ويتمثل التعويض في فرق السعر وغرامة التأخير والمصاريف الإدارية.
ثالثاً - أن حق المحافظة في كامل التعويض ثابت أيضاً بنص المادة 31 من العقد التي توجب على المقاول في حالة سحب العمل أو جزء منه أن يعوض المصلحة عن كل الخسائر التي تلحقها بسبب ذلك وكل النفقات التي تتكبدها في هذا السبيل زيادة في قيمة العقد بما في ذلك المصاريف الإدارية.. وقد سحب العمل من المورث نتيجة مخالفته لأحكام المادة 14 من العقد ومن ثم وطبقاً لنص المادة 31 سالفة الذكر يكون للمحافظة الحق في التعويض الكامل الذي يتضمن فرق السعر والغرامة والمصاريف الإدارية.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى - بعد تكليف المحافظة الطاعنة بتصحيح شكل الدعوى على النحو الموضح بأسباب التقرير - الحكم بقبول الطعن شكلاً في الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والحكم بإلزام المطعون ضدهن بأن يدفعن إلى المحافظة الطاعنة من تركة مورثهن المرحوم البديني مبلغ 1484 جنيهاً و841 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 15 من ديسمبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء والمصاريف المناسبة به ورفض ما زاد على ذلك من طلبات.. وأوضحت الهيئة أن هذا المبلغ يتمثل في الآتي:
(1) 1454جنيه و752 مليم قيمة فروق الأسعار منقوصاً منها مبلغ التأمين.. وأن الحكم المطعون فيه قد قضى بأحقية المحافظة وصار قضاؤها نهائياً..
(2) 30 جنيه و089 مليم قيمة غرامة التأخير بواقع 2% من قيمة ختامي الأعمال المنفذة وفقاً لأسعار مورث المطعون ضدهن، ومقدارها 1504 جنيهاً و455 مليماً، وقالت هيئة المفوضين أنه - ولئن كانت غرامة التأخير تستحق على المورث لأن تراخيه عن سداد التأمين كان سبباً في تراخي البدء في التنفيذ وبالتالي في تأخير تنفيذ العمل عن الأجل المضروب - إلا أنه ما كان يجوز للمحافظة أن تستمر في سكوتها عن اتخاذ إجراءات التنفيذ على حساب المورث بعد أن انقضى الأجل المحدد لسداد التأمين النهائي في 10 من أكتوبر سنة 1957 وبالتالي فلا يسوغ لها مطالبته بغرامات التأخير عن كل المدة التي تراخى فيها تنفيذ العقد بل يقتصر حقها في فرض هذه الغرامة على المدة المعقولة التي يتسنى لها فيها إيجاد إجراءات التعاقد مع صاحب العطاء التالي وأن هذه المدة تتحدد بأسبوعين.. أما المصاريف الإدارية فلم تر الهيئة وجهاً لاستحقاق المحافظة فيها واستندت في ذلك على أنه - وإن كانت لائحة المخازن والمشتريات قد قضت في البند 53 من المادة 137 بأحقية الجهة الإدارية في هذه المصاريف حال قيامها بتنفيذ العقد على حساب المتعهد المقصر - إلا أنها إنما وضعت في الاعتبار أن تكون الإدارة قد قامت بإعادة إجراءات المناقصة من جديد وما يقتضي ذلك من نشر جديد عنها وتشكيل لجان لفتح المظاريف وأخرى للبت في العطاءات وما يستتبع ذلك من جهد ووقت ونفقات منظورة وغير منظورة ما كانت لتتحملها لولا نكول المتعاقد معها عن تنفيذ التزاماته. ولكن لما كانت المحافظة في الحالة الراهنة لم تقم إلا بمجرد إخطار صاحب العطاء التالي لتنفيذ العملية فإن ذلك يعني انتفاء سبب استحقاق هذه المصاريف.
وبصحيفة أودعت سكرتارية هذه المحكمة في 7 من أغسطس سنة 1967 صححت المحافظة شكل الطعن بتوجيهه إلى جميع ورثة المدعى عليه حيث بلغت ابنته القاصر سن الرشد.
ثم قدمت المحافظة مذكرة صممت فيها على طلباتها الواردة بصحيفة الطعن للأسانيد الموضحة بها.
ومن حيث إن المحكمة قد جانبت الصواب فيما ارتأته، بحكمها المطعون فيه، من أن لائحة المخازن والمشتريات أو غيرها من الأحكام التي تعطي جهة الإدارة حتى الخيار في حالة التخلف عن دفع التأمين النهائي في الميعاد - بين سحب قبول العطاء ومصادرة التأمين وبين التمسك بالعقد وتنفيذه على الراسي عليه العطاء - ذلك لأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القوانين واللوائح التي يتم التعاقد في ظلها إنما تخاطب الكافة، وعلمهم بمحتوياتها مفروض، فإن أقبلوا - حال قيامها - على التعاقد مع الإدارة فالمفروض أنهم قد ارتضوا كل ما ورد بها من أحكام، وحينئذ تندمج في شروط عقودهم وتصير جزءاً لا يتجزأ منها حيث لا فكاك من الالتزام بها ما لم ينص العقد صراحة على استبعاد أحكامها كلها أو بعضها عدا ما تعلق منها بالنظام العام.. ولما كان العقد المحرر مع المدعى عليه لم ينص على استبعاد أحكام لائحة المناقصات والمزايدات أو لائحة المخازن والمشتريات فإنه يتعين تطبيق نصوص هذه اللوائح.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق ومن ملف العملية التي رسا عطاؤها على مورث المطعون ضدهن أنه لم يقم بأداء التأمين النهائي المشترط دفعه بالعقد تمهيداً لإصدار أمر التشغيل إليه.. ولما كانت المادة 53 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادر بها قرار وزارة المالية والاقتصاد رقم 542 لسنة 1957 قد نصت على أنه:
"... إذا لم يقم صاحب العطاء المقبول بأداء التأمين النهائي في مدة العشرة أيام المحددة فيجوز للوزارة أو المصلحة أو السلاح بموجب إخطار بسيط بكتاب موصى عليه، ودون حاجة لاتخاذ أية إجراءات أخرى أو الالتجاء إلى القضاء أن تلغي العقد وتصادر التأمين المؤقت أو أن تنفذه كله أو بعضه على حساب صاحبه بمعرفة تلك الجهة أو بواسطة أحد مقدمي العطاءات التالية لعطائه أو بالممارسة أو بمناقصة عامة أو محلية.
"ويكون لها تبعاً لذلك، بغير حاجة إلى اتخاذ أية إجراءات أخرى أو الالتجاء إلى القضاء، في أن تخصم من أية مبالغ تكون مستحقة أو تستحق له، أياً كان سبب الاستحقاق، لدى المصلحة أو السلاح أو الوزارة ذاتها أو أية مصلحة حكومية أخرى كل خسارة تلحقها من جراء ذلك وهذا دون الإخلال بحق السلاح أو المصلحة أو الوزارة في المطالبة قضائياً بالخسائر التي لا يتيسر لها استردادها وللتعويضات عما قد يلحق بها من أضرار" وبمثل ذلك قضت لائحة المخازن والمشتريات.
فإنه تنفيذاً للفقرة الأولى من هذه المادة يحق للمحافظة المدعية أن توقع على مورث المطعون ضدهن أحد الجزاءين المنصوص عليهما بها، وهما إما إلغاء العقد ومصادرة التأمين وإما تنفيذه على حسابه بمعرفتها أو بمعرفة أحد مقدمي العطاءات التالية لعطائه أو بممارسة أو بمناقصة عامة أو محلية.. وغني عن البيان أن اختيار أحد هذين الجزاءين مما تستقل به المحافظة وفقاً لما تمليه عليه مصلحتها نحو النهوض بالمرافق العامة والسهر على حسن سيرها وإطراد نموها وتقدمها.. ولما كانت المحافظة قد اختارت الجزاء الثاني فقامت بتنفيذ العملية على حساب مورث المطعون ضدهن بواسطة المقاول صاحب العطاء التالي فيكون لها الحق، بالتطبيق لحكم الفقرة الثانية من المادة 53 آنفة الذكر، أن تطالبه بالخسائر التي تحملتها من جراء ذلك والتعويضات عما لحقها من أضرار.. ولما كانت الوزارة قد تحملت، بلا شك، خسائر وأضرار تتمثل في الفرق بين قيمة العملية حسب الاتفاق الذي تم مع مورث المطعون ضدهن وبين القيمة التي نفذت بها فعلاً ومقدار هذا الفرق 1604 جنيهاً و752 مليماً يخصم منه مبلغ المائة وخمسين جنيهاً الذي دفعه كتأمين مؤقت فيكون الباقي هو مبلغ 1454 جنيهاً و752 مليماً وهو ما يحق للمحافظة المدعية المطالبة به كتعويض لجبر ما أصابها من أضرار.
ومن حيث إنه عن غرامة التأخير التي تطالب بها المحافظة فلا حق لها في المطالبة بها لأنها لم تثبت أن ثمة أضراراً لحقتها من جراء عدم قيام مورث المطعون ضدهن بأداء التأمين النهائي عدا فرق الأسعار آنف الذكر.. ولا محل لاستناد المحافظة إلى نص المادتين 28، 31 من العقد المحرر معه ولا الاستناد إلى المادة 93 من لائحة المناقصات والمزايدات لأن توقيع الغرامة بالتطبيق لأحكام هذه المواد، لا يكون إلا بالنسبة للمتعاقد المتراخي في تنفيذ العمل وفي تسليمه في الميعاد المحدد وطبيعي أن هذا الميعاد لا ينتهي إلا إذا بدأ.. وهو لا يبدأ إلا بعد قيام المتعاقد بأداء التأمين النهائي وصدور أمر التشغيل إليه وبدئه فعلاً في تنفيذ العمل.. والثابت من الأوراق أن مورث المطعون ضدهن لم يقم بأداء التأمين النهائي وبالتالي لم يصدر له أمر التشغيل ولم يبدأ في العمل.
ومن حيث إنه عن المصاريف الإدارية التي تطالب بها المحافظة المدعية فإنه يمكن القول باستحقاقها لها إذا أثبتت أنها قد تحملت خسائر أو لحقتها أضرار من جراء تنفيذ العمل على حساب مورث المطعون ضدهن كما إذا كانت قد قامت بإعادة إجراءات المناقصة من جديد. وما يقتضي ذلك من نشر جديد وتشكيل لجان لفتح المظاريف وأخرى للبت في العطاءات وما يستتبع ذلك من جهد ووقت ونفقات ما كانت لتتحملها لولا عدم قيام المتعاقد معها بأداء التأمين النهائي.. ولكن لما كانت المحافظة في الحالة الراهنة موضوع الدعوى لم تقم إلا بإخطار صاحب العطاء التالي لتنفيذ العملية ومن ثم فإنها لا تستحق المصاريف الإدارية المطالب بها ومقدارها 310 جنيهاً و921 مليماً ولا محل كذلك للاستناد إلى نصوص العقد ولائحة المناقصات والمزايدات سالفة الذكر لأنها - حسبما تقدم مقصورة التطبيق على حالة المتعاقد الذي يتأخر عن تنفيذ العملية في المواعيد المحددة لها.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم تكون المحافظة المدعية على حق في مطالبة مورث المطعون ضدهن بمبلغ 1454 جنيهاً و752 مليماً كتعويض عن الأضرار التي لحقتها من جراء عدم قيامه بأداء التأمين النهائي، فضلاً عن فوائده بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 15 من ديسمبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء عملاً بنص المادة 226 من القانون المدني باعتبار أن محل الالتزام هو مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب - وهو فرق الأسعار - وقد امتنع مورث المطعون ضدهن عن الوفاء به دون مسوغ من القانون، وذلك على ما جرى به قضاء هذه الحكمة.. ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلزام المطعون ضدهن بأن يدفعن من تركة مورثهم المرحوم علي البديني إلى المحافظة المدعية مبلغ 1454 جنيهاً و752 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ الحكم حتى إتمام الوفاء فإنه يكون قد صادف وجه الحق في قضائه بالمبلغ المنوه عنه وإن كان قد جانب الصواب في القضاء بفوائده من تاريخ الحكم.. ومن ثم يتعين القضاء بتعديله وذلك بإلزام المطعون ضدهن بأن يدفعن من تركة مورثهن المذكور مبلغ 1454 جنيهاً و572 مليماً وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 15 من ديسمبر سنة 1959 والمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من طلبات..

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلزام المطعون ضدهن بأن يدفعن من تركة مورثهن المرحوم علي البديني لمحافظة القاهرة مبلغ 1454 جنيهاً و572 مليماً (ألف وأربعمائة وأربعة وخمسين جنيهاً مصرياً وسبعمائة واثنين وخمسين مليماً فقط) وفوائده القانونية بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 15 من ديسمبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.