أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 178

جلسة 14 من فبراير سنة 1956

برياسة السيد حسن داود - المستشار، وبحضور السادة محمود إبراهيم إسماعيل ومحمود محمد مجاهد ومحمود محمد حسنين وأحمد زكي كامل - المستشارين.

(56)
القضية رقم 1235 سنة 25 القضائية

( أ ) أسباب الإباحة وموانع العقاب. دفاع شرعي. تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالته. موضوعي.
(ب) إثبات. خبراء. تقدير تقاريرهم. متروك لكامل حرية محكمة الموضوع.
(ج) تعويض. حكم. تسبيبه. تقدير التعويض. متروك لمحكمة الموضوع بدون معقب. ذكر موجبات التقدير. غير لازم.
1 - تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالة الدفاع الشرعي أو عدم قيامها هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها.
2 - لمحكمة الموضوع بما لها من حق التقدير كامل الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه من التقارير الفنية والالتفات عما لا تطمئن إليه منها.
3 - لا يعيب الحكم أنه لم يذكر موجبات ما حكمت به المحكمة ورأته مناسباً من التعويض إذ الأمر في ذلك متروك لتقديرها بغير معقب عليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب يوسف عبد العال الطحان عمداً بأن ركله برجله في بطنه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، ولم يقصد من ذلك قتله، ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت من قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات، فقرر بذلك في 24 من ديسمبر سنة 1946 وادعى بحق مدني ورثة يوسف عبد العال الطحان المجني عليه وهم زوجته ترك حسن يوسف القداح وأولاده جمال ومحمد وعبد الحميد يوسف عبد العال الطحان عن نفسه وبصفته وصياً على إخوته القصر بكر وعبد اللطيف وسعدية وطلبوا الحكم لهم قبل المتهم بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف المدنية وأتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً - بعد الاطلاع على المواد 236/ 1 و17 و55 و56 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشعل لمدة سنة واحدة وأمرت بوقف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ اليوم مع إلزامه بأن يدفع للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة وبتاريخ 2 من مايو - طعن في هذا الحكم بطريق النقض الأستاذ عبد الحليم يوسف المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه... الخ.


المحكمة

... وحيث إن بمنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور والتخاذل والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الطاعن أبدى للمحكمة أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، إذ تماسك به المجني عليه وابنه، وكان بيد الأخير عصا هي التي أحدث بها إصابات الطاعن، فرد الحكم على هذا الدفاع رداً قاصراً. كذلك اعتمد الحكم على شهادة شاهدين من شهود الإثبات مع تأخرهما عن الإدلاء بشهادتهما إلى ما بعد الحادث بأيام، وبعد وفاة المجني عليه، ومع مناقضة أقوالهما لأقوال الشهود الذين سمعوا قبلهما على أثر الحادث، ولم يسندوا إلى الطاعن سوى تماسكه مع المجني عليه دون حصول اعتداء ما. أما الإخلال بحق الدفاع، فيقول الطاعن إنه طلب مناقشة الطبيب الشرعي وكبير الأطباء الشرعيين فيما جاء بالتقرير الطبي الاستشاري من أن المجني عليه لم يسقط عقب إصابته في بطنه، بل إنه استمر واقفاً في المعركة، ثم عاد إلى بلده سيراً على الأقدام، غير أن المحكمة لم تجب هذا الطلب، وأخيراً فإن الحكم المطعون فيه قدر تعويضاً للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ 1000 جنيه، مع أن أغلب هؤلاء المدعيين قد بلغوا سن الرشد، والمتوفى كان يشتغل في صناعة الخوص، وقد غالت المحكمة في تقدير التعويض دون أن تراعي في حسابها هذه الظروف.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية لجناية الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وتناول الحكم دفاع الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، ورد عليه فيما قاله: "إن ما يقرره المتهم اليوم بدفاعه بأنه إذا ما كان متماسكاً مع المجني عليه أثناء المشاجرة، وبفرض أن يكون قد رفسه بقدمه وقت ذلك التماسك، فإنما يكون قد اضطر إلى هذا الرفس أو ذلك الركل بالقدم، وفي هذا يكون في حالة دفاع شرعي عن نفسه، وأن ما يقرره المتهم أخيراً واحتياطياً في هذا الشأن لم يقم عليه دليل من أقوال المتهم ذاته في كل أدوار التحقيق ولا مما قرره أو شهد به شهود الإثبات سواء الذين قرروا بأنهم لم ينظروا المتهم وهو يركل المجني عليه في بطنه أو الذين رأوه وهو يضربه فقط بيديه على رأسه". ولما كان هذا الرد قد استخلصه الحكم استخلاصاً سائغاً مما أثبته من وقائع الدعوى بما ينفي التصوير الذي صور به الطاعن وقوع الاعتداء وقت تماسك المجني عليه وابنه به، وكانت المحكمة قد اطمأنت من ذلك إلى أن الطاعن هو الذي باده المجني عليه وركله بقدمه في بطنه فسقط على الأرض - لما كان ذلك، وكان تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالة الدفاع الشرعي أو عدم قيامها هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون سديداً، أما ادعاء الطاعن بأن المحكمة أخلت بحقه في الدفاع، فإن الثابت مما أورده الحكم أن المحكمة قد تناولت ما جاء بالتقريرين الاستشاريين المقدمين من الطاعن وكذلك للتقريرين المقدم أحدهما من كبير الأطباء الشرعيين والآخر من نائبه، وانتهت المحكمة إلى الأخذ بما جاء بالتقريرين الأخيرين للاعتبارات السائغة التي ذكرتها في حكمها - لما كان هذا، وكان الدفاع عن الطاعن لم يطلب مناقشة أحد من الأطباء كما يقول في طعنه، وكان لمحكمة الموضوع بما لها من حق التقدير كامل الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه من التقارير الفنية والالتفات عما لا تطمئن إليه منها، وكان ما أثبته الحكم تحصيلاً من أقوال بعض الشهود أنهم رأوا الطاعن يركل المجني عليه بقدمه، ومن قول البعض الآخر منهم إنهم لم يشهدوا هذه الواقعة بذاتها، وإنما شاهدوا المنازعة بين الطاعن والمجني عليه في ابتداء أمرها - ما أثبته الحكم من ذلك لا يعد تناقضاً يعيبه، ما دام الشاهد لا يتحمل الشهادة إلا بما علم فيؤديها في حدود ما تبينه - لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أثبتت على الطاعن ارتكاب الجريمة التي بنت عليها قضاءها بالتعويض، والتي هي بذاتها فعل ضار يستوجب الحكم على فاعله بالتعويض، فإنه لا يعيب حكمها أنها لم تذكر موجبات ما حكمت به ورأته مناسباً من هذا التعويض، إذ الأمر في ذلك متروك لتقديرها بغير معقب عليها، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.