أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 219

جلسة 21 من فبراير سنة 1956

برياسة السيد حسن داود - المستشار، وحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(69)
القضية رقم 727 سنة 25 القضائية

( أ ) حكم. التوقيع عليه. ميعاد الثلاثين يوماً الذي جعل حداً أقصى للتوقيع على الأحكام. متى يبدأ؟
(ب) قانون. القانون رقم 117 سنة 1946. صدوره مستوفياً الأوضاع الدستورية.
(ج) تحريض على قلب نظام الحكم. جريمتا الانضمام والاتصال. الفرق بينهما. المادة 98/ 1 عقوبات. القانون رقم 635 سنة 1954.
(د) تلبس. وجود مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع جريمة. كاف.
(هـ) إثبات. اعتراف. سلطة قاضي الموضوع في الأخذ باعتراف المتهم.
1 - استقر قضاء هذه المحكمة على حساب ميعاد الثلاثين يوماً الذي جعله الشارع حداً أقصى لحصول التوقيع على الأحكام من اليوم التالي للتاريخ الذي صدر فيه الحكم.
2 - صدر المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 مستوفياً الأوضاع المفروضة بالمادة 41 من الدستور، ذلك أنه صدر بين دوري انعقاد البرلمان من السلطة التنفيذية وتمت إجراءات نشره في الجريمة الرسمية كما أنه قدم للبرلمان في دورته العادية التي تلت صدوره، وبذلك أصبح قانوناً نافذاً منتجاً آثاره التشريعية.
3 - متى كان ما قاله الحكم وأسنده إلى وقائع استخلصها استخلاصاً سائغاً من الأوراق تنبئ في وضوح عن وجود منظمة شيوعية فيها أعضاء ولهم مندوبون وأن الصلة قد توثقت بين المتهمين في سبيل قيامهم بعمل مشترك يقومون به وهم جميعاً على علم بحقيقة أمره، كما ينبئ أيضاً عن أن لتلك المنظمة برنامجاً تتبعه في مزاولة نشاطها، فإن ذلك يكوّن جريمة الانضمام المنسوبة للمتهمين. وفرق بين هذا الانضمام وتواشج العلاقة بين المتهمين في داخل المنظمة وبين مجرد الاتصال الذي صدر بشأنه القانون رقم 635 سنة 1954 وهو اتصال لا يبلغ لدرجة الانضمام أو الاشتراك بل يكفي فيه قيام علاقة غير مشروعة من أي نوع كانت.
4 - يكفي في التلبس أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع جريمة بصرف النظر عما ينتهي إليه التحقيق بعد ذلك.
5 - لقاضي الموضوع - متى تحقق أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه - أن يأخذ به في إدانة المتهم المعترف سواء أكان هذا الاعتراف قد صدر أمامه أو في أثناء التحقيق مع المتهم وسواء أكان المتهم مصراً على هذا الاعتراف أم أنه عدل عنه في مجلس القضاء أو في إحدى مراحل التحقيق، وهذا من سلطة قاضي الموضوع غير خاضع في تقديره لرقابة محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة 1 - ميشيل كامل ميخائيل (الطاعن الأول). و2 - بولس حنا لطف الله و3 - أحمد عبد العظيم عزت (الطاعن الثاني). و4 - منير بطرس الطويل (الطاعن الثالث). و5 - مراد محمد أمين نور الدين بأنهم - أولاً انضموا إلى جمعية في المملكة المصرية ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات، وإلى القضاء على طبقة اجتماعية، وإلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية، وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك بأن انضموا إلى منظمة سرية تعمل عن طريق إصدار نشرات وعقد اجتماعات تبث فيها الدعوى الشيوعية على الوصول في القطر المصري إلى إقامة حكم الطبقة العاملة وتغليبها على غيرها من الطبقات والقضاء على طبقة الملاك والرأسمالية وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وذلك طبقاً لتعاليم ماركس وأنجلز ولينين وستالين بالأسلوب الثوري الذي اتبعه الشيوعيون في روسيا، وبالتحريض على بغض وازدراء طائفة الملاك والرأسماليين تحريضاً من شأنه تكدير السلم العام وثانياً - حبذوا وروجوا في المملكة المصرية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية ولتسود طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات للقضاء على طبقة اجتماعية ولقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية، ولهدم النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية، وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك بأن انضموا إلى الجمعية السرية آنفة الذكر وهي تعمل عن طريق الدعوة في نشرات واجتماعات وإثارة طوائف العمال إلى إقامة النظام الشيوعي كما طبقه لينين وستالين في روسيا، وذلك بإيجاد مجتمع تحكمه الطبقة العاملة وتتغلب فيه على غيرها من الطبقات وتقضي فيه على طبقة الملاك والرأسماليين وتحرم فيه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج عن طريق اقتفاء الأسلوب الثوري الذي اتبعه الشيوعيون في روسيا. وطلبت معاقبتهم بمقتضى المواد 98/ أ و98/ ب و98/ هـ من قانون العقوبات وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة دفع الحاضر عن المتهم الأول بزوال المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946. ودفع الحاضر عن المتهم الثاني بعدم دستوريته، ودفع الحاضران عن المتهمين الثاني والخامس بعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة إليهما لسبق الفصل فيها، كما دفع الحاضر عن المتهمين الأول والثالث والرابع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش وبطلان تحريز الأوراق المضبوطة. والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماعها قضت حضورياً عملاً بالمواد 98/ أ فقرة ثالثة و98/ هـ من قانون العقوبات المعدل بالمرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 والمادتين 304/ 1 و381 من قانون الإجراءات الجنائية للمتهمين جميعاً بالنسبة للتهمة الثانية - أولاً - برفض الدفوع الخاصة بزوال ما للمرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 من قوة القانون وبعدم دستورية هذا المرسوم بقانون، وكذلك برفض الدفوع الخاصة ببطلان إجراءات القبض والتفتيش والتحريز. وثانياً - بقبول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في الجناية رقم 1523 سنة 1952 الأزبكية بالنسبة للمتهم الثاني بولس حنا لطف الله وكذلك في الجناية رقم 34 محرم بك لسنة 1949 بالنسبة للمتهم الأخير مراد محمد نور الدين وذلك عن التهمة الأولى المنسوبة إلى كل منهما وبراءتهما منها. وثالثاً - ببراءة المتهمين جميعاً من التهمة الثانية المسندة إلى كل منهم. ورابعاً - بمعاقبة كل من مشيل كامل ميخائيل وأحمد عبد العظيم عزت ومنير بطرس الطويل بالسجن لمدة ثلاث سنين وبتغريم كل منهم خمسين جنيهاً. وخامساً - بمصادرة الأوراق والأشياء المضبوطة. فطعن الطاعنون الثلاثة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

1 - بالنسبة للطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني.
وحيث إن محصل الوجه الأول المقدم من الطاعنين الأول والثاني أن الحكم المطعون فيه مشوب بالبطلان لعدم التوقيع عليه في ميعاد الثلاثين يوماً، فقد صدر الحكم بتاريخ 21 من ديسمبر سنة 1954 ولم يودع إلا في الساعة الواحدة والربع بعد ظهر يوم 20 من يناير سنة 1955 بدليل الشهادة المقدمة، وميعاد الثلاثين يوماً ينتهي في 19 من يناير سنة 1955.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 21 من ديسمبر سنة 1954، وكانت الشهادة التي قدمها الطاعنان تأييداً لهذا الوجه من الطعن قد صدرت في يوم 20 من يناير سنة 1955، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على حساب مضي مدة الثلاثين يوماً كاملة من اليوم التالي للتاريخ الذي صدر الحكم فيه، وكان الثابت من الشهادة التي قدمها الطاعنان أن الحكم قد أودع موقعاً عليه في ميعاد الثلاثين يوماً الذي جعله الشارع حد أقصى لحصول التوقيع على الأحكام، وذلك عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية، لما كان ذلك فلا محل لما يثيره الطاعنان في هذا الوجه.
وحيث إن الطاعنين ينعيان في الوجه الثاني على الحكم المطعون فيه خطأه في تطبيق القانون وفي تأويله وذلك (أولاً) أنه قضى برفض الدفع بانعدام قوة المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 مع أن هذا المرسوم قدمته الحكومة إلى البرلمان وأودعته مكتبي المجلسين وقبل نظره تقدمت حكومة أخرى بمشروع معدل له وافق عليه مجلس النواب إلا أنه لم يعرض على مجلس الشيوخ ولم يقره وكان مجلس النواب قد نص في مشروع التعديل صراحة على أن يلغى المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946، وأنه وإن كان مجلس الشيوخ لم يقر هذا التعديل ولم يوافق عليه، إلا أن القرار الصادر من مجلس النواب يفيد عدم إقرار المرسوم بقانون المشار إليه، ولو أراد مجلس النواب أن يحتفظ بأحكام هذا المرسوم بقانون لنص على استيفاء أحكامه حتى يصدر القانون الجديد، أما وهو لم يفعل فلا شك أن المرسوم يعتبر قد سقط - (ثانياً) عدم توافر أركان جريمة الانضمام ذلك أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 98/ أ من قانون العقوبات تستلزم وجود جمعية منظمة وتهدف إلى غرض ولأعضائها نشاط وصلات بتلك الجمعية، أما مجرد الاتصال بالمنظمات الشيوعية الذي لا يبلغ حد الاشتراك فيها بعمل يدخل في نشاطها فلا يعتبر انضماماً طبقاً للمرسوم بقانون 117 لسنة 1946، ومما يؤيد ذلك صدور تشريع لاحق بالقانون رقم 635 لسنة 1954 في 24/ 11/ 1954 بتعديل المادة 98/ أ ونص هذا التشريع على عقاب من يتصل بالذات أو بالواسطة بالجمعيات أو الهيئات أو المنظمات أو الفروع المتقدم ذكرها لأغراض غير مشروعة، وقد اعتبر الحكم المطعون فيه علاقة الصداقة التي تربط المتهمين كافة لقيام جريمة الانضمام التي دان بها الطاعنين مع أن للانضمام معنى في القانون يتجاوز مجرد الاتصال - (ثالثاً) دفع الطاعنون جميعاً ببطلان القبض والتفتيش، فبالنسبة للطاعن الأول ميشيل كامل ميخائيل فإن النيابة لم تصدر أمراً بالقبض عليه أو تفتيشه، والجريمة التي حكم على المتهمين من أجلها وقعت في 17/ 1/ 1949 فيسري على إجراءات التحقيق فيها قانون تحقيق الجنايات القديم، والمادة 8 من هذا القانون تحدد حالات التلبس، وقد اعتبر الحكم المطعون فيه المتهم الأول (الطاعن الأول) في حالة تلبس تجيز للكونستابل القبض عليه وتفتيشه مستنداً في هذا الاعتبار إلى ما قاله محمد دياب صاحب المنزل من أنه وآخر يحرزان قنابل وإلى ما لاحظه الكونستابل من وجود ملف يحمله اشتبه أن يكون بداخله منشورات شيوعية فأخذه من الطاعن الأول، وهذا الاشتباه لا يعد تلبساً بالجريمة، ولا يجيز القبض ولا التفتيش، ولا يصحح ما وقع منهما اعتراف الطاعن المذكور - أما بالنسبة للطاعن الثاني "أحمد عبد العظيم عزت" فقد ذكر الحكم أن أحد العساكر قبض عليه عندما كان متبوعاً من إحدى الشهود وهي تستغيث متهمة إياه بالسرقة فقبض عليه العسكري وساقه إلى نقطة البوليس فحاول تمزيق مفكرة كانت في جيبه وقد تبين عدم وقوع جريمة تقتضي القبض على الطاعن وبالتالي ما كان هناك موجب قانوني لإجراء تفتيشه، وأما تمزيق النوتة فواقعة غير صحيحة تكفل الدفاع ببيان زيفها أمام المحكمة ولكنها لم ترد عليه - وأما الطاعن الثالث "منير بطرس الطويل" فإن الحكم المطعون فيه أخطأ في الإسناد حين نسب إليه واقعة وجود أوراق شيوعية في مسكنه بينما الثابت من محضر التفتيش أن هذا المنزل فتش بعناية فلم يعثر فيه على شيء من هذه الأوراق، هذا إلى أن الحكم اعتبر الطاعن المذكور في حالة تلبس لأنه كان يزور صديقاً وهو خطأ قانوني، إذ أن الزيارة كما لا تجيز القبض لا تجيز التفتيش ولاسيما والقبض على الطاعن لم يباشره أحد من رجال الضبطية القضائية.
وحيث إن ما يقوله الطاعنان في الشطر الأول من هذا الوجه مردود بما قررته هذه المحكمة في العديد من أحكامها من أن المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 قد صدر مستوفياً الأوضاع المفروضة بالمادة 41 من الدستور، ذلك أنه صدر بين دوري انعقاد البرلمان من السلطة التنفيذية وتمت إجراءات نشره في الجريدة الرسمية، كما أنه قدم للبرلمان في دورته العادية التي تلت صدوره، وبذلك أصبح قانوناً نافذاً منتجاً آثاره التشريعية، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد تناول ما عرضه الطاعن من دفاع في هذا الصدد وانتهى إلى القول بأن الإلغاء الذي أقره مجلس النواب "لا يقع إلا إذا أخذ المشروع المعدل طريق القانون فأصبح نافذاً وبذلك يحل محل المرسوم بقانون المراد إلغاؤه، وما دام أن هذا المشروع تعثر في الطريق ولم يبلغ مرحلته النهائية بل أنه أصبح كأن لم يكن فلا يمكن العمل بأي نص وارد فيه" وهو رد سديد كاف لتفنيد ما ذهب إليه الدفاع من بطلان هذا المرسوم أو سقوطه، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حق كل منهم أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وكان مما قاله إثباتاً لوجود المنظمة الشيوعية التي ينتمي إليها الطاعنون ما يأتي "أن وجود المنظمة الشيوعية المصرية ثابت مما ورد في الأوراق المضبوطة مع المتهمين إذ جاء في مذكرة محررة بخط اليد ضبطت مع ميشيل كامل ميخائيل المتهم الأول تحت عنوان "إلى لجنة النشر" أن المؤتمرات المحلية قد عقدت واختار الزملاء مندوبيهم للمؤتمر العام وأن الصوت رشح مندوبين في المجموعات وطلب من الزملاء ترشيحهم أيضاً وانتخبوا في سائر المجموعات تقريباً، ثم يتساءل كاتب المذكرة فيقول: على أي أساس حدثت هذه الانتخابات؟ لم يعرف الكثيرون منا مندوب الصوت ولأن خطة الصوت خطة سليمة وأنه يعتقد أنهم لن يصلحوا ككادر لأنهم لم يكونوا إلا صخر وضباط اتصال بين لجنة النشر والقاعدة المشتركة ينقلون لنا ما قرأوا، ثم يستطرد الكاتب فيقول لقد دخلنا المؤتمر وكان الوحيد الذي تحدث هو مندوب الصوت ولم تقم إلا مناقشات ضئيلة فانتخب مندوب الصوت لأنه الوحيد الذي ظهر ثم يقول إنه عند انتخاب (ل. م) يبدو أنها إشارة إلى اللجنة المركزية سيعين الأخير ل. ط أو سكرتيري المجموعات، ومن المؤكد أن الزملاء المعينين سيكونون من أعضاء المؤتمر، كذلك وجدت تقارير مقدمة للمنظمة عن بعض أعضائها (يراجع التقرير المؤرخ 15/ 1/ 1949 والأوراق أولاً - 12 أ، 12 ب، 12 ج، 12 د وكل ذلك يدل على وجود منظمة شيوعية ينتمي إليها المتهمون وقد اتخذوا عدتهم لنشر مبادئها والترويج لها" كما تحدث الحكم عن علاقة المتهمين بعضهم ببعض فقال "إن الرابطة التي تربط المتهمين الخمسة (ومن بينهم الطاعنون) بعضهم ببعض واضحة ذلك لأن مراد محمد نور الدين هو المستأجر الأصلي للمسكن الكائن في الطابق الثالث بمنزل محمد دياب الذي ضبط فيه المتهمان الأول (الطاعن الأول) والثاني، كما ضبطت أوراق الرونيو وبعض الأوراق الشيوعية وسلم المتهم الأول في التحقيقات بمعرفته به وصداقته له منذ ثلاث أو أربع سنوات، وذكر أن كل ما وجد بالشقة ملكه وأنه ترك له حرية التصرف في نقلها إلى منزله أو إلى شقة أرخص كما أن ضبط المتهم الثاني مع المتهم الأول وهو يعاونه في نقل ماكينتي الرونيو وغيرها من الأوراق والأمتعة الموجودة في الشقة وذهابه معه إلى نقطة البوليس كل ذلك يدل على العلاقة الوطيدة بينهما، ولم ينكر كلاهما معرفته بالآخر وقال المتهم الثاني إنه يعرف الأول من ثلاث سنين أيام أن كان في إعدادي الطب، كذلك قرر منير بطرس الطويل (الطاعن الثالث) في التحقيقات أنه يعرف مراد محمد نور الدين من سنتين أو ثلاث وأنه صديقه وأنه كان يقصد زيارته عندما قبض عليه أما إنكار مراد معرفته به وقوله إنه من الجائز أنه يعرفه شكلاً فذلك ليس إلا من قبيل الدفاع المردود، كذلك قرر منير بطرس الطويل أنه تربطه ببولس رابطة معرفة وقرابة بعيدة، أما علاقة أحمد عبد العظيم عزت (الطاعن الثاني) بمراد فواضحة من ذهابه لزيارته في يوم الحادث وإن كان قد أنكر هذه الواقعة إلا أن كذبه ظاهر من أقوال شهود الإثبات، أم علاقته فظاهرة من وجود الإيصال الذي دفع بمقتضاه مقدم الأجرة إلى حلمي مرقص عن الشقة التي استأجرها في شارع الأمير رقم 46، ويبين مما تقدم أن المتهمين الخمسة تربطهم جميعاً علاقة متينة هي الزمالة في المنظمة الشيوعية التي ينتمون إليها وظاهر أن مراد محمد نور الدين استأجر الشقة ليباشر هو وزملاؤه فيها نشاطهم الشيوعي وأنه ما تركها إلا ليباشر العمل في الإسكندرية حيث قبض عليه في الجناية رقم 34 سنة 1949 محرم بك بتاريخ 13 من أبريل سنة 1949، ولما كان ما قاله الحكم وأسنده إلى وقائع استخلصها استخلاصاً سائغاً من الأوراق تنبئ في وضوح عن وجود منظمة شيوعية فيها أعضاء ولهم مندوبون وأن الصلة قد توثقت بين الطاعنين وغيرهم من المتهمين في سبيل قيامهم بعمل مشترك يقومون به وهم جميعاً على علم بحقيقة أمره، كما ينبئ أيضاً عن أن لتلك المنظمة برنامجاً تتبعه في مزاولة نشاطها، وفرق ما بين ما أثبته الحكم من انضمام الطاعنين لهذه المنظمة وتواشيج العلاقة بينهم في داخلها، وبين مجرد الاتصال الذي يشير إليه الطاعنان في وجه الطعن والذي صدر بشأنه القانون رقم 635 لسنة 1954، وهو اتصال "لا يبلغ" كما تقول المذكرة الإيضاحية لهذا القانون "لدرجة الانضمام أو الاشتراك في تلك الهيئات بل يكفي فيه قيام علاقة غير مشروعة من أي نوع كانت كأن يتصل شخص بإحدى هذه الهيئات لتلقي تعاليمها تمهيداً لأن يكون في المستقبل أداة لنشر مبادئها أو الالتحاق بخدمتها" لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشق من طعنه لا يكون سديداً.
وحيث إن ما يثيره الطاعنون حول بطلان القبض والتفتيش فإنه يبين من الحكم المطعون فيه أنهم سبق أن دفعوا بهذا البطلان أمام محكمة الموضوع فرد الحكم على هذا الدفاع بما قاله من "أنه فيما يتعلق بمشيل كامل ميخائيل (الطاعن الأول) فإن محمد دياب أبلغ الكونستابل رئيس نقطة بوليس العزب أثناء بحث شكواه ضد مشيل وضد بولس حنا لطف الله أنهما يحرزان قنابل في المنزل المؤجر منه إلى زميلهما نور الدين وفي الوقت نفسه لاحظ الكونستابل وجود ملف مع ميشيل اشتبه في أن يكون مشتملاً على منشورات شيوعية فأخذه من مشيل واتضح أن به أصل منشور شيوعي معداً للطبع وأوراقاً أخرى مماثلة وقد ناقشت النيابة مشيل في ذلك فاعترف في التحقيقات بأنه عثر على هذه الأوراق في البيت ولما اطلع عليها وجد أنها خاصة بالشيوعية فحملها لكي يسلمها للبوليس أو أن يستشير أحد أقاربه فيقدمها للبوليس أو يتلفها عملاً بمشورته، ثم عاد في موضع آخر وعدل عن اعترافه هذا وقال إنه أدلى به بتأثير بعض رجال البوليس، وظاهر مما تقدم أن هذا الاعتراف يصحح أي شائبة في إجراءات الكونستابل ولا تعول المحكمة على عدول المتهم عنه، فضلاً عن أن أقوال محمد دياب في ذاتها تدل على وقوع جناية مما يجيز للكونستابل القبض والتفتيش. أما بالنسبة لأحمد عبد العظيم عزت (الطاعن الثاني) فالثابت من أقوال العسكري محمد عمران أنه قبض عليه عندما كان متبوعاً باستغاثة نعيمة فريد عبد الرحمن طالبة القبض عليه لاتهامه في سرقة وبذلك كان في رأي محمد عمران في حالة تلبس وقد أخذه العسكري إلى نقطة بوليس العزب مقبوضاً عليه فكان من حق الكونستابل أن يفتشه خصوصاً وأنه حاول تمزيق مفكرة في جيبه فمنعه العسكري،... وبالنسبة إلى منير بطرس الطويل (الطاعن الثالث) فقد ثبت أنه صعد إلى المسكن المؤجر إلى نور الدين المتهم الأخير والذي وجدت به آلتان لطبع المنشورات والذي كان رجال البوليس يعتبرونه بحق من خلال الشيوعية فقبض عليه رجال البوليس المكلفون بحراسة هذا المكان، ولما رأى منير بطرس ذلك حاول التخلص من أوراق كانت معه وساقوه إلى قسم روض الفرج في حالة تلبس..." وانتهى الحكم من ذلك إلى رفض الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش، ولما كان ما خلص إليه الحكم وأسس عليه قضاءه برفض الدفع سديداً، ذلك بأن المادة 15 من قانون تحقيق الجنايات الملغي (الذي كان سارياً وقت وقوع الحادث) قد أجازت لمأمور الضبطية القضائية إذا وجدت قرائن أحوال تدل على وقوع جناية منه أن يقبض على المتهم، وكان للكونستابل وقد أبلغ بأن الطاعن الأول يحرز قنابل في مسكنه، أن يفتش هذا المتهم المبلغ ضده بدون إذن من النيابة لأن التفتيش في هذه الحالة من مستلزمات القبض الذي خوله القانون له، لما كان ذلك وكانت المادة السابقة من القانون المذكور تنص على ما يأتي "... كل من عاين وقوع جناية تخل بالأمن العام أو يترتب عليها تلف حياة إنسان أو ضرر لملكه يجب عليه أن يخبر النيابة العمومية أو أحد مأموري الضبطية القضائية، ويجب عليه أيضاً في حالة تلبس الجاني بالجناية وفي جميع الأحوال المماثلة لها أن يحضر الجاني أمام أحد أعضاء النيابة العمومية أو يسلمه لأحد مأموري الضبطية القضائية أو لأحد رجال الضبط بدون احتياج لأمر بضبطه وذلك إن كان ما وقع منه يستوجب القبض عليه احتياطياً" وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن الثاني عند ضبطه بمعرفة العسكري محمد عمران كان يعدو في الطريق تتبعه امرأة بالصياح طالبة القبض عليه لأنه سارق، وأنه حاول عندئذ إتلاف مفكرة كانت في جيبه، وكان يكفي في التلبس أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع جريمة بصرف النظر عما ينتهي إليه التحقيق بعد ذلك، لما كان ذلك فإن ما تم من قبض على الطاعن الثاني وتفتيشه يكون قد وقع صحيحاً قانوناً، أما فيما يتعلق بالقبض على الطاعن الثالث فإن ما أثبته الحكم من أن المنزل الذي قبض عليه فيه كان من الخلايا الشيوعية، وأن الطاعن المذكور عندما حضر إليه ووقع بصره على رجال البوليس الذين كانوا في حراسته من الداخل حاول التخلص من أوراق كانت معه فأخذ يمزقها، الأمر الذي يجعله في حالة تلبس تجيز للمخبر ومن معه في حدود ما خوله الشارع لهم في المادة السابعة من قانون تحقيق الجنايات السالف الإشارة إليها والتي تجيز لكل شخص ولو لم يكن من مأموري الضبط القضائي أن يقبض على المتهم ويسلمه لأحد رجال الضبطية القضائية، لما كان ذلك فإن الإجراءات التي أتبعت في القبض على الطاعنين وفي تفتيشهم هي إجراءات صحيحة ولا مخالفة للقانون في شيء منها ويكون الاستناد إلى الدليل المستمد من التفتيش هو استناد سليم، وأما ما يقوله الطاعن الثالث من أن الحكم أسند إليه خطأ وجود أوراق شيوعية في مسكنه في حين أن الثابت بمحضر التفتيش أنه لم يعثر في مسكنه على شيء منها فمردود عليه بأن الحكم المطعون فيه عندما تحدث عن هذه الأوراق قال إن منير بطرس الطويل "ضبط في الخلية الشيوعية عندما ذهب لزيارة صديقه مراد كما ضبطت معه أوراق شيوعية شرع في تمزيقها ولكن المخبر كمال محمود منعه من ذلك وانتزعها منه بمساعدة زملائه وقد تبين من تقرير خبير الآلات الكاتبة أن الورقة التي مزقها المتهم - من نوع أوراق الاستنسل التي ضبطت مع المتهم الأول وأنها تطبع بآلة الجستتنر أو آلة اسبيد أورينت إذ قطعت رأس الورقة وتبين من الاطلاع عليها بعد جمعها ولصقها أنه ورد فيها ما يأتي "يا عمال شبرا الخيمة إن الاضطهاد والاستغلال البشع زاد قوة وشدة يوماً بعد يوم ونحن عزل لا نملك سلاحاً ندافع به عن أنفسنا ضد هجوم أصحاب المصانع الجشعين إن أصحاب المصانع لا يحسبون حساباً إلا لأموالهم وزيادة أرباحهم أما نحن العبيد الذين يعملون في مصانعهم لينتجوا لهم كل ما يربحون لا يحسبون لنا حساباً إنهم لا يعتبرون العامل بني آدم ووراءه زوجة وأبناء يعولهم بالأجر التافه الذي يناله". كذلك ضبط معه بيان الحزب الشيوعي لكارل ماركس وفريد زك انجليز - وهذا البيان يحتوي على أسس المبادئ الشيوعية التي نادى بها كل منهما ويبدأ بالكلام عن البرجوازية والبروليتاريا حيث يشرح تاريخ حياة الصراع بين الطبقات وتناول المبادئ التي تدعو إليها الشيوعية من حيث إلغاء البرجوازية أي إلغاء الملكية الخاصة والقضاء على الأفكار التقليدية وأن تكون الخطوة الأولى من ثورة الطبقة العاملة هي دفع البروليتاريا إلى صف الطبقة الحاكمة وتستخلص رأس المال من البرجوازية لتركيز جميع آلات الإنتاج في أيدي الدولة أي في أيدي البروليتاريا وإلغاء ملكية الأرض وجميع حقوق الميراث وتركيز الاعتمادات في أيدي الدولة بواسطة بنك وطني والتسوية بين الجميع في واجب العمل وإزالة الفروق الطبقية" وواضح من هذا الذي أثبته الحكم أن الأوراق المضبوطة قد عثر عليها مع الطاعن لا في مسكنه، ولا يجديه النعي ما قاله الحكم بعد ذلك في سياق رده على الدفع ببطلان القبض والتفتيش أن تلك الأوراق ضبطت في مسكن الطاعن، إذ أن ذكر هذه العبارة لا يصح اعتباره خطأ في الإسناد بل هو من قبيل السهو أو الخطأ المادي الذي لا يؤثر في سلامة الحكم.
وحيث إن الوجه الثالث من الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور والخطأ في الاستدلال، من ذلك قول المحكمة إن الطاعن الأول اعترف في التحقيق بأنه وجد الأوراق التي وجد حائزاً لها مع أن الدفاع نبهها إلى عيوب هذا الاعتراف إذ أنكر الطاعن حيازته لتلك الأوراق ولم يحدد مضمونها عندما عرضت عليه ولم يذكر للكونستابل شيئاً من محتوياتها، وقدم الدفاع عنه إلى المحكمة ورقة استنسل مكتوبة ومعدة للطبع حتى تتحقق من استحالة قراءتها ولم ترد المحكمة على شيء من هذا الدفاع، ومن ذلك أيضاً أن الحكم قال إن الأوراق المضبوطة حملت إلى القسم وقدمت لوكيل النيابة المحقق فاطلع عليها وأبدى الدفاع للمحكمة أن الشقة التي وجدت بها هذه الأوراق ظلت في حيازة محمد دياب شاهد الإثبات نحو ثلاث ساعات ولم يعثر لها على أثر عندما انتقل الكونستابل إلى المنزل، كما قال الدفاع إن النيابة استغرقت عدة جلسات للاطلاع على هذه الأوراق وإثبات مضمونها في المحضر، ولم يثبت المحقق في محضر من هذه المحاضر ما فعله بالأوراق التي اطلع عليها وكيف بقيت الأوراق التي لم يتم الاطلاع عليها، وقد أغفلت المحكمة الرد على هذا الدفاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عند بيان واقعة الدعوى قال إن الطاعن الأول عندما ذهب إلى نقطة بوليس العزب لمناسبة الشكوى المقدمة ضده عن اشتباه في إحرازه مواد متفجرة وقنابل واجهه الكونستابل رئيس النقطة بما يعزي إليه فأجاب بأن ما لديه ليس قنابل بل ماكينات سنجر فارتاب الكونستابل في أمره وأمر زميله الذي كان معه ولاسيما وقد رأى "بيد ميشيل جريدة ملفوفة على أوراق أطرافها ظاهرة" كما لاحظ الكونستابل أن جيوبه منتفخة فتناول الجريدة من يده وتصفح بعض ما بها فوجدها تسع ورقات استنسل كتب عليها أصل منشور شيوعي بعنوان "صوت البروليتاريا" أول عدد لإصداره بلسان حال المنظمة الشيوعية وفيه حض على العمل على سيطرة طبقة اجتماعية هي طبقة العمال على الطبقات الأخرى والقضاء بالقوة على طبقة الرأسماليين فقام بتفتيشها فوجد مع ميشيل أوراقاً شيوعية أخرى كما وجد معه عقد إيجار وإيصالاً عن مسكنين آخرين، فانتقل على الأثر إلى المسكن المبلغ عنه فوجد به حشية ولحافين بداخل أحدهما آلة طباعة (رونيو جستتنر) وبداخل الآخر آلة من نوع (أسبيد أورينت) كاملتي الأجزاء عدا آلة السحب في كل منهما، ووجد أوراقاً أخرى فتحفظ عليها وأبلغ الجهات المختصة بالحادث ثم أورد الحكم بعد ذلك الرد على دفاع الطاعن بقوله "وحيث إن المتهم الأول مشيل كامل ميخائيل أنكر تهمة انضمامه إلى تلك المنظمة إلا أنه اعترف في التحقيقات بضبط الأوراق الشيوعية معه "صوت البروليتاريا" وبأنه اطلع عليها وعرف أنها شيوعية غير أنه ادعى أنه وجدها في الشقة كما وجد باقي الأمتعة بما في ذلك ماكينتا الرونيو وأنه بعد أن اطلع على تلك الأوراق أخذها ليطلع عليها عمه وليستشيره فيما يجب عمله بشأنها وهو دفاع غير صحيح لأنه عاد وأنكر أنه كان يحمل الأوراق المضبوطة معه، ثم عاد بعد ذلك واعترف بضبطها معه، كما أن الثابت من أقوال بولس حنا لطف الله في التحقيقات أن مشيل كان يحمل معه تلك الأوراق عندما توجها معاً إلى النقطة كذلك ثبت من أقوال مراد نور الدين المتهم الأخير أن مشيل كان يبيت معه في الشقة في الأيام الأخيرة، وفضلاً عن ذلك فقد ثبت من تقرير خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أن مشيل هو الكاتب بخطه المنشور الشيوعي 14 د وقد ورد في تلك الأوراق المضبوطة معه أنه تسع ورقات استنسل تحتوي على نشرة بعنوان (صوت البروليتاريا) وكانت المحكمة قد قالت أيضاً إن المتهم المذكور الطاعن الأول عاد في موضع آخر وعدل عن اعترافه ولكنها لا تعول على عدوله مما يبين منه أنها آخذته بهذا الاعتراف، لما كان ذلك وكان لقاضي الموضوع - متى تحقق أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه أن يأخذ به في إدانة المتهم المعترف، سواء كان هذا الاعتراف قد صدر أمامه أو في أثناء التحقيق مع المتهم، وسواء أكان المتهم مصراً على هذا الاعتراف أم أنه عدل عنه في مجلس القضاء أو في إحدى مراحل التحقيق، وهذا من سلطة قاضي الموضوع غير خاضع في تقديره لرقابة محكمة النقض، لما كان ذلك وكان قد أثبت أن الكونستابل هو وبعض الضباط حملوا الأوراق المضبوطة إلى القسم وأن الضابط المختص عبد العزيز حجازي قدمها لوكيل النيابة المحقق الذي اطلع عليها وأثبت في محضره أنه بعد أن تسلم الأوراق المضبوطة واطلع عليها وناقش فيها ميشيل كامل ميخائيل، أمر بتحريزها وإرسالها إلى النيابة. ولما كان ما أثبته الحكم من ذلك يكفي رداً على دفاع الطاعن الأول، وكان القانون لم يرتب البطلان على عدم مراعاة إجراءات التحريز مما يجعل الأمر فيها مرجعه إلى تقدير محكمة الموضوع لسلامة هذه الإجراءات، وما دام أن المحكمة قد اطمأنت إلى أن الأوراق المضبوطة عرضت على المحقق على أثر ضبطها وأنه أمر بتحريزها بعد أن اطلع عليها، وكان الطاعن لا يدعي أن عبثها مسها، فإن ما يثيره في هذا الشأن لا يكون له محل، أما باقي ما ورد بهذا الوجه فقد سبق الرد عليه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
2 - بالنسبة إلى الطعن المقدم من الطاعن الثالث.
من حيث إن تقرير الأسباب المقدم من الطاعن الثالث منير بطرس الطويل بتاريخ 27 من يناير سنة 1955 قد أثار في الأوجه الثلاثة الأولى منه وفي الفقرتين أولاً ورابعاً من الوجه الرابع ذات الأسباب التي تناولها الطاعنان الأول والثاني في التقريرين المقدمين منهما، وقد سبق الرد على ما جاء بهذه الأوجه فيما تقدم من أسباب هذا الحكم.
وحيث إن محصل ما بقي من الوجه الرابع من هذا التقرير هو ما ينعاه الطاعن الثالث على الحكم المطعون فيه من القصور والتناقض والإخلال بحقه في الدفاع، وفي ذلك يقول إن الطاعن عند سؤاله في التحقيق أجاب بأنه لم يكن معه أوراق، وثبت من تقرير الخبير أن خط الأوراق المضبوطة لا يماثل خط الطاعن وأن الورق الممزق من جنس الورق الموجود منه بكثرة في شقة المتهم الأول، وقد أبدى الدفاع ذلك للمحكمة فلم ترد عليه، كذلك لم يناقش الحكم الاختلافات الجوهرية في أقوال من قاموا بضبط الطاعن وتفتيشه، وقد عرض الدفاع لهذه الاختلافات في مرافعته الشفوية وفي مذكرته، فسكت الحكم عن تحقيقها أو الرد عليها.
وحيث إنه لما كانت محكمة الموضوع قد استخلصت من وقائع الدعوى ومن أقوال الشهود وسائر الأدلة التي أوردتها ومن بينها الأوراق العديدة التي ضبطت مع الطاعن على التفصيل الذي أثبته الحكم، وكان استخلاصها سائغاً، فهي غير ملزمة بعد ذلك أن تتعقب الدفاع في كل شبهة يقيمها أو استنتاج يستنتجه من ظروف الواقعة أو من شهادة الشهود وترد عليه شبهة شبهة واستنتاجاً استنتاجاً، بل يكفي أن يتضح من حكمها توافر أركان الجريمة وأنها قد صحت نسبتها إلى المتهم الذي تجري محاكمته وبيان الأدلة التي قامت لديها فجعلتها تعتقد ذلك وتقول به، فإن هي فعلت ذلك فإنه يفيد حتماً أنها وجدت الشبه والاستنتاجات التي يقولها الدفاع غير جديرة بالاعتبار ولا وزن لها في رأيها، ولاسيما إذا كان ما يعرضه الدفاع - كما هو الحال فيما تضمنه وجه الطعن - لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة والمسند للمتهم ولا تتنافى مع الأدلة والشواهد التي أوردها الحكم، لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون مقبولاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.