مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 464

(64)
جلسة 10 من فبراير سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد ومحمد بهجت محمود عتيبه - المستشارين.

القضية رقم 802 لسنة 11 القضائية

( أ ) عقد الصلح. دعوى. المادتان 549 و552 من القانون المدني مقومات عقد الصلح - توافرها عندما تتجه نية طرفي النزاع إلى حسم النزاع بإنهائه أو توقيه إذا كان محتملاً - وذلك بنزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه - النص على أنه لا يثبت الصلح إلا بالكتابة أو بمحضر رسمي - الكتابة شرط للإثبات لا للانعقاد.
(ب) - عقد إداري. "صلح". لا يجوز في المسائل المتعلقة بالنظام العام - الاتفاقات الحاصلة على كيفية المحاسبة بشأن تنفيذ العقود الإدارية لا تعتبر كذلك إلا إذا كانت محسوبة بصفة نهائية وليست محلا للنزاع - أما إذا كان الحق ذاته محلاً للنزاع وخشيت الجهة الإدارية أن تخسر النزاع فلا تثريب عليها إذا لجأت إلى الصلح.
(جـ) - عقد الصلح. "النكول عنه". دعوى.
آثار عقد الصلح - عدم جواز مضي أحد المتصالحين في الدعوى أو إثارته النزاع أمام القضاء متجاهلاً هذا الصلح - من حق المتصالح الآخر التمسك بما أوجبه الصلح - كما يحق له فسخ الصلح دون إخلال بحقه في التعويض - يجوز للمتصالحين أن يتقابلا الصلح صراحة أو ضمناً - صور التقابل الضمني.
1 - أن الصلح وفقاً لحكم المادة 549 من القانون المدني هو "عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه ومفهوم ذلك أن عقد الصلح تتوافر فيه مقوماته عندما تتجه نية طرفي النزاع إلى حسم النزاع بينهما إما بإنهائه إذا كان قائماً وإما بتوقيه إذا كان محتملاً وذلك بنزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه فإذا ما تحققت هذه المقومات وقام العقد على أركانه القانونية وهي التراضي والمحل والسبب انعقد الصلح باعتباره من عقود التراضي وإذا كان القانون المدني قد نص في المادة 552 منه على أن "لا يثبت الصلح إلا بالكتابة أو بمحضر رسمي فهذه الكتابة على أنها لازمة للإثبات لا للانعقاد وتبعاً لذلك يجوز الإثبات بالبينة أو بالقرائن إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة.
2 - أنه لا يقدح في اجتماع مقومات الصلح المشار إليه وأركانه ما أثير من أن الصلح لا يجوز في المسائل المتعلقة بالنظام العام ومن ذلك الاتفاقات الحاصلة على كيفية المحاسبة بشأن تنفيذ العقود الإدارية ذلك أن هذا القول لا يصدق على حقوق الجهة الإدارية المالية المترتبة على العقود الإدارية إلا إذا كانت هذه الحقوق محسوبة بصفة نهائية وليست محلاً للنزاع فعندئذ لا يجوز التنازل عنها إلا طبقاً لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1958 في شأن قواعد التصرف بالمجان في العقارات المملوكة للدولة والنزول عن أموالها المنقولة أما إذا كان الحق ذاته محلاً للنزاع وخشيت الجهة الإدارية أن تخسر الدعوى فلا تثريب عليها إذا ما لجأت لفض هذا النزاع عن طريق الصلح.
3 - أن النزاع إذا ما انحسم صلحاً جاز لكل من المتصالحين أن يلزم الآخرين ولا يجوز لأحدهما أن يمضي في دعواه أو يثير النزاع أمام القضاء متجاهلاً هذا الصلح فإن هو لجأ إلى ذلك جاز للمتصالح الآخر أن يتمسك بما أوجبه الصلح في ذمته من التزامات كما يجوز له أن يطلب فسخ الصلح دون إخلال بحقه في التعويض ومع ذلك فإنه يجوز للمتصالحين أن يتقابلا الصلح صراحة أو ضمناً ويستخلص هذا التقابل ضمناً من تصرفات المتصالحين التي تنم عن عدم اعتدادها بهذا الصلح وتحللهما من آثاره بأن يظهر أن النزاع بينهما ظل محتوماً ومطروحاً على القضاء دون أن يتمسك أيهما بالصلح الذي كان قد تم بينهما أو يستفاد من مسلكهما في علاقة كل منهما بالآخر أنهما نكلا عما تصالحا عليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن وزارة التربية والتعليم أقامت الدعوى رقم 1502 لسنة 14 القضائية ضد السيد/ محمد السيد فيظ الله بعريضة أودعتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 26 من سبتمبر سنة 1960 طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 28 جنيهاً و677 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وقالت بياناً لدعواها أن المدعى عليه أقام الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طلب فيها الحكم بأن تجري محاسبته عما ورد من أغذية للمدارس الابتدائية بوزارة التربية والتعليم سنة 1955/ 1956 على أساس الفقرة السابعة من دفتر الشروط الخاص بهذه السنة وقد قضى له بذلك في 7 من فبراير سنة 1960 إلا أنه عند تصفية حسابه على هذا الأساس قامت منظفة بني سويف التعليمية بمحاسبته وفقاً للسعر المقرر في التسعيرة الجبرية بالنسبة لصنف الحلاوة الطحينية بينما كان يجب أن يحسب طبقاً لسعرها في كشف الوحدة على ما استقر عليه قضاء محكمة القضاء الإداري الأمر الذي نتج عنه فرق قدره 28 جنيهاً و677 مليماً دفع إليه خطأ ويتعين رده. وقدمت الوزارة تأييداً لدعواها حافظتين بمستنداتها طوتهما على كشف بيان الفرق بين المحاسبتين بالنسبة لصنف الحلاوة الطحينية ومفردات المبلغ المطلوب الحكم به وصورة من التنازل المؤرخ في 24 من يناير سنة 1960 الموقع عليه من المدعى عليه بتنازله عن الدعوى رقم 718 لسنة 13 المشار إليها.
وقد رد المدعى عليه على عريضة الدعوى قائلاً أنه تعاقد مع وزارة التربية والتعليم على توريد الأغذية لبعض مدارسها بمنطقة بني سويف التعليمية في العام الدراسي 1955/ 1956 وفي غضون فترة التوريد أدخلت الوزارة تعديلات على أصناف الوجبات وقام نزاع بينه وبين الوزارة حول طريقة محاسبته على أسعار الأصناف التي لم تكن واردة بقائمة العطاء فأقام الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري لمحاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط التوريد وحجزت الدعوى للحكم فيها بجلسة 7 من فبراير سنة 1960 ثم تلقى إشارة للتوجه إلى إدارة قضايا الحكومة وهناك وقع إقراراً في 20 من يناير سنة 1960 بالتنازل عن الدعوى وتحمل رسومها مقابل تسوية حسابه على الأساس الذي قدمت به وتأييداً لهذا حررت المنطقة المذكورة الشيك رقم 540842 بمبلغ 138 جنيهاً و929 مليماً وقام بصرفه في 6 من فبراير سنة 1960 وقد روعي في تسوية الحساب صرف ثمن الحلاوة الطحينية على أساس سعرها الجبري. وتركت الوزارة الدعوى في طريقها المعتاد بعد أن حلت على التنازل اللازم عنها وصدر الحكم فيها بجلسة 7 من فبراير سنة 1960 قاضياً بإجابته إلى طلب المحاسبة على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط التوريد وذهب بالنسبة لموضوع الحلاوة الطحينية مذهباً خرج فيه على أساس التصالح بأن تتم المحاسبة طبقاً لسعر كشوف الوحدة وليس بسعرها الجبري وعلى ذلك طالبته الوزارة بالفرق بين ما صرفته إليه رضاء وبناء على التصالح وبين ما تضمنه الحكم المشار إليه بالنسبة لصنف الحلاوة الطحينية ويبلغ هذا الفرق 28 جنيهاً و677 مليماً الأمر الذي يعد نكولاً منها عن الصلح الذي عرضته عليه أثناء نظر الدعوى والذي لا يجوز لها أن ترجع فيه بحجة الادعاء بالغلط في القانون لأن الصلح بطبيعته يقوم على تنازل كل من الطرفين عن بعض ادعاءاته حسماً للنزاع بصرف النظر عن حكم القانون عملاً بحكم المادة 556 من القانون المدني. وخلص المدعي إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام الوزارة المدعية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وعقبت الوزارة بقولها أن التنازل المشار إليه الذي أرسله المدعي في الدعوى 718 لسنة 13 المذكورة - وهو المدعى عليه في الدعوى الماثلة - إلى الوزارة لا يعتبر صلحاً وفقاً لحكم المادة 549 من القانون المدني بل هو مجرد تنازل من جانب واحد تنازل فيه المدعي عن دعواه وليس فيه أي إرادة من جانب الوزارة لعقد صلح وليس فيه تنازل عن جزء من حقوقها قبله ولم تنصرف نيتها إطلاقاً إلى التنازل عن جزء من ادعائها أو حقوقها قبله فضلاً عن أنه ليس من حق الموظف أياً كانت درجته المساس بحقوق الخزانة العامة أو أي حق مالي للدولة. وأضافت الوزارة تأكيداً لوجهة نظرها أن من شأن عقد الصلح أن يحسم النزاع بين الطرفين طبقاً لنص المادة 553 من القانون المدني وأن التنازل الذي قدمه المدعي في الدعوى رقم 718 لسنة 13 المذكورة لم يحسم النزاع بين الطرفين ولم يكن له أثر في الدعوى ولا في الحقوق المتنازع عليها فهو لم يمنع المحكمة من أن تحكم في الدعوى المذكورة كما لو لم يكن موجوداً كما أن هذا المدعي رفع طعناً أمام المحكمة الإدارية العليا ضد هذا الحكم طالباً أن تكون المحاسبة على أساس معين طبقاً للفقرة السابعة وعلى أن تكون المحاسبة بالنسبة للحلاوة الطحينية طبقاً للتسعيرة الجبرية ولم يرفض المبالغ التي صرفتها له الحكومة رغم هذا التنازل وما زال النزاع قائماً دون أن يكون لهذا التنازل أي أثر.
استطردت الوزارة المدعية قائلة أنه بافتراض أن هذا التنازل يعتبر صلحاً فإنه يجب أن يفسر في أضيق الحدود طبقاً لنص المدة 555 من القانون المدني ولما كان التنازل سالف الذكر لم يرد فيه أي ذكر للحلاوة الطحينية وطريقة المحاسبة بالنسبة إليها وهو أحد شقي النزاع الذي كانت تدور حوله الدعوى رقم 718 لسنة 13 سالفة الذكر فإن هذا التنازل لا يكون له من أثر على الدعوى الماثلة وصممت الوزارة على طلباتها.
وأودع المدعي عليه مذكرة ردد فيها دفاعه السابق وأتبعها بحافظة بمستنداته طواها على كتاب غير مؤرخ صادر من منطقة بني سويف التعليمية يتضمن إرسال الشيك رقم 540842 بمبلغ 138 جنيهاً و929 مليماً عن فروق أغذية موردة في عام 1955/ 1956 وقسيمة مؤرخة 7 من مايو سنة 1960 تفيد قيامه بدفع خمسة جنيهات و206 مليماً قيمة ما صرف له زيادة خطأ في قضية البليلة. ومذكرة أوضح فيها أنه قبض قيمة الشيك المذكور في 6 من فبراير سنة 1960 وأضاف أن جهة الصرف راجعت الحساب وتبين لها أنها أخطأت في مبلغ خمسة جنيهات و206 مليماً فطالبته بردها ودفعها في 7 من مايو سنة 1960 مما يقطع بأن المحاسبة تمت على أساس سليم.
وبجلسة 20 من يونيه سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري برفض طلبات وزارة التربية والتعليم وألزمتها المصاريف ومبلغ ثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها على أن التنازل الموقع عليه من المدعى عليه في 24 من يناير سنة 1960 بمناسبة نظر الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية يعتبر صلحاً إذ أنه كان بمناسبة نزاع معروض على القضاء وأريد حسم هذا النزاع بأن يتنازل رافع الدعوى عن دعواه مقابل محاسبته على الأساس الذي قدمت به، وقد بادرت الوزارة المدعية إلى تنفيذ هذا الصلح بأن أرسلت إلى المدعى عليه الشيك رقم 540842 بقيمة مستحقاته طبقاً لما ورد بهذا الخصوص وأضافت أنه باستقراء هذا التنازل يبين أن المدعى عليه قد تنازل عن الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية مقابل أن تحاسبه الوزارة المدعية على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط التوريد، وأشارت المحكمة إلى أن من البديهي أن ينظر إلى عبارات العقد باعتبارها كلاً لا يتجزأ ويفسر بعضها بعضاً دون أن يكون في ذلك ما يخرج على قاعدة التفسير الضيق حتى لا يفسخ العقد وينتهي الأمر بالخروج على إرادة طرفي النزاع، وإعمالاً لهذه القاعدة رأت المحكمة أن التنازل السابق يشمل أساس المحاسبة عن صنف الحلاوة الطحينية وذلك لأن المدعى عليه قد تنازل عن الدعوى رقم 718 سنة 13 القضائية التي كان يطالب فيها الوزارة المدعية بمحاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط التوريد وبالنسبة إلى صنف الحلاوة الطحينية بأن تجرى المحاسبة فيها على أساس سعرها الجبري فكون المدعى عليه يقر بتنازله عن الدعوى واضح الدلالة في أن الصلح يشمل كل ما قامت عليه الدعوى من أوجه النزاع ومن بينها النزاع المتصل بالمحاسبة على صنف الحلاوة الطحينية. ومضت المحكمة قائلة أن ما يؤيد هذا النظر أن هذا الفهم هو ما قصده طرفا النزاع ونفذاه فعلاً بعد أن وقع المدعى عليه على التنازل السابق الإشارة إليه قامت الوزارة المدعية بصرف مستحقاته عن الأصناف التي قام بتوريدها ومن بينها صنفا الحلاوة الطحينية مصحوباً بسعرها على أساس التسعير الجبري كما قدمت الوزارة المدعية طلباً إلى المحكمة مؤرخاً في 7 من فبراير سنة 1960 طلبت فيه فتح باب المرافعة في الدعوى حيث إن المدعي (المدعى عليه في الدعوى الحالية) قد تنازل عن الدعوى. وأردفت المحكمة قائلة أنه وقد خلصت إلى أن ثمة عقد صلح تناول أساس المحاسبة على صنف الحلاوة الطحينية فإنه لا يجوز الرجوع فيه بالقول بوقوع المدعية في غلط في أساس المحاسبة بعد ما كشف حكم محكمة القضاء الإداري عن حكم القانون في هذا الصدد. وأضافت المحكمة في هذا التنازل قدمته الوزارة بطلب إلى المحكمة ولو كان قدم قبل ذلك لكان له وجه آخر، كذلك فإن الطعن في هذا الحكم من جانب المدعى عليه أمر لا يؤثر في الصلح ولا فيما يجب أن يترتب عليه من أثر حاسم للنزاع فهو إجراء خاطئ من جانب المدعى عليه بحسبان أن الطعن في الحكم المذكور يعتبر سيراً في النزاع الذي حسمه الصلح. وخلصت المحكمة إلى أن النزاع بين الوزارة المدعية والمدعى عليه سبق أن انحسم بالصلح المبرم بينهما ويتعين أن تستقر حقوق كل منهما بهذا الصلح ولا يسوغ من أيهما أن يعاود النزاع ذاته لما في ذلك من إهدار لعقد قائم وتم تنفيذه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ حينما قرر أن التنازل الذي صدر من المطعون ضده عن الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية أمام القضاء الإداري يعتبر صلحاً وهو يعتبر كذلك على ما تقضي به المواد 549، 550، 552 من القانون المدني فلم يوقع الطرفان عليه ولم تتنازل الوزارة عن بعض حقوقها وهو لا يعدو أن يكون إقراراً من جانب المطعون ضده أقر فيه بتنازله عن الدعوى ومصروفاتها، ومن التسليم المحدد إلى أنه يعتبر صلحاً فإنه لا يجوز للمطعون ضده أن يأخذ من الأموال العامة ما يزيد على حقوقه التي طالب بها في عريضة دعواه وهو محاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من دفتر شروط التغذية للمدارس والمعاهد عام 1955/ 1956 طبقاً لتفسيرها السليم وهو أن يؤخذ متوسط الوجبة المستبدلة على أساس سعر وجبة الأربعة أيام المستبدلة لا متوسط سعر الوجبة المستبدلة على أساس الستة أيام وأن تتم المحاسبة بالنسبة لصنف الحلاوة الطحينية بالسعر الوارد في كشف الوحدة دون السعر قبل التسعير الجبري وهو ما انتهت إليه محكمة القضاء الإداري في الحكم الصادر في الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية سالفة الذكر والذي أيدته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1181 لسنة 6 القضائية، ولما كانت الوزارة قد حاسبت المطعون ضده على صنف الحلاوة الطحينية على أساس التسعير الجبري فإنها تكون قد وقعت في خطأ حسابي يجعل لها الحق في استرداد ما وقع زيادة على مستحقاته ويكون الحكم المطعون فيه حينما رفض طلبات الوزارة قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ويتعين من ثم إلغاءه والقضاء بطلبات الوزارة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة لدى المحكمة الإدارية العليا أودعت تقريراً بالرأي القانوني في هذه المنازعة انتهت فيه إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بإلزام المطعون ضده أن يؤدي للوزارة الطاعنة مبلغ 28 جنيهاً و677 مليماً والفوائد القانونية عن هذا المبلغ من تاريخ المطالبة القضائية في 26 من سبتمبر سنة 1960 حتى تاريخ السداد وإلزامه بالمصروفات" واستندت في ذلك إلى أن الإقرار الذي وقعه المطعون ضده في 24 من يناير سنة 1960 بمناسبة نظر الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية لا يعدو أن يكون تنازلاً عن الدعوى من جانب المطعون ضده مشروطاً لمحاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط التوريد وهو لا يكشف عن إرادة من الإدارة تقابل إرادة المطعون ضده وتلتقي معها بقصد حسم النزاع ومن ثم لا يعد عقد صلح في مفهوم المادة 549 من القانون المدني ومن جهة أخرى فإن هذا الإقرار لا يحمل سوى شروط المطعون ضده في التنازل عن الدعوى مع إصراره على الشروط التي أقام عليها دعواه ومنها شرط المحاسبة بالنسبة لصنف الحلاوة الطحينية على أساس سعرها المقرر في التسعير الجبري وذلك دون التنازل عن جزء من ادعاءاته والإقرار بهذا لا يكشف عن إرادة الإدارة في معنى التصالح والتنازل على وجه التقابل عن جزء من ادعائها حسبما تقضي به المادة 549 من القانون المدني وأضاف التقرير أن المحاسبة التي تجري في ظل العقود الإدارية تعتبر من الأمور المتعلقة بالنظام العام ولا يجوز الصلح فيها. كما أن الصلح لا يثبت إلا بالكتابة طبقاً لحكم المادة 552 من القانون المدني ولا يبين من أوراق الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية المذكورة أن الإدارة قد تصالحت بعقد مكتوب مع المطعون ضده على أساس محاسبته بالنسبة لصنف الحلاوة الطحينية على أساس التسعير الجبري وإنما تكشف الأوراق عن رغبة الإدارة في إنهاء النزاع على أساس محاسبة المطعون ضده وفقاً للفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة الشروط. وأشار التقرير إلى أن الإدارة وإن كانت قد بادرت إلى صرف الفروق المستحقة للمطعون ضده بموجب شيك رقم 540842 بمبلغ 138 جنيهاًً و929 مليماً إلا أن إرادتها كانت منصرفة إلى محاسبته على أساس حكم الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة الشروط كما يبين من كتابي الشئون القانونية والإدارة العامة لشئون التغذية المؤرخين 4 من فبراير سنة 1960 وليس على أساس التسعير الجبري للحلاوة الطحينية وعلى ذلك يكون ما صرف إلى المطعون ضده من الفروق المالية على أساس التسعير الجبري بالنسبة لصنف الحلاوة الطحينية من قبيل الخطأ في الحساب والمجاوز لإرادة الإدارة الحقيقية وبذلك يكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله. وأضاف التقرير أن الحكم المطعون فيه أخطأ أيضاً حين أهدر قوة الأمر المقضي به بالنسبة للحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية المؤيد بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1181 لسنة 6 القضائية فيما فصل فيه من حقوق وبالتالي يكون الطعن قد قام على أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن المطعون ضده عقب على عريضة الطعن ورأى هيئة مفوضي الدولة بمذكرتين مؤرختين في 2 من ديسمبر سنة 1967 و6 من يناير سنة 1968 ردد فيهما دفاعه السابق ولم يضف جديداً.
ومن حيث إنه المستفاد من الأوراق أن المطعون ضده أقام في 12 من مارس سنة 1959 الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طلب فيها الحكم بأحقيته في أن تجرى محاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط الأغذية بالمدارس والمعاهد في العام الدراسي 1955/ 1956 وعلى أساس ستة أيام محمل بعضها على البعض وبالنسبة إلى الحلاوة الموردة طلب أن تجرى المحاسبة فيها على أساس التسعيرة الرسمية وما يترتب على ذلك من آثار، وبجلسة 20 من ديسمبر سنة 1959 قررت المحكمة حجزها للحكم لجلسة 7 من فبراير سنة 1960 وفي هذا التاريخ قدمت إدارة قضايا الحكومة طلباً إلى السيد رئيس المحكمة بفتح باب المرافعة في القضية اعتباراً بأن المدعي فيها وقد تنازل عن الدعوى ومصروفاتها وأرفقت بهذا الطلب خمسة مستندات الأول إقرار وتنازل موقع عليه المدعي (المطعون ضده) وفي 24 من يناير سنة 1960 يقر فيه بتنازله عن القضية رقم 718 لسنة 13 القضائية نظير محاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط التوريد وفي حالة عدم محاسبته على هذا الأساس وعدم قيام الوزارة بصرف استحقاقاته طبقاً للبند المذكور تعتبر القضية قائمة ويعتبر تنازله هذا كأن لم يكن. والمستند الثاني صورة من كتاب إدارة الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم رقم 1979 المؤرخ في 31 من يناير سنة 1960 والموجهة إلى السيد مدير التربية والتعليم لمنطقة بني سويف وقد تضمن هذا الكتاب أن إدارة قضايا الحكومة بكتابها رقم 612 في 28 من يناير سنة 1960 رأت محاسبة المتعهد محمد السيد فيض الله (المطعون ضده) على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة توريد العام 1955/ 1956 وصرف ما يستحقه على هذا الأساس وأنها أي إدارة القضايا قد أخذت على المذكور تعهداً بتنازله عن الدعوى في حالة صرف المستحق إليه وطلبت عند عمل اللازم موافاتها بمستندات الصرف قبل جلسة 7 من فبراير سنة 1960 وثالث هذه المستندات صورة من كتاب الإدارة العامة لشئون التغذية بوزارة التربية والتعليم برقم 987 المؤرخ في 4 من فبراير سنة 1960 الموجه إلى المنطقة المذكورة وأشار هذا الكتاب إلى أن الوزارة وافقت على ما استقر عليه أحكام القضاء الإداري من حيث إجراء التصالح مع المتعهدين على أساس محاسبتهم وفقاً للفقرة السابعة من البند العشرين ونبهت إلى مراعاة أن تجرى محاسبة المتعهدين عند التصالح معهم على أساس متوسط ثمن الوجبات التي قدمت أيام السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء ومتوسط ثمن الوجبات المقررة أصلاً في هذه الأيام. والمستند الرابع عبارة عن مذكرة صادرة من إدارة التوريدات والتغذية بمنطقة بني سويف التعليمية في 4 من فبراير إلى السيد مدير المنطقة بطلب الموافقة على صرف مبلغ 139 جنيهاً و789 مليماً إلى المتعهد المذكور وهو عبارة عن فرق الثمن نتيجة صرف الوجبات الغذائية التي وردها هذا المتعهد في عام 1955/ 1956 بعد تطبيق الفقرة السابعة من البند العشرين بدلاً من البند الثامن الذي حوسب على أساسه ووافق مدير المنطقة على ذلك في 4 من فبراير سنة 1960 وفي هذا التاريخ أرسل الشيك رقم 540842 إلى المتعهد بمبلغ 138 جنيهاً و929 مليماً قيمة الفروق المذكورة على ما يبين من المستند الخامس. وفي 7 من فبراير سنة 1960 قضت المحكمة "بأحقية المدعي (المطعون ضده) في أن تجرى محاسبته عما قام بتوريده من الوجبات المستبدلة في أيام التوريد الأربعة على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من شروط توريد الأغذية للمدارس والمعاهد ومستشفيات الطلبة في العام الدراسي 1955/ 1956 وألزمت المدعى عليها المصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات" وجاء في أسباب هذا الحكم أن طلب المدعي (المطعون ضده) محاسبته على أساس التسعيرة الرسمية بالنسبة إلى الحلاوة الطحينية غير قائم على أساس سليم. ولم يقبل المطعون ضده هذا القضاء وطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 5 من أبريل سنة 1960 وقيد الطعن برقم 1181 لسنة 6 القضائية وطلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من القول بأن تحديد متوسط سعر الوجبة المستغنى عنها يكون بحساب التوريد لأربعة أيام فقط طبقاً للنظام المعدل والحكم بأحقيته في أن تجرى محاسبته عما قام بتوريده من الوجبات المستحدثة في أيام التوريد الأربعة على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من شروط التوريد مع مراعاة أن متوسط سعر الوجبة المستغنى عنها يأتي عن طريق قسمة مجموع ثمن الوجبات طوال الأسبوع على ستة أيام وهي مدة التوريد الفعلي للوجبة المشار إليها وليس لأربعة أيام كما جاء خطأ بأسباب الحكم المطعون فيه ثم الحكم بأحقيته في أن تجرى محاسبته عما قام بتوريده من الحلاوة الطحينية على أساس سعرها الجبري في التسعيرة الجبرية وقد استند الطاعن في طعنه إلى شروط التوريد وإغفال الإدارة إلى التنازل الصادر منه في الدعوى المطعون فيها وأبدى في مجرى مناقشة طلبه الأول أن الوزارة كانت قد سلمت له أثناء نظر الدعوى بحقه في أن يسوى حسابه صلحاً على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين طبقاً لطلبه ولكن الحكم موضوع الطعن كان أسبق من التسوية الودية التي شرعت المنطقة في إعدادها فعدلت المنطقة وتمسكت بالأساس الذي قضى به الحكم ولم يثر بالنسبة لطلبه الثاني الخاص بالحلاوة الطحينية أنه كان محل صلح. ولم تتمسك الوزارة المطعون ضدها بدورها بالتنازل المشار إليه.
وفي 30 من يونيه سنة 1962 حكمت المحكمة الإدارية العليا بقبول هذا الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وأيدت وجهة نظر محكمة القضاء الإداري بصدد رفض محاسبة المطعون ضده بالنسبة للحلاوة الطحينية على أساس سعرها الجبري. وأثناء نظر الطعن سالف الذكر أقامت إدارة قضايا الحكومة نائبة عن وزارة التربية والتعليم الدعوى مثار الطعن الماثل رقم 1502 لسنة 14 القضائية بعريضتها المودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 26 من سبتمبر سنة 1960 طالبة إلزام المطعون ضده بأن يدفع للوزارة المذكورة مبلغ 28 جنيهاً و677 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ويتمثل هذا المبلغ فيما ورد في مقام سرد الوقائع في الفروق المالية التي صرفت إلى المطعون ضده خطأ نتيجة محاسبته بالنسبة لصنف الحلاوة الطحينية على أساس سعرها في التسعيرة الجبرية بدلاً من محاسبته على أساس سعرها في كشف الوجبة وبمراعاة حكم الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة الشروط وقضت محكمة القضاء الإداري على ما سلف البيان في 20 من يونيه سنة 1965 برفض طلبات الوزارة وألزمتها المصاريف ومبلغ ثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن مثار الخلاف في المنازعة المطروحة ينحصر بادئ ذي بدء في تكييف التنازل الصادر من المطعون ضده في 24 من يناير سنة 1960 والمقدم في الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية التي كان قد أقامها أمام محكمة القضاء الإداري ضد الوزارة الطاعنة بطلب أحقيته في أن تجرى محاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط الأغذية بالمدارس والمعاهد في العام الدراسي 1955/ 1956 وعلى أساس ستة أيام محمل بعضها على بعض وبالنسبة إلى الحلاوة الطحينية الموردة بأن تجرى المحاسبة فيها على أساس التسعيرة الرسمية، وهذا الطلب الثاني هو موضوع المنازعة في الطعن الماثل، وعلى ذلك يكون جوهر النزاع منحصراً في بيان ما إذا كان هذا التنازل هو مجرد نزول من جانب المطعون ضده وحده عن الدعوى أم أنه ينطوي على عقد صلح بين طرفي الدعوى لحسم النزاع ثم استظهار مدى قيام هذا الصلح واستمراره وذلك على هدى مسلك طرفيه حياله في مراحل النزاع التالية لتقديمه وأثر ذلك في تكييف ما توافقا عليه بادئ الأمر ومدى تقيدهما بما التزما به طبقاً لحكم القانون وفي ضوء ما ثبت من الوقائع.
ومن حيث إن الصلح وفقاً لحكم المادة 549 من القانون المدني هو "عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه" ومفهوم ذلك أن عقد الصلح تتوافر فيه مقوماته عندما تتجه نية طرفي النزاع إلى حسم النزاع بينهما إما بإنهائه إذا كان قائماً وإما بتوقيه إذا كان محتملاً وذلك بنزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه فإذا ما تحققت هذه المقومات وقام العقد على أركانه القانونية وهي التراضي والمحل والسبب انعقد الصلح باعتباره من عقود التراضي. وإذا كان القانون المدني قد نص في المادة 552 منه على أن "لا يثبت الصلح إلا بالكتابة بمحضر رسمي" فهذه الكتابة لازمة للإثبات لا للانعقاد وتبعاً لذلك يجوز الإثبات بالبينة أو بالقرائن إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة. ولما كان الأمر كذلك وكان الثابت من استقراء أوراق الطعن على الوجه السالف البيان ما يقطع في تلاقي إرادتي طرفي الدعوى رقم 718 لسنة 13 القضائية وأثناء نظرها أمام القضاء الإداري في حسم هذا النزاع صلحاً وذلك بنزول كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه فقد بعثت إدارة قضايا الحكومة بكتابها رقم 622 المؤرخ في 28 من يناير سنة 1960 إلى إدارة الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم طالبة محاسبة المطعون ضده "المدعي في الدعوى المشار إليها" على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة التوريد كما أفادتها بأنها أخذت على المذكور تعهداً بتنازله عن الدعوى في حالة صرف المستحق إليه وطلبت منه عمل اللازم وموافاتها فوراً بمستندات الصرف قبل جلسة 7 من فبراير سنة 1960 التي كانت محددة للنطق بالحكم فيها وبناء عليه حرصت منطقة بني سويف التعليمية على إعادة تسوية حساب المتعهد المذكور وإرسال الشيك رقم 540842 إليه بالفروق التي استحقت له نتيجة ذلك وقدرها 138 جنيهاً و929 مليماً وذلك في 4 من فبراير سنة 1960 وبعثت بمستندات الصرف إلى إدارة قضايا الحكومة التي تقدمت بها إلى المحكمة في يوم 7 من فبراير سنة 1960، فاستدعاء إدارة قضايا الحكومة للمطعون ضده وحصولها منه على التنازل المؤرخ في 24 من يناير سنة 1960 وتبادل المكاتبات بين الإدارة المذكورة وبين وزارة التربية والتعليم من جهة وبين هذه الوزارة وبين منطقة بني سويف التعليمية من جهة أخرى وتنويه الحكومة بهذا الصلح عند طلبها فتح باب المرافعة في 7 من فبراير سنة 1960 قبيل النطق بالحكم كل ذلك يؤكد انعقاد الصلح فعلاً بين طرفي النزاع بعد تلاقي إرادتيهما على حسمه وقد ثبت قيام هذا الصلح كتابة على النحو السالف البيان طبقاً لحكم القانون. أما نزول كل من طرفي النزاع على وجه التقابل عن جزء من ادعائه فأمر لا خفاء فيه ويتجلى ذلك في تنازل الوزارة عن تمسكها بمحاسبة المطعون ضده بالنسبة للوجبات الغذائية طبقاً للبند الثامن من كراسة شروط التوريد وتسليمها بمحاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين منها الأمر الذي نتج عنه فروق مالية تبلغ حوالي المائة جنيه وذلك بعد خصم المبلغ المتنازع عليه في الطعن الحالي كما تنازل المدعي مقابل هذا عن الدعوى وتحمل مصروفاتها. وبناء على ذلك يتحقق وجود عقد الصلح وتتوافر خصائصه وأركانه.
ومن حيث إنه لا يقدح في اجتماع مقومات الصلح المشار إليه وأركانه ما أثير من أن الصلح لا يجوز في المسائل المتعلقة بالنظام العام ومن ذلك الاتفاقات الحاصلة على كيفية المحاسبة بشأن تنفيذ العقود الإدارية ذلك أن هذا القول لا يصدق على حقوق الجهة الإدارية المالية المترتبة على العقود الإدارية إلا إذا كانت هذه الحقوق محسوبة بصفة نهائية وليست محلاً للنزاع فعندئذ لا يجوز التنازل عنها إلا طبقاً لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1958 في شأن قواعد التصرف بالمجان في العقارات المملوكة للدولة والنزول عن أموالها المنقولة، أما إذا كان الحق ذاته محلاً للنزاع وخشيت الجهة الإدارية أن تخسر الدعوى فلا تثريب عليها إذا ما لجأت لفض هذا النزاع عن طريق الصلح.
ومن حيث إن النزاع إذا ما انحسم صلحاً جاز لكل من المتصالحين أن يلزم الآخرين ولا يجوز لأحدهما أن يمضي في دعواه أو يثير النزاع أمام القضاء متجاهلاً هذا الصلح فإن هو لجأ إلى ذلك جاز للمتصالح الآخر أن يتمسك بما أوجبه الصلح في ذمته من التزامات كما يجوز له أن يطلب فسخ الصلح دون إخلال بحقه في التعويض ومع ذلك فإنه يجوز للمتصالحين أن يتقابلا الصلح صراحة أو ضمناً ويستخلص هذا التقابل ضمناً من تصرفات المتصالحين التي تنم عن عدم اعتدادهما بهذا الصلح وتحللهما من آثاره بأن يظهر أن النزاع بينهما ظل محتدماً ومطروحاً على القضاء دون أن يستمسك أيهما بالصلح الذي كان قد تم بينهما أو يستفاد من مسلكهما في علاقة كل منهما بالآخر أنهما نكلا عما تصالحا عليه.
ومن حيث إنه لا يقتضي الحال البتة الخوض في تفسير عقد الصلح للتعرف على مدى حقوق المطعون ضده عند محاسبته على قيمة الحلاوة الطحينية التي وردها وهل تجرى هذه المحاسبة على أساس السعر الجبري أو على أساس آخر كالسعر المبين بكشف الوحدة بكراسة شروط التوريد لا وجه لهذا كله بعد أن قطع حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 718 لسنة 3 القضائية في ذلك وقضى برفض طلب محاسبته على أساس التسعير الجبري بالنسبة إلى الحلاوة الطحينية كما حكم بأحقية المطعون ضده في أن تجرى محاسبته عما قام بتوريده من الوجبات المستبدلة في أيام التوريد الأربعة على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة التوريد ثم جاء حكم المحكمة الإدارية العليا مؤيداً لهذا القضاء.
ومن حيث إنه على أثر صدور هذا الحكم بادر المطعون ضده ودون أن يتقيد بما شرطه على نفسه في عقد الصلح من نزول عن مقاضاة الوزارة - بالطعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا (الطعن رقم 1181 لسنة 6 القضائية) طالباً القضاء له بطلباته الأصلية وهي أحقيته في أن تجرى محاسبته على أساس الفقرة السابعة من البند العشرين من كراسة شروط التوريد وعلى أساس ستة أيام محول بعضها على بعض وأن تجرى محاسبته بالنسبة للحلاوة الطحينية على أساس التسعير الجبري واستند في طعنه إلى شروط العقد ولم يعتمد في كل ذلك على عقد الصلح وإنما أشار على غير أحقية بأن الوزارة كانت قد سلمت له بطلبه الأول المتعلق بمحاسبته بالنسبة للوجبات على أساس ستة أيام محمل بعضها على بعض وليس على أساس أربعة، وأن المنطقة شرعت في إعداد التسوية على هذا الأساس ثم عدلت عنها عندما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها ولم يثر المطعون ضده بالنسبة لموضوع الحلاوة الطحينية أنه كان ثمة صلح كما لم تتمسك الوزارة الطاعنة بعقد الصلح واعتمدت في دفاعها على شروط عقد التوريد وصار الطعن على هذا الأساس إلى أن قضي برفضه في 30 من يونيه سنة 1962 وتأيد بذلك حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه وقبل نظر هذا الطعن وفي غضونه حاسبت الوزارة المطعون ضده على أساس التسعير الجبري بالنسبة للحلاوة الطحينية وهو خلاف ما تصالحت عليه ثم أقامت في 26 من سبتمبر سنة 1960 الدعوى الراهنة رقم 1052 لسنة 14 القضائية موضوع الطعن الحاضر تطالب فيها بإلزام المطعون ضده بأن يدفع لها مبلغ 28 جنيهاً و677 مليماً والفوائد القانونية وهو ما يعادل قيمة الفرق بين محاسبة المطعون ضده بالنسبة للحلاوة الطحينية على أساس التسعير الجبري بدلاً من محاسبته على أساس السعر المدرج بكشف الوحدة. وفي هذه الدعوى تمسك المطعون ضده بعقد الصلح في هذا الشق وحده وأنكرت الوزارة الطاعنة عليه ذلك. ويستخلص من ذلك أن طرفي عقد الصلح قد ظهر من مسلكها الواضح في الطعن رقم 1181 لسنة 6 القضائية أنهما تقابلا من الصلح فلم يعتدا به أو يتمسكا به وتركا الأمر كله للقضاء كي يفصل في النزاع الشاجر بينهما في كل جوانبه ومناحيه على أساس شروط عقد التوريد وإذا انصرف قصدهما الواضح إلى الإقلاع عن التصالح واعتباره كأن لم يكن وعودتهما إلى الحالة التي كانا عليها قبل هذا الصلح طبقاً لحكم المادة 160 من القانون المدني.
ومن حيث إن هذه المحكمة لا ترى في النصوص المدنية سالفة البيان ما يتعارض مع أحكام عقد التوريد ويتعين من أجل ذلك الأخذ بها. وإذ كان النزاع بالنسبة لكيفية المحاسبة على الحلاوة الطحينية قد حسمته محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في القضية رقم 718 لسنة 13 القضائية المؤيد بحكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1181 لسنة 6 القضائية فإنه لا محيص عن إنزال حكم هذا القضاء ومقتضاه وإجراء المحاسبة على أساس السعر المدرج بكشف الوحدة لصنف الحلاوة الطحينية وليس على أساس السعر الجبري وقد بلغ الفرق الذي دفع إلى المطعون ضده نتيجة محاسبته على هذا الأساس الخاطئ مبلغ 28 جنيهاً و677 مليماً كما يتضح من الكشف الذي تقدمت به الوزارة والذي لم يرفضه المطعون ضده وإذ تسلم المطعون ضده المبلغ المطالب به من الوزارة الطاعنة على سبيل الوفاء وهو غير مستحق له طبقاً لشروط عقد التوريد مفسرة بالحكم النهائي الحائز لقوة الأمر المقضي فإنه يتعين إلزامه برده طبقاً لحكم المادة 181 من القانون المدني مع فوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 26 من سبتمبر سنة 1960 حتى تمام الوفاء وإلزامه بالمصروفات.
ومن حيث إنه متى تبين أن الحكم المطعون فيه قد جرى على غير هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين من ثم القضاء بإلغائه وبإجابة الوزارة الطاعنة إلى طلباتها.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 28 جنيهاً و677 مليماً (ثمانية وعشرين جنيهاً مصرياً وستمائة وسبعة وسبعين مليماً فقط) والفوائد القانونية لهذا المبلغ بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 26 من سبتمبر سنة 1960 حتى تمام الوفاء وألزمته بالمصروفات.