أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 307

جلسة 6 من مارس سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومحمود محمد مجاهد، وفهيم يسى الجندي، والسيد أحمد عفيفي - المستشارين.

(93)
القضية رقم 1404 سنة 25 القضائية

( أ ) قتل عمد. نية القتل. حق قاضي الموضوع في استخلاصها بغير معقب عليه.
(ب) نقض. طعن. المصلحة في الطعن. قتل عمد. الحكم على الطاعن بالأشغال الشاقة المؤبدة في جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد. انعدام مصلحته في التمسك بعدم توافر هذين الشرطين.
(ج) إثبات. شهادة. سلطة محكمة الموضوع في تجزئة الدليل المقدم إليها والأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود المختلفة. عدم التزامها ببيان العلة.
1 - نية القتل العمد أمر موضوعي يستخلصه قاضي الموضوع دون معقب عليه متى كانت الوقائع والظروف التي أثبتها وأسس رأيه عليها من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها.
2 - لا جدوى للطاعن من التمسك بعدم توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في جريمة القتل العمد المنسوبة إليه ما دامت العقوبة المحكوم بها وهي الأشغال الشاقة المؤبدة مقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار ولا ترصد.
3 - لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الدليل فلها أن تجزئ الدليل المقدم إليها وأن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود المختلفة وتطرح أقوال من لا تثق فيه ولا تطمئن إلى صحة روايته، وهي إذ تفعل ذلك لا تكون ملزمة ببيان العلة لأن الأمر مرجعه إلى اقتناعها هي وحدها ولا يعيب حكمها ما وقع بين الشهود من خلاف ما دام استخلاصها للحقيقة القانونية التي اطمأنت إليها هو استخلاص سائغ له أصله في الأوراق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل عبد الحميد محمد شرابي عمداً ومع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك آلة من شأنها القتل "بندقية" وتربص له في المكان الذي اعتاد المرور فيه وما أن ظفر به حتى أطلق عليه عيارين ناريين قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 230، 231، 232 عقوبات. فقررت الغرفة ذلك وقد ادعى رياض محمد شرابي بحق مدني قبل المتهم وطلب القضاء له عليه بمبلغ مائة جنيه بصفة تعويض مؤقت. سمعت محكمة جنايات كفر الشيخ الدعوى وقضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام - بمعاقبة محمود عبد السلام منصور بالأشغال الشاقة المؤبدة وبإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت مع المصروفات المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبب وخطأ في الإسناد ذلك بأنه استند في إدانة الطاعن إلى ما شهدت به أخت المجني عليه من أنها ذهبت إلى محل الحادث عقب إصابته وسمعته يردد اسم الطاعن باعتباره قاتله وعزز قولها هذا بما جاء بالتقرير الطبي الشرعي من مقدرة المجني عليه على الكلام لمدة قصيرة - في حين أنه ثبت في التحقيق على لسان أخيه أن المجني عليه توفي دون أن يتكلم - ثم أن الحكم استخلص نية القتل من مجرد إطلاق النار على المجني عليه من مسافة قصيرة ومن إحداث إصابات جسيمة به قضت على حياته بعد فترة وجيزة - مع أن هذه الأمور لا تؤدي في ذاتها إلى استظهار قصد القتل ونية إزهاق الروح لجواز أن تجتمع هذه الظروف جميعاً في الضرب المقصود في ذاته دون اتجاه النية إلى القتل - هذا وقد اعتمد الحكم - في صدد توفر سبق الإصرار على واقعة أسندها إلى مختار شرابي ورأى أنها جوهرية مع أنه لا أصل لها في الأوراق - وهي أنه كان من المتفق عليه أن يتقابل الفريقان قبل الحادث في منزل العمدة للصلح ولكن الطاعن لم يحضر في المرتين - وأن الطاعن أغفل السير في مفاوضات الصلح إمعاناً منه في تنفيذ ما صمم عليه - وواقعة تخلفه عن الصلح - هي واقعة غير صحيحة لم ترد في أقوال الشاهد أو أي شاهد آخر بل أن الطاعن لم يدع إلى الصلح إطلاقاً وكانت المفاوضات تجري بين رياض محمد الشرابي ووالد الطاعن الذي لم يحضر أي الدعويين، هذا وقد قام دفاع الطاعن من بادئ الأمر على أن الواقعة ملفقة وأن العمدة ساهم في هذا التلفيق لما بينه وبين الطاعن من خصام ولكن المحكمة أطرحت هذا الدفاع مع أن مجرد الاطلاع على أقوال ضابط النقطة يفيد قيام هذه الخصومة صريحة واضحة مما يجعل استدلال الحكم في هذا الخصوص فاسداً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى - في قوله: "أنه بينما كان المجني عليه عبد الحميد محمد شرابي يسير مع أخيه مختار محمد شرابي إلى زراعتهما في عزبة الكرداوي صباح يوم 20 من يونيه سنة 1954 يمتطي كل منهما دابته إذا بالمتهم يطلق على المجني عليه عيارين ناريين من بندقية خرطوش كان يحملها فأحدث به إصابات أدت إلى وفاته وتبين أن سبب الحادث مرجعه أن محمد عبد السلام منصور كان فيما سبق قد اتهم بقتل أخي المجني عليه أحمد محمد شرابي فخاف المتهم وعائلته أن يأخذ المجني عليه بثأر أخيه" - ثم أورد الحكم الأدلة التي استخلص منها ثبوت ارتكاب الطاعن لجريمة القتل وهي تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ومن بين هذه الأدلة أقوال أخت المجني عليه بعد أن اطمأنت إليها المحكمة وهي تتضمن ذهابها لمحل الحادث عقب علمها بالواقعة وسماعها المجني عليه يردد اسم الطاعن باعتباره القاتل له - كما أورد الحكم ما جاء بالتقرير الطبي الشرعي في هذا الخصوص "من أنه ليس هناك ما ينفي جواز مقدرة المجني عليه على الكلام لمدة قصيرة لا يمكن تحديدها بالضبط عقب إصابته" وتحدث الحكم عن نية القتل فقال "وحيث إنه عن نية القتل لدى المتهم فتستخلصها المحكمة من إطلاقه النار من بندقية خرطوش على المجني عليه فأحدث به إصابة جسيمة في صدغه الأيسر أدت إلى إزهاق روحه بعد الاعتداء بمدة وجيزة وكان قرب المسافة التي تفصل الضارب عن المضروب كما قدرها الشهود وقدرها الطبيب الشرعي بنحو ثلاثة أمتار الدليل القاطع على أن المتهم إنما قصد اغتيال فريسته عمداً باستعماله تلك الآلة التي من شأنها إحداث الموت وقد اقترب من المجني عليه بحيث يضمن مرماه ويصيبه في مقتل ويقضي عليه بطلقة قاتلة". لما كان ذلك وكان للمحكمة أن تأخذ بأقوال أخت المجني عليه ما دامت قد اطمأنت إليها وعززها الكشف الطبي ولو شهد آخرون بأن المجني عليه لم ينطق عقب إصابته وكان ما ورد بالحكم خاصاً بتوافر نية القتل العمد يكفي في قيام هذه النية وهي بعد أمر موضوعي يستخلصه قاضي الموضوع دون معقب عليه متى كانت الوقائع والظروف التي أثبتها وأسس رأيه عليها - كما هو الحال في الدعوى - من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها، ولما كان الحكم قد تناول الرد على ما يثيره الطاعن في طعنه بشأن تلفيق الواقعة وفنده للأدلة السائغة التي أوردها وتعرض لسبق الإصرار والترصد فقال "وحيث إن سبق الإصرار والترصد متوافران لدى المتهم من أنه ومن لف لفه من أفراد عائلته كانوا يضمرون الضغينة لعائلة المجني عليه بسبب ما ذاع من أن من يدعى أحمد محمد شرابي قد اعتدى على عرض فتاة من عائلة المتهم حتى حملت سفاحاً مما أدى إلى تفاقم الحالة بين العائلتين من اختفاء تلك الفتاة وقتل واتهام بقتل فتأصل أثر هذه الجريمة في نفس المتهم وصمم على الثأر من عائلته فناصب عائلته العداء فبيت النية على الإجهاز على أحد أفرادها انتقاماً لعائلته من ناحية ودرءا لما تخيله من اعتداءات تحيكها عائلة المجني عليه من ناحية أخرى ولما كان المتهم يعلم بأن المجني عليه يسلك الطريق الذي وقع فيه الحادث في صباح كل يوم فقد اتخذ للأمر عدته وتربص للمجني عليه بجانب حائط منزل عبد السلام صيده حتى إذا ظفر به أطلق عليه النار فأحدث به الإصابات التي أودت بحياته ولم يقدم على فعلته إلا وهو في حالة تسنى له فيها التفكير في عمله والتصميم عليه حتى أنه أغفل السير في مفاوضات الصلح بين العائلتين إمعاناً منه فيما صمم عليه مما يدل على سبق إصراره على تنفيذ جنايته كما دل تربصه للمجني عليه في الموقع الذي أطلق منه النار على أنه كان مترصداً له" ولما كان يبين من ذلك أن الحكم قد استظهر ظرفي سبق الإصرار والترصد ودلل على توافرهما تدليلاً سائغاً - وكان لا جدوى للطاعن من التمسك بهذا السبب من الطعن ما دامت العقوبة المحكوم بها وهي الأشغال الشاقة المؤبدة مقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار ولا ترصد - لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
التقرير الثاني المؤرخ في 22 من يونيه سنة 1955
حيث إن محصل هذا الطعن هو أن الحكم انطوى على قصور في التسبيب وشابه التناقض وفساد الاستدلال - إذ جاءت أقوال شهود الإثبات متناقضة ومع تسليم الحكم بذلك قال إن الاختلاف في الشهادة لم يتناول جوهرها وأجمل في إيراد مؤداها ولم يبين مواطن التناقض في الشهادات حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تحقق رقابتها على مأخذ الدليل - لتتبين إذا كان الخلاف قد أصاب الجوهر أم الحاشية - ثم أن الحكم أطرح دفاع الطاعن بوجود الخصومة بينه وبين السيدة بما لا يصلح لذلك وعبر عنها بأنها خصومة مزعومة في حين أن الدعوى زاخرة بالأدلة على عكس ما قاله الحكم في شأنها - هذا ويقول الحكم إن شهادة الشهود تأيدت بتقرير الصفة التشريحية في حين أن التناقض بينهما ظاهر الوضوح ذلك بأن التشريح أثبت أن المجني عليه أصيب بعيار واحد من اليسار في حين أن الشهود حددوا في المعاينة موضع المجني عليه بحيث يكون أمام الجاني ومؤدي هذا أن يكون العيار من الخلف - هذا وقد أجمع الشهود على أن الطاعن أطلق عيارين في حين أن تقرير الصفة التشريحية أثبت أن بالجثة عياراً واحداً - وقد أجاز الحكم هذا التناقض بقوله إن أحد المقذوفين أخطأ المجني عليه وانطلق في الهواء".
وحيث إنه لما كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الدليل فإنه يكون لها أن تجزئ الدليل المقدم إليها وأن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود المختلفة - وتطرح أقوال من لا تثق فيه - ولا تطمئن إلى صحة روايته - وهي إذ تفعل ذلك لا تكون ملزمة ببيان العلة لأن الأمر مرجعه إلى اقتناعها هي وحدها ولا يعيب حكمها ما وقع بين الشهود من خلاف ما دام استخلاصها للحقيقة القانونية التي اطمأنت إليها هو استخلاص سائغ له أصله في الأوراق - لما كان ذلك وكان الدفاع عن الطاعن لم يثر أية منازعة أمام محكمة الموضوع في شأن عدم مطابقة الإصابة لرواية الشهود وقد رأت المحكمة للأسباب التي أوردتها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبته عليها - أن الطاعن هو الذي أطلق البندقية التي كان يحملها فأحدث به الإصابات التي شوهدت بالمجني عليه والتي أدت إلى وفاته - لما كان ذلك كله وكانت باقي وجوه الطعن قد سبق الرد عليها عند الكلام عن التقرير الأول فإن الطعن برمته يكون على غير أساس فيتعين رفضه موضوعاً.