أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 340

جلسة 15 من مارس سنة 1956

برياسة السيد حسن داود - المستشار، وحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومحمد محمد حسنين، وفهيم يسى الجندي، وأحمد زكي كامل - المستشارين.

(102)
القضية رقم 1199 سنة 25 القضائية

( أ ) أمر الحفظ. أمر الحفظ المانع من العود إلى الدعوى الجنائية إلا إذا ألغاه النائب العام أو ظهرت أدلة جديدة. ماهيته. ندب وكيل النيابة ضابط بوليس لتحقيق بلاغ. امتناع المجني عليه عن إبداء أقواله أمام ضابط البوليس. إعادة الأخير الشكوى إلى النيابة دون تحقيق. حفظها إدارياً بمعرفة وكيل النيابة. جواز الرجوع في أمر الحفظ هذا.
(ب) دفاع. وصف التهمة. تعديل محكمة أول درجة تاريخ الواقعة دون أن تلفت نظر الدفاع. علم المتهم بذلك وترافعه على أساسه أمام المحكمة الاستئنافية. لا بطلان.
(ج) ربا فاحش. ركن الاعتياد. انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة. العبرة في ثبوت اتفاق المتهم على عقد عقود ربوية لم يمض بين بدء التحقيق فيها وآخر اتفاق منها ولا بين كل اتفاق وآخر أكثر من ثلاث سنوات. توافر ركن الاعتياد. عدم سقوط الحق في رفع الدعوى الجنائية.
(د) ربا فاحش. إثبات. واقعة الإقراض بالربا الفاحش والاعتياد عليها. إثباتها بكل الطرق. جائز.
1 - المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية صريحة في أن أمر الحفظ الذي يمنع من العود إلى الدعوى الجنائية إلا إذا ألغاه النائب العام أو ظهرت أدلة جديدة إنما هو الذي يسبقه تحقيق تجريه النيابة بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائي بناء على انتداب منها. وإذن فمتى كان الثابت أن وكيل النيابة وإن كان قد ندب ضابط البوليس لتحقيق البلاغ المقدم من المجني عليه ضد الطاعن إلا أن المجني عليه امتنع عن إبداء أقواله أمامه فأعاد الضابط الشكوى دون تحقيق فأمر وكيل النيابة بحفظ الشكوى إدارياً، فإن هذا الأمر الذي لم يسبقه تحقيق إطلاقاً لا يكون ملزماً لها بل لها حق الرجوع فيه بلا قيد ولا شرط بالنظر إلى طبيعته الإدارية.
2 - تعديل محكمة أول درجة لتاريخ الواقعة دون أن تلفت إليه الدفاع عن المتهم لا يترتب عليه بطلان الحكم الصادر من المحكمة الاستئنافية ما دام المتهم قد علم بهذا التعديل وترافع أمام محكمة الاستئناف على هذا الأساس. لأن وظيفة المحكمة الاستئنافية إنما هي إعادة النظر في الدعوى وإصلاح ما قد يكون وقع في المحاكمة الابتدائية من أخطاء.
3 - العبرة في جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش هي بعقود الإقراض ذاتها وليست باقتضاء الفوائد الربوية، فمتى كان يبين من الحكم أن المتهم اتفق على عقد عقود ربوية لم يمض بين بدء التحقيق فيها وآخر اتفاق منها ولا بين كل اتفاق وآخر أكثر من الثلاث السنوات المقررة قانوناً لسقوط الحق في إقامة الدعوى الجنائية، فإنه بهذا يكون قد أثبت توفر ركن الاعتياد كما عرفه القانون وتكون الجريمة لم يسقط الحق في رفع الدعوى الجنائية عنها.
4 - واقعة الإقراض بالربا الفاحش والاعتياد عليها يجوز إثباتهما بكافة الطرق القانونية ومنها البينة ولو زادت القروض على ألف قرش.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: اعتاد على إقراض نقود بفائدة تزيد على الحد الأقصى الممكن الاتفاق عليه قانوناً، وطلبت عقابه بالمادة 339/ 2، 3 من قانون العقوبات. وادعى بحق مدني محمد فؤاد الحفناوي وطلب الحكم له قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة، ومحكمة مصر القديمة الجزئية سمعت الدعوى وقضت حضورياً أولاً: بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنين تبدأ من تاريخ صيرورة الحكم نهائياً وذلك عملاً بالمادة 339/ 1 من قانون العقوبات وبالمادتين 55 و56 من ذات القانون المعدلتين. وثانياً: بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية وإلزام رافعها بالمصاريف. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم طالباً إلغاءه وبراءته مما هو منسوب إليه، كما استأنفه المدعي طالباً الحكم له بالتعويض، ومحكمة مصر الابتدائية نظرت الاستئنافين المذكورين وقضت حضورياً بقبولهما شكلاً ورفضهما موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المدعي المدني بالمصاريف المدنية الاستئنافية. فطعن المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن هو الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب، ذلك أنه دفع بعدم قبول الدعوى العمومية من النيابة ضد الطاعن لسبق صدور قرار منها بالحفظ في الشكوى رقم 5133 سنة 1951 إداري مصر القديمة، وهو قرار حاز قوة الأمر المقضي فيه، ويمنع من العودة إلى رفع الدعوى، إلا أن الحكم المطعون فيه اكتفى في الرد على ذلك بترديد القاعدة القانونية دون أن يتحدث عن واقعة الشكوى وعن سير التحقيق فيها، خصوصاً وأن هذا التحقيق كان قد جرى بانتداب من النيابة.
وحيث إن المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية صريحة في أن أمر الحفظ الذي يمنع من العود إلى الدعوى العمومية إلا إذا ألغاه النائب العام أو ظهرت أدلة جديدة، إنما هو الذي يسبقه تحقيق تجريه النيابة بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبطية القضائية بناء على انتداب منها. ولما كان الثابت من الأوراق التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لهذا الوجه من الطعن، أن وكيل النيابة وإن كان قد ندب ضابط نقطة أبو السعود لتحقيق البلاغ المقدم من المجني عليه ضد الطاعن، إلا أن المجني عليه امتنع عن إبداء أقواله أمامه، فأعاد الضابط الشكوى دون تحقيق، فأمر وكيل النيابة بحفظ الشكوى إدارياً، فإن هذا الأمر الذي لم يسبقه تحقيق إطلاقاً - لا يكون ملزماً لها، بل لها حق الرجوع فيه بلا قيد ولا شرط بالنظر إلى طبيعته الإدارية، كما أن انتدابها لجاويش الاستيفاء لإعادة سؤال المجني عليه لا يعتبر انتداباً لأحد رجال الضبطية القضائية، لأن الجاويش ليس منهم طبقاً لنص المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية - لما كان ذلك فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الأوجه من الثاني إلى الرابع هو القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن النيابة العامة رفعت الدعوى العمومية ضد الطاعن بتهمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش عن فترة معلومة هي سنتا 1950 و1951، ولكن المحكمة دانته على أساس وقائع مقول حصولها في السنوات 46 و48 و49 و50 و1951 دون أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التعديل الذي يتضمن في حقيقته اتهاماً جديداً، ولم يتحدث الحكم المطعون فيه عن ماهية هذا التعديل وأثره، واكتفى بقوله أن لا تثريب على المحكمة إذا هي تولت تعديل تاريخ الواقعة بما يتفق مع الوقائع المطروحة أمامها، طالما أن هذا التعديل لم يترتب عليه إخلال بحق دفاع الطاعن دون أن تبين كيف أن هذا التعديل لا يؤثر على حقوق الطاعن.
وحيث إن الثابت من الحكم أن النيابة العامة رفعت الدعوى ضد الطاعن بأنه في خلال سنتي 51 و52 بدائرة مصر القديمة اعتاد إقراض نقود بفائدة تزيد على الحد الأقصى الممكن الاتفاق عليه قانوناً الأمر المعاقب عليه بالمادة 339/ 2، 3 عقوبات، ولكن محكمة أول درجة عدلت على ضوء ما أثبته الحكم من وقائع الإقراض - تاريخ الجريمة وجعلته شاملاً أعوام 48 و49 و50 و1951. فاستأنف الطاعن الحكم، وقضى بتأييد الحكم الابتدائي. ولما كان تعديل محكمة أول درجة لتاريخ الواقعة دون أن تلفت إليه الدفاع عن المتهم لا يترتب عليه بطلان الحكم الصادر من المحكمة الاستئنافية ما دام المتهم قد علم بهذا التعديل وترافع أمام محكمة الاستئناف على هذا الأساس، لأن وظيفة المحكمة الاستئنافية إنما هي إعادة النظر في الدعوى وإصلاح ما قد يكون وقع في المحاكمة الابتدائية من أخطاء. وقد رد الحكم المطعون فيه على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص بقوله: "ولا تثريب على محكمة أول درجة إذا ما تولت تعديل تاريخ الواقعة بما يتفق مع الوقائع المطروحة أمامها طالما أن هذا التعديل لم يترتب عليه ثمت إخلال بحق الدفاع، ولذلك يتعين تأييد ذلك الحكم في هذا الصدد". وكان ما قاله الحكم في ذلك صحيحاً في القانون، فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى وجوه الطعن الأخرى هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على بطلان في الإجراءات، وإخلال بحق الدفاع، وخطأ في الإسناد، وقصور في التسبيب، ذلك أن الحكم استند في إدانة الطاعن إلى أقوال الشهود في التحقيقات الإدارية التي أجرتها وزارة المعارف في غيبة المتهم، ولم تتوفر فيها الضمانات الكافية، إذ لم يباشر إجراءها أحد من مأموري الضبطية القضائية، ولم يحلف فيها الشهود اليمين القانونية، ثم أن الحكم اتخذ من أقوال الشهود دليلاً على قيام القروض التي يدعونها، مع أن هذه القروض قد صدرت بها أحكام مدنية بين الطاعن وأصحاب الشأن، مما مقتضاه عدم قبول شهاداتهم في هذا الخصوص. كما أن الحكم أخطأ في الإسناد إذ قرر أن قرض إبراهيم دسوقي علي حصل في سنة 1948، مع أنه حصل في أول يونيه سنة 1946، كما أخطأ في تأويل القانون بصدد الدفع بسقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية بمضي المدة إذ جعل تاريخ عقد القرض هو نفس تاريخ وقوع الجريمة. هذا وقد جاءت أسباب الحكم قاصرة عن بيان أركان الجريمة، إذ خلت من بيان المجني عليهم وقروضهم ومددها وفوائدها. هذا بالإضافة إلى أن الحكم أسند إلى الطاعن أنه أقر في تحقيقات النيابة بأنه تولى إقراض الشهود سواء الذي سئلوا أمام النيابة أو في التحقيقات الإدارية، دون أن يذكر شيئاً عن مدى هذا الإقرار في تفصيل يقتضيه الاتهام في الدعوى، وهو على كل حال لا يتضمن إقراراً بالربا الفاحش.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصرها القانونية، وأورد على ثبوتها في حق الطاعن أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها - لما كان ذلك، وكانت العبرة في جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش، هي بعقود الإقراض ذاتها، وليست باقتضاء الفوائد الربوية وكان يبين من الحكم أن المتهم اتفق على عقد عقود ربوية لم يمض بين بدء التحقيق فيها وآخر اتفاق منها، ولا بين كل اتفاق وآخر، أكثر من الثلاث سنوات المقررة قانوناً لسقوط الحق في إقامة الدعوى، فإنه بهذا يكون قد أثبت توفر ركن الاعتياد كما عرفه القانون، وتكون الجريمة لم يسقط الحق في رفع الدعوى عنها - لما كان ذلك، وكانت واقعة الإقراض بالربا الفاحش يجوز إثباتها وإثبات الاعتياد عليها بكافة الطرق القانونية ومنها البينة، ولو زادت القروض على ألف قرش، وكان من حق المحكمة أن تكون عقيدتها من أي دليل من أدلة الدعوى بما في ذلك أوراق التحقيقات الإدارية، ما دامت قد طرحت على بساط البحث في الجلسة، وكان ما يدعيه الطاعن بشأن الخطأ في الإسناد في خصوص قرض إبراهيم دسوقي علي غير صحيح، إذ أن ما أورده الحكم في شأنه هو صورة صحيحة لما جاء بمحضر جلسة محكمة أول درجة، وكانت المحكمة غير ملزمة بأن ترد في حكمها على كل جزئية من جزئيات الدفاع، إذ في تعويلها على شهادة شهود الإثبات، وإطراحها لما عداها، معناه أنها لم تر في غيرهم ما يصح الركون إليه - لما كان ذلك كله، فإن ما يثيره الطاعن في طعنه لا يخرج عن كونه جدلاً في موضوع الدعوى وعوداً إلى مناقشة أدلة الثبوت في واقعتها مما يستقل به قاضي الموضوع دون معقب عليه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.