أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 379

جلسة 19 من مارس سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل ومحمد محمد حسنين، وفهيم يسى الجندي - المستشارين.

(112)
القضية رقم 2014 سنة 25 القضائية

( أ ) تهديد. القصد الجنائي. متى يتحقق؟
(ب) تهديد. حكم. تسبيبه. القصد الجنائي. التحدث عنه استقلالاً. غير لازم.
1 - القصد الجنائي في جريمة التهديد يتحقق متى كان الجاني مدركاً وقت مقارفته الجريمة أن أقواله أو كتابته من شأن أيهما أن يزعج المجني عليه وقد تكرهه في صورة التهديد المصحوب بطلب أو تكليف بأمر على أداء ما هو مطلوب منه أو فعل ما هو مأمور به بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى معرفة الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه.
2 - لا يلزم التحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في جريمة التهديد بل يكفي أن يكون مفهوماً من عبارات الحكم وظروف الواقعة كما أوردها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: الأول - هدد رياض مرقص قلته كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس وكان هذا التهديد مصحوباً بطلب بأن أرسل له خطاباً بالبريد يهدده فيه بالخطف أو القتل إن لم يرسل له مبلغ 50 جنيهاً في مدة معينة ثم أتبعه بخطاب آخر يحثه على ضرورة تنفيذ الطلب وينذره فيه بتنفيذ وعيده السابق وإرساله إليه. الثاني - اشترك مع المتهم الأول بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمة السالفة الذكر بأن اتفق معه على إرسال الخطابين المشار إليهما إلى المجني عليه وساعده في تحريرهما في محله وبإملائه فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق والمساعدة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40/ 2 - 3 و41 و327 من قانون العقوبات. فقررت بذلك، ومحكمة جنايات أسيوط نظرت هذه الدعوى وقضت حضورياً عملاً بالمادة 327/ 1 من قانون العقوبات للأول والمواد 327/ 1 و40/ 2 - 3 و41 من القانون المذكور للثاني مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون للاثنين بمعاقبة كل من سامي صاروفيم سيداروس وفهيم يني داود بالحبس مع الشغل لمدة سنة. فطعن الطاعنان بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعن الأول قرر بالطعن على الحكم إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه فهو غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني قد استوفى الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن الطاعن الثاني يعيب على الحكم المطعون فيه القصور في الأسباب إذ دانه بالاشتراك في التهديد استناداً إلى ما شهدت به سعدية ابنة المجني عليه من أنها رأته عندما انصرف من دكانه بعد كتابة الخطاب ليضعه في صندوق البريد مع أن موقفه وهو في دكانه لا يختلف عن موقف غيره ممن كانوا به وفي حين أنها لم تكن تستطيع أن تميز ما حواه الخطاب وهي تطل من مسكنها الذي يفصله عن الدكان طريق ومع عدم توفر الدليل على أن الخطاب الذي قالت عنه ابنة المجني عليه هو بعينه خطاب التهديد. هذا إلى أن المجني عليه قرر في التحقيق ما مؤداه أن ما أقدم عليه المتهمان إنما هو مجرد عبث وأنهما يعلمان بفقره مما تنتفي به نية التهديد التي قصر الحكم في التدليل عليها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الثاني بتهمة الاشتراك في تهمة التهديد المصحوب بطلب قد بين واقعة الدعوى بما تتحقق معه العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها وأورد على ثبوت عناصرها في حق الطاعن أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ورد على دفاع الطاعن بما حصله من أقوال المجني عليه وابنته مما مؤداه أنه بعد أن أبلغ النيابة بالحادث اشتبه في الطاعن الذي يدير محلاً مقابلاً لمسكنه الواقع أعلى مكتب البريد بسبب ما بينهما من خلاف ولما كان يأتيه من حركات وإشارات تنم عن معنى القتل ولم تمض ثلاثة أيام على وصول الخطاب بالتهديد الأول حتى لاحظت ابنة المجني عليه أن المتهم الأول كان يكتب خطاباً بإملاء المتهم الثاني "الطاعن" الذي وضعه في مظروف وانصرف ليلقي به في صندوق البريد فلما فتح المجني عليه الصندوق في المساء وهو منوط بذلك بحكم عمله "وجد به الخطاب وهو يتضمن إشارة إلى الخطاب الأول وإنذاراً بتنفيذ الوعيد إذا هو لم ينفذ ما طلب منه" ثم أشار الحكم إلى ما دلت عليه مضاهاة خط هذا الخطاب ومظروفه على خط المتهم الأول من أنهما كتبا بخطه. وخلص من ذلك كله إلى أن دفاع الطاعن مردود بأن الخصومة قائمة بين المجني عليه وبينه مما أدى إلى الاشتباه فيه لما كان يحدث بينهما من مشاغبات وأن الخطاب الذي قالت عنه ابنة المجني عليه كان يكتب بإرشاد هذا الطاعن وإملائه وانتهى في استخلاص سائغ إلى "أن الطاعن شريك بالاتفاق والمساعدة في جريمة التهديد المصحوب بطلب". لما كان ذلك وكان القصد الجنائي في جريمة التهديد يتحقق متى كان الجاني مدركاً وقت مقارفته الجريمة أن أقواله أو كتابته من شأن أيهما أن يزعج المجني عليه وقد تكرهه في صورة التهديد المصحوب بطلب أو تكليف بأمر على أداء ما هو مطلوب منه أو فعل ما هو مأمور به بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى معرفة الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه.
لما كان ذلك وكان لا يلزم التحدث عن هذا القصد استقلالاً بل يكفي أن يكون مفهوماً من عبارات الحكم وظروف الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه ولما كان ما نسبه الطاعن في أسباب طعنه إلى المجني عليه من وصفه لهذا الفعل بأنه من عبث الصغار فإنه فضلاً عن عدم جدواه إزاء صراحة عبارات الخطاب التي تضمنت التهديد بالقتل والخطف فإنه مردود بما أثبته الحكم فعلاً عن المجني عليه ذاته من أنه تولاه الخوف والفزع من وصول الخطاب إليه وبذلك يكون الطعن المقدم من الطاعن الثاني على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.