أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 7 - صـ 382

جلسة 19 من مارس سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل ومحمد محمد حسنين، وفهيم يسى الجندي - المستشارين.

(113)
القضية رقم 41 سنة 26 القضائية

( أ ) وصف التهمة. دفاع. مرافعة النيابة على أساس أن المتهم وحده هو محدث إصابات المجني عليه بسكين. مرافعة الدفاع على هذا الأساس ذاته. تحقق الغرض الذي توخاه الشارع من تنبيه الدفاع.
(ب) اشتراك. قصد احتمالي. قتل عمد. مسئولية محدث الإصابة عن النتائج المحتملة لها.
(ج) أسباب الإباحة وموانع العقاب. نقض. أسباب موضوعية. دفاع شرعي. قيام حالته. تقدير ذلك. موضوعي.
1 - متى تبين أن ممثل الادعاء ترافع في جلسة المحاكمة على أساس أن المتهم هو وحده الذي أحدث إصابات المجني عليه بسكين كما ترافع محامي المتهم على هذا الأساس ذاته فإن مؤدي ذلك أن الغرض الذي توخاه الشارع من تنبيه الدفاع وهو أن يدفع المتهم عن نفسه تهمة طعن المجني عليه بالسكين التي رأت المحكمة أن تدينه بها طبقاً لما تكشفت عنه واقعة الدعوى أمامها، هذا الغرض يكون قد تحقق.
2 - ما دام الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن الوفاة نشأت عن الإصابة التي أحدثها المتهم بالمجني عليه، فإنه يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها منها، ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أن المجني عليه كان متعمداً تجسيم المسئولية.
3 - قيام حالة الدفاع الشرعي مسألة موضوعية بحتة لمحكمة الموضوع تقديرها بحسب ما يقوم لديها من الأدلة والظروف إثباتاً ونفياً ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت الأدلة التي توردها توصل عقلاً إلى النتيجة التي تنتهي إليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه مع آخر حكم ببراءته قتلا عمداً علي سليمان علي مع سبق الإصرار على ذلك والترصد بأن بيتا النية على قتله وتربصا له في الطريق حتى إذا أقبل طعنه المتهم الأول بسكين والمتهم الثاني (الطاعن) بحربة في رقبته قاصدين بذلك قتله فأحدثا الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية. وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمادتين 230 و232 من قانون العقوبات. فقررت بذلك وسمعت محكمة جنايات أسيوط هذه الدعوى وقضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة مثاوس يسى نجيب بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً: وذلك على اعتبار أن المتهم في الزمان والمكان سالفي الذكر قتلا عمداً علي سليمان علي بأن طعنه بسكين في رقبته قاصداً بذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض ومحكمة النقض نظرت هذا الطعن وقضت بتاريخ 9 من يونيه سنة 1954 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات أسيوط للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وقيد هذا الطعن برقم 622 سنة 24 القضائية. ومحكمة جنايات أسيوط نظرت هذه القضية للمرة الثانية وقضت فيها حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة مثاوس يسى نجيب بالأشغال الشاقة مدة عشر سنين. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية.... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخل بحق الطاعن في الدفاع - إذ دانه بجريمة القتل العمد على اعتبار أنه طعن المجني عليه بسكين فأحدث به الإصابتين اللتين أودتا بحياته في حين أن تقرير الاتهام المعلن إليه قد ورد به أنه أحدث بالمجني عليه إصابة واحدة من حربة لا من سكين وذلك دون أن تنبه المحكمة الدفاع إلى هذا التغيير.
وحيث إنه لما كان يبين من الأوراق أن ممثل الادعاء قد ترافع في جلسة المحاكمة على أساس أن الطاعن هو وحده الذي أحدث إصابات المجني عليه بسكين، وكان وكيل الطاعن الذي تولى الدفاع عنه قد ترافع على هذا الأساس ذاته - وكان مؤدي ذلك أن الغرض الذي توخاه الشارع من التنبيه - وهو أن يدفع المتهم عن نفسه التهمة التي رأت المحكمة أن تدينه بها طبقاً لما تكشفت عنه واقعة الدعوى أمامها - هذا الغرض قد تحقق فعلاً - لما كان ما تقدم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجهين الثاني والسادس من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبب وفساد في الاستدلال إذ اعتمدت المحكمة على أقوال الخفيرين عبد الحافظ وغالي بالجلسة وهما من أتباع العمدة قريب المتهم الآخر الذي قضى ببراءته مع أن هذه الأقوال تناقض ما شهد به في التحقيق وتختلف عما شهد به المجني عليه وشاهداه محمود تمام وحامد محمد عبد الرحمن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه أركان الجريمة التي دان الطاعن بها واستند في ذلك إلى الأدلة التي أوردها والتي تؤدي إلى ما رتب عليها - لما كان ذلك وكان للمحكمة أن تأخذ من أدلة الدعوى بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه مما لا تطمئن إليه - وكان لها أن تأخذ بقول للشاهد في الجلسة يخالف قولاً آخر له في التحقيق الابتدائي من غير أن تبين العلة في ذلك ما دام الأمر موكولاً لاقتناعها - وهي غير ملزمة بتعقب أوجه الدفاع الموضوعية التي يثيرها المتهم - لما كان ما تقدم فإن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين من الطعن لا يعدو أن يكون جدلاً في موضوع الدعوى مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه فساد في الاستدلال إذ رفضت المحكمة ما دفع به الطاعن من أن الوفاة نشأت عن سوء العلاج الذي ترتب عليه تقيح الجروح وحدوث نزيف ثانوي - وكان رفضها بسبب عدم قيام الدليل على هذا الدفاع مع أن المتهم غير مكلف بإقامة الدليل.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أخذ بما جاء في تقرير الصفة التشريحية من أن الإصابتين اللتين بالمجني عليه هما نتيجة الطعن بآلة صلبة حادة كسكين وأن الوفاة نتيجة النزيف الثانوي الذي نشأ عن التقيح الذي ضاعف الإصابة - وتعرض لدفاع الطاعن من أن الوفاة نتيجة إهمال في العلاج ورد عليه بأنه قول لا سند له ولا دليل عليه - وهو قول صحيح في القانون وسائغ في المنطق إذ أن حدوث التقيح لا يعتبر في ذاته دليلاً على إهمال العلاج ومع ذلك فإنه ما دام الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن الوفاة قد نشأت عن الإصابتين اللتين أحدثهما الطاعن بالمجني عليه وأنه يكون مسئولاً عن جميع النتائج المتحمل حصولها منهما، ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً تجسيم المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن - لما كان ذلك فإن هذا الوجه من الطعن أيضاً يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه جاء قاصر البيان في استظهار نية القتل إذ اكتفى بالقول بأنها ثابتة من استعمال آلة قاتلة ومن التحقيقات وظروف الدعوى من غير أن يبين كيف دلت هذه التحقيقات وهذه الظروف على توافر هذه النية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تكلم عن توافر نية القتل استقلالاً فقال "وحيث إن نية القتل لدى المتهم ثابتة من التحقيقات وظروف الدعوى ومن استعماله آلة قاتلة سكين بحدين وطعنه بها المجني عليه طعنتين في رقبته مما تستخلص منه المحكمة أنه قصد بلا شك قتل المجني عليه وإزهاق روحه" ولما كان هذا الذي أورده الحكم كافياً في إثبات توافر نية القتل - وكان توافر هذه النية أمراً موضوعياً تفصل فيه محكمة الموضوع من غير معقب عليها ما دام أنها أوردت الأدلة السائغة التي استخلصت منها ثبوتها وكان الحكم قد ألم في صدره بما تم في الدعوى من تحقيقات وما اكتنفها من ظروف وأتى بمضمون أقوال الشهود والتقارير الطبية، فلا تثريب عليه إذ هو أشار إلى هذه الظروف والتحقيقات عند تحدثه عن نية القتل دون إعادة بيانها - لما كان ذلك، فإن الجدل على الصورة الواردة في الطعن يكون جدلاً موضوعياً لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه جاء قاصر البيان في الرد على ما دفع به الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي إذ كان للطاعن وقد سرقه المجني عليه أن يتعقبه ويضبطه وما كان لهذا الأخير أن يقاومه أو يعتدي عليه بالضرب بعصا - وإذا لم يكن الطاعن في حالة دفاع شرعي فإنه يكون على أسوأ الفروض قد تجاوز هذا الدفاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على ما أثاره الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي فقال "وحيث إن قول المتهم بلسان محاميه من أنه لو صح وكان هو المعتدي على المجني عليه فإنه يكون في حالة دفاع شرعي عن ماله - هذا القول مردود لأن المتهم لم يقل في التحقيق بأن المجني عليه سرق شيئاً من زراعته، بل قال بأنه رأى المجني عليه وأخاه في حقله بقصد سرقة ذرة لمواشيهما وأنه لما أن وقع نظرهما عليه فرا هاربين وأنه جرى في أثرهما إلى أن لحق بالمجني عليه عند البلدة - وواضح مما تقدم أنه لم يقع تعد على مال المتهم يبيح له الدفاع عنه وقد هرب المجني عليه على حد قول المتهم بمجرد أن وقع نظره عليه والقانون لا يبيح له أن يطارده من الحقل إلى البلدة والمسافة بينهما نحو 2 كيلو متر ثم يطعنه بسكين ذات حدين طعنتين خطيرتين في مقتل بمجرد أن رآه في حقله وظن أنه جاء لسرقة ذرة أو عيدان ذرة لمواشيه وقول الدفاع بأنه إن صح وكان المتهم هو المعتدي على المجني عليه فإنه يكون في حالة دفاع شرعي عن نفسه استناداً إلى أقوال الخفيرين غالي جندي شنودة وعبد الحافظ محمدين بأن المجني عليه ضرب المتهم بعصا وأن المتهم طعنه بعدئذ بالسكين - هذا القول مردود من أساسه لأنه لم يشاهد بالمتهم أثر لضربه ويكون قول الخفيرين بصدد تعدي المجني عليه على المتهم بالضرب قولاً يعوزه الدليل - ولما كان ما أورده الحكم ينفي حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة في القانون، وكانت حالة الدفاع الشرعي مسألة موضوعية بحتة لمحكمة الموضوع تقديرها بحسب ما يقوم لديها من الأدلة والظروف إثباتاً ونفياً ولا رقابة لمحكمة النقص عليها في ذلك ما دامت الأدلة التي أوردتها لنفي حالة الدفاع توصل عقلاً إلى النتيجة التي انتهى الحكم إليها. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.