أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 7 - صـ 481

جلسة 3 من إبريل سنة 1956

برياسة السيد المستشار حسن داود، وحضور السادة محمود إبراهيم إسماعيل؛ ومصطفى كامل ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(141)
القضية رقم 840 سنة 25 القضائية

اشتباه. تطبيق م 32 عقوبات في جريمة الاشتباه والجريمة أو الجرائم الأخرى التي يرتكبها المشتبه فيه. لا محل له.
إن حالة الاشتباه تقتضي دائماً توقيع جزائها مع جزاء الجريمة أو الجرائم الأخرى التي يرتكبها المشتبه فيه وذلك أخذاً بعموم القاعدة المنصوص عليها في المادة 33 من قانون العقوبات يستوي في ذلك أن ترفع الدعوى العمومية عن الاشتباه في قرار واحد مع الجريمة الجديدة أو بقرار على حدة، ولا محل لسريان حكم المادة 32 من قانون العقوبات في هذه الحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده. بأنه عاد لحالة الاشتباه بأن حكم عليه في القضية رقم 2312 سنة 1953 جنح الرمل لسرقة رغم سبق الحكم عليه في القضية رقم 717 سنة 1948 جنح إسكندرية بالمراقبة للاشتباه. وطلبت عقابه بالمواد 5/ 1 و6/ 2 و8 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945. ومحكمة جنح كرموز الجزئية قضت عملاً بمواد الاتهام حضورياً واعتبارياً بحبس المتهم ثلاثة شهور بالشغل والنفاذ وبوضعه تحت مراقبة البوليس في المكان الخاص الذي يعينه وزير الداخلية لمدة سنة تبدأ من تاريخ إمكان التنفيذ عليه ومع النفاذ بلا مصاريف. فاستأنف المتهم الحكم ومحكمة إسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية قضت غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون ذلك أن المحكمة المطعون في حكمها إذ قضت ببراءة المطعون ضده قد أسست قضاءها على ما قاله من أنه كان يجب أن يحاسب المهتم عن تهمتي السرقة والعود للاشتباه معاً مع تطبيق المادة 32 للحكم بعقوبة واحدة، وانتهى الحكم إلى الاكتفاء بالعقوبة المحكوم بها في قضية السرقة قالت المحكمة ذلك مع أن الشخص العائد للاشتباه يحكم عليه طبقاً للمادة 6/ 2 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 بالحبس والمراقبة وهما عقوبتان أصليتان مما يجعل جريمة العود للاشتباه في هذه الحالة أشد عقوبة من السرقة ومتى رفعت الدعوى عن جريمة الاشتباه فيتعين على المحكمة أن تقضي بالإدانة مع خصم المدة التي يكون المحكوم عليه قد نفذها من الحكم الآخر أو تراعي المحكمة في تقديرها ما سبق الحكم به في الجريمة الأخف، أما وقد قضت بالبراءة فإنها تكون مخطئة في تطبيق القانون وطلبت النيابة العامة تطبيق القانون على وجهه الصحيح.
وحيث إن النيابة العامة رفعت الدعوى على المطعون ضده بأنه عاد لحالة الاشتباه بأن حكم عليه في الجنحة 2312 سنة 53 الرمل لسرقة رغم سبق الحكم عليه في القضية 717 سنة 1948 كرموز بالمراقبة للاشتباه وطلبت معاقبته بالمادتين 5 و6 فقرة ثانية من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 فقضت محكمة أول درجة بحبس المتهم ثلاثة شهور والنفاذ وبوضعه تحت مراقبة البوليس في المكان الذي يعينه وزير الداخلية لمدة سنة تبدأ من تاريخ إمكان التنفيذ عليه، ولما استأنف المحكوم عليه قضت محكمة ثاني درجة بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مستندة إلى ما قالته. "إن المحكمة حين محاسبة المتهم عن تهمة السرقة كان عليها أن تحاسبه أيضاً عن تهمة العود للاشتباه الحالية وتطبق بخصوص التهمتين المادة 32 عقوبات ولكنها لم تفعل فيتعين مراعاة تطبيقها الآن والاكتفاء بما حكم به في القضية 2312 سنة 1953 جنح الرمل وإلغاء الحكم وتبرئة المتهم".
وحيث أن الاشتباه هو وصف يقوم بذات المشتبه فيه عند تحقق شروطه القانونية، وهذا الوصف بطبيعته ليس فعلاً مما يحس في الخارج ولا واقعة مادية يدفعها نشاط الجاني إلى الوجود كما هو الحال في ارتكاب الجرائم الأخرى، وإنما افترض الشارع بهذا الوصف كمون خطر في شخص المتصف به، ورتب عليه - إذا بدر من المشتبه فيه ما يؤكد هذا الخطر - وجوب إنذاره أو معاقبته كنتيجة على تجدد حالة الاشتباه واتصال فعله الحاضر بماضيه الذي انتزع منه هذا الوصف، ولما كان وصف الاشتباه بهذا المعنى رهناً بثبوت مقومات خاصة جعلها الشارع أمارة على ميل المشتبه فيه لنوع من الإجرام فقد خول القاضي أن يصدر حكماً واجب التنفيذ فوراً إما بإنذار المشتبه فيه بأن يسلك سلوكاً مستقيماً أو أن يوقع عليه عقوبة المراقبة.
وحيث إنه لما كان الأصل في تعدد الجرائم الذي يستوجب تطبيق أحكام المادة 32 من قانون العقوبات، أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبت دون أن يحكم في واحدة منها، وكان اجتماع صفة الاشتباه مع ارتكاب المشتبه فيه جريمة من الجرائم التي نص عليها المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 في مادته الخامسة والتي تجعله مستحقاً للعقوبة، ليس في هذا الاجتماع ما يسمح قانوناً باعتبار حالة الاشتباه من الأحوال التي تخضع لحكم التعدد المادي أو المعنوي الصوري الذي يوجب توقيع عقوبة واحدة هي المقررة لأشد الجرائم المتعددة، ذلك بأن ثبوت صفة الاشتباه لا يفيد أكثر من أن المشتبه فيه أصبح مصدر خطر على أمن الناس وعلى حقوقهم، وأنه وإن كان القانون قد عد حالة الاشتباه حالة إجرامية إلا أنها ما زالت متجردة عن ذلك النشاط الذي يمارسه الجاني عندما يقارف جريمة من الجرائم مما يجعل الناس يحسون بأثرها الظاهر لهم، يؤيد هذا النظر ما نص عليه الشارع في المادة الخامسة المشار إليها من أنه "يعد مشتبهاً فيه كل شخص تزيد سنة على خمس عشرة سنة حكم عليه أكثر من مرة في إحدى الجرائم الآتية..." مما مفاده أن الشارع يسوغ توافر حالة الاشتباه المعاقب عليها مع وجود حكم سابق بالإدانة وما نصت عليه المادتين 6، 7 من إيجاب معاقبة المشتبه فيه بعقوبة المراقبة أو بها مع الحبس في حالة العود وما جاء بالمادة الثامنة من وجوب تنفيذ الأحكام التي تصدر على المشتبه فيه ولو مع حصول استئنافها، ومقارنة هذه النصوص التي وردت متعاقبة الترتيب بالمرسوم بقانون 98 لسنة 1945 يدل بغير شبهة على أن الشارع أوجب للمشتبه فيه عقوبة مستقلة عن العقوبة التي استحقها على الجريمة الأخرى، يوقعها القاضي عليه كلما رأى فيما يثبت وقوعه منه - بوصف كونه مشبوهاً - مظهراً من مظاهر خطورته، فيه نوع من المساس بالأمن العام - ومتى تقرر ذلك أمكن القول بأن حالة الاشتباه تقتضي دائماً توقيع جزائها مع جزاء الجريمة أو الجرائم الأخرى التي يرتكبها المشتبه فيه وذلك أخذاً بعموم القاعدة المنصوص عليها في المادة 33 من قانون العقوبات يستوي في ذلك أن ترفع الدعوى العمومية عن الاشتباه في قرار واحد مع الجريمة الجديدة أو بقرار على حدة، ولا محل لسريان حكم المادة 32 من قانون العقوبات في هذه الحالة، والقول بغير ذلك يترتب عليه تعطيل نصوص العقاب الذي فرضه الشارع لجرائم الاشتباه وانحراف عن الغاية التي تغياها من هذه النصوص.
وحيث إن هذه المحكمة سبق لها أن قررت هذا المبدأ في ظل القانون رقم 24 لسنة 1923 عن المتشردين والأشخاص المشتبه فيهم، وذلك بحكمها الصادر بتاريخ 22 من مايو سنة 1930 في الطعن رقم 1109 سنة 47 ق، وأنها وإن كانت قد قضت بعد ذلك على خلاف حكمها الأول وذلك بالحكم الصادر بتاريخ 12 من مايو سنة 1953 في الطعن رقم 441 سنة 23 ق إلا أنها ترى أن رجوعها إلى تقرير المبدأ السابق هو الأكثر انطباقاً على القانون والأقرب مسايرة لغرض الشارع.
وحيث إنه بناء على ما تقدم يكون حكم محكمة أول درجة بمعاقبة المطعون ضده بالحبس ثلاثة شهور وبوضعه تحت مراقبة البوليس لمدة سنة تبدأ من تاريخ إمكان التنفيذ عليه هو قضاء أصاب وجه التطبيق السليم للقانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضي ببراءة المتهم قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله بما يتعين معه نقضه وتأييد الحكم الابتدائي الصادر من محكمة كرموز الجزئية بتاريخ 27 من أبريل سنة 1954.


ملحوظة: أصدرت المحكمة حكمين آخرين بهذا المبدأ بذات الجلسة في القضيتين رقم 841 و842 سنة 25 قضائية.