أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 50 - صـ 419

جلسة 22 من يوليو سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ د. عادل قورة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد عبد الرحمن ووفيق الدهشان ورضا القاضي والسعيد برغوث نواب رئيس المحكمة.

(99)
الطعن رقم 9731 لسنة 67 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تحصيل الحكم من أقوال الشهود ما له صداه وأصله في الأوراق. ينتفي معه الخطأ في الإسناد.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(2) إثبات "قوة الأمر المقضي". دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه في المسائل الجنائية. شرطه؟ المادة 454 إجراءات.
(3) محاكم أمن الدولة "التصديق على أحكامها". قانون "تفسيره".
الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة العليا لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها. أساس وأثر ذلك؟
(4) إثبات "قوة الأمر المقضي". محاكم أمن الدولة "التصديق على أحكامها". إجراءات "إجراءات المحاكمة". قانون "تفسيره". دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها". حكم "حجيته". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التصديق على أحكام محاكم أمن الدولة الصادرة بالبراءة بعد إعادة المحاكمة. شرط لكسبها قوة الأمر المقضي. أساس ذلك ومؤداه؟
الحكم الصادر من محاكم أمن الدولة طوارئ الذي لم يصدق عليه. غير منه للخصومة.
قضاء الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها عن الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة طوارئ بالبراءة الغير المصدق عليه. صحيح.
(5) دعوى جنائية. حكم "حجيته". محاكم أمن الدولة. اختصاص "الاختصاص الولائي". نيابة عامة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدعوى الجنائية تظل قائمة إلى أن يصدر في موضوعها حكم نهائي بالإدانة أو بالبراءة.
عدم تصديق السلطة المختصة على الحكم الصادر بالبراءة لعدم اختصاص محكمة أمن الدولة طوارئ. لا يحول دون تحريك النيابة العامة الدعوى الجنائية أمام القضاء العادي.
(6) إثبات "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. المجادلة في ذلك. غير مقبولة.
مثال لتسبيب سائغ في جريمة قتل عمد.
(7) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إليها من مطاعن. موضوعي.
(8) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(9) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها والتعويل عليها. موضوعي.
أخذ المحكمة بشهادة الشهود. مفاده؟
(10) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله مع غيره. لا يعيب الحكم. متى استخلص الإدانة منها استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(11) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر نية القتل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قصد القتل. أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاصه موضوعي.
الجدل الموضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى. غير جائز أمام النقض.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر قصد القتل في جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار وحمل سلاح.
(12) ظروف مشددة. سبق إصرار. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني استفادتها من وقائع وظروف خارجية.
العبرة في سبق الإصرار بما يقع في الزمن بين التفكير والتدبير للجريمة. وليست بمضي المدة بين التصميم عليها ووقوعها. المجادلة في ذلك أمام النقض. غير جائزة.
مثال لتسبيب سائغ لاستخلاص ظرف سبق الإصرار في جريمة قتل عمد.
(13) عقوبة "العقوبة المبررة". ظروف مشددة. سبق إصرار. نقض "المصلحة في الطعن". قتل عمد.
انعدام مصلحة الطاعن في المجادلة بتوافر سبق الإصرار. ما دامت العقوبة الموقعة عليه تدخل في الحدود المقررة للقتل العمد مجرداً من أي ظرف مشدد.
(14) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بإجابة الطلب الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصولها. علة ذلك؟
1 - لما كان البين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن ما حصله الحكم من أقوال شهود الإثبات وهم..... و...... و......... والرائد...... رئيس مباحث مركز أسيوط والتقرير الطبي الشرعي والتقارير الفنية له صداه وأصله الثابت في الأوراق، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الشأن لا يكون له محل بما تنحل معه منازعته في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة ومصادرة لها في عقيدتها وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض.
2 - إن المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه والوقائع المسندة إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو بالإدانة وإذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون" وكان مفاد هذا النص - على ما استقرت عليه أحكام محكمة النقض - أنه يشترط للدفع بقوة الشيء المحكوم فيه في المسائل الجنائية بما يتعين معه الامتناع عن نظر الدعوى أن يكون هناك حكم جنائي نهائي في الموضوع بالبراءة أو بالإدانة سبق صدوره في محكمة جنائية معينة وأن يكون بين هذه المحاكمة والمحاكمة التالية التي يراد التمسك فيها بهذا الدفع اتحاد في الموضوع والسبب وأشخاص المتهمين.
3 - نصت المادة 12 من القانون 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ على أن الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة العليا لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية، فإن مقتضى هذا الإطلاق أن جميع الأحكام الصادرة من هذه المحاكم لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من السلطة المختصة، يستوي في ذلك أن تكون هذه الأحكام صادرة ابتداء أو بعد إعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى بناء على أمر سلطة التصديق.
4 - لما كان ما نصت عليه المادة 14 من القانون 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ من وجوب التصديق على الحكم إذا صدر بالبراءة بعد إعادة المحاكمة، فقد جاء نص المادة 12 من القانون المشار إليه بصيغة العموم فلا يصح تخصيصه بغير مخصص، بل إن المادة 14 المشار إليها إذ أوجبت التصديق على الحكم الصادر بالبراءة من محاكم أمن الدولة بعد إعادة المحاكمة فقد دلت على أن هذه الأحكام لا تكتسب قوة الأمر المقضي إلا بعد التصديق عليها شأنها في ذلك شأن سائر الأحكام الصادرة من تلك المحاكم، ولو شاء المشرع غير هذا النظر لما أعوزه النص على أن يصبح الحكم نهائياً بقوة القانون إذا صدر بالبراءة بعد إعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى دون تطلب التصديق عليه. مثلما ذهب إليه المشرع في ذات القانون حين نص في المادة السادسة منه على أن قرار المحكمة بالإفراج المؤقت عن المتهم يكون نافذاً ما لم يعترض عليه رئيس الجمهورية فإذا اعترض أحيل الاعتراض إلى دائرة أخرى ويكون قرار المحكمة في هذه الحالة نافذاً. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة العليا طوارئ - أسيوط - بجلسة الثالث من يونيه سنة 1995 لم يصبح نهائياً لعدم التصديق عليه من السلطة المختصة بذلك طبقاً للمادة 12 من القانون 162 لسنة 1958 فإنه يكون غير منه للخصومة، ولا تكون له قوة الأمر المقضي عند الفصل في موضوع الدعوى الجنائية الماثلة. ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها قد أصاب صحيح القانون بما يضحي معه نعي الطاعن في هذا الصدد غير سديد.
5 - من المقرر أن الدعوى الجنائية تظل قائمة إلى أن يصدر في موضوعها حكم نهائي بالإدانة أو بالبراءة، وكان الثابت من المفردات المضمومة أن السلطة المختصة بالتصديق لم تصدق على الحكم الصادر ببراءة الطاعن بسبب عدم اختصاص محكمة أمن الدولة طوارئ بنظر الدعوى فإنه ليس ثمة ما يحول - من بعد - النيابة العامة وقد تلقت أوراق الدعوى وبين تحريك الدعوى الجنائية قبل الطاعن أمام القضاء العادي، ويكون منعى الطاعن ببطلان قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات وبطلان محاكمته أمامها غير سديد.
6 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الدفاع عن الطاعن عن قيام التناقض بين أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية الخاصة بالمجني عليهما ورد عليه بقوله "وكان ما أثاره الدفاع من وجود تناقض بين ما قرره الشهود وما جاء بتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليهما..... و...... فغير سديد ذلك أنه لما كان الثابت من جماع أقوال الشهود والذين وثقت بشهادتهم هذه المحكمة واطمأنت إليها كل الاطمئنان لاتساقها مع الواقع في الدعوى ومادياتها وما جاء بتحريات المباحث أن المتهمين الأربعة قد تواجدوا على مسرح الحادث كل منهم يحمل سلاحاً نارياً وأطلقوا وابلاً من النيران على المجني عليهم حال استقلالهم للجرار الزراعي والسيارة النقل - تسبب عنه مقتل الجني عليهما سالفي الذكر وإصابة الباقين وأجمع الشهود على هذا التواجد والمشاهدة، وأن المجني عليه...... كان يعتلي الجرار الزراعي ويجلس بجوار السائق...... من ناحية اليمين وكان المجني عليه...... يقف خلف السائق - وكان الجرار يتجه للناحية البحرية وقد خرج المتهمون من الجانب الأيمن من الطريق يتقدمهم المتهم الأول الذي صعد من فوق الجسر وأخذ يطلق النيران على راكبي الجرار الزراعي - وأثبت تقرير الصفة التشريحية للمجني عليه -........ بأن إصابته بالإلية اليمنى مما يعني أن الضارب له كان على يمينه وكان إصابة المجني عليه..... بالرأس من عيار ناري في اتجاه أفقي واحد في الوضع الطبيعي المعتدل القائم للجسم وقطع التقرير إلى أن إصابات المجني عليهما تحدث وفق تصوير الشهود وتطمئن المحكمة إلى سلامة هذا التقرير الذي أيده كبير الأطباء الشرعيين بأسيوط بمحضر جلسة المحاكمة من جواز حدوث إصابتهما وفقاً لما جاء بمذكرة النيابة العامة وترى المحكمة أن التقرير الفني لا يتناقض مع الدليل القولي تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق إذ يمكن الملاءمة بينه وبين ما ورد على لسان من وثقت بهم من شهود الإثبات كما وأن إصابة المجني عليه.... برأسه من عيار ناري حالة وقوفه على الجرار خلف مقعد القائد عندما يكون الضارب له واقفاً على الطريق فوق الجسر حسبما قال به شهود الإثبات مع مراعاة أن الرأس عضو حركي وقد قطع بجواز حدوثه وإصابة المجني عليه....... السيد...... الطبيب الشرعي وفقاً لما جاء على لسان الشهود الواردة بمذكرة النيابة العامة، وليس ثمة تناقض يستعصي على الملاءمة والتوفيق وطبقاً لما أسلفناه من قواعد في هذا الشأن فإن ما يثيره الدفاع في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في تقدير الدليل يتعين الالتفات عنه". فإن هذا الذي رد به الحكم ينهض كافياً لرفض قاله التناقض بين الدليلين القولي والفني، ذلك بأنه من المقرر أنه يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق - وهو الحال في الدعوى المطروحة - وما دام أن المحكمة أقامت قضاءها على تقرير الصفة التشريحية الذي حرره الطبيب الذي تولى تشريح جثة المجني عليهما، وما شهد به كبير الأطباء الشرعيين بجلسة المحاكمة، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها.
7 - لما كان تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها - شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
8 - لما كان لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
9 - لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
10 - لما كان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم، ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد بينت في حكمها واقعة الدعوى التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها بما استخلصته من أقوال الشهود وسائر عناصر الإثبات الأخرى المطروحة عليها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يتمخض. إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
11 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله "وكان الثابت من تحريات المباحث وما جاء على لسان شهود الإثبات من أن المتهمين الأربعة قد حملوا أسلحتهم النارية القاتلة بطبيعتها وتوجهوا إلى المكان الذي أيقنوا سلفاً مرور المجني عليهم به وما أن ظفروا بهم حتى أطلقوا عليهم وابلاً من النيران بقصد إزهاق روحهم. فأصاب جميع المجني عليهم بالإصابات الواردة بالتقارير الطبية وقد نتج عنه مقتل المجني عليهما....... و........ الذي أصيب في رأسه وهو موضع قاتل بالنسبة له. فإطلاق المتهمين الأعيرة النارية الكثيفة وترصدهم للمجني عليهم وإصابة العديد منهم بإصابات نارية قاتلة - بقصد إزهاق روحهم بما يوفر في حق المتهمين قصد إزهاق الروح "نية القتل" وإذ كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت هذه النية تدليلاً سائغاً. فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منه مما لا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض.
12 - من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة إنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها منها القاضي استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير. فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض، وكان الحكم قد استظهر توافر سبق الإصرار لدى الطاعن في قوله "وكان الثابت بيقين لدى المحكمة أن المتهم الأول حدث شجار بينه وبين شقيق المجني عليه على مجرى مائي في صبيحة يوم الحادث...... وقام الأخير بصفع ذلك المتهم على وجهه وطرحه أرضاً بمجرى المياه مما أثار حفيظته وتوعد بالانتقام وهدد بالقتل انتقاماً وثأراً لكرامته ولكرامة أسرته الأمر الذي دفعه لاستحضار فريق من أهله وأقربائه وهم باقي المتهمين لمناصرته وتنفيذ ما وعد المجني عليهم به وهو قتلهم فاستمال شقيقة واثنين من ذوي قرباه فجمعوا شملهم لهذا الأمر وعقدوا العزم المصمم على قتل المجني عليهم وأعدوا لذلك أسلحة نارية بنادق وحشوها بالذخيرة حتى كانت ظهيرة يوم الحادث..... ترصدوا المجني عليهم في الطريق الذي أيقنوا سلفاً مرورهم به لدى عودتهم من الحقل فكمنوا لهم على جانب الطريق مترصدين إياهم وما أن ظفروا بهم حال مرورهم مستقلين الجرار الزراعي ومن خلفه السيارة النقل..... نقل أسيوط حتى خرجوا من مكمنهم وبرزوا لهم على الطريق تباعاً بإطلاق الأعيرة الكثيفة بقصد قتلهم وأحدثوا بهم الإصابات سالفة الذكر وعلى نحو ما جاء بأقوال الشهود والتقارير الفنية بما يوفر في حق المتهمين ظرفا سبق الإصرار والترصد". وكان المستفاد مما أورده الحكم أنه استظهر أن مرور فترة زمنية كافية تم خلالها التفكير والتدبير والإعداد لارتكاب الجريمة فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون صحيحاً وسليماً في القانون.
13 - لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في استظهار سبق الإصرار ذلك أن الحكم قضى على الطاعن بعقوبة داخلة في حدود العقوبة المقررة للقتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة.
14 - لما كان الطلب الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود - بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إيه المحكمة فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم لعدم إجابتها طلب حرز الطلقات وإرساله للطب الشرعي طالما اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من:
1 -........ 2 -......... 3 -........ (طاعن) 4 -........ بأنهم: أولاً: قتلوا........ عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وعقدوا العزم على ذلك وأعدوا لهذا الغرض أربعة أسلحة نارية "بنادق مششخنة" حمل كل منهم إحداها محشوة بالذخيرة وترصدوه في المكان الذي أيقنوا سلفاً مروره فيه وما إن ظفروا به عائداً من حقله وبعض باقي المجني عليهم على جرار زراعي حتى أطلقوا عليه أعيرة نارية من أسلحتهم قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجنايات أخرى هي أنهم في ذات الزمان والمكان سالفي البيان:
1 - قتلوا...... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وعقدوا العزم المصمم على ذلك وأعدوا لهذا الغرض أسلحتهم النارية سالفة البيان وترصدوه في الطريق الذي أيقنوا سلفاً مروره فيه بصحبة المجني عليه الأول وما إن ظفروا به حتى أطلقوا عليه أعيرة نارية من أسلحتهم آنفة البيان قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته.
2 - شرعوا في قتل...... و...... و..... و...... و..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية لقتلهم وعقدوا العزم على ذلك وأعدوا لهذا الغرض أسلحتهم النارية سالفة الذكر وترصدوه في الطريق الذي أيقنوا سلفاً مرور المجني عليهم الأربعة الأول مع المجني عليهما الأولين ووجود المجني عليه الأخير وما أن ظفروا بهم حتى أطلقوا عليهم أعيرة نارية حال استقلال المجني عليهم الأربعة الأول سيارة نقل وجرار زراعي وتصادف مرور الخامس بمكان الحادث قاصدين من ذلك قلتهم فأحدثوا بالأربعة الأخيرين الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية والتقرير الطبي الابتدائي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو عدم إحكام الرماية بالنسبة للمجني عليه الأول ومداركة الباقي منهم بالعلاج.
المتهمون الثلاثة الأول: ( أ ) أحرز كل منهم بغير ترخيص سلاحاً نارياً بماسورة مششخنة "الأول والثاني بندقية آلية. والثالث بندقية لي انفيلد". (ب) - أحرز كل منهم ذخيرة "عدة طلقات مما تستعمل في السلاح الناري الذي أحرزه دون أن يكون مرخصاً له بحيازته أو إحرازه.
ثالثاً: المتهمون جميعاً: أتلفوا عمداً السيارة رقم....... نقل أسيوط والمملوكة للمجني عليه........ والجرار الزراعي المملوك للمجني عليه......... بأن أطلقوا على المركبتين الآليتين سالفتي البيان عدة أعيرة نارية فأحدثوا بهما التلفيات المبينة الوصف والقيمة بتقرير المعمل الجنائي والتي ترتب عليها أضراراً مالية لصاحبيها تزيد على خمسين جنيهاً. وأحالتهم إلى محكمة جنايات أسيوط لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للثالث وغيابياً للباقين عملاً بالمواد 45، 46/ 1، 230، 231، 232، 234/ 1، 361/ 1 - 2 من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1982 والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2 - 5، 30/ 1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والبند (ب) من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادتين 17، 32 من قانون العقوبات. بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني والرابع بالأشغال الشاقة المؤبدة ولما نسب إليه. بمعاقبة الثالث "الطاعن" بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً ومصادرة الأسلحة النارية المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه الثالث في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه وآخرين بجرائم القتل العمد المقترن مع سبق الإصرار والترصد وإحراز الأسلحة النارية والذخيرة بغير ترخيص والإتلاف العمدي قد شابه خطأ في الإسناد وقصور في التسبيب وبطلان وإخلال بحق الدفاع ومخالفة القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم المطعون فيه نسب إلى التقرير الطبي الشرعي أنه قطع بحدوث إصابات المجني عليهما....... و....... وفقاً لما جاء على لسان الشهود الواردة في مذكرة النيابة العامة حال أن التقرير لم يؤكد ذلك ونقل عن تقرير المعمل الجنائي والمهندس الفني أن عياراً نارياً أصاب الزجاج الأمامي للسيارة في حين أن عيارين أصاباه، وأسند إلى الشهود رؤية الحادث حالة أن أقوالهم لا تتفق والصورة الواردة بالحكم ونسب للشاهد الرائد...... رئيس مباحث مركز أسيوط قوله بأن المتهمين الأربعة كانوا في مكان الحاث وقت إطلاق النار في حين أن ما قاله هو أن الطاعن و....... هما اللذان أطلقا النار ولم يكن المتهمان الآخران موجودين حينئذ. ودفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وببطلان قرار الإحالة إذ سبق محاكمته عنها وقضى ببراءته منها بموجب الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة طوارئ بجلسة...... ورد الحكم بما لا يسوغ على الدفع الأول ولم يعرض للثاني. كما رد بما لا يسوغ على دفاعه القائم على تعارض الدليلين الفني والقولي ولم يجبه إلى طلب ندب كبير الأطباء الشرعيين لبيان مدى التناقض. وعول الحكم - من بين ما عول - في إدانة الطاعن على أقوال شهود الإثبات بالرغم من تناقض أقوالهم في كيفية وقوع الحادث، دلل على توافر نية القتل وسبق الإصرار بما لا يصلح، وأعرض عن طلب الدفاع عن الطاعن ضم حرز الطلقات النارية الفارغة والتي عثر عليها بمكان الحادث وإرساله للطب الشرعي لبيان ما إذا كانت هذه الأعيرة قد أطلقت من السلاح المضبوط من عدمه - كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال الشهود وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية للمجني عليهما.... و..... والتقارير الطبية الشرعية الموقعة على باقي المجني عليهم وتقرير المعمل الجنائي وتقرير المهندس الفني بفحص الجرار الزراعي والسيارة رقم....... نقل أسيوط ومن تحريات المباحث التي أجراها الرائد...... رئيس مباحث مركز أسيوط ومعاينة النيابة العامة لمكان الحادث وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان البين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن ما حصله الحكم من أقوال شهود الإثبات وهم....... و........ و........ و........ و....... والرائد....... رئيس مباحث مركز أسيوط والتقرير الطبي الشرعي والتقارير الفنية له صداه وأصله الثابت في الأوراق، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الشأن لا يكون له محل بما تنحل معه منازعته في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة ومصادرة لها في عقيدتها وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها لصدور حكم من محكمة أمن الدولة طوارئ - أسيوط ببراءة الطاعن وأطرحه في قوله "وحيث إنه عن الدفع المبدي من الحاضر مع المتهم الثالث بعدم الاعتداد بقرار الإحالة وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وعدم الاعتداد بقرار مكتب الحاكم العسكري بإلغاء الحكم وإعادة القضية طبقاً للمادة 14 آنفة الذكر فغير سديد. ذلك أن ما تضمنه هذا الدفاع ما هو إلا نعي على قرار مكتب تصديق الأحكام ليست تلك المحكمة مختصة بنظره متعيناً الالتفات عنه. فضلاً عن ذلك فإن الثابت من قرار مكتب التصديق على الأحكام أنه قد ألغى حكم البراءة الصادر بتاريخ..... بسبب الاختصاص الولائي وذكر في حيثياته بأن الاختصاص معقود لهذه المحكمة - جنايات عادية وليس لأمن الدولة طوارئ - وأن مسألة الاختصاص متعلقة بالنظام العام ولا يحول دون ذلك ما ورد بالمادة 14/ 1 من قانون الطوارئ ولم يتطرق قرار الإلغاء إلى موضوع الدعوى ومن ثم يكون النعي عليه من الدفاع في غير محله حرياً برفضه". لما كان ذلك، وكانت المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه والوقائع المسندة إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو بالإدانة وإذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون" وكان مفاد هذا النص - على ما استقرت عليه أحكام محكمة النقض - أنه يشترط للدفع بقوة الشيء المحكوم فيه في المسائل الجنائية بما يتعين معه الامتناع عن نظر الدعوى أن يكون هناك حكم جنائي نهائي في الموضوع بالبراءة أو بالإدانة سبق صدوره في محكمة جنائية معينة وأن يكون بين هذه المحاكمة والمحاكمة التالية التي يراد التمسك فيها بهذا الدفع اتحاد في الموضوع والسبب وأشخاص المتهمين وإذ نصت المادة 12 من القانون 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ على أن الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة العليا لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية، فإن مقتضى هذا الإطلاق أن جميع الأحكام الصادرة من هذه المحاكم لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من السلطة المختصة، يستوي في ذلك أن تكون هذه الأحكام صادرة ابتداء أو بعد إعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى بناء على أمر سلطة التصديق، ولا يغير من هذا النظر ما نصت عليه المادة 14 من القانون المار ذكره من وجوب التصديق على الحكم إذا صدر بالبراءة بعد إعادة المحاكمة، فقد جاء نص المادة 12 من القانون المشار إليه بصيغة العموم فلا يصح تخصيصه بغير مخصص، بل إن المادة 14 المشار إليها إذ أوجبت التصديق على الحكم الصادر بالبراءة من محاكم أمن الدولة بعد إعادة المحاكمة فقد دلت على أن هذه الأحكام لا تكتسب قوة الأمر المقضي إلا بعد التصديق عليها شأنها في ذلك شأن سائر الأحكام الصادرة من تلك المحاكم، ولو شاء المشرع غير هذا النظر لما أعوزه النص على أن يصبح الحكم نهائياً بقوة القانون إذا صدر بالبراءة بعد إعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى دون تطلب التصديق عليه. مثلما ذهب إليه المشرع في ذات القانون حين نص في المادة السادسة منه على أن قرار المحكمة بالإفراج المؤقت عن المتهم يكون نافذاً ما لم يعترض عليه رئيس الجمهورية فإذا اعترض أحيل الاعتراض إلى دائرة أخرى ويكون قرار المحكمة في هذه الحالة نافذاً. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة العليا طوارئ - أسيوط - بجلسة..... لم يصبح نهائياً لعدم التصديق عليه من السلطة المختصة بذلك طبقاً للمادة 12 من القانون 162 لسنة 1958 فإنه يكون غير منه للخصومة، ولا تكون له قوة الأمر المقضي عند الفصل في موضوع الدعوى الجنائية الماثلة. ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها قد أصاب صحيح القانون بما يضحي معه نعي الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدعوى الجنائية تظل قائمة إلى أن يصدر في موضوعها حكم نهائي بالإدانة أو بالبراءة، وكان الثابت من المفردات المضمومة أن السلطة المختصة بالتصديق لم تصدق على الحكم الصادر ببراءة الطاعن بسبب عدم اختصاص محكمة أمن الدولة طوارئ بنظر الدعوى فإنه ليس ثمة ما يحول - من بعد - النيابة العامة وقد تلقت أوراق الدعوى وبين تحريك الدعوى الجنائية قبل الطاعن أمام القضاء العادي، ويكون منعى الطاعن ببطلان قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات وبطلان محاكمته أمامها غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الدفاع عن الطاعن عن قيام التناقض بين أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية الخاصة بالمجني عليهما ورد عليه بقوله "وكان ما أثاره الدفاع من وجود تناقض بين ما قرره الشهود وما جاء بتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليهما..... و....... فغير سديد ذلك أنه لما كان الثابت من جماع أقوال الشهود والذين وثقت بشهادتهم هذه المحكمة واطمأنت إليها كل الاطمئنان لاتساقها مع الواقع في الدعوى ومادياتها وما جاء بتحريات المباحث أن المتهمين الأربعة قد تواجدوا على مسرح الحادث كل منهم يحمل سلاحاً نارياً وأطلقوا وابلاً من النيران على المجني عليهم حال استقلالهم للجرار الزراعي والسيارة النقل - تسبب عنه مقتل الجني عليهما سالفي الذكر وإصابة الباقين وأجمع الشهود على هذا التواجد والمشاهدة، وأن المجني عليه..... كان يعتلي الجرار الزراعي ويجلس بجوار السائق..... من ناحية اليمين وكان المجني عليه..... يقف خلف السائق - وكان الجرار يتجه للناحية البحرية وقد خرج المتهمون من الجانب الأيمن من الطريق يتقدمهم المتهم الأول الذي صعد من فوق الجسر وأخذ يطلق النيران على راكبي الجرار الزراعي - وأثبت تقرير الصفة التشريحية للمجني عليه -..... بأن إصابته بالإلية اليمنى مما يعني أن الضارب له كان على يمينه وكان إصابة المجني عليه....... بالرأس من عيار ناري في اتجاه أفقي واحد في الوضع الطبيعي المعتدل القائم للجسم وقطع التقرير إلى أن إصابات المجني عليهما تحدث وفق تصوير الشهود وتطمئن المحكمة إلى سلامة هذا التقرير الذي أيده كبير الأطباء الشرعيين بأسيوط بمحضر جلسة المحاكمة من جواز حدوث إصابتهما وفقاً لما جاء بمذكرة النيابة العامة - وترى المحكمة أن التقرير الفني لا يتناقض مع الدليل القولي تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق إذ يمكن الملاءمة بينه وبين ما ورد على لسان من وثقت بهم من شهود الإثبات كما وأن إصابة المجني عليه...... برأسه من عيار ناري حالة وقوفه على الجرار خلف مقعد القائد عندما يكون الضارب له واقفاً على الطريق فوق الجسر حسبما قال به شهود الإثبات مع مراعاة أن الرأس عضو حركي وقد قطع بجواز حدوثه وإصابة المجني عليه...... السيد/ الطبيب الشرعي وفقاً لما جاء على لسان الشهود الواردة بمذكرة النيابة العامة، وليس ثمة تناقض يستعصي على الملاءمة والتوفيق. وطبقاً لما أسلفناه من قواعد في هذا الشأن فإن ما يثيره الدفاع في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في تقدير الدليل يتعين الالتفات عنه". فإن هذا الذي رد به الحكم ينهض كافياً لرفض قاله التناقض بين الدليلين القولي والفني، ذلك بأنه من المقرر أنه يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق - وهو الحال في الدعوى المطروحة - وما دام أن المحكمة أقامت قضاءها على تقرير الصفة التشريحية الذي حرره الطبيب الذي تولى تشريح جثة المجني عليهما، وما شهد به كبير الأطباء الشرعيين بجلسة المحاكمة، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها، لما هو مقرر من أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع. تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم، ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد بينت في حكمها واقعة الدعوى التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها بما استخلصته من أقوال الشهود وسائر عناصر الإثبات الأخرى المطروحة عليها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يتمخض إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله "وكان الثابت من تحريات المباحث وما جاء على لسان شهود الإثبات من أن المتهمين الأربعة قد حملوا أسلحتهم النارية القاتلة بطبيعتها وتوجهوا إلى المكان الذي أيقنوا سلفاً مرور المجني عليهم به وما أن ظفروا بهم حتى أطلقوا عليهم وابلاً من النيران بقصد إزهاق روحهم. فأصاب جميع المجني عليهم بالإصابات الواردة بالتقارير الطبية وقد نتج عنه مقتل المجني عليهما...... و...... الذي أصيب في رأسه وهو موضع قاتل بالنسبة له. فإطلاق المتهمين الأعيرة النارية الكثيفة وترصدهم للمجني عليهم وإصابة العديد منهم بإصابات نارية قاتلة - بقصد إزهاق روحهم بما يوفر في حق المتهمين قصد إزهاق الروح "نية القتل" وإذ كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت هذه النية تدليلاً سائغاً فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منه مما لا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة إنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها منها القاضي استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافر ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض، وكان الحكم قد استظهر توافر سبق الإصرار لدى الطاعن في قوله "وكان الثابت بيقين لدى المحكمة أن المتهم الأول حدث شجار بينه وبين شقيق المجني عليه..... على مجرى مائي في صبيحة يوم الحادث وقام الأخير بصفع ذلك المتهم على وجهه وطرحه أرضاً بمجرى المياه مما أثار حفيظته..... وتوعد بالانتقام وهدد بالقتل انتقاماً وثأراً لكرامته ولكرامة أسرته الأمر الذي دفعه لاستحضار فريق من أهله وأقربائه وهم باقي المتهمين لمناصرته وتنفيذ ما وعد المجني عليهم به وهو قتلهم فاستمال شقيقه واثنين من ذوي قرباه فجمعوا شملهم لهذا الأمر وعقدوا العزم المصمم على قتل المجني عليهم وأعدوا لذلك أسلحة نارية بنادق وحشوها بالذخيرة حتى كانت ظهيرة يوم الحادث.... ترصدوا المجني عليهم في الطريق الذي أيقنوا سلفاً مرورهم به لدى عودتهم من الحقل فكمنوا لهم على جانب الطريق مترصدين إياهم وما إن ظفروا بهم حال مرورهم مستقلين الجرار الزراعي ومن خلفه السيارة النقل..... نقل أسيوط حتى خرجوا من مكمنهم وبرزوا لهم على الطريق تباعاً بإطلاق الأعيرة النارية الكثيفة بقصد قتلهم وأحدثوا بهم الإصابات سالفة الذكر وعلى نحو ما جاء بأقوال الشهود والتقارير الفنية بما يوفر في حق المتهمين ظرفا سبق الإصرار والترصد". وكان المستفاد مما أورده الحكم أنه استظهر أن مرور فترة زمنية كافية تم خلالها التفكير والتدبير والإعداد لارتكاب الجريمة فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون صحيحاً وسليماً في القانون فضلاً أنه لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في استظهار سبق الإصرار ذلك أن الحكم قضى على الطاعن بعقوبة داخلة في حدود العقوبة المقررة للقتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الطلب الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود - بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ومن ثم فلا محل للنعي على المحكمة لعدم إجابتها طلب حرز الطلقات وإرساله للطب الشرعي طالما اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.