أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 7 - صـ 585

جلسة 17 من إبريل سنة 1956

برياسة السيد وكيل المحكمة مصطفى فاضل، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(168)
القضية رقم 1169 سنة 25 القضائية

حكم. تسبيبه. إثبات. حكم غير ظاهر منه أن المحكمة كانت ملمة بالدليل في الدعوى عند استعراضه إلماماً شاملاً يهيئ لها تمحيصه تمحيصاً كافياً. نقضه.
متى كان غير ظاهر من الحكم أن المحكمة حين استعرضت الدليل في الدعوى كانت ملمة بهذا الدليل إلماماً شاملاً يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة مما لا تجد معه محكمة النقض مجالاً لتبين صحة الحكم من فساده. فإن هذا الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - عبد السلام إسماعيل أباظة الشهير بفرج و2 - السيد علي سلمى و3 - السيد عبد الرحمن أباظة و4 - حسن إسماعيل أباظة بأنهم الأول والثاني والثالث عبد السلام الشهير بفرج والسيد علي سلمى والسيد عبد الرحمن أباظة: قتلوا عبد المنعم بغدادي أباظة عمداً بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك عدتهم واستدرجه أحدهم وهو المتهم الثالث إلى حيث كان المتهمان الأولان في انتظاره فأركبوه سيارة المتهم الرابع وخنقوه وكتموا أنفاسه وأطلقوا عليه عيارين ناريين قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية وانتهى أمره بالوفاة بالخنق وكتم النفس - وكان ذلك مع سبق الإصرار - والرابع - حسن إسماعيل أباظة: اشترك بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة. مع المتهمين الأول والثاني والثالث في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن حرضهم واتفق معهم على ارتكابها وساعدهم في ذلك بأن خولهم استعمال سيارته في الحادث فتمت الجريمة بناء على ذلك التحريض والاتفاق وتلك المساعدة وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للمواد 40/ 1 - 2 - 3 و41 و230 و231 من قانون العقوبات فقررت بذلك وقد ادعى كل من الست نجية عبد الله رفعت عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر حسام الدين وشاهيناز وفوقية ومحمد وائل قصر المرحوم عبد المنعم بغدادي أباظة (المجني عليه) بحق مدني قدره 25000 جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين جميعاً بالتضامن وعبد الله بغدادي أباظة عن نفسه أيضاً بحق مدني قدره مائة جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين جميعاً بالتضامن. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً عملاً بالمادتين 304/ 1، 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة لجميع المتهمين ببراءة عبد السلام إسماعيل أباظة الشهير بفرج والسيد علي سلمى والسيد عبد الرحمن أباظة وحسن إسماعيل أباظة مما أسند إليهم وبرفض الدعويين المدنيتين قبلهم وإلزام رافعيها بمصروفاتها فطعن الأستاذ عبد الله بغدادي أباظة عن نفسه وبصفته وكيلاً عن الست نجية عبد الله رفعت عن نفسها وبصفتها في هذا الحكم بطريق النقض. كما طعن في هذا الحكم أيضاً بطريق النقض السيد الأستاذ محمد خليل الدجوى رئيس نيابة الزقازيق... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مما ينعاه الطاعنون والنيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه معيب بالتناقض في التسبيب وبالقصور وفساد الاستدلال ذلك بأن المحكمة بعد أن أثبتت في حكمها مما حصلته من اطلاعها على الأوراق ومن سماع الدعوى أن سائق السيارة السيد علي سلمى (المطعون ضده الثاني) ذهب إلى محل محمد عباس أحمد في يوم 26 من أكتوبر وطلب منه تغيير فرش السيارة النايلون وسجادتها بعد أن أثبت الحكم ذلك قال عند تحدثه عن القرينة المستفادة من ذهاب المتهم الثاني إلى المحل المذكور أن محمد عباس أوضح في شهادته أمام المحكمة أن المتهم الثاني إنما طلب منه وضع سجادة جديدة وتغيير المشمع المحيط بالفرش النايلون دون تغيير أي جزء آخر، وبين هذين القولين اللذين أوردهما الحكم تناقض يعيبه، كذلك ساق الحكم ما يثير الشك في القرينة المستفادة من نتيجة التحليل والتي دلت على اتفاق فصيلة الدماء التي عثر عليها بالمسند والمقعد الخلفيين للسيارة مع فصيلة عينة الدماء التي أخذت من جثة المجني عليه إذ ذهب الحكم إلى أن هذه العينة الأخيرة أخذت بعد أن تعفنت الجثة، وهذا السبب لا يقدح في نتيجة التحليل إذا لوحظ أن الطبيب الشرعي قرر أمام المحكمة عند مناقشته أن العينة كانت صالحة للتحليل، كما ذكر الحكم أيضاً عن التلوثات التي وجدت بمقعد السيارة ومسندها أنها قديمة ذات لون أدكن، وهو ما يخالف ما أثبته الطبيب المحلل من أنها كانت محمرة اللون، أما ما قالته المحكمة من أنها تشك في وجود آثار الدماء بفرش السيارة بعد معاينة وكيل النيابة، وقولها ما مؤداه أن تلك المعاينة كانت دقيقة إذ لم يفت المحقق أن يثبت فيها آثار بقع صغيرة حمراء على مطفأة السيارة، هذا القول من جانب المحكمة ينفيه أن وكيل النيابة لم يشاهد وجود كسر بزجاج السيارة ولم يشر إليه بشيء في معاينته، وأما ما قالته المحكمة من أنها تشك في أن تكون الدماء التي شوهدت آثارها بداخل السيارة قد نفذت من الغطاء النايلون وتركت مثل البقع الكبيرة التي لوثت المقعد والمسند دون أن تترك أثراً ينم عليها فوق هذا الغطاء، ما قالته المحكمة من ذلك لا يصلح لنفي الدليل المستمد من وجود تلك الآثار الدموية في موضعها، يضاف إلى ذلك إلى أن المحكمة استندت إلى ما قرره الطبيب الاستشاري عند مناقشته أمامها من أن تعفن الدماء بجثة المجني عليه يقضي إما إلى فسادها بحيث لا يمكن إجراء تحليل على فصائلها وإما إلى تغيير نوع الفصيلة عند التحليل، وهذا الاستناد يدفعه ما ثبت في الأوراق من أن الطبيب الشرعي هو الذي أخذ العينة بطريقة فنية تدعو للاطمئنان إلى صلاحيتها لمقارنة الفصائل وإلى صحة النتيجة التي أسفر عنها التحليل والتي ثبت منها أن فصيلة الدماء التي علقت بمقعد السيارة ومسندها تتفق مع فصيلة دماء المجني عليه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن من بين الأدلة التي قدمها الاتهام في الدعوى وجود بقعتين دمويتين إحداهما على الجانب الأيمن من المقعد الخلفي للسيارة المضبوطة والأخرى على الزاوية المقابلة من مسندها الخلفي، وأن التحليل أثبت أن هذه الدماء من فصيلة دماء المجني عليه، وعندما تعرضت المحكمة لتفنيد هذا الدليل قالت إنه "ثبت من التحقيق أن المتهم الأول عند عودته في يوم 27 من أكتوبر للنيابة لاستجوابه توجه إليها بنفس هذه السيارة ولما طلب المحقق من البوليس إحضارها لمعاينتها أبدى المتهم نفسه أنها موجودة في الخارج فعاينها وأثبت أوصافها وأن لها أربعة أبواب ومقعدين بغطاء من المشمع وأنه فحصها فلم يجد بها من الآثار سوى أثر لمادة حمراء في غطاء مطفأة السجاير رجح أنها طلاء وثبت من التحليل أن هذا الأثر ليس دماً ولم يجد وكيل النيابة أي أثر آخر في السيارة يدعو إلى الريبة، ولا يمكن بعد ذلك أن تطمئن إلى عثور البوليس في يوم 3 من نوفمبر على تلك الآثار في مقعد ومسند السيارة الخلفيين والتي ثبت أنها دماء من فصيلة دم المجني عليه خاصة وأن وكيل النيابة أثبت في فحصه للسيارة أن لها غطاء من المشمع يغطي أبوابها ومقاعدها كما أثبت القائمقام عبد العزيز محمود مفرح في محضره وشهد في التحقيق وبجلسة اليوم بأنه وجد مع المقعد والمسند هذا الغطاء وأنه من مادة النايلون المجدول وأنه وإن كانت توجد لهذا النوع مسام قد تسمح بنفاذ الدماء منها إلى المقعد والمسند إلا أنه يصعب تصور حصول ذلك بغير أن تترك هذه الدماء آثاراً في نفس الغطاء النايلون كما يصعب أن تكون هذه الدماء بعد أن نفذت قد لوثت المقعد والمسند وأحدثت به بقعاً كبيرة مفروشة على النحو الثابت في التحقيق، ولا يسع المحكمة إزاء ذلك كله إلا التشكك في صلة آثار الدماء هذه بحادث قتل المجني عليه فقد تكون سابقة على الحادث أو لاحقة له لأسباب لم يوصل التحقيق إلى معرفتها، ولا يدحض من ذلك أن الدماء من فصيلة دم المجني عليه أو أن كل الفصائل الأربعة تنتظم منها كل البشر - هذا إلى ما هو ثابت من أن الجثة بقيت في الماء من يوم 25 من أكتوبر حتى عثر عليها في 29 منه بعد أن بدأ التعفن يسري فيها، ويقول الدكتور أحمد العروسي الطبيب الشرعي الذي أجرى تشريح الجثة أنه أخذ دماء منها على قطعة من القطن وأبقاها في مكتبه إلى ما قبل إرسالها للتحليل مما يزيد من سريان التعفن في هذه الدماء، وقد قرر الطبيب الشرعي الاستشاري الدكتور يحيى شريف عند مناقشته في جلسة اليوم أنه ثبت علمياً أن تعفن الدماء قد يؤدي إلى فسادها بحيث لا يمكن تحليل فصائلها وإما إلى تغيير نوع الفصيلة مما لا يمكن معه الاطمئنان إلى أن الفصيلة التي وجدت عند التحليل هي نفس الفصيلة الأصلية للدماء قبل سريان التعفن فيها...".
وحيث إن قول المحكمة في الحكم المطعون فيه أن وكيل النيابة عاين السيارة وفحصها فلم يجد بها سوى أثر لمادة حمراء في غطاء مطفأة السجاير ثبت من التحليل أنه ليس دماً ولم يجد وكيل النيابة أي أثر آخر في السيارة يدعو إلى الريبة، مما مفاده أن المحقق لم يجد بها آثاراً من الدماء، ثم قول المحكمة بعد ذلك أن الآثار الدموية التي ثبت وجودها على المسند والمقعد قد تكون سابقة على الحادث، هذان القولان بينهما تناقض إذ أن إرجاع تاريخ آثار الدماء إلى ما قبل وقوع الحادث معناه أنها كانت موجودة يوم فحص السيارة بمعرفة المحقق، كذلك قالت المحكمة أن عدم وجود آثار دماء بالغطاء النايلون الذي كان يغطي مساند السيارة ومقاعدها يشكك في آثار الدماء التي وجدت على المقعد والمسند، وهذا القول بدوره لا يلزم منه حتماً أن تكون الدماء لم تنفذ من هذا الغطاء حتى استقرت بالقماش الذي يسفله، خصوصاً مع ما أثبته الحكم نفسه من أن المحكمة شاهدت هذا الغطاء فوجدته من النايلون المجدول ومع تسليمها بأن هذا النوع من النايلون له مسام قد تسمح بنفاذ الدماء منها إلى داخل المقعد والمسند، وكذلك لا يستقيم ما قرره الدكتور أحمد العروسي الذي أجرى الصفة التشريحية في مناقشته الثابتة بمحضر الجلسة من أنه "رأى بعض قطع النايلون وشاهد بها محل آثار مسامير وثقوب أخرى وهذا يسمح بالرشح كما أن هناك قطعاً كاملة ترشح بقعاً كبيرة وأراها للمحكمة" أما قول الحكم بأن المحقق عاين السيارة في يوم 27 من أكتوبر فلم يجد بها من الآثار سوى أثر لمادة حمراء في غطاء مطفأة السجاير ولم يجد أثراً آخر في السيارة، هذا القول لا يبرر شك المحكمة في وجود آثار الدماء التي شوهدت بعد ذلك لأن وكيل النيابة المحقق على ما يتضح من محضر المعاينة الذي اطلعت عليه المحكمة بين المفردات التي أمرت بضمها قد عاين فقط كسوة المشمع الخارجية التي كانت تكسو المقاعد والمساند والأبواب بداخل السيارة فكان طبيعياً أن لا يقع نظره على تلك الآثار التي لم تبدو واضحة إلا بعد نزع الغطاء الخارجي حوالي يوم 3 نوفمبر سنة 1953 عند ضبط السيارة على النحو المبين بصدر الحكم - ومن ذلك يبين أن ما اعتبرته المحكمة رداً على قرينة وجود الدماء - في مسند السيارة ومقعدها ليس من شأنه أن ينفي دلالتها ما دام من الميسور تنظيف الغطاء النايلون وهو قابل لذلك بطبيعته فلا تظهر منه الدماء وقت معاينة النيابة للسيارة خصوصاً وقد أنكر الطاعنون واقعة طلب تغيير الغطاء النايلون في اليوم السابق لمعاينة النيابة ولم تأخذ المحكمة بقولهم.
وحيث إن ما ورد بالحكم بشأن تحليل البقع الدموية من أن الجثة بقيت في الماء من يوم 25 أكتوبر حتى عثر عليها في 29 من بعد أن بدأ التعفن يسري فيها، وأن الدكتور أحمد العروسي الذي أجرى الصفة التشريحية أخذ دماء منها على قطعة من القطن وأبقاها في مكتبه أياماً قبل إرسالها للتحليل مما يزيد في سريان التعفن، ما ورد في الحكم من ذلك يثير الشبهة في أن المحكمة كانت عند تقريرها هذه الواقعة غير متنبهة إلى ما أجاب به الدكتور أحمد العروسي في مناقشته أمامها من أن إلقاء الجثة في الماء يؤدي إلى تعفن الجلد ولا يمتد هذا التعفن إلى الأحشاء الداخلية وأنه أخذ عينة الدماء على قطعة رفيعة من القطن وأبقاها للصباح وأرسلها إلى المعمل، وأنه لو كانت تلك العينة غير صالحة للفحص لأثبت طبيب المعمل ذلك وأخبره به، ولا إلى ما قاله الدكتور يحيى شريف الطبيب الاستشاري في مناقشته الثابتة بمحضر الجلسة من أنه لا يستطيع القول أن الفصائل في هذه الدعوى تأثرت بالتعفن، ولما كان يبين مما تقدم أن الحكم مع ما يشوبه من التناقض الذي سبق بيانه فإنه غير ظاهر منه أن المحكمة حين استعرضت الدليل المستمد من وجود الدماء الآدمية كانت ملمة بهذا الدليل إلماماً شاملاً يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، مما لا تجد معه محكمة النقض مجالاً لتبين صحة الحكم من فساده، لما كان ذلك، وكان هذا العيب مما يتسع له أيضاً وجه الطعن المقدم من النيابة بفساد الاستدلال فإن الحكم المطعون فيه يكون لذلك معيباً بما يستوجب نقضه وذلك بغير حاجة إلى بحث ما جاء بباقي أوجه الطعن.