أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 7 - صـ 622

جلسة 23 من إبريل سنة 1956

برياسة السيد وكيل المحكمة مصطفى فاضل، وبحضور السادة مصطفى كامل ومحمد محمد حسنين وأحمد زكي كامل والسيد أحمد عفيفي - المستشارين.

(175)
القضية رقم 298 سنة 26 القضائية

( أ ) مشتبه فيهم. الاشتباه. ماهيته.
(ب) تعدد. تعدد الجرائم الذي يستوجب تطبيق أحكام المادة 32 ع. الأصل فيه.
(ج) مشتبه فيهم. عود للاشتباه. وجوب توقيع جزاء حالة الاشتباه مع جزاء الجريمة أو الجرائم الأخرى التي يرتكبها المشتبه فيه. رفع الدعوى الجنائية عن الاشتباه في قرار واحد مع الجريمة الجديدة أو بقرار على حدة. لا يؤثر. سريان حكم المادة 32 ع. لا محل له.
1 - الاشتباه هو وصف يقوم بذات المشتبه فيه عند تحقق شروطه القانونية وهذا الوصف بطبيعته ليس فعلاً مما يحس في الخارج ولا واقعة مادية يدفعها نشاط الجاني إلى الوجود كما هو الحال في ارتكاب الجرائم الأخرى وإنما افترض الشارع بهذا الوصف كمون خطر في شخص المتصف به ورتب عليه، إذا بدر من المشتبه فيه ما يؤكد هذا الخطر، وجوب إنذاره أو معاقبته على تجدد حالة هذا الاشتباه واتصال فعله الحاضر بماضيه الذي انتزع منه هذا الوصف، ولما كان وصف الاشتباه بهذا المعنى رهناً بثبوت مقدمات خاصة جعلها الشارع أمارة على ميل المشتبه فيه لنوع من الإجرام فقد خول القاضي أن يصدر حكماً واجب التنفيذ فوراً إما بإنذار المشتبه فيه بأن يسلك سلوكاً مستقيماً أو أن يوقع عليه عقوبة المراقبة.
2 - الأصل في تعدد الجرائم الذي يستوجب تطبيق أحكام المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبت دون أن يحكم في واحدة منها.
3 - حالة الاشتباه تقتضي دائماً توقيع جزائها مع جزاء الجريمة أو الجرائم الأخرى التي يرتكبها المشتبه فيه وذلك أخذاً بعموم القاعدة المنصوص عليها في المادة 33 من قانون العقوبات يستوي في ذلك أن ترفع الدعوى الجنائية عن الاشتباه في قرار واحد مع الجريمة الجديدة أو بقرار على حدة ولا محل لسريان حكم المادة 32 من قانون العقوبات في هذه الحالة والقول بغير ذلك يترتب عليه تعطيل نصوص العقاب الذي فرضه الشارع لجرائم الاشتباه وانحراف عن الغاية التي تغياها من هذه النصوص.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: عاد لحالة الاشتباه بأن حكم عليه بالمراقبة في الجنحة رقم 3425 سنة 1950 كرموز بتاريخ 15 من نوفمبر سنة 1950 لاشتباه ثم ارتكب جريمة اعتداء على المال وحكم عليه بالحبس بتاريخ 17 من مارس سنة 1954 في الجنحة رقم 422 سنة 1954 كرموز. وطلبت عقابه بالمواد 5 و6/ 2 و8 و9 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 وتوقيع أقصى العقوبة ومحكمة جنح كرموز الجزئية قضت غيابياً - عملاً بمواد الاتهام - بحبس المتهم ثلاثة شهور ووضعه تحت مراقبة البوليس لمدة سنة في المكان الذي يحدده وزير الداخلية مع النفاذ على أن يبدأ تنفيذ عقوبة المراقبة بعد تنفيذ عقوبة الحبس بلا مصاريف جنائية - فعارض وقضى في معارضته باعتبارها كأن لم تكن بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم الحكم الأخير. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية قضت حضورياً بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن المحكمة المطعون في حكمها إذ قضت ببراءة المطعون ضده قد أسست قضاءها على ما قالته من أنه كان يجب أن يحاسب المتهم عن تهمتي السرقة والعود للاشتباه معاً، مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات للحكم بعقوبة واحدة، وانتهى الحكم إلى الاكتفاء بالعقوبة المحكوم بها في قضية السرقة، قالت المحكمة ذلك مع أن الشخص العائد للاشتباه يحكم عليه طبقاً للمادة 6/ 2 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 بالحبس والمراقبة وهما عقوبتان أصليتان مما يجعل جريمة العود للاشتباه في هذه الحالة أشد عقوبة من السرقة ومتى رفعت الدعوى عن جريمة الاشتباه فيتعين على المحكمة أن تقضي بالإدانة مع خصم المدة التي يكون المحكوم عليه قد نفذها من الحكم الآخر أو تراعي المحكمة في تقديرها ما سبق الحكم به في الجريمة الأخيرة أما وقد قضت بالبراءة فإنها تكون مخطئة في تطبيق القانون. وطلبت النيابة العامة نقض الحكم وتطبيق القانون على وجهه الصحيح.
وحيث إن النيابة العامة رفعت الدعوى على المطعون ضده بأنه عاد إلى حالة الاشتباه بأن حكم عليه في القضية 422 سنة 1954 جنح كرموز لسرقة رغم سبق الحكم عليه في القضية رقم 3425 سنة 1950 جنح كرموز بالمراقبة للاشتباه. وطلبت معاقبته بالمادتين 5 و6/ 2 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 فقضت محكمة أول درجة غيابياً بحبس المتهم (المطعون ضده) ثلاثة شهور ووضعه تحت مراقبة البوليس لمدة سنة في المكان الذي يحدده وزير الداخلية مع النفاذ على أن يبدأ تنفيذ عقوبة المراقبة بعد تنفيذ عقوبة الحبس، وعارض فقضى باعتبار المعارضة كأن لم تكن، ولما استأنف قضت محكمة ثاني درجة بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مستندة إلى قولها "إن الفعل المكون لجريمة العود للاشتباه وهو ارتكاب جريمة السرقة هو بذاته الذي كون هذه الجريمة الأخيرة".
وحيث إنه كان يتعين على المحكمة التي قضت في هذه التهمة أن تنظر التهمة الحالية وتطبق بشأن التهمتين المادة 32 من قانون العقوبات - وحيث إنها لم تفعل فيتعين تطبيقها والاكتفاء بما حكم به في السرقة عن التهمتين "وإلغاء الحكم المستأنف وتبرئة المتهم من التهمة الحالية".
وحيث إن الاشتباه هو وصف يقوم بذات المشتبه فيه عند تحقق شروطه القانونية - وهذا الوصف بطبيعته ليس فعلاً مما يحس في الخارج ولا واقعة مادية يدفعها نشاط الجاني إلى الوجود كما هو الحال في ارتكاب الجرائم الأخرى وإنما افترض الشارع بهذا الوصف كمون خطر في شخص المتصف به ورتب عليه إذا بدر من المشتبه فيه ما يؤكد هذا الخطر - وجوب إنذاره أو معاقبته على تجدد حالة هذا الاشتباه - واتصال فعله الحاضر بماضيه الذي انتزع منه هذا الوصف. ولما كان وصف الاشتباه بهذا المعنى رهناً بثبوت مقدمات خاصة جعلها الشارع أمارة على ميل المشتبه فيه لنوع من الإجرام فقد خول القاضي أن يصدر حكماً واجب التنفيذ فوراً إما بإنذار المشتبه فيه بأن يسلك سلوكاً مستقيماً أو أن يوقع عليه عقوبة المراقبة.
وحيث إنه لما كان الأصل في تعدد الجرائم الذي يستوجب تطبيق أحكام المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبت دون أن يحكم في واحدة منها، وكان اجتماع صفة الاشتباه مع ارتكاب المشتبه فيه جريمة من الجرائم التي نص عليها المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 في مادته الخامسة والتي تجعله مستحقاً للعقوبة ليس فيه ما يسمح قانوناً باعتبار حالة الاشتباه من الأحوال التي تحكمها قواعد التعدد المادي أو التعدد المعنوي (الصوري) والتي توجب توقيع عقوبة واحدة هي المقررة لأشد الجرائم المتعددة، ذلك بأن ثبوت الاشتباه لا يقصد أكثر من أن المشتبه فيه أصبح مصدر خطر على أمن الناس وحقوقهم وأنه وإن كان القانون قد عد حالة الاشتباه حالة إجرامية إلا أنها ما زالت متجردة من ذلك النشاط الذي يمارسه الجاني عندما يقارف جريمة من الجرائم مما يجعل الناس يحسون بأثرها الظاهر لهم. يؤيد هذا النظر ما نص عليه الشارع في المادة الخامسة المشار إليها من أنه "يعد مشتبهاً فيه كل شخص تزيد سنه على 15 سنة حكم عليه أكثر من مرة في إحدى الجرائم الآتية......" مما مفاده أن الشارع يسوغ توفر حالة الاشتباه المعاقب عليها مع وجود حكم سابق بالإدانة، وما نصت عليه المادتان 6 و7 من إيجاب معاقبة المشتبه فيه بعقوبة المراقبة أو بها مع الحبس في حالة العود، وما جاء بالمادة الثامنة من وجوب تنفيذ الأحكام التي تصدر على المشتبه فيه ولو مع حصول استئنافها ومقارنة هذه النصوص التي وردت متعاقبة الترتيب بالمرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 يدل بغير شبهة على أن الشارع أوجب على المشتبه فيه عقوبة مستقلة عن العقوبة التي استحقها على الجريمة الأخرى، يوقعها القاضي عليه كلما رأى فيما يثبت وقوعه منه بوصف كونه مشبوهاً مظهراً من مظاهر خطورته فيه نوع من المساس بالأمن العام. ومتى تقرر ذلك أمكن القول بأن حالة الاشتباه تقتضي دائماً توقيع جزائها مع جزاء الجريمة أو الجرائم الأخرى التي يرتكبها المشتبه فيه وذلك أخذاً بعموم القاعدة المنصوص عليها في المادة 33 من قانون العقوبات، يستوي في ذلك أن ترفع الدعوى العمومية عن الاشتباه في قرار واحد مع الجريمة الجديدة أو بقرار على حدة ولا محل لسريان حكم المادة 32 من قانون العقوبات في هذه الحالة والقول بغير ذلك يترتب عليه تعطيل نصوص العقاب الذي فرضه الشارع لجرائم الاشتباه وانحراف عن الغاية التي تغياها من هذه النصوص.
وحيث إنه بناء على ما تقدم يكون حكم محكمة أول درجة بمعاقبة المطعون ضده بالحبس مع الشغل مدة ثلاثة أشهر وبوضعه تحت مراقبة البوليس لمدة سنة تبدأ فور تنفيذ عقوبة الحبس هو قضاء أصاب وجه التطبيق السليم للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المتهم قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله بما يتعين معه نقضه وتأييد الحكم الابتدائي.