أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 7 - صـ 853

جلسة 5 من يونيه سنة 1956

برياسة السيد المستشار حسن داود، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، وفهيم يسى الجندي، وأحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي - المستشارين.

(236)
القضية رقم 670 سنة 26 القضائية

( أ ) اختلاس. الاختلاس المذكور في المادة 112 ع. معناه. متى تعتبر الجريمة تامة؟
(ب) اختلاس. سريان حكم المادة 112 ع على كل موظف أو مستخدم عمومي اختلس مالاً تحت يده سلم إليه بسبب وظيفته.
(جـ) اختلاس. الاختلاس المذكور في المادة 112 ع. ماهية تسليم الشيء للموظف المعهود إليه به.
(د) عقوبة. غرامة. الغرامة المنصوص عليها في المادة 118 من القانون رقم 69 سنة 53. هي غرامة نسبية.
(هـ) غرامة. الغرامة النسبية. وجوب الحكم بها على المتهمين متضامنين. عدم التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم. المادة 44 ع.
1 - الاختلاس المذكور في المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 سنة 1953 يعني تصرف الحائز في الشيء المملوك لغيره منتوياً إضافته إلى ملكه. ويقع الاختلاس تاماً متى وضحت نية المختلس في أنه يتصرف في الشيء الموكل بحفظه تصرف المالك لحرمان صاحبه منه.
2 - أطلق الشارع حكم نص المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 سنة 1953 ليشمل كل موظف أو مستخدم عمومي يختلس مالاً مما تحت يده متى كان المال المختلس مسلماً إليه بسبب وظيفته.
3 - إن تحريم الاختلاس والعقاب عليه في المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 سنة 1953 لا يستلزم سوى وجود الشيء في حفظ الموظف الذي عهد إليه به، يستوي في ذلك أن يكون قد سلم إليه تسليماً مادياً، أو أن يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته.
4 - الغرامة التي نصت عليها المادة 118 من القانون رقم 69 سنة 1953 هي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 من قانون العقوبات وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن خمسمائة جنيه.
5 - إعمال نص المادة 44 من قانون العقوبات يوجب الحكم على المتهمين معاً بالغرامة النسبية متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم سواء في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من - 1 - محمد محمد عثمان و2 - بدير مصلحي عبد الله و3 - جابر السيد حمودة الشهير بالإسكندراني (الطاعن) بأنهم: المتهم الأول - بصفته موظفاً عمومياً - أومباشي بالجيش المصري شرع في اختلاس كمية البنزين المبينة بالمحضر المملوكة للجيش المصري وكانت قد سلمت إليه بسبب وظيفته لاستخدامها في السيارة التي عهد إليه بقيادتها وخاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادته وهو ضبطه متلبساً - والمتهمان الثاني والثالث اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جريمة الشروع في الاختلاس سالفة الذكر بأن اتفقا معه على ارتكابها وأحضر إليه أولهما وعاء لنقل البنزين فيه من مخزن وقود السيارة التي كان يقودها المتهم الأول فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 45 و46 و111 و112 و118 و119 من قانون العقوبات بالنسبة للأول وبنفس المواد والمادتين 40/ 2 - 3 و41 بالنسبة للثاني والثالث - فقررت بذلك. وفي أثناء نظر هذه الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة دفع الحاضر عن المتهم الثاني ببطلان التحريات. والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماعها قضت حضورياً عملاً بالمواد 45 و46 و111 و112 و118 و119 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 19 لسنة 1953 للأول وبهذه المواد والمادتين 40/ 2 - 3 و41 من قانون العقوبات للثاني والثالث بمعاقبة كل من محمد محمد عثمان وبدير مصلحي عبد الله وجابر السيد حمودة الشهير بالإسكندراني بالسجن لمدة ثلاث سنوات وعزل المتهم الأول - وتغريم كل من المتهمين الثلاثة 500 جنيه وقد ذكرت في أسباب حكمها أن الدفع في غير محله. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن محصل الأوجه الخمسة الأولى والوجهين السابع والثامن هو أن الحكم المطعون فيه معيب بالخطأ في تطبيق القانون وفساد الاستدلال والقصور، ذلك بأن المتهم الأول وهو أومباشي بالجيش اختلس كمية من البنزين المسلم إليه لاستخدامه في السيارة التي يقودها ولم يعن الحكم ببيان الكمية التي كانت في عهدته ولا كيف سلمت إليه وإذا لوحظ أن السيارة كان يوضع فيها البنزين من وقت لآخر بمعرفة وحدة الجيش المكلفة بذلك وقائد السيارة لا يعد أميناً على البنزين ولا خائناً للأمانة لأن الحيازة الأصلية ما تزال في يد المصلحة التابع لها، وإذا كان ذلك هو الحال فإن الواقعة تكون شروعاً في سرقة وأكثر من هذا فإن الحكم المطعون فيه أثبت أن الطاعن لم يكن موجوداً وقت وقوع الحادث أما قوله وهو يتحدث عن المتهم الثاني بأنه عامل بمحل الطاعن ويشتري البنزين لحساب هذا الأخير فلا يكفي لإدانة هذا الأخير إذ يحتمل أن يكون الطاعن قد كف عن شراء البنزين الحكومي وكان يجب على المحكمة أن تقيم الدليل على علم الطاعن بأن المتهم الأول سيحضر بسيارته إلى محله في أثناء غيابه وأنه أوصى المتهم بتسليم البنزين منه، كذلك اعتمد الحكم في إدانة الطاعن على اعتراف المتهم الثاني أمام البوليس ولم تلتفت المحكمة لإنكاره أمام النيابة وما شفع به هذا الإنكار من أن المخبرين ضربوه ليدلي باعترافه، ومع أهمية هذا الدفاع فإن الحكم لم يتناوله ولم يرد عليه، هذا إلى أن المتهم الثاني ذكر في تحقيق النيابة أن المحل مملوك لسيدة سماها ولم تشأ المحكمة أن تتحدث عن ذلك أو تنفي ما للمالكة الحقيقية من المصلحة في شراء البنزين كما أنها لم تجب طلب الدفاع الاستعلام من الوحدة التابع لها المتهم الأول عن كمية البنزين الذي يسلم له يومياً واكتفت بتعليق النيابة على هذا الطلب وقولها إن خزان السيارة التي اختلس منها البنزين يسع 16 جالوناً ومن الجائز أن يتبقى شيء من الأربعة جالونات التي توضع يومياً فيه وكان ينبغي إذا هي رأت رفض إجابة طلب الدفاع - أن تذكر ما يبرر هذا الرفض، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن اكتفاءها بما قالته النيابة معناه أنها بنت قضاءها بالإدانة على الشك والجواز الذي أيدته سلطة الاتهام وهي تعارض طلب الدفاع، وأضاف الطاعن إلى ما سبق أن الدفاع عنه تمسك أمام محكمة الموضوع بوجوب إطراح التحريات التي قام بها البوليس قبل الحادث لظهور كذبها من التحقيق الذي بوشر فيها إذ تبين أن بعض السيارات التي دونت أرقامها بتقارير التحريات لم تكن موجودة عند محل الطاعن في الوقت المقول بمشاهدتها فيه، كذلك لم تحقق المحكمة دفاع المتهم الأول من أنه إنما حضر إلى منزل الطاعن لمناسبة مرض زوجة هذا الأخير ووجودها بالمستشفى وأنها قريبته ولو حققت المحكمة ذلك لظهر لها ما يبرر وجود المتهم الأول بمكان الحادث ولما اتخذت من وجوده دليلاً قبل الطاعن، وأخيراً قضى الحكم المطعون فيه بعزل المتهم الأول حال أنه مجند بالجيش وعقوبة العزل لا توقع إلى على ذوي المؤهلات من الموظفين، أما المجندون فإن توقيع عقوبة العزل قد تكون وسيلة لتخليصهم من ملزوميتهم بالخدمة العسكرية وهو ما لا تتحقق به وظيفة هذه العقوبة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه وصل إلى علم اليوزباشي ماهر نصار معاون مباحث بوليس شمال القاهرة من مصدر سري أن سائقي بعض السيارات الحكومية اعتادوا بيع البنزين الحكومي المسلم لهم في السيارات الحكومية التي يقودونها للمتهم الثالث جابر السيد حمودة الشهير بالإسكندارنى (الطاعن) وهو صاحب محل للحام الكاوتشوك بشارع البرج الزفر رقم 32 وذلك بأن تحضر السيارة الحكومية بقيادة سائقها أمام المحل المذكور الذي يعطي إشارة لمن بالمحل ويستمر في السير بالسيارة حتى أول حارة على اليسار ثم يتجه إلى أول حارة على اليمين ويقف خلف عمارة الدهان بعيداً عن الأعين، عندئذ يدركه صبي المتهم الثالث الذي يقوم بتفريغ البنزين في وعاء خارجي من خزان السيارة ويسلم السائق الحكومي من 40 إلى 50 قرشاً للصفيحة حسب الاتفاق وقد تأكدت هذه المعلومات من المراقبة التي قام بها الضابط ورجاله فأقام في 21/ 9/ 1954 كميناً في الوقت الذي اعتاد السائقون الحضور بسياراتهم لتنفيذ هذه الخطة فقام حوالي الساعة الواحدة مساء ومعه المخبرون محمد السيد ثابت وحامد فرج السوداني وعلي محمود فرج وإبراهيم صابر ومحمد شعبان حيث كمنوا في المكان الذي اعتاد السائقون الحكوميون الحضور فيه لبيع البنزين الحكومي وفي الساعة 2.45 حضرت السيارة اللوري الحكومية 17771 جيش ومرت أمام المتهم الثالث بسرعة قليلة ثم انحرفت إلى اليسار في أول حارة ثم انحرفت إلى اليمين في الحارة الأولى في هذا الاتجاه ووقفت أمام منزل على يمين الطريق ملاصقة للحائط وبمجرد وقوفها حضر المتهم الثاني بدير مصلحي عبد الله من عمال محل المتهم الثالث ورقد أسفل السيارة ومعه وعاء أفرغ فيه البنزين من خزانها ولما امتلأ الوعاء وقفله هاجمه رجال الكمين وعندئذ أسرع وفي يده وعاء البنزين والسائق الذي تبين فيما بعد أنه المتهم الأول الأمباشي محمد محمد عثمان الذي يعمل بالجيش المصري - أسرع إلى شقة بالطابق الأول إلى يسار الداخل للمنزل الواقع في ملاصقة السيارة وقد تبين فيما بعد أنها مسكن المتهم الثالث، فطاردهما رجال القوة وتمكنوا من القبض عليهما وفي يد المتهم الثاني وعاء البنزين المسروق وفي يده الأخرى مبلغ خمسون قرشاً" وبعد هذا البيان أورد الحكم الأدلة على ثبوت الواقعة على المتهمين ومن بينهم الطاعن، ولما كانت المحكمة قد دانت الطاعن بوصف كونه شريكاً بالاتفاق مع المتهم الأول في الشروع في اختلاس كمية من البنزين المملوك للجيش والمسلمة إليه بسبب وظيفته لاستخدامها في السيارة المعهود إليه بقيادتها ولم تتم الجريمة لسبب خارج عن إرادته وهو ضبط المتهمين الأول والثاني متلبسين وطبقت على ما ارتكبه المادتين 40 و41 من قانون العقوبات والمواد 45 و46 و111 و112 و118 و119 من هذا القانون وهي المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 - لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى أصل تشريع المادة 112 من قانون العقوبات (وهي المقابلة للمادة 100 من قانون سنة 1883 والمادة 97 من قانون سنة 1904 والمادة 112 من قانون سنة 1937، إن هذا النص ظل على أصله من اشتراط أن تكون الأشياء مسلمة إلى الموظف بسبب وظيفته، وجاءت الصيغة الفرنسية لهذا الركن بعبارة qui étaient entre ses mains en vertu de ses fonctions أي أن يكون الشيء بين يدي الموظف بمقتضى وظيفته وهو نفس التعبير الذي استعمله الشارع الفرنسي عند صياغة المادة 169 من قانون العقوبات التي أخذت عنها المادة 112 من قانون العقوبات المصري، وفي التعبير بهذه الصيغة دلالة على أن الشارع لم يكن من مراده عند وضع النص أن يقصر الاختلاس على الحالة التي يكون فيها الشيء المختلس قد سلم إلى المختلس تسليماً، وإنما أراد أن يجمع إلى هذه الصورة الأحوال التي يكون فيها عمل الموظف قد اقتضى وجود الشيء بين يديه، وفرض العقاب على عبث الموظف بالائتمان على حفظ هذا الشيء وهي صورة خاصة من صورة جريمة خيانة الأمانة لا شبه بينها وبين الاختلاس الذي نص عليه الشارع في باب السرقة، إذ أن الاختلاس هناك هو انتزاع المال من حيازة شخص آخر بنية تملكه أما هنا فالاختلاس يعني تصرف الحائز في الشيء المملوك لغيره منتوياً إضافته إلى ملكه، ومتى تقرر ذلك وكان الشارع عند إلغاء المادة 112 من قانون العقوبات واستبدال النص الجديد بها لم يجعله مقصوراً كما كان الحال في النص الملغي - على مأموري التحصيل أو المندوبين له أو الأمناء على الودائع أو الصيارفة المنوطين بحساب النقود، بل أطلق حكم النص ليشمل كل موظف أو مستخدم عمومي يختلس مالاً مما تحت يده متى كان المال المختلس مسلماً إليه بسبب وظيفته، وهذا التعبير الأخير هو الذي كان مستقراً في صياغة هذه المادة منذ أول وضعها وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 69 لسنة 1953 أنه روئي في صياغة المواد الجديدة ما انتهت إليه لجنة تعديل قانون العقوبات في مشروعها مع إضافة مواد أخرى جديدة يستكمل بها ما فات اللجنة استكماله من نواحي النقص وتعديل بعض المواد الأخرى من مشروع اللجنة ليلائم روح العهد الحاضر وتحقيق أهدافه بشأن القضاء على الفساد والإفساد والمحافظة على أموال الدولة وعدم التفريط فيها...... وقد تلافت النصوص الواردة بهذا المشروع المرافق كثيراً من نواحي النقص التي أخذت على النصوص الحالية في قانون العقوبات والتي تعرض لها شراح القانون الجنائي بالنقد مؤلفاتهم، لما كان ذلك وكان تأويل التسليم المشار إليه في النص بالأخذ المادي وحده فيه تضييق للمدى الذي يشمله تطبيقه وهو ما لا يتفق مع الاتجاه الذي أفصح عنه الشارع في المذكرة الإيضاحية ولا مع قصده عند وضع النص من أن تحريم الاختلاس والعقاب عليه في هذه المادة لا يستلزم كما هو مبين فيما سبق - سوى وجود الشيء في حفظ الموظف الذي عهد إليه به، يستوي في ذلك أن يكون قد سلم إليه تسليماً مادياً، أو أن يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته ولا يسع محكمة النقض وهي تعرض لتفسير المادة 112 إلا أن تشير إلى أن الاختلاس المذكور في تلك المادة باعتباره صورة خاصة من صور خيانة الأمانة كما سلف القول يقع تاماً متى وضحت نية المختلس في أنه يتصرف في الشيء الموكل بحفظه تصرف المالك لحرمان صاحبه منه، ومن ثم فإن الوصف الصحيح للجريمة التي وقعت من المتهم الأول والتي أثبتها الحكم وكان الطاعن شريكاً فيها هي اختلاس تام لا شروع فيه كما انتهت إليه محكمة الموضوع إلا أنه لما كان الطعن مرفوعاً من الطاعن وحده فلا يسوغ قانوناً أن يضار بطعنه، لما كان ذلك وكان ما جاء بالوجه الثاني من الطعن من أن الطاعن لم يكن موجوداً وقت وقوع الحادث هو جدل موضوعي لا تلتفت إليه هذه المحكمة ما دام الحكم قد أثبت أن الطاعن شريك بالاتفاق مع المتهم الأول وأن الاختلاس قد وقع بناء على هذا الاتفاق وكان فيما أثبته الحكم من ذلك ما يسوغ اعتقاد المحكمة بحصول الاتفاق، لما كان ذلك وكان الحكم قد أثبت أيضاً أن الجريمة كانت في حالة تلبس وأن الشهود من رجال البوليس قد شاهدوا البنزين حال تفريغه من السيارة وكان الطاعن لم يطلب من المحكمة الاستعلام من الوحدة التي يتبعها المتهم الأول عن كمية البنزين التي تسلم إليه يومياً حتى كان يصح له (للطاعن) أن ينعي على حكمها عدم تحدثه عن هذا الطلب لما كان ذلك وكان القاضي في المواد الجنائية لا يتقيد بأدلة مخصوصة بل أن القانون خوله حرية كاملة في تكوين عقيدته عن ثبوت الواقعة الجنائية في حق المتهم من أي دليل يستخلصه من التحقيقات التي يجريها بالجلسة أو مما ورد بالأوراق وكانت المحكمة قد صدقت ما أسفرت عنه التحريات التي قام بها رجال البوليس وشهدوا بمضمونها بالجلسة فإنه لا يصح مناقشة المحكمة فيما اعتمدت عليه من ذلك خصوصاً إذا كان الظاهر من الحكم أن المحكمة وهي تتحدث عن هذه التحريات قد ساقت ذلك تأييداً للأدلة الأخرى التي أوردتها أما ما يقوله الطاعن بشأن عقوبة العزل التي قضت بها على المتهم الأول وما تمسك به هذا المتهم في صدد الدفاع عن نفسه فلا مصلحة للطاعن في إثارته لعدم تعلقه به لما كان ما تقدم جميعه فإن ما يثيره الطاعن في الأوجه الخمسة الأولى وفي الوجهين السابع والثامن من طعنه لا يكون سديداً.
وحيث إن مبنى الوجه السادس من الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون حين قضى بتغريم كل من المتهمين مبلغ خمسمائة جنيه مع أن القانون لا يسيغ تعدد الغرامة بتعدد المتهمين في جريمة الاختلاس.
وحيث إن هذا الوجه سديد في القانون، ذلك بأن الغرامة التي نصت عليها المادة 118 من القانون رقم 69 لسنة 1953 هي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 من قانون العقوبات وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن خمسمائة جنيه وهو المبلغ الذي قضى به الحكم ولما كانت المادة 44 المذكورة قد نصت على أنه إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد بجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل متهم على انفراده خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونون متضامنين في الالتزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك وكان إعمال هذا النص يوجب الحكم على المتهمين معاً بهذه الغرامة متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم سواء في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه، لما كان ذلك فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه في خصوص ما قضى به من تغريم كل من المتهمين مبلغ خمسمائة جنيه وتصحيحه بجعل هذه الغرامة واحدة ذلك بالنسبة للطاعن ولمن معه من المحكوم عليهم الذين لم يطعنوا في الحكم لأن هذا الوجه الذي بني عليه النقض يتصل كذلك بهم وذلك تطبيقاً للفقرة الثانية من المادة 435 من قانون الإجراءات الجنائية