أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 7 - صـ 871

جلسة 11 من يونيه سنة 1956

برياسة السيد المستشار حسن داود، وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين، وفهيم يسى الجندي، أحمد زكي كامل - المستشارين.

(240)
القضية رقم 700 سنة 26 القضائية

( أ ) ضرب. القدر المتيقن. متى يسوغ للمحكمة الأخذ به؟ مثال.
(ب) دعوى مدنية. اختصاص. رفعها بطريق التبعية للدعوى العمومية أمام المحكمة الجنائية. شرطه.
1 - متى استبعدت المحكمة إصابتي العاهة لعدم حصولهما من المتهمين، فلا يصح لها أن تسند إليهما إحداث إصابات أخرى بالمجني عليهما وأخذهما بالقدر المتيقن في حقهما، ذلك لأن القدر المتيقن الذي يصح العقاب عليه في مثل هذه الحالة هو الذي يكون إعلان التهمة قد شمله، وتكون المحاكمة قد دارت عليه.
2 - الأصل في الدعوى المدنية أن ترفع أمام المحكمة المدنية وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها إلى المحكمة الجنائية بطريق التبعية للدعوى العمومية متى كان الحق فيها ناشئاً عن ضرر حاصل من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية - جناية كانت أو جنحة أو مخالفة، فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن جريمة انتفت علة الاستثناء وانتفى الاختصاص.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما المذكورين بأنهما. أولاً: ضربا عبيد عبد العاطي الصاحي عمداً بأجسام صلبة راضة وحادة على رأسه وباقي أجزاء جسمه فأحدثا به الإصابات المبينة بالتقريرين الطبيين الابتدائي والشرعي والتي تخلف بسببها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد العظم الجداري والجبهي الأيسر لا ينتظره ملؤه بنسيج عظمي مما يعرض حياة المجني عليه للخطر بحرمان المخ جزءاً من وقايته الطبيعية ضد التغيرات الجوية والإصابات البسيطة التي ما كانت لتؤثر عليه لو ظل المخ محمياً بالعظام، وتجعله عرضة لمضاعفات خطيرة كالصرع والشلل والتهابات المخ والسحايا، وهذه العاهة تقلل من كفاءة المجني عليه على العمل بنحو 21 في المائة وكان ذلك مع سبق الإصرار. وثانياً: المتهم الثاني أيضاً ضرب عمداً زاهية عبد العاطي الصاحي بآلة راضة (عصا) على رأسها فأحدث بها الإصابات المبينة بالتقريرين الطبيين الابتدائي والشرعي والتي تخلف لديها من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي زيادة ضعف قوة الأذن اليسرى بما يقدر بنحو 4 - 5% وكان ذلك مع سبق الإصرار. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً لنص المادة 240/ 1 و2 من قانون العقوبات، فصدر قرارها بذلك. وادعى بحق مدني. 1 - عبيد عبد العاطي الصاحي 2 - زاهية عبد العاطي الصاحي - المجني عليهما - وطلبا الحكم لهما قبل المتهمين بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة.
ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً ببراءة المتهمين المذكورين مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما وإلزام المدعيين بمصاريفها، وذلك تطبيقاً للمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن المدعيان بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض.. الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم شابه القصور وأخطأ في القانون ذلك بأن المحكمة مع تسليمها باشتراك المتهمين المطعون ضدهما في المشاجرة، ومساهمتهما في إحداث إصابات الطاعنين، فقد نفت مسئوليتهما الجنائية والمدنية على أساس ما ساورها من شك في إحداثهما تلك الإصابات مما كان يتعين معه أخذهما في العقاب بالقدر المتيقن في حقهما، كما أخطأت المحكمة إذ رتبت على عدم ثبوت التهمة في حق المطعون ضدهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما، مع أن أساس كل من الدعويين الجنائية والمدنية مختلف عن الآخر، هذا إلى أن الحكم جاء قاصراً في التحدث عن المسئولية المدنية وفي نفيه ركن سبق الإصرار.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى كما استخلصتها المحكمة من أقوال المجني عليهما بالتحقيقات، ثم عرض لعناصر الإثبات القائمة وفندها وانتهى إلى القول "وحيث إنه يبين من استعراض صور اختلاف الروايات المتقدمة بشأن من اعتدى على المجني عليهما عبيد وزاهية عبد العاطي الصاحي أنه يتعذر الاطمئنان إلى ما يرويه كل من هؤلاء الشهود في خصوص نسبة الإصابات إلى المتهمين الأولين وحدهما في حادث ظروف مفاجئة وحدثت ليلاً بين أشخاص نفوسهم متوترة وانتهت المشاجرة بعديد الآثار الإصابية في عديد المصابين مما يصعب معه الجزم بنسبة إصابة منها معينة إلى شخص بالذات ممن ثبت اشتراكهم في المعركة، ولم يثبت من التحقيق توفر ركن سبق الإصرار لأن الأمر كما يبين آنفاً وقع ونفوس الفريقين ثائرة بسبب ما سبق ذلك من شجار ولم تسعف الظروف شيخ العزبة للتدخل ولإزالة أسباب التوتر بين العائلتين حين قصده المتهم الأول بغية العمل من جانبه على إصلاح ذات البين بين العائلتين مما يتنافى مع القول بأن هذا المتهم وهو كبير عائلته قد بيت الشر ودبر للاعتداء عدته - وحيث إنه إزاء ما تقدم جميعه ترى المحكمة أن ما أسند إلى المتهمين من إحداثهما عاهة بعبيد عبد العاطي وإحداث ثانيهما عاهة بزاهية عبد العاطي الصاحي يحوطه الشك مما يتعين معه تبرئتهما مما أسند إليهما عملاً بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية وتأسيساً على ما تبين للمحكمة من عدم ثبوت الاتهام المسند إلى المتهمين يتعين رفض الدعوى المدنية" ولما كان أساس الأحكام الجنائية إنما هو حرية قاضي الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى، فما دام يبين من حكمه أنه لم يقض بالبراءة إلا بعد أن ألم بتلك الأدلة ووزنها، فلم يقتنع وجدانه بثبوتها في حق المتهم، فلا يجوز مصادرته في اعتقاده ولا المجادلة في حكمه أمام محكمة النقض - لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد استبعدت إصابتي العاهة لعدم حصولهما من المتهمين فلا يصح لها أن تسند إليهما إحداث إصابات أخرى بالمجني عليهما وأخذهما بالقدر المتيقن في حقهما، ذلك لأن القدر المتيقن الذي يصح العقاب عليه في مثل هذه الحالة هو الذي يكون إعلان التهمة قد شمله وتكون المحاكمة قد دارت عليه، وكان الأصل في الدعوى المدنية أن ترفع أمام المحكمة المدنية، وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها إلى المحكمة الجنائية بطريق التبعية للدعوى العمومية متى كان الحق فيها ناشئاً عن ضرر حاصل من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية - جنائية كانت أو جنحة أو مخالفة - فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن جريمة انتفت علة الاستثناء وانتفى الاختصاص وما دامت الواقعة المسندة إلى المتهمين لم تثبت في حقهما لدى المحكمة فإن ما قضت به من رفض الدعوى المدنية هو القضاء الصحيح قانوناً - لما كان كل ما تقدم، وكانت المحكمة غير ملزمة ببيان أسباب رفض الدعوى المدنية ما دامت أسباب البراءة تفيد عدم ثبوت الفعل المكون للجريمة، وكان لا مصلحة للطاعنين من النعي على الحكم قصوره في نفي ركن سبق الإصرار، لأن حقهما في الطعن قاصر على الدعوى المدنية دون الجناية، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.