أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 7 - صـ 879

جلسة 12 من يونيه سنة 1956

برياسة السيد وكيل المحكمة مصطفى فاضل، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود محمد مجاهد، وأحمد زكي كامل، وفهيم يسى الجندي - المستشارين.

(242)
القضية رقم 668 سنة 25 القضائية

( أ ) إثبات. ربا فاحش. تخفي ضابط البوليس في محل المجني عليه بناء على طلبه ليسمع اعتراف المتهم بعناصر هذه الجريمة. لا منافاة فيه للأخلاق.
(ب) إثبات. اعتراف. اعتراف المتهم طواعية واختياراً. لا محل للطعن على الدليل المستمد منه.
1 - متى كان الثابت أن الضابط وزميله إنما انتقلا إلى محل المجني عليه واستخفيا فيه بناء على طلب صاحبه ليسمعا إقرار المتهم بأجل الدين وحقيقة الفائدة التي يحصل عليها في القرضين الربويين فإنه لا يصح أن يعاب التسمع هنا بالنسبة لرجل البوليس بمنافاة الأخلاق لأن من مهمة البوليس الكشف عن الجرائم للتوصل إلى معاقبة مرتكبها.
2 - لا يعتبر تفريط المتهم في مكنون سره والإفضاء بذات نفسه وجهاً للطعن على الدليل المستمد من اعترافه طواعية واختياراً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: اعتاد على إقراض نقود بفائدة تزيد على الحد الأقصى للفائدة الممكن الاتفاق عليها قانوناً وذلك بأن أقرض عبد القادر حسن وإمام علي عناني وعبد الفتاح علي عناني المبالغ الموضحة بالمحضر بفائدة أزيد من المقرر قانوناً، وطلبت عقابه بالمادة 339 من قانون العقوبات. وادعى بحق مدني 1 - عبد القادر حسن و2 - جيد إسحق و3 - أليس لبيب وطلبوا الحكم لهم قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. وأمام محكمة روض الفرج الجزئية دفع المتهم بعدم قبول الدعوى المدنية لعدم جواز رفعها في جرائم الإقراض بفوائد ربوية، والمحكمة قضت بقبول هذا الدفع وبعدم قبول الدعوى المدنية وألزمت رافعها بالمصروفات المدنية، ثم نظرت موضوع الدعوى وقضت حضورياً بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وتغريمه مائة جنيه وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من وقت صيرورة هذا الحكم نهائياً وذلك تطبيقاً للمواد 339/ 3 و55 و56 من قانون العقوبات. فاستأنف المحكوم عليه، كما استأنفته النيابة طالبة التشديد، واستأنفه كذلك المدعيان الثاني والثالث، وطلبا الحكم لهما بما طلباه من تعويض، ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضورياً. أولاً: بعدم جواز استئنافي النيابة والمدعيين مدنياً. ثانياً: بقبول استئناف المتهم شكلاً وبرفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بإدانته في جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش انطوى على تناقض في الأسباب وأخطأ في تطبيق القانون، كما أخطأ في الإسناد وشابه القصور، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم حين تناول أقوال كل من الأستاذ لويس أبو الفرج وإسكندر عبد السيد والأميرالاي محمد درويش وصفهم تارة بأنهم شهود إثبات على واقعة اعتراف الطاعن بالإقراض بالفوائد الربوية، ثم عاد ووصفهم تارة أخرى بأنهم شهود نفي لذات الواقعة، ولم يأخذ بأقوالهم بمقولة إن بينهم وبين الطاعن صلات مختلفة تجعلهم يشهدون لصالحه مع انعدام الصلات بينهم وبين الطاعن، ثم إن الحكم في شأن واقعة اختفاء الضابط بمتجر المجني عليه وتسمعه وهو والصول لاعتراف الطاعن، أخذ بقول الضابط الذي زعم فيه أنه حضر بالمحل قبل دخول الطاعن، مع أن للضابط قولاً آخر مفاده أنه حضر بعد حضور الطاعن، وكان الأمر يقتضي أن يبين الحكم العلة في ترجيح الرواية التي أخذ بها. هذا إلى أن الحكم عندما تحدث عن الاعتراف المنسوب إلى الطاعن تصور أوضاعاً للشاهدين غير أوضاعهما الثابتة في الأوراق، فتصور اختفاءهما فعلاً عن الطاعن، في حين أن المعاينة صريحة في إمكان الطاعن رؤية الضابط من ظهره وجانبه ورؤية الصول أثناء وجوده فوق الصندرة، ولو تصور الحكم الأوضاع على حقيقتها لانتهى إلى عدم الأخذ بالاعتراف، ذلك فضلاً عن أنه لا يصح الأخذ بهذا الدليل الذي جاء ثمرة لاستراق السمع والتلصص على ما جاء بأقوال الضابط نفسه، ثم إن الدفاع أفاض في الاستناد إلى شهادة شهود الإثبات وأوضح قيام التعارض في أقوالهم، ولكن المحكمة اكتفت بمجرد القول بأنه خلاف تافه لا يلتفت إليه، وكان الأمر يستلزم بأن تبسط وجود التعارض في حكمها وترد عليها تفصيلاً، كما أغفل الحكم الإشارة كلية إلى شهادة شهود النفي هذا بالإضافة إلى أن الشاهد الأميرالاي محمد درويش وصف المجني عليهم "بأنهم ضمنوا بعضهم البعض بطريق أمريكاني" ولكن الحكم حين عرض لذلك رد ما جاء بأقوال الشاهد إلى الطاعن نفسه، مع مخالفة ذلك لما هو ثابت بالأوراق.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه "أن عبد القادر حسن حسن وهو تاجر أحذية تقدم في 5 من أغسطس سنة 1949 بشكوى لنيابة روض الفرج تتضمن أن المتهم اعتاد إقراض النقود بفائدة تزيد عن الحد الأقصى للفائدة المنصوص عنها قانوناً، وأن ضحاياه عديدون وأنه أقرضه هو شخصياً مائة جنيه بتاريخ 20/ 4/ 1949 واستكتبه سنداً إذنياً بمبلغ 200 ج يستحق السداد بعد ثلاثة شهور في 20/ 7/ 1949 كما استكتبه تأميناً لسداد السند شيكاً على بنك مصر بمبلغ 200 ج يستحق في ذات تاريخ استحقاق السند، كما أقرض إمام علي عناني وأخاه عبد الفتاح ثمانين جنيهاً مصرياً لمدة شهرين بفائدة عشرين جنيهاً واستكتبه ضماناً لذلك سنداً بمائة وخمسين جنيهاً وشيكاً بهذا المبلغ يستحق يوم استحقاق السند وعرض المجني عليه على المحقق "الضابط عبد الرحيم الحبشي" الذي تولى تحقيق الشكوى أن يتنكر ويحضر إلى المحل ليسمع بنفسه إقرار المتهم بأجل الدين وحقيقة الفائدة التي يحصل عليها. وفي 15/ 8/ 1949 حرر الضابط عبد الرحيم محضراً أثبت فيه أنه عرض الأمر على مأمور القسم، فأشار عليه بأن يتنكر هو والصول عبد القادر السيسي في ملابس مدنية ويذهبا إلى محل المجني عليه على أن يتصل هذا الأخير بالطاعن ويحضره لمحله ويسمعا ما يدور بينهما بشأن حقيقة هذه المعاملة، وفعلاً توجها إلى المحل وأخفيا الصول عبد القادر في صندرة داخل المحل ووقف الضابط بملابسه المدنية في داخل المحل متظاهراً بالبيع والشراء، ثم حضر الطاعن ودارت مناقشة بينه وبين المدين وتحقق الشاهدان أن الأمر في أصل الدين ومقدار الفائدة في القرضين الربويين هو كما أبلغ المجني عليه، وعندئذ كشف الضابط عن شخصيته وأخذه إلى القسم وباشر التحقيق، ودلل الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن بشهادة المجني عليه وإمام عبد الفتاح عناني المجني عليه في القرض الثاني، والشاهد أحمد فوزي الضامن لهما في هذا القرض، وأقوال الضابط عبد الرحيم حبشي والصول عبد القادر السيسي، وما جاء بمعاينة النيابة لمحل المجني عليه واعتراف الطاعن باعتياده على إقراض النقود بفائدة" لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة 3/ 5/ 1954 أن الشهود الذين ذكرهم الطاعن في مستهل طعنه قدموا من الطاعن على أنهم شهود نفي له، فلم يخطئ الحكم إذ اعتبرهم كذلك، وكان من حق المحكمة أن تأخذ - وهذا من شأنها وحدها لتعلقه بالدليل - بما تطمئن إليه من أقوال بعض الشهود دون البعض الآخر بغير بيان للعلة في ذلك، بل لها أن تأخذ بأقوال شاهد بعينه في مرحلة من مراحل التحقيق دون أقواله في غيرها، وأن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ بما تطمئن إليه وتطرح ما لا ترتاح له منها، ما دام يصح في العقل والمنطق أن يكون الشاهد صادقاً في ناحية وغير صادق في ناحية وهي بعد غير مكلفة بمناقشة أقوال من لا تثق في روايته إذ في إيراد الأدلة على ثبوت التهمة ما يفيد ضمناً أنها أطرحت غيرها ولم تر فيها ما تطمئن إليها. هذا ويبين من مفردات القضية التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن دعوى الخطأ في الإسناد غير صحيحة وأن ما أورده الحكم في شأن المعاينة وأوضاع الشاهدين له أصله الثابت في الأوراق. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الضابط وزميله إنما انتقلا إلى محل المجني عليه واستخفيا فيه بناء على طلب صاحبه، وهو وحده صاحب الشأن فيه، فلا يمكن أن يعتبر تفريط الطاعن في مكنون سره والإفضاء بذات نفسه وجهاً للطعن على الدليل المستمد من اعترافه طواعية واختياراً، ولا يصح أن يعاب التسمع هنا بالنسبة لرجل البوليس بمنافاة الأخلاق، لأن من مهمة البوليس الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبها، لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام إدانة الطاعن على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، فيكون ما يثيره الطاعن في جملته لا يعدو أن يكون منه محاولة لفتح باب المناقشة في موضوع الدعوى وأدلة الثبوت فيها مما لا شأن به لمحكمة النقض لتعلقه بمحكمة الموضوع وحدها.