أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 7 - صـ 1013

جلسة 8 من أكتوبر سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، وفهيم يسى الجندي، والسيد أحمد عفيفي - المستشارين.

(276)
القضية رقم 767 سنة 26 القضائية

إثبات. اعتراف. تفتيش. تفتيش باطل. حق القاضي في الأخذ بالاعتراف اللاحق للمتهم بحيازته ذات الأشياء التي ظهر من التفتيش وجودها لديه.
بطلان التفتيش لا يحول دون أخذ القاضي لجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش ومن هذه العناصر الاعتراف اللاحق للمتهم بحيازته ذات الأشياء التي ظهر من التفتيش وجودها لديه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما حازا وأحرزا جواهر مخدرة أفيوناً في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1 و2 و7 و32/ 5 و35 و37 من المرسوم بقانون رقم 351 سنة 1952 والمعدل بالقانون رقم 153 سنة 1953 والبند 1 من الجدول "أ" المرفق له - فقررت الغرفة بذلك ولدى نظر الدعوى دفع المتهمان ببطلان التفتيش. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام عدا المادة 37 من القانون المذكور برفض الدفوع وبمعاقبة المتهم تاج محمد محمد علي بالسجن لمدة ثلاث سنين وغرامة 500 جنيه والمصادرة وبمعاقبة المتهم سيد عبد الله حسن الشهير بالسقا بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه 3000 جنيه والمصادرة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من الطعن هو أن الحكم بني على إجراء باطل ذلك بأن إذن التفتيش الصادر ضد الطاعن الثاني قد صدر ممن لا يملكه. إذ أصدره وكيل نيابة أسيوط الكلية في حين أن مكان الحادث يقع في دائرة اختصاص محكمة البداري - هذا وقد صدر الإذن لرئيس مكتب المخدرات بأسيوط دون غيره ممن يعاونونه ولم يتناول الطاعن الأول الذي لم يكن في حالة من حالات التلبس التي تسوغ القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة ولذلك قال الحكم إن تفتيش الطاعن الأول قد وقع باطلاً وهذا البطلان يلحق القبض على الطاعن الثاني لحصوله بمعرفة المخبرين اللذين اصطحبا الضابط وقت التفتيش وهما ليسا من رجال الضبطية القضائية - ثم أن المحكمة أخطأت إذ اعتبرت واقعة إلقاء الطاعن الثاني العلبة التي وجد بها المخدر نتيجة لحالة التلبس تبيح لهما القبض قانوناً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها أورد على ثبوتها في حقهما أدلة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ثم عرض بعد ذلك لما أورده الطاعنان في طعنهما في قوله "إن اختصاص النيابة الكلية يشمل البيانات الجزئية التابعة لها وقد تبين من الاطلاع على الأوراق أن رئيس النيابة قد حول طلب التفتيش المقدم من رئيس مكتب مكافحة المخدرات بالمديرية لوكيل النيابة الكلية الذي أصدر ذلك الإذن فهو إذن صحيح لا مطعن عليه - على أن ضبط المادة المخدرة المنسوب إليه إحرازها لم يكن وليد تفتيشه وإنما كان نتيجة رؤية المخبرين محمد عبد العال عياط ومحمد عبد المجيد السيد له متلبساً بإلقاء العلبة التي وجدت بها تلك المادة فهو قد تخلى بنفسه عن حيازة تلك المادة على مرأى من هذين المخبرين... هذا فضلاً عن أنه إذا انتدب رئيس مكتب مكافحة المخدرات لتفتيش شخص من الأشخاص فله من غير شك أن يصطحب معه بعض معاونيه لمساعدته في القيام بالإجراءات التي تتطلبها المأمورية تحت إشرافه" ولما كان ما قاله الحكم في شأن الإذن بالتفتيش صحيحاً في القانون وكانت الواقعة الثابتة في الحكم هي أن الطاعن الثاني عندما وقع بصره على رجال البوليس حاول الهرب وألقى طواعية واختياراً المخدر الذي كان يحمله قبل أن يقبض عليه ويفتش فإن ظهور المخدر على هذا النحو يعد تلبساً يبرر ما حصل من قبض وتفتيش ولا يقدح في صحة ذلك أن يكون أحد المخبرين هو الذي عثر على المخدر وآخر هو الذي أجرى القبض على الطاعن ما دام ذلك كله قد تم في حضور الضابط المأذون بالتفتيش وتحت إشرافه.
وحيث إن حاصل باقي وجوه الطعن أن الحكم المطعون فيه بني على إجراء باطل وشابه القصور ذلك أنه مع تسليمه ببطلان التفتيش الحاصل على الطاعن الأول دانه في جناية إحراز المخدر بقصد التعاطي استناداً إلى ما صدر منه من اعتراف في محضر ضبط الواقعة وفي تحقيقات النيابة في حين أن هذا الاعتراف باطل لأنه لم يصدر منه عن طواعية واختيار بل كان مبناه الخوف والفزع - هذا وقد تمسك الطاعن ببطلان إجراءات التحريز لحصوله في غيبة الطاعنين بمعرفة رجال البوليس الملكي محمد جاد الكريم وهو ليس من رجال الضبطية القضائية ولكن المحكمة رفضت الدفع بأسباب لا تبرره ثم أن المحكمة اعتبرت إحراز الطاعن الثاني بقصد الاتجار واستندت في ذلك إلى مقدار الكمية التي ضبطت معه دون أن تقيم الدليل على الاتجار فجاء الحكم قاصراً هذا فضلاً عن أنها لم ترد على دفاع الطاعن من استحالة إلقاء المخدر والعثور عليه على الصورة التي جاءت في التحقيقات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعنان في هذه الوجوه بقوله: "وحيث إن الحاضر عن المتهمين دفع أيضاً ببطلان التفتيش بالنسبة للمتهم الأول نظراً لعدم صدور إذن به من الجهة المختصة وعدم وجوده في حالة تلبس تبيح ذلك التفتيش وحيث إنه وإن كان ذلك المتهم لم يؤذن بتفتيشه حقيقة كما أنه لم يكن في حالة تجيز ذلك إلا أنه قد اعترف صراحة وبالتفصيل في محضر تحقيق النيابة بإحرازه قطعة الأفيون التي ضبطت معه وقد صدر منه ذلك الاعتراف طواعية واختياراً وفي حضور محاميه فهو اعتراف صحيح غير مشوب بأي شائبة وهو يعد في ذاته دليلاً مستقلاً قائماً بنفسه ضد ذلك المتهم ولا مطعن عليه وكافياً وحده لإثبات التهمة المنسوبة إليه." لما كان ذلك وكان بطلان التفتيش لا يحول دون أخذ القاضي لجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش ومن هذه العناصر اعتراف المتهم اللاحق بحيازته ذات الأشياء التي ظهر من التفتيش وجودها لديه وكان تقدير قيمة هذا الاعتراف وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بواقعة التفتيش وما نتج عنها هو من شئون محكمة الموضوع وحدها - وكان القانون حين نص على الإجراءات الخاصة بتحريز المضبوطات وفضها إنما قصد تنظيم العمل والمحافظة على الدليل لعدم توهين قوته في الإثبات ولم يرتب على مخالفتها بطلاناً وإذن فيكفي أن تقتنع المحكمة بأن المضبوطات لم يحصل بها عبث وتقدير ذلك هو من سلطة محكمة الموضوع وفي قول الحكم "إن الضابط انتقل مع المتهمين إلى نقطة الشامية حيث قام بتحريز المادة المخدرة المضبوطة وختم عليها بختم المخبر عبد المجيد جاد الكريم لعدم وجود ختم معه. وأنه ليس في ظروف الدعوى ما يثير الشك نحو ما اتبع بشأنها وقد اعترف المتهم الأول صراحة أمام النيابة بأن الأفيون المضبوط مملوك له" في هذا ما يكفي للرد على ما أثاره الطاعنان في هذا الخصوص - لما كان ذلك وكان لا يشترط لتوقيع العقوبة المغلظة المنصوص عليها في المادة 33 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 أن يثبت اتجار المتهم في الجواهر المخدرة وإنما يكفي لتوقيعها أن تثبت حيازته أو إحرازه لها وليس ثمة محل لتطبيق العقوبة المخففة التي نص عليها في المادة 34 من ذلك المرسوم بقانون إلا إذا ثبت أن الحيازة أو الإحراز لم يكن أيهما إلا بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي وقيام هذه الحالة وعدمها مسألة موضوعية - لما كان ذلك وكانت المحكمة غير ملزمة قانوناً بتعقب كل وجه دفاع يبديه الطاعنان إذ يكفي أن يكون الرد مستفاداً من الحكم بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم فإن ما ينعاه الطاعنان لا يكون إلا جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا يقبل أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.