أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 7 - صـ 1167

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(324)
القضية رقم 793 سنة 26 القضائية

( أ ) قاضي التحقيق. تحقيق. قانون. إحالة النيابة الأوراق إلى قاضي التحقيق بعد سريان قانون الإجراءات الجنائية الجديد. حقه في مباشرة جميع سلطاته المخولة له بالقانون الجديد.
(ب) قاضي التحقيق. تحقيق. حريته في إصدار قراراته. عدم تقيده بطلبات النيابة.
1 - متى كانت النيابة لم تستعمل حقها في التقرير بحفظ الدعوى وفقاً لقانون تحقيق الجنايات وأحالت الأوراق إلى قاضي التحقيق بعد سريان قانون الإجراءات الجنائية الجديد، فإن له بهذه الإحالة أن يباشر جميع سلطاته المخولة له بالقانون الجديد.
2 - لا حرج على القاضي من أن يتصرف في التحقيق طبقاً لما يمليه عليه ضميره ويصدر القرار الذي يراه ولو كان مخالفاً لطلبات النيابة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - أحمد إبراهيم محمد طايع و2 - أبو المواهب عبد الرحيم محمد و3 - محمد حمود محمود و4 - خالد أحمد ليفه بأنهم: المتهمان الأول والثاني قتلا كامل خليفة عبد الرحمن عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن عقدا النية على قتله وأعدا لذلك عصياً غليظة وتربصا له في الطريق ولما ظفرا به انهالا عليه ضرباً بالعصي فوق رأسه قاصدين قتله فأحدثا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. والمتهمان الثالث والرابع. اشتركا مع المتهمين الأول والثاني في ارتكاب جريمة القتل سالفة الذكر بطريق الاتفاق والمساعدة بأن اتفقا معهما على ارتكابها وساعدهما على ذلك بالذهاب معهما لمكان الحادث لشد أزرهما فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة وطلبت من قاضي التحقيق إحالة هذه القضية إلى غرفة الاتهام لتحيلها بدورها إلى محكمة الجنايات لمعاقبة المتهمين طبقاً للمواد 40/ 2 - 3 و 41 و232 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. وادعى جابر خليفة عبد الرحمن بحق مدني قدره مائة جنيه قبل المتهمين جميعاً بالتضامن. ومحكمة جنايات سوهاج قضت عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات للأول والثاني وغيابياً للأول وحضورياً لباقي المتهمين أولاً - بمعاقبة كل منهما بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وبإعفائهما من المصروفات الجنائية، وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني جابر خليفة عبد الرحمن تعويضاً مدنياً قدره مائة جنيه والمصروفات المدنية وقد نفت المحكمة عنهما ظرفي سبق الإصرار والترصد. وثانياً - ببراءة كل من المتهمين الثالث والرابع محمد حمود محمود وخالد أحمد ليفه مما أسند إليهما وبإعفائهما من المصروفات الجنائية وبرفض الدعوى المدنية قبلهما. فرفع المحكوم عليه الثاني (أبو المواهب عبد الرحيم محمد) طعناً عن هذا الحكم بطريق النقض، وقضت هذه المحكمة بقبوله شكلاً وفي الموضوع أولاً - بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى الدعوى المدنية وإحالة القضية إلى محكمة جنايات سوهاج لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى وإلزام المطعون ضده بمصاريفها. وثانياً - برفض الطعن فيما عدا ذلك. ثم قبض على المتهم الأول (أحمد إبراهيم محمد طايع) وأعيدت الإجراءات لمحاكمته. وفي أثناء نظر هذه القضية أمام محكمة جنايات سوهاج قررت المحكمة تعيين أبو الفتح عبد الرحيم محمد قيماً على المحكوم عليه أبو المواهب عبد الرحيم في الدعوى المدنية المقامة من المدعي بالحق المدني. والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماعها قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة أحمد إبراهيم محمد طايع بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبإلزامه متضامناً مع أبو الفتح عبد الرحيم محمد بصفته قيماً على المذنب أبو المواهب عبد الرحيم محمد بأن يدفعا لجابر خليفة عبد الرحمن مبلغ خمسين جنيهاً والمصاريف المدنية المناسبة و500 قرش أتعاباً للمحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه خالف حكم المادة 67 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه "لا يجوز لقاضي التحقيق مباشرة التحقيق في جريمة معينة إلا بناء على طلب من النيابة العامة" - وهي تسجل مبدأ عاماً وضع لصالح المتهم يترتب على مخالفته البطلان - ولما كان الثابت في هذه الدعوى أن تحقيقها انتهى على يدي النيابة قبل بدء سريان قانون الإجراءات الجديد وأن وكيل النيابة المحقق ورئيس النيابة والمحامي العام اجتمع رأيهم على حفظها وسجل هذا الإجماع في مذكرات وإشارات سابقة على تاريخ سريان قانون الإجراءات الجنائية الجديد - ولكن المحامي العام عشية سريان القانون الجديد طلب من قاضي التحقيق إصدار أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى قبل الطاعن فإنه ما كان يجوز له أي لقاضي التحقيق أن يعيد تحقيق القضية ويأمر بإحالة الدعوى على غرفة المشورة التي أحالتها على محكمة الجنايات وأصدرت حكمها بإدانة الطاعن - ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع ببطلان الإجراءات والذي أسسه الطاعن على مخالفة حكم هذه المادة قد أخطأ في تطبيق القانون ولا يكفي ما استند إليه الحكم من أن الأخذ بالدفع يجعل القاضي مقيداً بإصدار قرار قد لا يؤمن به لأن محل القول هو حالة ما إذا طلبت النيابة العامة إحالة الدعوى على غرفة المشورة ورأى هو أن لا وجه لإقامة الدعوى. أما في حالة ما إذا طلبت النيابة من قاضي التحقيق إصدار قرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية فإنه يكون مقيداً بحكم المادة 67 من قانون الإجراءات الجنائية سالفة الذكر شأنها في ذلك شأن جميع الحالات التي تمتنع فيها العقوبة أو المحاكمة لسبب شكل أو لدفع قانوني أو لسقوط الدعوى العمومية فإن قاضي التحقيق في هذه الحالات جميعاً يكون مقيداً بإصدار قرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى بالرغم مما قد يراه من أن ظروف الدعوى ترجح الإدانة أو تقطع بها وأولى من ذلك في وجوب الاقتناع أن يكون كتاب النيابة إلى قاضي التحقيق في قضية حدثت وقائعها وتم التحقيق فيها - واستقر رأي النيابة على حفظها في ظل القانون القديم.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن وكيل النيابة المحقق ظل يباشر التحقيق لغاية يوم 4 من نوفمبر سنة 1951 ثم أرسل القضية لرئيس النيابة مرفقة بمذكرة انتهى فيها إلى أن الأدلة لا تصل إلى حد الكفاية - وفي 14 من نوفمبر سنة 1956 أرسل رئيس النيابة القضية للمحامي العام المختص للموافقة على حفظها وأمر هذا الأخير في 27 نوفمبر سنة 1951 بعرض القضية على قاضي التحقيق - وباشر هذا الأخير تحقيق الدعوى ولما انتهى منه في 16 من ديسمبر سنة 1951 أمر بإرسال الأوراق للنيابة العامة لتقديم طلباتها الختامية كما أمر بإخطار الخصوم في الدعوى - وفي 18 من ديسمبر سنة 1951 حرر وكيل النيابة المحقق مذكرة ختامية أصر على رأيه الأول وطلب من قاضي التحقيق التقرير بأن لا وجه لإقامة الدعوى ووافق رئيس النيابة على هذا الرأي وأعاد الأوراق لقاضي التحقيق الذي أصدره في 24 من ديسمبر سنة 1951 قراراً بإحالة الدعوى على غرفة المشورة لإحالتها على محكمة الجنايات وطعنت النيابة في هذا القرار بالاستئناف في اليوم التالي أمام غرفة المشورة التي قررت في 22 من مارس سنة 1952 بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وإحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات - ويبين من ذلك أن النيابة العمومية لم تكن قد تصرفت في الدعوى بالحفظ لغاية 15 من نوفمبر سنة 1951 وهو التاريخ الذي نفذ فيه قانون الإجراءات الجنائية - ولما كان هذا القانون (قبل تعديله بالقانون 353 سنة 1952) قد نحا إلى فصل سلطة الاتهام عن سلطة التحقيق - فقد نص في الفقرة الثالثة من المادة 63 تطبيقاً لهذا المبدأ - على إلزام النيابة العامة "إن هي رأت في مواد الجنايات أن الاستدلالات التي جمعت كافية للسير في الدعوى أن تحيلها إلى قاضي التحقيق" - ولما كان الأمر الذي أصدره المحامي العام في 27/ 11/ 1951 - بعد نفاذ هذا القانون - إنما أصدره إعمالاً لنص هذه المادة - باعتبار أن قاضي التحقيق هو وحده المختص بتحقيق الجنايات - فإن هذا الأمر يكون صحيحاً في القانون - لما كان ذلك وكانت وجهة نظر الدفاع عن الطاعن في تفسير المادة 67 من قانون الإجراءات الجنائية أنها عندما نصت على أنه "لا يجوز لقاضي التحقيق مباشرة التحقيق في جريمة معينة إلا بناء على طلب النيابة العامة أو بناء على إحالتها إليه من الجهات الأخرى المنصوص عليها في القانون" إنما تسجل مبدأ عاماً يمتنع بمقتضاه على قاضي التحقيق أن يباشر إجراءه إذا اقتصر طلب النيابة على التقرير بأن لا وجه لإقامة الدعوى وكذلك إن هي أبدت هذا الطلب في مذكرتها الختامية بعد انتهاء التحقيق امتنع عليه إحالة الدعوى إلى المحكمة - هذا النظر الذي قال به الدفاع لا يتفق مع منطق القانون - ذلك لأن مفهوم حكم المادة 67 سالفة الذكر هو أنه لا يجوز لقاضي التحقيق أن يباشر التحقيق في جريمة معينة من تلقاء نفسه أو بناء على شكوى تقدمت إليه من فرد ولو في حالة التلبس بالجريمة - وذلك تحقيقاً للفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق الذي هدف إليه الشارع وقت إصدار قانون الإجراءات الجنائية إذ جعل سلطة الاتهام في يد النيابة وحدها وهي التي تقرر متى يبدأ القاضي تحقيقه وجعل سلطة التحقيق في يد القاضي ومقتضى ذلك أنه متى طلبت النيابة العامة من قاضي التحقيق مباشرة التحقيق في جريمة معينة أصبح هو وحده المختص بالتحقيق وله حرية التصرف فيه من غير أن يكون مقيداً برأي معين وله في سبيل الوصول إلى الحقيقة أن يستوفى نقط التحقيق التي يرى لزوم استيفائها أو أن يعيد التحقيق إن رأى لزوماً لذلك - ومن جهة أخرى فإنه لما كان نص المادة 153/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية صريحاً في أنه "متى انتهى التحقيق يرسل قاضي التحقيق الأوراق إلى النيابة العامة وعليها أن تقدم له طلباتها كتابة خلال ثلاثة أيام إذا كان محبوساً وعشرة أيام إن كان مفرجاً عنه" - فإنه يمتنع على القاضي أن يتصرف في التحقيق إلا بعد أن يرسل الأوراق إلى النيابة لكي تبدي طلباتها له كتابة - ولكن هذا النص لا يشير بأي حال إلى أن يكون مقيداً في تصرفه بهذه الطلبات - ومن ثم فلا حرج على القاضي من أن يتصرف في التحقيق طبقاً لما يمليه عليه ضميره ويصدر القرار الذي يراه ولو كان مخالفاً لطلبات النيابة - والقول بغير ذلك يتنافى مع الغرض الذي هدف إليه الشارع من الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق مما لا يجوز معه أن تطغى الأولى على الثانية فتملي عليها رأيها - يؤيد هذا النظر أن الشارع لم يقصر حكم المادة 153 على ضرورة إرسال الأوراق للنيابة لتقديم طلباتها - بل أوجب على القاضي أيضاً - في الفقرة الثانية من هذه المادة - إخطار باقي الخصوم - وهم المتهم والمجني عليه والمدعي بالحق المدني - ليبدوا ما قد يكون لديهم من أقوال. فيكون شأن النيابة في تقديم طلباتها شأن باقي الخصوم. فلا يلزم قاضي التحقيق بإجابة طلباتها كما هو غير ملزم بإجابة طلبات أي من هؤلاء الخصوم - كما يؤيد هذا النظر أيضاً أن الشارع أعطى للنيابة في المادتين 161، 164 من قانون الإجراءات الجنائية الحق في استئناف جميع الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق - وهو حق مطلق يشمل كل أمر يصدر منه مهما كان نوعه برفض أي طلب من طلباتها وجعل للنيابة العمومية وحدها الحق في استئناف الأوامر التي تصدر بإحالة الدعوى على المحكمة - إذا كانت الأدلة في تقديرها غير كافية - وهو ما يفصح عن رأي الشارع من أن قاضي التحقيق غير مقيد بطلبات النيابة العمومية إذ قدر وهو يضع النصوص الخاصة بحق النيابة في الاستئناف أن تطلب النيابة في مذكرتها الختامية من قاضي التحقيق أن يصدر قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية فيخالفها القاضي في الرأي ويصدر أمراً بإحالة الدعوى إلى المحكمة فنص في المادة 161 على حق النيابة في الطعن بالاستئناف. ولمصلحة المتهم - عن الأمر الصادر بالإحالة على المحكمة كما نص في المادة 164 على قصر هذا الحق عليها وحدها دون باقي الخصوم - لما كان ما تقدم وكانت التفرقة التي قال بها الدفاع بين حالة ما إذا قدمت النيابة العامة طلباتها بالتقرير بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية قبل المتهم وحالة ما إذا طلبت إحالته على المحكمة فيكون قاضي التحقيق مقيداً في الحالة الأولى برأي النيابة وملزماً بإصدار أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية ويكون حر التصرف في الحالة الثانية فله أن يجيب طلب النيابة ويأمر بإحالة المتهم إلى المحكمة أو يخالفها في الرأي ويصدر قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى قبله - هذه التفرقة فضلاً عن أنه لا سند لها في القانون فإن الدفاع قد بني وجهة نظره في الأخذ بها على فرض أن النيابة تقصر طلباتها دائماً على أحد هذين الطلبين - وهو فرض يخالف الواقع إذ قد تبدي النيابة طلباتها للتقرير بعدم الاختصاص أو باعتبار الواقعة جنحة أو بإحالة القضية على المحكمة الجزئية للاكتفاء بعقوبة الجنحة وغير ذلك من الطلبات - ولا ريب في أن قاضي التحقيق غير مقيد بإجابة هذه الطلبات جميعها - لما كان ما تقدم جميعه فإن الطعن يكون على غير أساس ولا يؤثر في ذلك كله أنه كان في وسع النيابة أن تقرر بحفظ الدعوى وفقاً للقانون القديم الذي كان سارياً وقت ذلك ما دام أنها لم تستعمل حقها وأحالت الأوراق إلى قاضي التحقيق بعد سريان قانون الإجراءات الجنائية الجديد فأصبح له بهذه الإحالة أن يباشر جميع سلطاته المخولة له بذلك القانون.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن موضوعاً.