أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 7 - ص - 1206

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، وفهيم يسى الجندي - المستشارين.

(335)
القضية رقم 1062 سنة 26 القضائية

( أ) إثبات. شهادة. حكم. تسبيب كاف. عدم التزام المحكمة بتحديد موضع الدليل من الأوراق ما دام له أصل فيها.
(ب) نقض. سبب موضوعي. فصل المحكمة الجنحة عن الجنائية دون اعتراض من المتهم. إثارته أمام محكمة النقض. غير جائزة.
1 - للمحكمة أن تأخذ من أدلة الدعوى بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها أن تأخذ بأقوال الشهود في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها.
2 - الارتباط بين الجرائم الذي يسوغ نظرها معاً أمر متعلق بالموضوع فإذا فصلت محكمة الجنايات الجنحة عن الجناية، ولم يعترض الدفاع عن المتهم فلا يجوز له أن يثير ذلك أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل حسن أحمد سليمان عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من بندقية قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - وطلبت إلى غرفة الاتهام أن تحيل المتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 234 فقرة أولى من قانون العقوبات فقررت الغرفة بذلك. وقد ادعت أم السيد السيد سليمان بحق مدني قبل المتهم بمبلغ خمسمائة جنيه على سبيل التعويض مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم السيد محمد سليمان بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين وبإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني "أم السيد السيد سليمان" مبلغ ثلاثمائة جنيه والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه بني على بطلان في الإجراءات ترتب عليه الإخلال بحق الطاعن في الدفاع، وشابه القصور والتخاذل في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن دفاعه في الدعوى يقوم على أنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس والمال حيث بدأه المتهم الثاني وشقيقه المجني عليه بالاعتداء عليه بآلات حادة وراضة محاولين انتزاع البندقية منه كرهاً حتى يسدد الدين المستحق على أخيه، وقد أحيل المتهم الثاني شقيق المجني عليه مع الطاعن إلى المحاكمة لما نسب إليه من اعتداء وقع منه على الطاعن وابن أخيه، إلا أن المحكمة قد أساءت الرخصة المخولة لها في المادة 383 من قانون الإجراءات ففصلت الجنحة المسندة إلى المتهم الثاني - وقضت في الجناية وحدها وكان الأمر يقتضي أن تحكم في الواقعتين معاً حتى يمكن معرفة من بدأ بالعدوان، وفي فصلهما عن بعضهما، تجزئة لواقعة الدعوى، مما أخل بحق الطاعن في الدفاع - هذا ولم يحدد الحكم البادئ بالعدوان من الطرفين وجاء قاصراً في الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي إذ علق نشوء حق الدفاع على وجوب أن يكون المجني عليه بذاته لا شقيقه هو الذي قام بالعدوان مع أنه يكفي لتوافر هذا الحق أن يعتقد الطاعن أن هناك اعتداء على وشك الوقوع إذ ثبت أن الطاعن أطلق الرصاص على المجني عليه من بعيد، مع أن الكشف الطبي أثبت أن المجني عليه كان حيال الطاعن والمسافة بينهما لا تتجاوز المترين، وفي قول الحكم إن الطاعن لم يكن في حاجة إلى وضع المظروف الثاني في البندقية بعد أن ابتعد عنه الفريق الآخر - ما لا يصلح رداً على نفي تلك الحالة لما فيه من إنكار للظروف الواقعية والنفسية التي كانت تسيطر على الطاعن في ذلك الحين، ثم إن الحكم اعتمد في إدانة الطاعن على ما ثبت له من أقوال المتهم الثاني وآخرين من أن المجني عليه لم يكن مع المتهم الثاني وقت بدء الشجار ولم يحضر من مسكنه إلا بعد إطلاق العيار الأول. دون أن يبين الحكم مأخذ هذا القول. وهل استقاه من محضر الجلسة أو التحقيقات إذ لكل من هؤلاء في هذه الخصوصية روايتان متغايرتان بل أن المتهم الثاني أقر في تحقيق النيابة أن شقيقه المجني عليه كان يلازمه منذ البداية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إن أحمد أحمد سليمان شقيق المجني عليه كان يداين إبراهيم محمد سليمان أخا المتهم السيد محمد سليمان في مبلغ عشرة جنيهات كان اقترضها منه منذ ستة شهور وفي يوم 25 من سبتمبر سنة 1953 بينما كان أحمد أحمد سليمان عائداً من عمله بعد الغروب قابل المتهم محمد سليمان الخفير النظامي وقريبه إبراهيم إبراهيم سليمان فطالب هذا الأخير بوفاء الدين الذي على والده فأظهر امتناعاً عن الدفع وتشاحن الاثنان لذلك السبب وتدخل المتهم السيد محمد سليمان في المشاحنة وتضارب مع أحمد ثم وضع ظرفاً في بندقيته الأميرية وأطلقه في الهواء إرهاباً لخصمه فارتد أحمد خائفاً وكان أخوه حسن (المجني عليه) قد حضر على صوت الشجار وصوب المتهم السيد محمد سليمان بندقيته نحوه وأطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأرداه" وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، ثم فند الحكم دفاع الطاعن من أن العيار انطلق أثناء تماسك المجني عليه معه في البندقية بما أورده من أدلة سائغة، ومنها التقرير الطبي الشرعي الذي دل على أن إصابة المجني عليه لا يتأتى حصولها وهو ممسك بالبندقية، وعرض الحكم لما يدعيه من قيام حالة الدفاع الشرعي فقال "إن أحداً من شهود الحادث سالفي البيان الذي تطمئن المحكمة لأقوالهم وتأخذ بشهادتهم لم يشهد بأن المجني عليه كان وقت إصابته يعتدي على المتهم أو أنه كان بسبيل ذلك بل قرروا أنه كان قادماً من بعيد فأطلق عليه المتهم النار وأصابه ولئن كانت قد وجدت بالمتهم بضع إصابات قطعية رضية غير جسيمة إلا أنه لم يثبت أنها حدثت له من المجني عليه، أما ما ذكره المتهم من أن المتهمين كانا ممسكين ببندقيته ويريدان انتزاعها منه بالقوة فدفاع لم يؤيد بأي دليل ولقد اعترف المتهم نفسه بأنه تمكن من التخلص من المجني عليه وأخيه وابتعد عنهما وقرر أنه وضع بعد ذلك ظرفاً في بندقيته وأطلق منها عياراً نارياً في الهواء للإرهاب ولا شك أن هذا كان يكفيه لإبعاد من اعتدوا عليه إن صح دفاعه وهو ما دام قد تمكن باعترافه من التخلص من أولئك المعتدين والابتعاد عنهم ولم يكن ثمة ما يدعوه بعد ذلك لوضع عيار آخر بالبندقية وإطلاقه على المجني عليه وهو قادم. أما ما قرره من أن المجني عليه وأخاه عاودا الهجوم عليه عقب إطلاقه العيار الأول وحاولا انتزاع بندقيته منه فادعاء غير معقول ولم يقم على صحته أي دليل إذ أنه يستبعد أن يقدم المجني عليه وأخوه على الهجوم على ذلك الخفير لانتزاع البندقية منه وهو يهددهما بإطلاق النار منها عليهما ويطلقها بالفعل مرة أخرى فضلاً عن أن واقعة التماسك بالبندقية قد ظهر كذبها مما تقدم ولقد ظهر من تقرير الكشف الطبي أنه لم يوجد بالمجني عليه أي أثر لشجار أو تماسك بخلاف أخيه أحمد والمتهم وإبراهيم سليمان مما يدل على أن التماسك والشجار الأول كان بين هؤلاء الأخيرين فقط وأن المجني عليه أصيب وهو قادم يستطلع جلية الأمر كما شهد شهود الإثبات ولم يثبت أنه كانت لدى المتهم في ذلك الوقت أسباب معقولة تجعله يتوقع حدوث اعتداء جسيم منه يبرر اعتداءه على حياته والمسألة في نظر المحكمة مما تبين لها من ظروف الدعوى وملابساتها الظاهرة مما تقدم لا تعدو أن تكون نزاعاً قام بين شقيق المجني عليه أحمد والمتهم ورفيقه إبراهيم إبراهيم سليمان بسبب الدين الذي على والد هذا الأخير تماسكوا بسببه وتضاربوا فكبر على المتهم أن يعتدي عليه وهو خفير العزبة ورأى في يده سلاحه الذي يحمله بحكم وظيفته فدفعه شعوره إلى استعماله في الاعتداء على خصومه وشاء سوء الطالع أن يقدم المجني عليه في ذلك الوقت فبادره المتهم بعيار ناري قضى على حياته انتقاماً منه لما وقع من أخيه ومن ثم يكون القول بأن هذا المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن النفس، قولاً لا أساس له من الواقع أو القانون" لما كان ذلك وكان الحكم قد نفى في منطق سليم قيام حالة الدفاع الشرعي للاعتبارات السائغة التي أوردها وأثبت أن الطاعن حين أطلق النار على المجني عليه كان حافزه على ذلك هو مجرد الانتقام، كما عرض لما دفع به الطاعن من أن التقرير الطبي أثبت أن العيار أطلق من مسافة مترين لا من بعيد كما قرر الشهود ورد على ذلك بقوله "وحيث إنه فضلاً عن أن المفتش الفني بمكتب كبير الأطباء الشرعيين قد استبعد إصابة المجني عليه بالطريقة التي ذكرها المتهم للأسباب الوجيهة التي أدلى بها في تقريره والتي تقرها هذه المحكمة فإن شهود الحادث نفوا حصوله بتلك الكيفية وشهدوا بما يفيد أن المتهم أطلق النار على المجني عليه وهو بعيد عنه فأصابه بالإصابة التي أودت بحياته ولئن كان هؤلاء الشهود قد ذكروا أن المسافة بين الاثنين كانت حوالي الخمسة أمتار بينما قرر المفتش الفني أن المسافة بين الضارب والمضروب كانت حوالي الثلاثة أمتار فإن الفرق بين المسافتين بسيط يحتمل فيه الخطأ في التقدير من قبل هؤلاء الشهود في الظروف التي وقع فيها الحادث" لما كان ما تقدم وكان للمحكمة أن تأخذ من أدلة الدعوى بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها أن تأخذ بأقوال الشهود في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها. وما دام الطاعن لا ينازع في صحة نسبة هذه الأقوال إليهم. لما كان ذلك، وكان الارتباط بين الجرائم الذي يسوغ نظرها معاً أمر متعلق بالموضوع فإذا فصلت المحكمة الجنحة عن الجناية، ولم يعترض الدفاع عن الطاعن فلا يجوز له أن يثير هذا أمام محكمة النقض وخصوصاً أن هذا الفصل ليس فيه ما يفوت على المتهم مصلحة أو يخل بحقه في الدفاع - ولا يحول دون تحقيق الدعوى برمتها بما فيه واقعة الجنحة التي فصلت على الوجه الذي يكفل استيفاء دفاع الطاعن ومن حق المحكمة بل من واجبها أن تعرض لها بوصفها عنصراً من عناصر الأدلة المطروحة عليها في صدد الحالة التي يدعيها الطاعن لتقول كلمتها في خصوصيتها بما لا يتجاوز حاجيات الدعوى المطلوب من المحكمة الفصل فيها وكانت المحكمة قد حققت الدعوى برمتها وخلصت من هذا التحقيق إلى أن الطاعن لم يكن في حالة دفاع شرعي لما ثبت لديها من وقائع في الدعوى من شأنها أن تنفي قيام حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.