أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 7 - صـ 1243

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، مصطفى كامل، فهيم يسى الجندي - المستشارين.

(344)
القضية رقم 1092 سنة 26 القضائية

تصد. حق التصدي للدعوى الجنائية. توجيه النيابة تهمة الرشوة إلى المتهم في الجلسة على أساس ارتباطها بتهمة إحراز المخدرات المرفوعة بها الدعوى. قضاء محكمة الجنايات في الدعويين ولو لم يعترض الدفاع. خطأ.
متى كانت محكمة الجنايات قد نظرت الدعوى التي أقامتها النيابة العامة على المتهم أمامها بجناية الرشوة على أساس ارتباطها بالدعوى الأصلية المنظورة أمامها وهي جناية إحراز المخدر ثم حكمت فيها هي بنفسها دون أن تحيل الدعوى إلى النيابة للتحقيق إن كان له محل ودون أن تترك للنيابة حرية التصرف في التحقيقات التي تجري بصدد تلك الجناية المرتبطة، فإنها تكون قد أخطأت بمخالفتها نص المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية ولا يؤثر في ذلك عدم اعتراض الدفاع عن المتهم على توجيه التهمة الجديدة إليه إذ ما وقع من المحكمة مخالف للنظام العام لتعلقه بأصل من أصول المحاكمة الجنائية. ومن ثم يتعين نقض الحكم وإعادة المحاكمة على ما يقضي به القانون عن التهمتين معاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه حاز جواهر مخدرة (حشيشاً وأفيوناً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة جنايات بورسعيد لمعاقبته بالمواد 1 و2 و33 ج. و35 من المرسوم بقانون رقم 351 سنة 1952 والبند رقم 1، 12 من الجدول رقم "أ" الملحق به فقررت بذلك. ولدى نظر الدعوى دفع المتهم ببطلان القبض والتفتيش.
ومحكمة جنايات بورسعيد قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة محمد محمد جاد الله بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه 5000 جنيه خمسة آلاف جنيه ومصادرة المواد المخدرة والنقود "وقد ردت على الدفع بأنه في غير محله". فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون وبني على بطلان في الإجراءات - ذلك أن الطاعن أحيل إلى محكمة الجنايات بجناية إحراز المخدر دون غيرها أما جناية الشروع في الرشوة - فقد تقدمت بها النيابة إلى المحكمة أثناء نظرها جناية الإحراز ووجهتها إلى المتهم وطلبت نظر التهمتين معاً لقيام الارتباط بينهما فوافقت المحكمة على ذلك - كما وافق الدفاع أيضاً - ووجهت المحكمة التهمة الجديدة إلى الطاعن وسألته عنها أيضاً وحكمت بعد أن فرغت من نظر الدعوى لثبوت التهمتين ووقعت عليه عقوبة الجريمة الأشد وهي جناية إحراز المخدرات - كما وقعت على الطاعن عقوبة مصادرة النقود المضبوطة في جناية الرشوة طبقاً لنص المادة 110 من قانون العقوبات مع مخالفة ذلك كله لصريح نص المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إن النيابة العامة اتهمت الطاعن بأنه بدائرة الإسماعيلية أحرز جواهر مخدرة (حشيشاً وأفيوناً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً - الأمر المعاقب عليه بالمواد 1 و2 و33 ج. و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبندين رقمي 1 و12 من الجدول رقم "أ" الملحق به - وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة جنايات بورسعيد لمعاقبته بالمواد المذكورة فقررت إحالتها إليها بتاريخ 8/ 5/ 1955 بالوصف والمواد المبينة بقرار الاتهام - وفي جلسة المحاكمة قالت النيابة "إن التهمتين موجهتان للمتهم للارتباط وطلبت توجيه تهمة الرشوة إلى المتهم وقالت إن التهمة عرض رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته وذلك بأن قدما لكمساري القطار المدعو عبد الرءوف محمد عبيد مبلغ أربعة جنيهات ونصف على سبيل الرشوة كي يتستر عليه في جريمة ضبطه متلبساً بارتكابها ولكن المستخدم العمومي لم يقبل الرشوة منه طبقاً للمواد 104 و109 مكررة و110 و111 بالقانون المعدل رقم 99 لسنة 1953 والدفاع وافق على المرافعة في التهمتين الرشوة والإحراز - وسئل المتهم عن تهمتي الإحراز والرشوة فأنكر" - وبعد أن فرغت المحكمة من نظر الدعوى أدانت الطاعن بالتهمتين وقالت "وحيث إنه لكل ما تقدم تكون التهمة ثابتة بصفة قاطعة ويكون المتهم في الزمان والمكان السالفي الذكر أحرز جواهر مخدرة (حشيشاً وأفيوناً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً... وكذلك فإن تهمة الرشوة ثابتة في حقه ثبوتاً كافياً من شهادة الكمساري الذي قرر أن المتهم وضع في جيبه أربعة جنيهات ونصف في مقابل أن يخلى سبيله فلم يقبل هذا العرض وصمم على ضبط الحقيبة بما فيها وقدم المبلغ للضابط القضائي ومن ثم يكون المتهم ارتكب الجناية المنصوص عليها في المادة 109 مكرر من قانون العقوبات. وحيث إن الجريمتين وقعتا تنفيذاً لغرض جنائي واحد فهما مرتبطتان ارتباطاً لا يقبل التجزئة فيتعين تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات والحكم بعقوبة الجريمة الأشد وهي جناية إحراز المخدر كما يتعين تطبيق المادة 110 من قانون العقوبات وبمصادرة المبلغ المضبوط". ولما كانت المادة 11 من قانون الإجراءات وهذا نصها: "إذا رأت محكمة الجنايات في دعوى مرفوعة أمامها أن هناك متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم - أو وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم - أو أن هناك جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها - فلها أن تقيم الدعوى على هؤلاء الأشخاص أو بالنسبة لهذه الوقائع وتحيلها إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها طبقاً للباب الرابع من الكتاب الأول من هذا القانون وللمحكمة أن تندب أحد أعضائها للقيام بإجراءات التحقيق وفي هذه الحالة تسري على العضو المندوب جميع الأحكام الخاصة بقاضي التحقيق - وإذا صدر قرار في نهاية التحقيق بإحالة الدعوى إلى المحكمة وجب إحالتها إلى محكمة أخرى ولا يجوز أن يشترك في الجلسة فيها أحد المستشارين الذين قرروا إقامة الدعوى - وإذا كانت المحكمة لم تفصل في الدعوى الأصلية وكانت مرتبطة مع الدعوى الجديدة ارتباطاً لا يقبل التجزئة - وجب إحالة القضية كلها إلى محكمة أخرى" قد دلت على أنه وإن كان الأصل هو الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة حرصاً على الضمانات الواجب أن تحاط بها المحاكمات الجنائية إلا أنه أجيز من باب الاستثناء لكل من محكمة الجنايات - وللدائرة الجنائية بمحكمة النقض في حالة نظر الموضوع بناء على الطعن في المرة الثانية - لدواع من المصلحة العليا ولاعتبارات قدرها المشرع نفسه - وهي بصدد الدعوى المعروضة عليها - أن تقيم الدعوى العمومية على غير من أقيمت الدعوى عليهم أو عن وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم أو عن جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها - ولا يترتب على استعمال هذا الحق الذي يطلق عليه عادة "حق التصدي للدعوى الجنائية droit d'evocation غير تحريك الدعوى أمام سلطة التحقيق أو أمام المستشار المندوب لتحقيقها من بين أعضاء الدائرة التي تصدت لها ويكون بعدئذ للجهة التي تجري التحقيق حرية التصرف في الأوراق حسب ما يتراءى لها - فإذا ما رأت النيابة أو المستشار المندوب إحالة الدعوى إلى المحكمة فإن الإحالة يجب أن تكون إلى محكمة أخرى ولا يجوز أن يشترك في الحكم فيها أحد المستشارين الذين قرروا إقامة الدعوى - لما كان ذلك كله وكانت محكمة الجنايات حين نظرت الدعوى التي أقامتها النيابة العامة على الطاعن أمامها بجناية الرشوة إنما فعلت ذلك على أساس ارتباطها بجناية إحراز المخدر ثم حكمت فيها هي بنفسها دون أن تحيل الدعوى إلى النيابة للتحقيق إن كان له محل ودون أن تترك للنيابة حرية التصرف في التحقيقات التي تجري بصدد تلك الجناية المرتبطة وبذلك تكون قد أخطأت بمخالفتها نص صريح القانون - ولا يؤثر في ذلك القول بأن الدفاع عن الطاعن قبل المرافعة في التهمتين ولم يحصل منه اعتراض على توجيه التهمة الجديدة إليه بالجلسة لأن ما أجرته المحكمة على ما سلف ذكره وقع مخالفاً للنظام العام لتعلقه بأصل من أصول المحاكمات الجنائية لاعتبارات سامية تتصل بتوزيع العدالة على ما يقضي به القانون عن التهمتين معاً - وذلك دون حاجة إلى بحث وجوه الطعن الأخرى.