أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 50 - صـ 572

جلسة 10 من نوفمبر سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ عبد اللطيف علي أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ يحيى محمود خليفة ومحمد علي رجب نائبي رئيس المحكمة ومنصور القاضي ومصطفى المتولي.

(128)
الطعن رقم 21736 لسنة 67 القضائية

(1) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إيراد الحكم من الاعتراف ما يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 إجراءات. كفايته بياناً لمؤدي الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
سكوت الحكم عن ذكر مصدر الدليل لا يضيع أثره. ما دام له أصل ثابت في الأوراق.
(3) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بنص الاعتراف وظاهره. لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها.
(4) إثبات "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
تطابق أقوال الشهود واعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق.
مثال.
(5) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي.
الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء. الاعتداء على من لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول الاعتداء على المدافع أو غيره لا يتوافر به حق الدفاع الشرعي.
مجرد تحريض المجني عليه أحد بنيه على إطلاق النار على الطاعن. لا تقوم به حالة الدفاع الشرعي. طالما لم يحاول الاعتداء عليه أو غيره.
(6) قصد جنائي. جريمة "أركانها". قتل عمد. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه من الظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ في استظهار قصد القتل في جريمة القتل العمد.
1 - لما كان الحكم قد حصل إقرار الطاعن الأول بما يجمل في أنه علم بإشاعة مقتل شقيقه الطاعن الثاني فأسرع إلى مكان الواقعة حاملاً بندقيته الخرطوش وعمرها بأربع طلقات منتوياً قتل الفاعل فقابل المجني عليهما وأطلق عليهما الأعيرة النارية بنية إزهاق روحهما، وكان ما أورده الحكم في ذلك كافياً في بيان مضمون الاعتراف ويحقق مراد الشارع الذي أوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مضمون الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الصدد يكون في غير محله.
2 - لما كان ما أورده الحكم فيما تقدم من إقرار الطاعن الأول بأنه أطلق النار على المجني عليهما بنية إزهاق روحهما له سنده من أقوال الطاعن المذكور بتحقيقات النيابة العامة - حسبما يبين من المفردات المضمومة - فلا تثريب على الحكم إذ هو لم يفصح عن مصدر هذا الإقرار لأن سكوت الحكم عن ذكر مصدر الدليل لا يضيع أثره ما دام له أصل ثابت في الأوراق ويكون النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد في هذا الشأن على غير أساس.
3 - من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها بإقرار المتهم أن تلتزم نصه وظاهره، بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ من إقرار الطاعن الأول ما يتعلق بقيامه بإطلاق النار على المجني عليهما بنية إزهاق روحهما دون باقي قوله من أن إطلاقه النار كان بعد أن حرض المجني عليه الأول أحد بنيه على قتله فإنه يكون سليماً فيما انتهى إليه ومبنياً على فهم صحيح للواقع ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الشأن لا يكون له محل.
4 - لما كان الحكم قد أورد مضمون شهادة الشاهد الأول بما مفاده أن الطاعن الأول قام بإطلاق عدة أعيرة نارية أصابت والده المجني عليه وأن الطاعن الثاني ضربه بالبلطة في رأسه وأن الأول أطلق عليه عياراً نارياً أصابه في صدره وبطنه وضربه الثاني بالبلطة في رأسه، وحصل مضمون أقوال الشاهد الثاني بما مفاده أن تحرياته قد دلت على حدوث الواقعة على النحو الذي أورده في بيانه لأقوال الشاهد الأول، ثم حصل مضمون اعتراف الطاعن الأول بما يجمل في قيامه بإطلاق أعيرة نارية على المجني عليهما، وأورد أنه ثبت من تقرير الصفة التشريحية إصابة المجني عليه الأول بعدة جروح نارية رشية بالصدر والفخذ الأيمن من عيار ناري خرطوش، وإصابته بجروح رضية بالجبهة والشفة العليا والساق اليمنى، كما أورد أنه ثبت من التقرير الطبي الشرعي إصابة المجني عليه الثاني - الشاهد الأول - إصابة رشية خرطوش بيمين كل من الصدر والبطن وإصابته بجروح قطعية بفروة الرأس وهي ناشئة عن آلة صلبة ذات نصل حاد، لما كان ذلك وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود واعترافات المتهم مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق وكان مؤدى ما حصله الحكم من أقوال الشاهدين وإقرار الطاعن الأول - على نحو ما سلف بيانه - لا يتعارض مع ما نقله من تقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبي الشرعي، فإن ما يثيره الطاعنان من دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني يكون غير سديد.
5 - لما كان الحكم قد عرض للدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس وإطراحه بقوله... وإذ كان ما سبق وكان ما ادعاه المتهم الأول قد جاء قولاً مرسلاً لم يقرره أحد سواه فضلاً عن عدم معقوليته ومجافاته العقل والمنطق إذ لو صح ما ادعاه لأطلق النار على مصدر الخطر..... المدعى بأنه كان يحمل سلاحاً حتى يرد الفعل المتخوف منه لا أن يطلق النار فوراً على شخص المجني عليهما اللذين لم يصدر منهما ما يمكن اعتباره فعلاً يخشى منه يخول له رده بإطلاق النار عليه، كما أن المتهم كان نيته الاعتداء لا رد الاعتداء إذ أقر أنه صمم على قتل من ضرب شقيقه وذلك فور خروجه من مسكنه متوجهاً إلى مكان الواقعة، كما أن ما قررته..... من أن الطرفين هجما على بعضهما إثر وصول المتهم الأول فقامت معركة بينهما مما يعني حسبما قررت أن كلاً من الطرفين كان يقصد الاعتداء وإيقاع الضرب على كل منهما بالآخر مما تنتقي معه حالة الدفاع الشرعي. لما كان ذلك وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيها بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، وكان حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول فعلاً الاعتداء على المدافع أو غيره، وإذ كان ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - سائغاً وكافياً في الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي وكان الطاعنان لا يجادلان في أن قدوم أولهما إلى مكان الحادث كان بعد أن تمت واقعة الاعتداء على الثاني وأنه لم يحدث من المجني عليهما ثمة اعتداء أو محاولة اعتداء على الطاعنين أو سواهما وقت أن بادر الطاعن الأول بإطلاق النار عليهما، وكان تحريض المجني عليه الأول لأحد بنيه بإطلاق النار على الطاعن الأول - بفرض صحته - لا تقوم به حالة الدفاع الشرعي التي تبرر إطلاق النار على المجني عليهما طالما لم تبدر منهما محاولة اعتداء على الطاعن أو غيره، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد.
6 - لما كان الحكم قد استظهر توافر نية القتل في حق الطاعنين بقوله "وإذ كان الثابت مما أقر به المتهم الأول وثبت من أدلة الإثبات سالفة البيان أن المتهم توجه إلى مكان الواقعة حاملاً لسلاح ناري قاصداً قتل من اعتدى على شقيقه وبالفعل عمر سلاحه بأربع طلقات صوبها جميعاً على المجني عليهما في مقتل ولم يتركهما إلا بعد أن فرغت ذخيرته وسقط المجني عليهما أرضاً فاقدي القوة والمقاومة، كما أن المتهم الثاني تواجد على مسرح الواقعة حاملاً لسلاح قاتل "بلطة" أصاب بها المجني عليهما في مقتل وفي أكثر من موضع بالنسبة للمجني عليه الأول الأمر الذي يقطع بتوافر نية إزهاق روح المجني عليهما بما لدى المتهمين ولا يقدح في ذلك حدوث الواقعة أثر غضب أو أثر مشادة لأنه كما هو معروف فإن الغضب لا ينفي نية القتل كما أنها تقوم أثر مشادة وقتية، كما لا يقدح فيما سبق حدوث وفاة المجني عليه نتيجة الإصابة النارية لأن قصد مساهمة المتهم الثاني مع الأول قائم ومتوافر لوقوع الواقعة نتيجة لاتفاق مسبق نشأ لحظة الواقعة الأمر المستفاد من الصلة بين المتهمين وكونهما شقيقين والمعية بينهما في الزمان والمكان وصدورهما في مقارفة الجريمة عن باعث واحد واتجاههما وجهة واحدة في تنفيذهما فانهالا سوياً على المجني عليهما ضرباً بالأعيرة النارية والبلطة بقصد إزهاق روحهما انتقاماً منهما بسبب إصابة المتهم الأخير فأحدثا بهما الإصابات التي أودت بحياة المجني عليه الأول مما يعتبر كلاً منهما مسئولاً عن النتيجة التي حدثت بصرف النظر عن الإصابة التي أحدثها كل منهما، ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت قصد القتل لدى الطاعنين فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين المتهمان بأنهما: قتلا.... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية وعقدا العزم على قتله وأعد لذلك سلاحين "بندقية خرطوش وبلطة" وما أن ظفرا به حتى أطلق عليه الأول أعيرة نارية من سلاحه المرخص له وانهال عليه الثاني بالبلطة في أجزاء متفرقة من جسده قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في ذات الزمان والمكان سالفي البيان شرعا في قتل....... عمداً بأن أطلق عليه الأول أعيرة نارية من السلاح الناري سالف البيان وانهال عليه الثاني بالبلطة في أجزاء متفرقة من جسده قاصدين من ذلك قلته فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي المرفق وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج. المتهم الثاني: أحرز بغير مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية سلاحاً أبيض "بلطة" وأحالتهما إلى محكمة جنايات المنصورة لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى كل من المجني عليه الثاني وأرملة الأول عن نفسها وبصفتها قبل المتهمين بإلزامهما أن يؤديا لهم مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 45 و46 و234/ 1 و2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 25/ 1 مكرراً، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981، 97 لسنة 1992 والبند رقم 11 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول مع إعمال نص المادة 32 من قانون العقوبات أولاً: بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة والثاني بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبإلزامهما بأن يدفعا لكل من المدعيين بالحقوق المدنية مبلغ خمسمائة وواحد جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ أدانهما بجريمة القتل العمد المقترن بجناية شروع في قتل عمد قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه لم يبين مضمون اعتراف الطاعن الأول بطريقة وافية وأغفل ما قرره من أنه أطلق النار على المجني عليهما بعد أن حرض أولهما نجله على قتله، وأورد في تحصيله لهذا الاعتراف أن أطلق النار عليهما بينة إزهاق روحهما مع أن أقواله لا تساند الحكم فيما حصله منهما، كما أن ما عول عليه الحكم من مضمون الدليل القولي يتناقض مع ما أورده من فحوى الدليل الفني في بيان عدد إصابات المجني عليه وموضعها في جسمه والأداة المستخدمة في إحداثها، وأطرح الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس في حق الطاعن الأول بما لا يسيغ إطراحه، ولم يدلل الحكم تدليلاً كافياً وسائغاً على توافر نية القتل في حقهما، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما أقر به الطاعن الأول وما ثبت من التقارير الطبية الشرعية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل إقرار الطاعن الأول بما يجمل في أنه علم بإشاعة مقتل شقيقه الطاعن الثاني فأسرع إلى مكان الواقعة حاملاً الخرطوش وعمرها بأربع طلقات منتوياً قتل الفاعل فقابل المجني عليهما وأطلق عليهما الأعيرة النارية بنية إزهاق روحهما، وكان ما أورده الحكم في ذلك كافياً في بيان مضمون الاعتراف ويحقق مراد الشارع الذي أوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مضمون الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم من إقرار الطاعن الأول بأنه أطلق النار على المجني عليهما بنية إزهاق روحهما له سنده من أقوال الطاعن المذكور بتحقيقات النيابة العامة - حسبما يبين من المفردات المضمومة - فلا تثريب على الحكم إذ هو لم يفصح عن مصدر هذا الإقرار لأن سكوت الحكم عن ذكر مصدر الدليل لا يضيع أثره ما دام له أصل ثابت في الأوراق ويكون النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد في هذا الشأن على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها بإقرار المتهم أن تلتزم نصه وظاهره، بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ من إقرار الطاعن الأول ما يتعلق بقيامه بإطلاق النار على المجني عليهما بنية إزهاق روحهما دون باقي قوله من أن إطلاقه النار كان بعد أن حرض المجني عليه الأول أحد بنيه على قتله فإنه يكون سليماً فيما انتهى إليه ومبنياً على فهم صحيح للواقع ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد مضمون شهادة الشاهد الأول بما مفاده أن الطاعن الأول قام بإطلاق عدة أعيرة نارية أصابت والده المجني عليه وأن الطاعن الثاني ضربه بالبلطة في رأسه وأن الأول أطلق عليه عياراً نارياً أصابه في صدره وبطنه وضربه الثاني بالبلطة في رأسه، وحصل مضمون أقوال الشاهد الثاني بما مفاده أن تحرياته قد دلت على حدوث الواقعة على النحو الذي أورده في بيانه لأقوال الشاهد الأول، ثم حصل مضمون اعتراف الطاعن الأول بما يجمل في قيامه بإطلاق أعيرة نارية على المجني عليهما، وأورد أنه ثبت من تقرير الصفة التشريحية إصابة المجني عليه الأول بعدة جروح نارية رشية بالصدر، والفخذ الأيمن من عيار ناري خرطوش، وإصابته بجروح رضية بالجبهة والشفة العليا والساق اليمنى، كما أورد أنه ثبت من التقرير الطبي الشرعي إصابة المجني عليه الثاني - الشاهد الأول - إصابة رشية خرطوش بيمين كل من الصدر والبطن وإصابته بجروح قطعية بفروة الرأس وهي ناشئة من آلة صلبة ذات نصل حاد. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود واعترافات المتهم مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق وكان مؤدى ما حصله الحكم من أقوال الشاهدين وإقرار الطاعن الأول - على نحو ما سلف بيانه - لا يتعارض مع ما نقله من تقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبي الشرعي، فإن ما يثيره الطاعنان من دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس وإطراحه بقوله "وإذ كان ما سبق وكان ما ادعاه المتهم الأول قد جاء قولاً مرسلاً لم يقرره أحد سواه فضلاً عن عدم معقوليته ومجافاته العقل والمنطق إذ لو صح ما ادعاه لأطلق النار على مصدر الخطر..... المدعى بأنه كان يحمل سلاحاً حتى يرد الفعل المتخوف منه لا أن يطلق النار فوراً على شخص المجني عليهما اللذين لم يصدر منهما ما يمكن اعتباره فعلاً يخشى منه يخول له رده بإطلاق النار عليه، كما أن المتهم كان نيته الاعتداء لا رد الاعتداء إذ أقر أنه صمم على قتل من ضرب شقيقه وذلك فور خروجه من مسكنه متوجهاً إلى مكان الواقعة، كما أن ما قررته.... من أن الطرفين هجما على بعضهما أثر وصول المتهم الأول فقامت معركة بينهما مما يعني حسبما قررت أن كلاً من الطرفين كان يقصد الاعتداء وإيقاع الضرب على كل منهما بالآخر مما تنتفي معه حالة الدفاع الشرعي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيها بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، وكان حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول فعلاً الاعتداء على المدافع أو غيره، وإذ كان ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - سائغاً وكافياً في الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي وكان الطاعنان لا يجادلان في أن قدوم أولهما إلى مكان الحادث كان بعد أن تمت واقعة الاعتداء على الثاني وأنه لم يحدث من المجني عليهما ثمة اعتداء أو محاولة اعتداء على الطاعنين أو سواهما وقت أن بادر الطاعن الأول بإطلاق النار عليهما، وكان تحريض المجني عليه الأول لأحد بنيه بإطلاق النار على الطاعن الأول - بفرض صحته - لا تقوم به حالة الدفاع الشرعي التي تبرر إطلاق النار على المجني عليهما طالما لم تبدر منهما محاولة اعتداء على الطاعن أو غيره، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد، لما كان ذلك وكان الحكم قد استظهر توافر نية القتل في حق الطاعنين بقوله "وإذ كان الثابت مما أقر به المتهم الأول وثبت من أدلة الإثبات سالفة البيان أن المتهم توجه إلى مكان الواقعة حاملاً لسلاح ناري قاصداً قتل من اعتدى على شقيقه وبالفعل عمر سلاحه بأربع طلقات صوبها جميعاً على المجني عليهما في مقتل ولم يتركهما إلا بعد أن فرغت ذخيرته وسقط المجني عليهما أرضاً فاقدي القوة والمقاومة، كما أن المتهم الثاني تواجد على مسرح الواقعة حاملاً لسلاح قاتل "بلطة" أصاب بها المجني عليهما في مقتل وفي أكثر من موضع بالنسبة للمجني عليه الأول الأمر الذي يقطع بتوافر نية إزهاق روح المجني عليهما بما لدى المتهمين ولا يقدح في ذلك حدوث الوقعة أثر غضب أو أثر مشادة لأنه كما هو معروف فإن الغضب لا ينفي نية القتل كما أنه تقوم أثر مشادة وقتية، كما لا يقدح فيما سبق حدوث وفاة المجني عليه نتيجة الإصابة النارية لأن قصد مساهمة المتهم الثاني مع الأول قائم ومتوافر لوقوع الواقعة نتيجة لاتفاق مسبق نشأ لحظة الواقعة الأمر المستفاد من الصلة بين المتهمين وكونهما شقيقين والمعية بينهما في الزمان والمكان وصدورهما في مقارفة الجريمة عن باعث واحد واتجاههما وجهة واحدة في تنفيذها فانهالا سوياً على المجني عليهما ضرباً بالأعيرة النارية والبلطة بقصد إزهاق روحهما انتقاماً منهما بسبب إصابة المتهم الأخير فأحدثا بهما الإصابات التي أودت بحياة المجني عليه الأول مما يعتبر كلاً منهما مسئولاً عن النتيجة التي حدثت بصرف النظر عن الإصابة التي أحدثها كل منهما، ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت قصد القتل لدى الطاعنين فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.