أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 7 - صـ 1247

جلسة 10 من ديسمبر سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين - المستشارين.

(345)
القضية رقم 738 سنة 26 القضائية

إثبات. شهادة. قتل عمد. اطراح المحكمة أقوال المجني عليه عن المسافة بينه وبين المتهم. أخذها بما ورد بتقرير الصفة التشريحية وبما قرره بعض شهود الإثبات. لا خطأ.
لا جناح على المحكمة إذا هي أخذت بما ورد بتقرير الصفة التشريحية، وبما قرره بعض شهود الإثبات عن المسافة بين المتهم والمجني عليه، وأطرحت ما قرره المجني عليه عن هذه المسافة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة 1 - مصطفى مصطفى هواش (الطاعن) و2 - متولي عبد الله أبو حسين بأنهما قتل المتهم الأول (مصطفى مصطفى هواش) عمداً محمود إسماعيل عبد الصمد بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. والمتهم الثاني. اشترك مع المتهم الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جريمته آنفة الذكر بأن اتفق معه على مقارفتها وأمسك بالمجني عليه كي يعوقه عن السير حتى يدركه المتهم الأول الذي انصرف لإحضار سلاحه فعاقه فعلاً عن الوصول لمنزل أراد أن يختبئ داخله إلى أن حضره المتهم الأول وأطلق عليه النار، فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 40 و41/ 2 و3 و234/ 1 من قانون العقوبات، فصدر قراراها بذلك. وادعى بحق مدني إسماعيل عبد الصمد وطلب الحكم له قبل المتهمين متضامنين بمبلغ خمسين جنيهاً على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً أولاً: بمعاقبة المتهم الأول مصطفى مصطفى هواش بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة عن التهم المسندة إليه وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحقوق المدنية خمسين جنيهاً على سبيل التعويض بصفة مؤقتة والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، وذلك تطبيقاً للمادة 234/ 1 من قانون العقوبات. وثانياً: ببراءة المتهم متولي عبد الله أبو حسين مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله عملاً بالمادتين 304 و381 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن يبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه معيب ببطلان الإجراءات في الدعوى المدنية وبالقصور والخطأ في الإسناد، فقد ثبت بمحضر جلسة المرافعة حضور إسماعيل عبد الصمد المدعي بالحقوق المدنية ومعه محام، وقضت له المحكمة بالتعويض، في حين أنه لم يحضر بشخصه ولم يقدم محاميه توكيلاً يبيح له الحضور عنه، ولما اعترض محامي المتهم على صفة الحاضر عن المدعي بالحقوق المدنية أجابت المحكمة بأن المدعي المذكور سبق أن حضر في إحدى الجلسات مع المحامي عنه مما يفيد أنه وكله، مع أن حضور المحامي لا يمكن أن يقوم مقام التوكيل، ولا يسري على الجلسات الأخرى التي لم يحضرها المدعي بالحقوق المدنية، وغيابه يعتبر تركاً منه لدعواه المدنية، فالقضاء له بالتعويض وهو غائب هو قضاء خاطئ لبنائه على إجراءات باطلة. ويقول الطاعن أيضاً بأن الدفاع أبدى للمحكمة عدم استطاعة المجني عليه رؤية المتهم لاحتمائه في الشجر، وأن هذا الأخير كان في مستوى أقل من مستوى المجني عليه بدليل ما جاء بالتقرير الطبي عن وصف مسار العيار، وأنه أطلق من أسفل لأعلى، وقد رد الحكم على ذلك بأن مناقشة الطبيب الشرعي بالجلسة أسفرت عن جواز حصول الإصابة بالكيفية التي وردت بتقرير الصفة التشريحية، مع أن الطبيب الشرعي لم يقرر ذلك، وما أدلى به أمام المحكمة ليس فيه ما يعتبر قطعاً برأي أو ترجيحاً لرأي، وكان على المحكمة أن تحقق وضع المجني عليه من الضارب، كذلك سكت الحكم عن الخلاف بين ما أثبته الضابط على لسان المجني عليه من أن ضاربه كان على بعد قصبتين، وبين تقدير الطبيب الشرعي لهذه المسافة بمترين، فضلاً عن أن الحكم لم يوضح رأيه في التصوير الذي صورت به الشاهدتان حميدة وسبيله في الجلسة كيفية وقوع الحادث مما يخالف روايتهما في التحقيق، ومع ملاحظة أن روايتهما أمام المحكمة لا تستقيم مع المعقول، لأنهما ما كانتا تستطيعان الرؤية في الظلام، ولوجود أشجار في مكان الحادث، كذلك قال الحكم إن المجني عليه كان يسير سيراً عادياً، أما المتهم فكان مسرعاً لعلمه بإصابة أخيه حتى لحق بالمجني عليه، وأطلق عليه النار، ولم تستدل المحكمة على ما قالته بدليل من الأوراق فجاء ردها قاصراً عن مواجهة ما أوضحه الدفاع من أنه لم تكن هناك فرصة ليدرك المتهم المجني عليه الذي بادر بالاحتماء بمنزل شقيقته، وأخيراً استبعدت المحكمة اتهام أخي الطاعن، مع أن الشهود أجمعوا على اتهامه، وكذلك فعل المجني عليه، ولو تنبهت المحكمة إلى ذلك لكان محتملاً أن يكون له أثر في تقديرها. هذا إلى أن قصور الحكم في استيعاب أقوال الشهود أنتج عيباً آخر هو التخاذل في أسبابه، لأن إطراح أقوال الشاهدتين حميدة وسبيله في صدد اتهام أخي المجني عليه يجعل شهادتهما في حق الطاعن منهارة بدورها، لأن ما يتعلق بالاتهام من شهادة الشهود يعتبر كلاً متماسك الأجزاء.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية لجناية القتل العمد التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، ولما كان يبين من محضر الجلسة أن المدعي بالحقوق المدنية إسماعيل عبد الصمد قد حضر مع محاميه، ولم يرد بهذا المحضر شيء عما يقوله الطاعن في طعنه من أنه اعترض على صفة المحامي الحاضر عن المدعي المذكور - لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن تعذر رؤية المجني عليه والشاهدتين حميدة وسبيله للمتهم لاحتمائه بأشجار في مكان الحادث الذي وقع في الظلام، هو دفاع موضوعي يتعلق بأدلة الثبوت في الدعوى ولا إلزام على محكمة الموضوع بالرد عليه صراحة، بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من إدانة المتهم استناداً إلى الأدلة السائغة التي أوردها الحكم، أما ما ذكرته المحكمة استنتاجاً من مناقشتها للطبيب الشرعي من أنه ليس ما يمنع من حصول إصابة المجني عليه بالكيفية الواردة بتقرير الصفة التشريحية، فهو استنتاج سليم له ما يبرره مما أجاب به الطبيب المذكور من أن تحرك المجني عليه أو المتهم لا يمنع من حصول الإصابة الحالية، ومما أثبته الحكم من شهادة الشاهدة حميدة إسماعيل عبد الصمد من أن أخاها القتيل كان يهم بدخول منزلها، وأن المتهم (الطاعن) كان قادماً يجري على الجسر واستدار أمام المجني عليه وأطلق عليه النار، ومن ثم فلا وجه لما يدعيه الطاعن من الخطأ في الإسناد، لما كان ذلك، وكان لا جناح على المحكمة إذا هي أخذت بما ورد بتقرير الصفة التشريحية وبما قرره بعض شهود الإثبات عن المسافة بين الطاعن والمجني عليه، وأطرحت ما قرره المجني عليه عن هذه المسافة، كما لا يعيب الحكم أن يكون هناك اختلاف في تقدير المجني عليه لتلك المسافة وبين تقدير الطبيب الشرعي لها، لأن تحديد الأشخاص للمسافات هو مسألة تقديرية، أما تحديد الطبيب الشرعي، فيقوم على أصول فنية - لما كان ذلك، وكان ما ذكره الحكم وهو يتحدث عن سير المجني عليه من أنه كان يسير سيراً عادياً، وأن الطاعن كان مسرعاً، ففضلاً عن أن ذلك قد جاء في معرض الرد على دفاع الطاعن أمام المحكمة وعلى الرسم البياني الذي قدمه إليها، فإن المحكمة قد عولت فيه على أصله الثابت في الأوراق مما شهد به وكيل شيخ الخفراء ونائب العمدة من أن الطاعن كان في البلدة وقت حصول الاعتداء على أخيه - لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم أن يعول على ما يقرره الشاهد بالجلسة دون ما قرره في التحقيق، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشاهد في حق أحد المتهمين، وتطرح ما لا تطمئن إليه منها في حق متهم آخر دون أن يعد هذا منها تناقضاً يعيب حكمها ما دام تقدير الدليل موكولاً إليها وحدها، وما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في تقرير له، وغير صادق في تقرير آخر، لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في أوجه طعنه لا يكون مقبولاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.