أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 7 - صـ 1261

جلسة 10 من ديسمبر سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، وفهيم يسى الجندي - المستشارين.

(349)
القضية رقم 872 سنة 26 القضائية

( أ ) نقض. سبب جديد. دفاع. محاماة. إثارة المتهم أن محاميه الموكل كان محامياً عن المجني عليه في قضية أخرى هي السبب المباشر للحادث. هو سبب جديد.
(ب) دفاع. محاماة. محكمة الجنايات. كفاية حضور محام واحد مع المتهم بجناية.
(ج) إثبات. حرية القاضي في تكوين عقيدته. اطمئنانه إلى ثبوت الواقعة على متهم من دليل بعينه. عدم مطالبته الأخذ بهذا الدليل بالنسبة إلى متهم آخر.
1 - لا يقبل من المتهم أن يثير لأول مرة أمام محكمة النقض أن محاميه الموكل كان محامياً عن المجني عليه في قضية جناية أخرى هي السبب المباشر للحادث والدافع للمتهم على ارتكابه ولو كان هذا السبب متعلقاً بالنظام العام، لتعلقه بعنصر واقعي لم يسبق إثارته أمام محكمة الموضوع.
2 - لا يلزم في القانون أن يحضر مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات أكثر من محام واحد.
3 - يقوم القضاء في المواد الجنائية على حرية القاضي في تكوين عقيدته فإذا كان القاضي قد اطمأن إلى ثبوت الواقعة على متهم من دليل بعينه فهو غير مطالب بأن يأخذ بهذا الدليل بالنسبة إلى متهم آخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة 1 - عبد الواحد عبد العال (الطاعن) و2 - محمد حسين عبد العال بأنهما أولاً: قتلا جمعه إسماعيل سليمان عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن انتويا قتله وأعدا لذلك بندقية معمرة حملها الثاني وصارا يتربصان المجني عليه للتوصل إلى قتله حتى ظفرا به بالمسجد فأطلق عليه المتهم الأول مظروفاً نارياً من البندقية بعد أن سلمها له المتهم الثاني قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي فمات بسببها وما صاحبها من نزيف غزير وثانياً: أحرزا سلاحاً نارياً (بندقية مششخنة) بدون ترخيص وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات وبالمواد 1 و6 و12 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والجدول رقم 2 الملحق به، فقررت بذلك وادعت بحق مدني خضرة محمود السيد زوجة القتيل وطلبت الحكم لها قبل المتهمين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً في 4 ديسمبر سنة 1955 - بعد اطلاعها على المواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات وعلى المواد 1 و6 و26/ 1 و4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والجدول رقم 2 المرفق به والمادتين 32 و17 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول وعلى المادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهم الثاني. أولاً: بمعاقبة عبد الواحد عبد العال بالأشغال الشاقة المؤبدة وبمصادرة السلاح والذخيرة المضبوطتين وبإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية بوصفها أرملة القتيل جمعه إسماعيل سليمان مبلغ مائة جنيه مصري على سبيل التعويض مع المصاريف المدنية وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. وثانياً: ببراءة محمد حسين عبد العال مما أسند إليه وبرفض الدعوى المدنية قبله. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن، أن الحكم المطعون فيه أخل بحق الطاعن في الدفاع، وفي بيان هذا يقول الطاعن إن الدفاع أمام محكمة الموضوع تولاه عنه الأستاذان إبراهيم بيومي ومحمد شعير، والأول منهما كان موكلاً عن المجني عليه في قضية الجناية رقم 1709 لسنة 1954 مركز الزقازيق، التي قال الحكم المطعون فيه إنها السبب المباشر للحادث والدافع للطاعن على ارتكابه ولما كان الحادث الأول لم يفصل فيه بعد، فيكون الأستاذ إبراهيم بيومي قد جمع في وقت واحد بين وكالة الطاعن وبين وكالة فريق المجني عليه، وهو بحكم صلاته بالفريقين لا يمكن - بحسب طبائع الأمور - أن يتمتع بكامل حريته في أداء واجب الدفاع، خصوصاً وأن زوجة المجني عليه قد تدخلت في الدعوى الحالية وطالبت بحقوق مدنية تعويضاً لها عن مقتل زوجها، مما يعيب الحكم ويبطله عملاً بالمادة 33 من قانون المحاماة رقم 98 لسنة 1944 "التي توجب على المحامي أن يمتنع عن إبداء أية مساعدة ولا من قبيل الشورى لخصم موكله في نفس النزاع أو في نزاع مرتبط به، إذا كان قد أبدى رأياً للخصم أو سبقت له وكالته عنه فيه ثم تنحى عن وكالته".
وحيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن حضر ومعه الأستاذان إبراهيم بيومي ومحمد شعير - اللذان اختارهما ووثق فيهما - ليقوما بمهمة الدفاع عنه، وترافعا عنه على الوجه الثابت بمحضر الجلسة، وفي هذا ما يكفي قانوناً لتحقق الضمان، أما ما يشير إليه الطاعن في طعنه من أن الأستاذ إبراهيم بيومي كان محامياً عن المجني عليه في قضية الجناية رقم 1709 لسنة 1954 مركز الزقازيق كدلالة محاضر الجلسات المقدمة منه لأول مرة أمام محكمة النقض، فإن هذا السبب ولو كان متعلقاً بالنظام العام لا تقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض لاختلاط هذا السبب بعنصر واقعي لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع، ولم يكن في استطاعة المحكمة الإلمام به. هذا فضلاً عن أن الدفاع عنه قد تولاه عنه أيضاً الأستاذ محمد شعير. وقد تناول في مرافعته الموضوع كله، فلا يكون ثمة من وجه لما يدعيه من الإخلال بحقه في الدفاع، إذ لا يلزم في القانون أن يحضر مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات أكثر من محام واحد.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو أن الحكم انطوى على خطأ في الإسناد، إذ اعتمدت المحكمة في قضائها بالإدانة على شهادة شيخ العزبة (محمد حسن عفيفي) فقالت إنه شهد بأن شيخ الخفراء أخبره بأن القتيل استطاع أن يتكلم أمامه، وأنه اتهم الطاعن - مع أن شيخ الخفراء لم يذكر في أقواله ذلك، بل قرر أن القتيل لم يتكلم في حضوره، كما قال الحكم - في سبيل إظهار كذب دفاع الطاعن - إن شيخ الخفراء أنكر أنه تناول الشاي مع الطاعن في منزل عبد الفتاح السيد، وأنه هو الذي أرشد عن البندقية التي ضبطت في البوص أمام منزل الطاعن، في حين أن الطاعن قرر أنه كان يشرب الشاي في منزل عبد الفتاح مع عبد الرحمن محمود رمضان وأشهد شيخ الخفراء على ذلك، وفي حين أن الثابت في محضر تحريات ضابط البوليس أنه علم بوجود البندقية من مصدر سري لم يشأ الإفصاح عنه، وأنه انتقل مع قوة من جنود البوليس والخفراء للبحث عنها في أحطاب الذرة الموجودة أمام منزل الطاعن، فعثر شيخ الخفراء على البندقية بحضوره مدفونة في الأحطاب.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر معه العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حق الطاعن أدلة - لها أصل في التحقيقات - من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، واستند في ذلك إلى أقوال شهود الإثبات الذين خفوا إلى المجني عليه إثر سماعهم العيار الناري وإبلاغه لهم - وهو في وعيه - أن الضارب له هو الطاعن، ورؤية بعضهم له وهو يحاول الهرب، ومن بينهم شيخ العزبة، محمد حسن عفيفي - الذي شهد أن شيخ الخفراء أبلغه أن المجني عليه تكلم واتهم الطاعن بقتله، وإلى تقرير الصفة التشريحية، وإلى المعاينة التي تمت في الدعوى، ثم أشار الحكم إلى ما جاء في تحريات البوليس في خصوص ضبط البندقية في قوله "وقرر رجال المباحث في تحرياتهم السرية أن المتهم الأول نفسه (الطاعن) كان قد تشاجر مع القتيل وأن المتهم رتب مقارفته للجريمة وهيأ لنفسه أدلة للتخلص من إلصاق التهمة به، فاتفق مع شيخ الخفراء محمد الغرباوي، وذهبا سوياً إلى منزل عبد الفتاح سيد أحمد للادعاء بأنه كان يتناول الشاي في هذا المنزل لإثبات أنه كان بعيداً عند إطلاق النار حين أن هذا المنزل يبعد حوالي 50 متراً من المسجد، وأن المتهم الأول ارتكب الحادث وهرب إلى منزله، وأن البندقية مخبأة في أحطاب بجوار منزله... فقام ضابط البوليس مع قوة من المخبرين والخفراء وأخذوا في البحث، وعثر شيخ الخفراء محمد الغرباوي بإشراف الضابط وأمامه على بندقية رامنجنتون تحت الأحطاب" - لما كان ذلك، وكان المستفاد مما أورده الحكم أن المحكمة إنما اعتبرت أن شيخ الخفراء هو في الواقع الذي أرشد عن البندقية، فهذا الاعتبار الذي استخلصته المحكمة استخلاصاً سائغاً في ظروف الحادث وملابساته، وله أساس في الأوراق لا يتعارض مع تحريات البوليس في هذا الخصوص، ومتى كان الأمر كذلك فلا يقبل من الطاعن ما أثاره من جدل موضوعي حول ذلك.
حيث إن حاصل باقي وجوه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه الفساد في التدليل والقصور والتخاذل في التسبيب، إذ استند الحكم في إدانة الطاعن إلى القول بأن أقوال الشهود تأيدت بالمعاينة، وأن باب المصلى التي كان بها المجني عليه يواجه منزل الطاعن، وأن ثلث المصلي مكشوف من جهة منزل الطاعن وأن الذي يقف على سور المنزل يستطيع أن يرى من بداخل المصلى، ولم يبين الحكم وجه استدلاله بالمعاينة، ولم يقل إن أحداً رأى شخصاً يطل من المنزل على المصلى، كما اعتمد الحكم في قضائه على واقعة ضبط البندقية في مساء 27 من يناير سنة 1955 مدفونة في الأحطاب، ولم يرد على البرقية التي أرسلها ذوو للطاعن لجهة الاختصاص في اليوم السابق من أن هناك يداً تعمل على التلفيق ودس البندقية، كما اتخذ من تعرف الكلب البوليسي دليلاً، في حين أن الثابت من الأوراق أن الكلب لم يتعرف عليه في المرة الأولى، هذا وقد وقع الحكم في تناقض بقضائه ببراءة المتهم الثاني، في حين أن الأدلة بالنسبة إليهما متعادلة ورواية المجني عليه - إن صحت - تدينهما معاً؛ ويضيف الطاعن أنه استشهد بثلاثة شهود نفي، ولكن الحكم تحدث عن شهادة اثنين منهم، وأغفل الإشارة إلى شهادة الثالث، بما يفيد أن المحكمة لم تلق بالاً إلى شهادته ولو كانت تنبهت فربما كان لها في هذه الشهادات رأي آخر، وأنه تمسك في دفاعه بالجلسة بأن ظروف الحادث تدل على أن المجني عليه - بعد إصابته الشديدة - لم يكن في إمكانه التلفت إلى الخلف، ولم ترد المحكمة على هذا الدفاع رداً شافياً، مع أنه قال ما قال في مقام الطعن على تقرير الطبيب الشرعي، كما أنه تمسك بأن يد التلفيق امتدت إلى أدلة الثبوت، فغير الشهود أقوالهم أمام المحكمة بما يسيء إلى مركز الطاعن، ولكن المحكمة أخذت بأقوالهم أمام النيابة دون أن تقول كلمة صريحة عنهم، وكيف عولت على أقوالهم الأولى، مع أنهم هم أصحاب الأقوال الأخيرة، كما أغفل الحكم الرد على ما أثاره الدفاع بشأن ما وقع على شيخ الخفراء من تعذيب ليغير من شهادته، ومن أن جميع المصلين الذين خفوا إلى محل الحادث وجدوا المجني عليه فاقد النطق. هذا فضلاً عن أن المحكمة قد ذكرت في حكمها مؤدى أقوال الشاهدين بيومي محمد عاشور وأحمد محمد حسين المقرئ، ولكنها لم تشر في الأدلة التي اعتمدت عليها في الإدانة إلى أقوالهما، وهذا منها غير مفهوم، فلا يدري معه إن كانت صدقتهما أو كذبتهما، ويكون الحكم قد وقع في أخطاء تعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن القضاء في المواد الجنائية يقوم على حرية القاضي في تكوين عقيدته، فإذا كان القاضي قد اطمأن إلى ثبوت الواقعة على متهم من دليل بعينه، فهو غير مطالب بأن يأخذ بهذا الدليل بالنسبة إلى متهم آخر، والمجادلة في هذا الأمر أمام محكمة النقض لا تقبل لتعلقه بواقعة الدعوى، ولا يصح أن يقال عن محكمة الموضوع إنها تناقضت ما دام تقدير قوة الدليل من سلطاتها وحدها، وما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في ناحية من أقواله، وغير صادق في ناحية أخرى. وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته فيما يثيره في طعنه، أو أنه ادعى بوقوع تعذيب على شيخ الخفراء كان هو السبب في تأدية شهادته على الوجه الذي أورده في أقواله، حتى يتسنى لمحكمة الموضوع تحقيق ذلك لتقول كلمتها فيه، فإن مجادلته في هذا الخصوص لا تكون مقبولة، وما يقوله من أن الاستدلال بالمعاينة وشاهدي الإثبات هو استدلال ناقص، فهو أيضاً محض جدل في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى لا تلتفت إليه محكمة النقض - لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد ردت على ما أشار إليه الطاعن في البرقية فقالت: "أما البرقية التي أرسلت قبل ضبط البندقية، فإن أهل المتهم كانوا لا يستطيعون تهريباً لأن شيخ الخفراء وهو يعلم أنها مخبأة في هذا المكان كان حريصاً ألا يصير تهريبهاً خوفاً على نفسه من أن يتهم بالتستر على الجاني بعد الشبهات التي وجهت إليه" فإن الحكم إذ تحدث عن هذه البرقية وما يتصل بها من وقائع لا يكون قد شابه قصور. هذا ولما كانت محكمة الموضوع غير مكلفة بأن ترد في حكمها على كل جزئية من جزئيات الدفاع، وكان في تعويلها على شهادة شهود الإثبات وإطراحها لأقوال شهود النفي ما يفيد أنها لم تر في شهادة هؤلاء الأخيرين ما يصح الركون إليه، فإذا هي ضمنت حكمها رداً على أقوال بعض شهود النفي دون الباقين، فإن هذا من باب أولى لا يعد قصوراً ولا يعيب الحكم، لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن على الصورة الواردة في طعنه لا يخرج في حقيقة معناه عن كونه جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلة الثبوت فيها مما يستقل به قاضي محكمة الموضوع دون غيره ما دام أنه مبني على أسباب سائغة كما هو الحال في الدعوى.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.