أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 7 - صـ 1331

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1956

برياسة السيد مصطفى فاضل - وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، وفهيم يسى الجندي - المستشارين.

(365)
القضية رقم 1095 سنة 26 القضائية

( أ ) موظفون. أسباب الإباحة وموانع العقاب. التعيين طبقاً للأوضاع القانونية في وظيفة بديوان الخاصة الملكية السابق. تنظيمه على غرار المصالح الأميرية وتطبيق نفس الأنظمة واللوائح التي تطبق على موظفي الحكومة ومستخدميها. حقهم في الإفادة من الإعفاء الوارد في المادة 63 ع.
(ب) أسباب الإباحة وموانع العقاب. شروط الإعفاء الوارد في المادة 63 ع. مثال.
(ج) قانون. الجهل به. متى يعتبر الفعل المبني على الجهل بالقانون غير مؤثم.
1 - متى كان المتهم قد عين طبقاً للأوضاع القانونية في وظيفة بديوان الخاصة الملكية السابقة الذي نظم على غرار المصالح الأميرية وطبق على موظفيها ومستخدميها نفس الأنظمة واللوائح التي تطبق على موظفي الحكومة ومستخدميها سواء بسواء، فإنه يكون في هذا القدر من الكفاية ما يخوله الحق في الإفادة من الإعفاء الوارد في المادة 63 من قانون العقوبات.
2 - أورد الشارع المادة 63 من قانون العقوبات ليجعل في حكمها حصانة للموظفين العموميين حتى لا يتحرجوا في أداء واجباتهم أو يترددوا في مباشرتهم لهذه الواجبات خشية الوقوع في المسئولية الجنائية وقد جعل الشارع أساساً لمنع تلك المسئولية أن يكون الموظف فيما قام به حسن النية ومن أنه قام أيضاً بما ينبغي من وسائل التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعية الفعل الذي قام به وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة ومن ثم فإذا كان المتهم يعمل في ظروف تجعله يعتقد أنه وهو يقوم بخدمة الملك السابق في الوظيفة المخصصة له إنما كان يباشر عملاً له صبغته الرسمية وارتكب فعلاً ينهي عنه القانون تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيسه الذي تجب عليه طاعته فإنه لا يكون مسئولاً على أي الأحوال.
3 - من المقرر أن الجهل بأحكام أو قواعد قانون آخر غير قانون العقوبات أو الخطأ فيه كحالة الخطأ في فهم أسس القانون الإداري يجعل الفعل المرتكب غير مؤثم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: أحرز جواهر مخدرة (933.5 جراماً من الحشيش) بدون موجب من نصوص القانون وطلبت عقابه بالمواد 1/ 6 و2 و35/ 6 ب و40 و41 و45 من القانون رقم 28 لسنة 1928 ومحكمة المخدرات قضت حضورياً ببراءة المتهم مما أسند إليه ومصادرة المواد المخدرة بلا مصاريف. فاستأنفت النيابة هذا الحكم. ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضورياً بتأييد الحكم المستأنف. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض وقضى فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة مصر الابتدائية لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. أعيدت الدعوى ثانية إلى المحكمة المشار إليها وبعد نظرها قضت حضورياً بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة المتهم مما أسند إليه ومصادرة المواد المخدرة بلا مصاريف. فطعنت النيابة العامة للمرة الثانية في الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعنة تقول في الوجه الأول من طعنها إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ استند في اعتبار المطعون ضده موظفاً أميرياً إلى المرسوم الصادر في 28 من فبراير سنة 1925 والأمر العالي الصادر في 29 من أبريل سنة 1863 وإلى أن المطعون ضده كان يتقاضى مرتبه من المخصصات الملكية وهي من الأموال العامة، مع أن المرسوم الصادر في 28 من فبراير سنة 1925 آنف الذكر الذي كان يخول الملك السابق حتى إصدار أوامر ملكية بتعيين موظفي الديوان الملكي لم يتناول إلا موظفي هذا الديوان والمطعون ضده ليس من بينهم بل هو تابع للخاصة الملكية السابقة التي لم يمكن لها أي صفة حكومية بل كانت تتناول الشئون الخاصة للملك السابق مما لا يتصل بصفته الرسمية ولا محل للاستناد إلى الأمر العالي الصادر في 29 من أبريل سنة 1863 في اعتبار المطعون ضده موظفاً عمومياً - فقد صدر أمر عال في سنة 1883 يقرر ربط معاش لموظفي الخاصة دون أن يخلع عليهم صفة الموظفين العموميين ولو كان الأمر على خلاف ذلك، لما كان ثمة محل لإصدار هذا الأمر العالي الثاني اكتفاء بأن الأمر العالي الصادر في 29 من أبريل سنة 1863 كان يعتبرهم من موظفي الدولة وهؤلاء يسري عليهم قانون المعاشات بغير حاجة إلى إصدار أمر جديد بذلك، أما المخصصات الملكية فإنها وإن كانت تقتطع من أموال الدولة إلا أنها كانت تمنح للملك السابق للصرف منها في شئونه الخاصة وتلك الأموال تفقد صفتها كل عام بمجرد خروجها من خزانة الدولة مثلها في ذلك كمثل المرتب الذي يتقاضاه الموظف العمومي وينفقه في شئونه الخاصة ومنها دفع أجور من يقومون بخدمته ومن غير المعقول أن يقال إن هؤلاء يكتسبون صفة الموظف العام بقبضهم أجورهم من مرتبه ولو كان المشرع قد رأى اعتبار موظفي الخاصة الملكية من الموظفين العموميين لأصدر قانوناً بمنحهم هذه الصفة بوجه عام يستتبعها من منحهم كافة حقوق الموظفين إلا أنه لم يسلك هذا السبيل بل أصدر قوانين متفرقة بمنحهم الحق في المعاش واستحقاق العلاوة الاجتماعية وتأديبهم على النحو المتبع بالنسبة إلى موظفي الدولة مما يفيد أن هؤلاء الموظفين لا يكتسبون صفة الموظفين العموميين وإنما كانت تطبق عليهم بعض القوانين الخاصة بموظفي الدولة في حدود معينة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد عرض لما تثيره الطاعنة في هذا الوجه فقال "وحيث إنه يبين مما تقدم أن المتهم كان قد عين كهربائياً بسراي المنتزه بموجب عقد بينه وبين ناظر الخاصة باعتباره ممثلاً للحكومة المصرية ثم نقل إلى وزارة الأشغال ثم فصل للاستغناء عن الأجانب ثم عين كهربائياً بنظارة الخاصة، ويتضح من صدور النطق بمنحه العلاوات والترقيات أنه عين بنطق ملكي، وقد كان من حق الملك بموجب مرسوم 8 من فبراير سنة 1925 أن يعين بأوامر منه موظفي الديوان الملكي والمصالح المرتبطة به ومنها الخاصة الملكية ومن ثم فيكون تعين المتهم قد صدر صحيحاً قانوناً أما عن عمل المتهم فقد ذكر في قرار تعيينه أنه رئيس الأعمال الخصوصية بالسرايات الملكية وهو بحكم هذا العمل يكون شديد الصلة بالملك السابق ومن المتعذر التفرقة بين صلته بالملك بصفته الرسمية وبغير هذه الصفة لأن صفة الملك لا تزول وليس هناك ضابط للتفرقة بين أعماله كملك وبينها في حياته الخاصة إلا أنه واضح من وقائع الدعوى أن الملك وقد أنشأ متحف انشاص على نمط يدل على أنه أنشأه للمصلحة العامة مساهمة منه في كفاح المخدرات قد سلم المتهم المخدر بصفته الرسمية ما دام لم يثبت أن ما سلم كان للاستعمال الشخصي ومن ثم يكون أقرب إلى الحقيقة أن يكون تسلم المخدر بقصد إضافته إلى المتحف أو إنشاء متحف آخر في قصر عابدين، وحيث إنه وقد ثبت أن المتهم كان موظفاً بالخاصة الملكية السابقة وقد ربط له معاش يتقاضاه من خزانة الدولة فإنه كان يتقاضى مرتبه من المخصصات وهي مال عام مرصود من جانب الدولة للإنفاق منه على ما يحفظ مكانة التاج في الداخل والخارج وحيث إن الحكم المستأنف قد استند في اعتبار المتهم موظفاً إلى ما جاء بالأمر الخديوي رقم 4 الصادر في 25 من فبراير سنة 1883 قد أخذت عليه محكمتنا العليا عدم استيفاء البحث في أثر النظم الدستورية والقوانين والمراسيم التي طرأت بعد صدوره على كيانه وجوداً أو عدماً أو تعديلاً وحيث إن الأمر المشار إليه قد صدر لاحقاً لأمر آخر صدر في 29 من أبريل سنة 1863 جاء فيه (بالنظر إلى أن شئون الخاصة موكولة إلى إدارة قاسم باشا وأن عدداً من المستخدمين كالنظار والمعاونين والكتبة والقواسين قد ألحقوا بهذه المصلحة وبعضهم مقيد لدى قاسم باشا والبعض الآخر لدى نظارة المالية وجب اعتبارهم جميعاً مستخدمين في الحكومة لا في الدائرة ومعاملتهم على قدم المساواة مع مستخدمي الحكومة فقد أصدرنا أمرنا هذا إلى نظارة المالية للعلم به وتنفيذه) وهذا النص صريح في اعتبار موظفي الخاصة مستخدمين في الحكومة وإن كانت مرتباتهم تصرف من المخصصات، ويتضح منه أن بعض موظفي الدائرة كان ملحقاً بقاسم باشا والبعض الآخر ملحق بوزارة المالية فأدمج الأمر النوعين واعتبرهم جميعاً من موظفي الحكومة - وترى المحكمة أن نص الأمر الأول رقم 4 الصادر في 25 من فبراير سنة 1883 لم يتناول الأمر السابق الإشارة إليه بأي تعديل إلا فيما يتعلق باسم الدائرة إذ جعلها خاصة ونص على وجوب احتساب مدة خدمة موظفيها في المعاش، ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 5 لسنة 1909 الخاص بالمعاشات المدنية وقد نصت المادة 67 منه على سريان أحكامه على الموظفين أو المستخدمين المربوطة ماهياتهم في ميزانية الحكومة وبصفة استثنائية على موظفي ومستخدمي بعض المصالح التي لا تشملها ميزانية المملكة العمومية ومن بينها الدائرة الخاصة. ولم يتناول القانون رقم 29 لسنة 1910 الذي عدل القانون السابق الإشارة إليه النص الخاص بسريانه على موظفي الدائرة الخاصة بأي تعديل ثم صدر القانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات الملكية والذي طبق فعلاً على المتهم وقد نصت المادة 16 منه على سريان أحكامه بصفة استثنائية على الخاصة الملكية ومجلس الصحة البحرية ودار الكتب وبعض مصالح أخرى. هذا وقد صدر مرسوم بقانون بتاريخ 28 من يونيه سنة 1922 بإنشاء مجلس تأديب لموظفي ومستخدمي ديوان الملك والمصالح المرتبطة به، وقد نص في المادة الخامسة منه على ما يأتي (مع عدم الإخلال بالنصوص المتقدمة تسري في حق موظفي ومستخدمي ديوان الملك والمصالح المرتبطة به، جميع الأحكام المعمول بها فيما يتعلق بتأديب موظفي الحكومة). وحيث إنه يبين مما تقدم أن القوانين والمراسيم والأوامر التي صدرت بعد الأمر الذي استند إليه الحكم المستأنف في اعتبار المتهم موظفاً عمومياً لم يتناوله الإلغاء أو التعديل وإنما تضمنت كلها نصوصاً تقضي بانطباقها على موظفي الخاصة ومعاملتهم نفس معاملة سائر موظفي الحكومة ومن ثم لا يكون هناك فرق بين الطائفتين إلا أن موظفي الخاصة يتقاضون مرتباتهم من المبلغ الذي ترصده الدولة للمخصصات الملكية وهو ليس من مال الملك الخاص وإنما هي أموال عامة، فإذا لوحظ أنهم يتقاضون معاشاً كسائر الموظفين وأن بعض القوانين قد طبقت عليهم وعلى موظفي بعض المصالح التي لا جدال في أن موظفيها هم موظفون في الحكومة كدار الكتب والجامعة، وإذا لوحظ أيضاً أنه قد ثبت من كتابي ديوان الموظفين السابق الإشارة إليهما أن الديوان قد اعتبر موظفي الخاصة موظفين عموميين يستحقون العلاوة الاجتماعية كما اعتبرهم أيضاً موظفين عموميين ينطبق عليهم جميع لوائح موظفي الحكومة كان اعتبار الحكم المستأنف المتهم موظفاً عمومياً من حقه الاستفادة من التوسعة المنصوص عليها في المادة 63 عقوبات للموظفين في أداء واجبهم متى كانوا حسنى النية إذا أطاعوا رؤساءهم إذ أن طاعة المرؤوس للرئيس من أسس النظام الإداري اعتبار صحيح، لما كان ذلك وكانت المادة 63 من قانون العقوبات قد نصت على أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية الخ". وكان المقصود بالموظف الأميري، هو من يولى قدراً من السلطة العامة بصفة دائمة أو مؤقتة أو تمنح له هذه الصفة بمقتضى القوانين واللوائح سواء أكان يتقاضى مرتباً من الخزانة العامة كالموظفين والمستخدمين الملحقين بالوزارات والمصالح التابعة لها أم بالهيئات المستقلة ذات الصفة العمومية كالجامعات والمجالس البلدية ودار الكتب أم كان مكلفاً بخدمة عامة دون أجر كالعمد والمشايخ ومن إليهم وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المشرع أصدر تشريعات عدة تناولت الوضع القانوني بالنسبة لموظفي ومستخدمي ديوان الخاصة الملكية السابق فاعتبرهم مستخدمين في الحكومة ونص على معاملتهم على قدم المساواة مع موظفي الدولة في كل ما يتمتعون به من حقوق ومزايا وضمانات من حيث تعيينهم وترقيتهم وتأديبهم وتسوية معاشهم وتطبيق النظم الحكومية التي تطبق على سائر موظفي الدولة مما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل في أن المشرع إنما أراد مساواتهم بموظفي الدولة بغض النظر عن طبيعة أعمالهم مراعياً في ذلك أن تلك الأعمال التي يضطلعون بها تتسم بطابع خاص هي صلتها الوثيقة بشئون الملك السابق الذي كان بحكم الدستور الرئيس الأعلى للدولة وتلازمه صفة الملك على الدوام. وكان من شأن هذا التلازم أن شخصيته العامة كما قال الحكم بحق تختلط كثيراً بشخصيته الخاصة بحيث يصعب وضع حد فاصل بينهما مما جعل الدولة ترصد جزءاً من أموالها العامة سميت في ميزانية الدولة بالمخصصات الملكية للإنفاق منها في كل شئون الملك وما يتصل به من مظاهر عمومية كانت أو خصوصية وعلى ضوء هذه الاعتبارات نظمت حاشية الملك التي تضم فيها تضمه من أقسام وفروع، ديوان الخاصة الملكية السابق على غرار المصالح الأميرية وطبق على موظفيها ومستخدميها نفس الأنظمة واللوائح التي تطبق على موظفي الحكومة ومستخدميها سواء بسواء - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المطعون ضده قد عين في وظيفته بديوان الخاصة الملكية السابق طبقاً للأوضاع القانونية فإنه يكون في هذا القدر من الكفاية ما يخوله الحق في الإفادة من الإعفاء الوارد في المادة 63 من قانون العقوبات. هذا ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أيضاً أن المطعون ضده كان يعمل في ظروف تجعله يعتقد أنه وهو يقوم بخدمة الملك السابق في الوظيفة المخصصة له إنما كان يباشر عملاً له صبغته الرسمية فإذا ما ارتكب فعلاً ينهى عنه القانون تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيسه الذي تجب عليه طاعته فإنه لا يكون مسئولاً على أي الأحوال، وكان ما قاله الحكم من ذلك سائغاً في العقل وصحيحاً في القانون. إذ من المقرر أن الجهل بأحكام أو قواعد قانون آخر غير قانون العقوبات أو الخطأ فيها - وهو في هذه الحالة الخطأ في فهم أسس القانون الإداري - يجعل الفعل المرتكب غير مؤثم. لما كان ما تقدم كله فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن الطاعنة تعني في الوجه الثاني من الطعن على الحكم المطعون فيه أنه شابه قصور في أسبابه إذ أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه وإن كان قد دل على أن المتهم كان حسن النية في اعتقاده مشروعية حيازة الملك السابق للمادة المخدرة إلا أنه لم يورد العناصر التي استخلص منها حسن نية المتهم من جهة مشروعية حيازته هو للمادة المخدرة وليس يجدي المتهم قوله إنه إنما أحرز المخدر تنفيذاً لأمر رئيس وجبت عليه طاعته لأنه غير ملزم بهذه الطاعة بغير تبصر أو رؤية أو بحث وطاعته للقانون أولى من طاعته للرئيس حيث يكون الأمر الصادر إليه ظاهر المخالفة للقانون فإذا كانت الجريمة ظاهرة للموظف أو كانت مخالفة الأمر كما يقضي به القانون، واضحة له تماماً ونفذه وهو على بينة من مرماه ويعلم ما فيه من عيب، فإنه لا يعفى من المسئولية الجنائية - كما أنه يشترط للإعفاء من هذه المسئولية أن يكون الأمر ذا علاقة بشئون الآمر الرسمية واختصاصاته القانونية وقد أخطأ الحكم المطعون فيه حين قال إن المتهم بوصفه مديراً للشئون الخصوصية للملك السابق يجمع بين وظيفة حكومية وأعمال خصوصية تتسم بالطابع الرسمي وأنه ليس في طبيعة تلك الوظيفة ما يسمح بالفصل بين الأعمال الرسمية وغيرها فتكون الأوامر الصادرة إلى المتهم داخل دائرة الشئون الخصوصية لها علاقة بأعمال الآمر الرسمية، ذلك لأن الثابت بالأوراق أن المتهم لا يجمع بين وظيفته الخاصة كمدير للشئون الخصوصية للملك السابق وبين أية وظيفة حكومية، كما أنه ليس في الأوراق ما يفيد أن الأعمال الخصوصية التي يقوم بها المتهم تتسم بالطابع الرسمي بل أنها تفيد انقطاع الصلة بين وظيفة المتهم وأعمالها وبين أعمال الملك السابق الرسمية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين عرض لما تثيره الطاعنة في هذا الوجه قد أفاض في ذكر المبررات التي تسوغ الفعل المرتكب من جانب المطعون ضده ومما قاله في هذا الصدد "وحيث إن الثابت أن الملك السابق قد أقام متحفاً في انشاص استجمع فيه أجناساً متباينة من كافة المواد المخدرة وكان هذا المتحف منسقاً ومنظماً على صورة علمية جامعة وكان مصدره حسبما رجحه حضرة حسن يوسف مفتش زراعة انشاص من المضبوطات التي كانت تستولي عليها الجهات المشتغلة بمكافحتها وكان هذا المتحف معروفاً ومعروضاً على مشهد من الجميع بين متاحف أخرى زراعية وجيلوجية وحيوانية وكان الملك السابق كما نوه الشاهد حريصاً على أن يطلع عليه زواره من كافة الطبقات فمنهم الملوك والأمراء والنزلاء ووفود المؤتمرات من عرب وأجانب ومنهم رجال الدولة من وزراء ومرؤوسين فلم يكن هذا المتحف في غفلة من أحد ولا مستوراً في الخفاء فالكل كان عليماً بأمره وبموجوداته ومن بينهم حتماً المسئولون الذين وقفوا في صمت دون أن يكون لهم موقف إيجابي أو أي اعتراض فيه وحيث إن هذه الشواهد المادية إذا ما تردد صداها في نفس المتهم وتفاعل بها ذهنه فإن ما تنتجه في نفسه من شعور يتصل بمشروعية حيازة الملك السابق للمخدر على الصورة آنفة الذكر المفروض طبعاً أن الحيازة لم تكن تستهدف سوء الاستعمال أو تتعدى نطاق هذه الشواهد فما هو أثره على المتهم؟ ألا يصح أن يقوم في ذهنه أن الملك قد استنفد الإجراءات القانونية وأدى بما أوجب القانون رعايته في شأن هذا الترخيص ألا يصح أن ينطبع في نفسه أن وزير الصحة قد خوطب في أمر هذه الحيازة فوافق عليها خصوصاً وأن استصدار مثل هذه الموافقة في نظر المتهم وبالنسبة للملك أمر هين يسير، ألا يسوغ له أن يفهم أن الجهات الحكومية التي قبلت أن تقتطع من مضبوطاتها في العلانية أجزاء كانت هي مصدر هذه الحيازة وعناصر هذا المتحف لن تساهم في أمر من هذا القبيل إلا إذا استأذنت في ذلك جهات الاقتضاء وإذا قيل بأن المتهم كان يعلم بعدم وجود ترخيص من قبل، ألا يجوز أن يتصل بفهمه أن وزير الصحة وغيره من المسئولين الذين اطلعوا على هذا المتحف أجازوا من بعد هذا الأمر الواقع وقننوه وأن هذه الإجازة في مقام الترخيص السابق ومن ناحية أخرى ألا يجوز أن يختلط بذهنه أن المسئولين بسكوتهم عن حيازة الملك للمخدر قد أفتوا أن هذه الحيازة لا تقتضي بالنسبة للملك ترخيصاً لذاته وأنه لا يستساغ وهو الرئيس الأعلى للدولة وقد كان يتعالى في نظرهم عن القانون أن ينزل عند متبوع له من رجال السلطة التنفيذية يستأذنه ترخيصاً في أمر يجوز حيازته بترخيص وأن العرف قد جرى على ذلك بالنسبة للملك في كافة الأشياء التي يجوز حيازتها بترخيص كالأسلحة وغيرها وهل يجوز له أن يشتق هذا الفهم من عبارة (الملك فوق القانون) خصوصاً وقد سما به الواقع إلى الصورة التي رسمتها المحكمة آنفاً. وإذا المسئولون قدروا أن هذه الحيازة صحيحة وتعلق هذا بظن المتهم فماذا يمكن أن يكون عليه رأيه وعقيدته في ذلك ومشروعيته؟ طبيعي أن المتهم لا يمكن أن يناقش المسائل مناقشة الفقيه ولا يمكن أن تستنكره في ذلك حدود فهمه وثقافته وواقع الحال ليس واضحاً بالقدر الذي تنتفي معه في ذهن المتهم أي لبس أو يستطاع الجزم معه بأن وجه الإجرام كان بديهياً فلم يكن الفعل قتلاً أو سرقة أو حريقاً مما لا يستحيل بأمر أي إنسان ومما لا يمكن تأويل حسن النية فيه وليست حيازة المخدر منتفية على إطلاقها وإنما هي جائزة في بعض الصور بترخيص بل هي يصح أن تكون جائزة للملك للغرض آنف الذكر بترخيص فلا يصح القول بأن انعدام الترخيص في شأن الملك مع قيام الظروف السابقة لم يكن يبرر الاعتقاد لدى المتهم وأمثاله بعدم مشروعية هذه الحيازة - وحسب المتهم أن يستقي من الظاهر عقيدته وأن تستظهر المحكمة من المقومات ما لا يأبى هذا الاستخلاص، وحيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن أركان المادة 63 عقوبات قد توافرت في حق المتهم فقد ترجح القول بأنه كان يعتقد بحسن نية أن حيازة الملك للمخدر على الصورة السالفة تعد أمراً مشروعاً في ذاته وأن مرد هذا الاعتقاد تلك الأسباب المعقولة التي اعتمدتها المحكمة والمتهم في هذا الاعتقاد كان ملتزماً دائرة التثبت والتحري ولا يمكن القول إن المتهم قد انحدر في اعتقاده عن حدود أدنى من حدود الرجل العادي في مثل وظيفته ومركزه وظروفه والمؤثرات التي ازدحمت عليه وغير ذلك مما أفاضت المحكمة في ذكره فإذا ما تلقى المتهم أمراً بضم المخدر إلى وديعته وصدع لهذا الأمر فلا تثريب عليه لأنه بذلك يكون قد أدى ما عليه من واجب الطاعة في هذا المقام ويكون شأنه في ذلك شأن أي موظف من رجال الضبط أو غيرهم ممن اقتضت القوانين والأوامر اتصالهم بالمخدر وما دام لم يثبت أنه أساء الاستعمال أو جانب الاستقامة في القصد والنية فلا يمكن مساءلته". لما كان ذلك، وكان من المسلم به أن طاعة المرؤوس لرئيسه لا تكون في أمر من الأمور التي يحرمها القانون إلا أن المادة 63 من قانون العقوبات قد أوردها الشارع ليجعل في حكمها حصانة للموظفين العموميين حتى لا يتحرجوا في أداء واجباتهم أو يترددوا في مباشرتهم لهذه الواجبات خشية لوقوع في المسئولية الجنائية. وقد جعل الشارع أساساً لمنع تلك المسئولية أن يكون الموظف فيما قام به حسن النية ومن أنه قام أيضاً بما ينبغي له من وسائل التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعية الفعل الذي قام به وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة، وكانت محكمة الموضوع قد أثبتت في حق المطعون ضده بالأدلة والدلائل المنطقية السائغة التي أوردها في حكمها أنه كان حسن النية في الاحتفاظ بالمخدر المضبوط في حرزه الذي وجد به في غرفة مكتبه بالسراي ضمن متعلقات أخرى للملك السابق كما أثبت الحكم اعتقاد المتهم بمشروعية حيازة الملك السابق لتلك المخدرات وأن يده عليها لم تتجاوز هذا النطاق المشروع. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتأييد حكم محكمة أول درجة ببراءة المطعون ضده يكون سليماً وصحيحاً في القانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.