أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 50 - صـ 661

جلسة 13 من ديسمبر سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ مجدي منتصر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن حمزة وجاب الله محمد جاب نائبي رئيس المحكمة وهاني حنا وعاصم الغايش.

(148)
الطعن رقم 18833 لسنة 68 القضائية

(1) حكم "بيانات التسبيب".
عدم رسم القانون شكلاً معيناً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) رشوة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائي في جريمة الرشوة. تحققه. بطلب الطاعن من المتهمة معاشرتها جنسياً مقابل إخلاله بواجبات وظيفته.
(3) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه. متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للواقع.
(4) إثبات "اعتراف". إكراه. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف انتزاع منه بالإكراه. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة ووزن عناصر الدعوى. غير جائز أمام النقض.
(5) إجراءات "إجراءات المحاكمة". محكمة الإعادة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
نقض الحكم وإعادة المحاكمة. يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض.
مثال.
(6) نقض "الصفة والمصلحة في الطعن".
نعي الطاعن بإعفاء المتهمة الثانية من العقاب لاعترافها. غير مقبول. أساس ذلك؟
(7) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
انحسار الخطأ في الإسناد عن الحكم متى كان ما أورده له أصله الثابت بالأوراق. الجدل الموضوعي. غير مقبول أمام محكمة النقض.
(8) إثبات "اعتراف. حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية إيراد الحكم مضمون الاعتراف الذي عول عليه في قضائه. عدم إيراد نص الاعتراف كاملاً بكل فحواه. لا يعيبه.
(9) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير حجية الاعتراف وقيمته على المعترف. موضوعي.
لمحكمة الموضوع تجزئة الاعتراف والأخذ بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه. دون بيان العلة.
(10) إثبات "بوجه عام" "اعتراف".
ورود الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها. غير لازم. كفاية أن يرد على وقائع تستنتج منها المحكمة ومن باقي الأدلة بكافة الممكنات العقلية اقتراف الجاني للجريمة.
(11) إثبات "بوجه عام".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(12) رشوة. جريمة "أركانها".
جريمة الرشوة. مناط تحققها؟
(13) إجراءات "إجراءات التحقيق" "إجراءات المحاكمة". نقض "الصفة والمصلحة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اتصال وجه الطعن بشخص الطاعن ومصلحته فيه. شرطاً لقبوله.
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة. لا يصلح سبباً للطعن على الحكم. أساس ذلك؟
(14) دفوع "الدفع ببطلان إذن مراقبة التليفون" "الدفع ببطلان إذن التفتيش". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على الحكم بالقصور في الرد على الدفع ببطلان إذن مراقبة التليفون الخاص بالمتهمة وببطلان إذن التفتيش لمسكن المتهم لعدم جدية التحريات. غير مجد. ما دام الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من التسجيل أو التفتيش المدعى ببطلانهما.
(15) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. إغفالها بعض الوقائع. مفاده: إطراحها له.
(16) دفوع "الدفع بنفي التهمة".
الدفع بنفي التهمة. موضوعي. لا يستأهل رداً. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها.
(17) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
اطلاع المحكمة على أصول أوراق الامتحان الخاصة بالمتهمة وباقي المتهمين معها بالجلسة. مفاده: أنها كانت معروضة على بساط البحث في حضور الخصوم.
(18) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق.
(19) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قرار المحكمة في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. تحضيري. جواز العدول عنه.
(20) رشوة. جريمة "أركانها". قانون "تفسيره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الفائدة التي يحصل عليها المرتشي. غير قاصرة على الأمور المادية فقط شمولها الفائدة المعنوية سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة بما فيها المتع الجنسية أياً كانت صورها. أساس ذلك؟
النعي بأن العلاقة الجنسية لا تصلح أن تكون منفعة مقابل الرشوة. غير سديد.
(21) غرامة. عقوبة "توقيعها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". رشوة.
قضاء الحكم على الطاعن في جريمة الرشوة للإخلال بواجبات وظيفته بضعف الحد الأدنى للغرامة المنصوص عليها في المادة 103 عقوبات لعدم إمكان تقدير مقابل الرشوة صحيح.
للمحكمة الالتفات عن الدفاع القانوني ظاهر البطلان.
1 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً معيناً أو نمطاً يصوغ الحكم فيه بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون.
2 - لما كان الحكم قد عرض للدفع بانتفاء القصد الجنائي لدى الطاعن وأطرحه في قولة "أما عن الدفع بانتفاء جريمة الرشوة لتخلف القصد منها فمردود بما هو مقرر من أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد والعطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته الوظيفية وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة وبكافة الممكنات العقلية. لما كان ذلك، وكانت عناصر قصد المرتشي متصلة اتصالاً وثيقاً مع عناصر قصد الراشي من حيث العلم بصفة المرتشي وباختصاصه الوظيفي بالعمل المطلوب وأن الغرض من تقديم المقابل أنه ثمن لذلك العمل وأن تتجه الإدارة لدية إلى حمل الموظف على القيام بالعمل الوظيفي أو الإخلال به، فلما كان ما تقدم، وكانت مجريات الواقعة وظروفها وملابساتها من واقع أقوال المتهمين في التحقيقات ما يتوافر به أركان جريمة الرشوة والقصد منها ذلك من قيام المتهم الأول وهو القائم بتدريس مادة البحث في الخدمة الاجتماعية موضوع الامتحان ووضع أسئلة امتحانها وتصحيح أوراق إجاباتها بالتوجه إلى مسكن المتهمة الثانية بعد أن أبعدت أولادها والعاملين لديها - ليلتقيا في المسكن منفردين ويتبادل الحديث حول الهام من الموضوعات ثم القول منه بأن الامتحان يتضمن سؤالاً واحداً ثم طلبه معاشرتها جنسياً فوافقته على ذلك مقابل إخلاله بواجبات وظيفته وإثر ذلك أفشى لها بموضوع سؤال الامتحان وطريقة الإجابة عنها وحدد لها مشكلة خاصة بعملها كي يتعرف على ورقة إجابتها، الأمر الذي تتجلى فيه إرادتهما طلباً وتقديماً وأخذاً أنها اتجهت إلى حمل المتهم على الإخلال بواجبات وظيفته، ومن ثم يكون النعي بانتفاء القصد الجنائي في جريمة الرشوة غير سديد لقيامه على غير سند من الواقع ولا القانون...". لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً - نحو ما سلف بيانه - على أن طلب الطاعن معاشرة المتهمة الثانية جنسياً كان مقابل إخلاله بواجبات وظيفته والإفشاء لها بموضوع سؤال الامتحان وتحديده لها مشكلة خاصة بعملها كي يتعرف على ورقة إجابتها، وهو ما يتوافر به القصد الجنائي في تلك الجريمة كما هو معرف به في القانون ويدل على أن الفعل غير المشروع الذي أتاه معها إنما كان هو المقابل في جريمة الرشوة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير مقبول.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك، متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
4 - لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى إطراح الدفع ببطلان اعتراف الطاعن لصدوره تحت تأثير الإكراه المادي والمعنوي والوعد الوعيد وأفصح عن اطمئنانه إلى صحة هذه الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهر منه باقي عناصر الدعوى، وأدلتها وحصل مضمونه في بيان كاف، فإن ما يثيره الطاعن من مجادلة في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة ووزن عناصر الدعوى مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. لما كان ذلك، وإن كانت المتهمة الثانية قد دفعت ببطلان اعترافها أمام المحاكمة الأولي إلا أنه وأمام محكمة الإعادة وبجلسة الأول من أبريل 1998 تمسكت باعترافها بواقعة الرشوة وبوجود علاقة بينهما وبين المتهم الأول (الطاعن) وبما جاء بأمر الإحالة، ومن ثم فلا يقبل أن تطالب المحكمة بالرد على دفاع لم يبد أمامها، ويكون ما يثيره الطاعن بشأن هذا الاعتراف على غير أساس.
6 - من المقرر أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم، إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، فإن نعي الطاعن على الحكم بإعفاء المتهمة الثانية من العقاب لاعترافها يكون غير سديد.
7 - لما كان البين من المفردات المضمومة أن ما نقله الحكم المطعون فيه بشأن اعتراف المتهمة الثانية بتحقيقات النيابة العامة - بأن الطاعن حضر إليها بمسكنها وطلب معاشرتها جنسياً وأنه واقعها وكان ذلك مقابل حصولها على موضوع الامتحان - له صداه وأصله الثابت في الأوراق ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد وتضحى منازعة الطاعن في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى مجرد جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
8 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه - وخلافاً لما يذهب إليه الطاعن بأسباب طعنه - قد أورد مضمون اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة العامة الذي عول عيه في قضائه بما تتوافر به أركان الجريمة، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص الاعتراف كاملاً بكل فحواه، ومن ثم ينتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى.
9 - لما كان الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح ما سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك.
10 - لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها، بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية الاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة.
11 - لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
12 - لما كانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله مقابل إخلاله بواجبات وظيفته وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن، فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص لا يكون سديداً.
13 - لما كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم، إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، فإن نعي الطاعن بأن المحقق لم يخطر المتهمة الثانية بالجريمة المسندة إليها وعقوبتها يكون في غير محله، فضلاً عن أنه لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جري في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، إذ من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة، لا تأثير له على سلامة الحكم، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي التحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها وطالما لم يطلب الدفاع إليها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقض أو عيب فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه، فإن النعي في هذا الصدد يكون غير سديد.
14 - لما كان الحكم قد عرض للدفع المبدى من الحاضر مع الطعن ببطلان الإذن الصادر بمراقبة تليفون المتهمة الثانية لصدوره من قاض غير مختص وببطلان إذن القبض على المتهم وبطلان الإجراءات لأنها كانت بمناسبة تحقيق جريمة تهريب المتهمة الثانية لمشغولات ذهبية ومجوهرات داخل البلاد دون سداد الرسوم الجمركية وأطرحه بقوله: "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن ضبط وتفتيش مسكن المتهم، فإن الثابت للمحكمة من أوراق الدعوى أنه كانت بمناسبة تحقيق جريمة تهريب المتهمة لمشغولات ذهبية ومجوهرات داخل البلاد دون سداد الرسوم الجمركية المستحقة عليها بناء على طلب مدير عام الجمارك في 25/ 6/ 1944 وما تلاه من وضع تليفون المتهمة المركب بمسكنها بالعقار رقم... تحت المراقبة لمدة شهر بإذن السيد القاضي الجزئي وتسجيل كافة ما يدور خلاله من محادثات إرسالاً واستقبالاً وما كشف عنه تلك المراقبة لمدة شهر من وقوع جريمة رشوة المتهمة، وهي طالبة بالفرقة الأولى بقسم الماجستير بكلية.... للمتهم الأول بصفته عميد الكلية وقائم بالتدريس ووضع الامتحان وتصحيحه لإحدى المواد بذات الفرقة - للإخلال بواجبات وظيفته لما ثبت من حديث مسجل بينهما في 2/ 7/ 1994 بخصوص الامتحان وطلبه للحاجة السابق طلبها منها وردها بوجود المطلوب ودعوته لمسكنها لتسلمها. وحديث بينهما في يوم 6/ 7/ 1994 سألها عن الامتحان وإخبارها له بكتابة عبارة بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين في أول ورقة الإجابة كإشارة للمصحح ثم دعوته لها لمقابلته بمكتبه الخاص......، ثم مكالمة أخرى سألته فيها عن النتيجة والتقديرات وطمأنته لها بالامتياز، ثم مكالمات أخرى بينهما اتفقا فيها على إخلائها المسكن. من أولادها والخدم تمهيداً للقائهما منفردين يوم 10/ 7/ 1994 واتصاله من تليفونها المراقب بزوجته في منزله وإبلاغها بانشغاله ووجوده في الجامعة مما حمل على الاعتقاد بوقوع جريمة رشوة متلبس بها كشفتها مراقبة تليفون المتهمة - عرضاً - بمناسبة تحقيق جريمة التهريب الجمركي فتم القبض على المتهمة في 12/ 7/ 1994 وصح إذن النيابة العامة الصادر في 13/ 7/ 1994 بضبط المتهم الأول وتفتيش مكتبه ومسكنه لما ثبت لديها من تحقق وقوع جريمة الرشوة ونسبتها إلى المتهم الذي تقره هذه المحكمة، ومن ثم يضحى القول ببطلان إجراءات إذن مراقبة التليفون وتسجيل المكالمات وإذن القبض والتفتيش المشار إليهما مجرداً عن سنده وتلتفت عنه المحكمة". لما كان ذلك، وكان رد الحكم على الدفع كاف وسائغ، كما أنه لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في الرد على الدفع ببطلان إذن مراقبة التليفون الخاص بالمتهمة الثانية وبطلان إذن التفتيش لمسكن المتهم لعدم جدية التحريات، ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من التسجيل والتفتيش المدعي ببطلانهما وإنما أقام قضاءه على الدليل المستمد من اعتراف المتهمين وما ثبت للمحكمة من مطالعة ورقة إجابة المتهمة الثانية في مادة البحث في الخدمة الاجتماعية وهي أدلة مستقلة عن التسجيل والتفتيش. هذا فضلاً عن أنه لا صفة لغير من وقع في حقه الإجراء الباطل في أن يدفع ببطلانه، ومن ثم، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد.
15- لما كان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها بعض الوقائع ما يفيد ضمناً إطراحها واطمئنانها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمدت عليها في حكمها، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم من إغفاله التعرض لتقرير اللجنة المشكلة لاستظهار مدى إخلال المتهم بواجبات وظيفته.
16 - من المقرر أن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد.
17- لما كان البين من الاطلاع على محضر جلسة 24 من يناير سنة 1995 التي مثل فيها الطاعن والدفاع أن المحكمة اطلعت على أوراق الامتحان الخاصة بالمتهمة الثانية وباقي الممتحنين معها. ومن ثم، كانت معروضة على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم وكان في مكنة الطاعنة الإطلاع عليها إذا ما طلب من المحكمة ذلك، فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون غير سديد.
18- لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، فإن النعي على المحكمة تعويلها في القضاء بإدانة الطاعن على ورقة إجابة المتهمة الثانية واختلافها عن باقي أوراق الممتحنين معها في مادة البحث يكون غير مقبول.
19- لما كان الثابت من مطالعة محضر جلسة الأول من أبريل سنة 1998 التي حضر فيها الطاعن والمدافع عنه أنه استغنى عن طلب ضم دفتر الأحوال الذي سبق وأن قررت المحكمة ضمه بجلسة الأول من فبراير سنة 1998، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً، هذا فضلاً عن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، فإن نعي الطاعن على المحكمة استغنائها عن قرارها بضم دفتر الأحوال بإدارة مباحث الأموال العامة عن الفترة من 12 من يوليو 1994 حتى 29 من يوليو سنة 1994 لا يكون في محله، إذ يجوز لها العدول عنه.
2- لما كانت المادة 107 من قانون العقوبات تنص على أن "يكون من قبل الوعد أو العطية كل فائدة يحصل عليها المرتشي أو الشخص الذي عينه لذلك أو على به ووافق عليه أياً كان اسمها أو نوعها وسواء أكانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية". فإن مفاد هذا النص أن الفائدة التي يحصل عليها المرتشي ليست قاصرة على الأمور المادية وإنما يدخل فيها أيضاً - وطبقاً للنص - الفائدة غير المادية التي تشمل الجوانب المعنوية سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة والتي يدخل فيها المتع الجنسية أياً كانت صورها والتي تجردت من صفة المشروعية، يدل على ذلك أن التعبير الوارد في النص جاء مطلقاً وذلك في قوله عن الفائدة أياً كان اسمها أو نوعها" بل أضاف في وصفها قوله "سواء كانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية" وإذ كان الأمر كذلك، فإن طلب الطاعن من المتهمة الثانية مواقعتها لقاء إفشائه لها بموضوع الامتحان - وقد تم ذلك - فإن مقابل الرشوة يكون قد تحقق في الواقع، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم من أن العلاقة الجنسية لا تصلح لأن تكون منفعة مقابل الرشوة غير سديد.
21 - كانت المادة 103 من قانون العقوبات تنص على أنه "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به" كما تنص في المادة 104 من ذات القانون على أنه "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103 من هذا القانون" وكان الحكم المطعون فيه قد قضى على الطاعن بضعف الحد الأدنى للغرامة المذكورة في المادة 103 سالفة البيان باعتباره موظفاً عاماً طلب وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته - ولم يزد الغرامة عن حدها الأدنى الوارد بالنص والواجب توقيعه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من خطأ بقضائه بغرامة قدرها 2000 ألفي جنيه رغم عدم إمكان تقدير قيمة مقابل الرشوة يعد دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان بعيداً عن محجة الصواب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وأخرى - أعفيت من العقاب - بصفته موظفاً عاماً (عميد كلية..... بجامعة....... فرع......) طلب لنفسه وأخذ رشوة للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب وقبل وأخذ من المتهمة الأخرى مشغولات ذهبية وهدايا بلغت قيمتها حوالي ستة عشر ألفاً ومائتي جنيه وأقام معها علاقة جنسية على سيبل الرشوة مقابل إفشائه لها بموضوعات وأسئلة امتحانات مواد السنة الأولى بقسم الدراسات العليا بالكلية المذكورة ومنحها درجات نجاح تزيد عما تستحقه في مادة البحث التي يتولى تدريسها وتصحيح أوراق إجابتها. وإحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضورياً - عملاً بالمواد 103، 104، 107/ 1 مكرراً من قانون العقوبات مع إعمال المادية 17 من ذات القانون - بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه خمسة آلاف جنيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم..... لسنة 65 قضائية). ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية على محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة الإعادة (بهيئة مغايرة) قضت حضورياً عملاً بالمواد 103، 104، 107 مكرراً من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ ألفي جنيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض - للمرة الثانية -.... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ رشوة للإخلال بواجبات وظيفته، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم لم يبين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة التي دانه بها ولم يستظهر مدى توافر القصد الجنائي لديه ولم يبين أن العلاقة غير المشروعة بينه وبين المتهمة الثانية كانت هي المقابل في جريمة الرشوة، وأطرح الدفع ببطلان الاعتراف المعزو إليه والمتهمة الثانية لكونه وليد إكراه مادي ومعنوي وأنه صدر منهما تحت الوعد والوعيد، بما لا يسوغ إطراحه وعول عليه في الإدانة، رغم عدولهم عنه وحصل مؤداه تحصيلاً مبتوراً، وقضي بإعفاء المتهمة الثانية من العقاب لاعترافها بجلسة المحاكمة، دون أن يحقق دفاعها السابق ببطلان اعترافها بالتحقيقات لأنه كان وليد إكراه، وأقام قضاءه على ما يخالف الثابت بالأوراق، إذ نسب إلى المتهمة الثانية أنها قالت...... "أنه حضر إليها بمسكنها وطلب معاشرتها جنسياً وأنه واقعها مقابل حصولها على موضوع الامتحان ولم يوافق على إفشاء سر الامتحان، إلا بعد أن حصل على ما طلبه منها بمعاشرتها جنسياً - وهو ما لم يرد بأقوالها، كما أن ما حصله الحكم من إقراره بتحقيقات النيابة بطلب المتهمة الثانية منه إرشادها عن موضوعات الامتحان ومعاشرتها جنسياً لا يعد اعترافاً بجريمة الرشوة لأنها لا تتضمن إقراره بالإخلال بواجبات وظيفته كمقابل لتلك الرشوة، فضلاً عن أن النيابة العامة لم تحط المتهمة الثانية علماً بالجريمة المسندة إليها وعقوبتها، هذا وقد دفع أمام المحكمة ببطلان الإذن الصادر بوضع هاتفها تحت المراقبة لصدوره من قاض غير مختص وبطلان إذن ضبطه وتفتيش مسكنه لابتنائه على تحريات غير جدية وخلوه من اسمه، إلا أن الحكم رد عليه رداً غير سائغ، ولم يعرض لدفعه ببطلان الإجراءات لأنها تتعلق أصلاًَ بجريمة التهريب الجمركي المنسوبة إلى المتهمة الثانية لا يجوز اتخاذها إلا بناء على طلب وزير المالية، فضلاً عن التفات الحكم عن مؤدى ما انتهى إليه تقرير اللجنة الفنية المشكلة لاستظهار مدى إخلاله بواجبات وظيفته وأقواله بالتحقيقات التي ترشح لنفي الاتهام، وعول في قضائه بالإدانة على الدليل المستمد من مطالعة المحكمة لورقة إجابة المتهمة الثانية واستظهار اختلافها عن أوراق باقي الممتحنين معها، دون أن تطلع الدفاع عليها وكما أن الدليل المستمد من اختلاف ورقة امتحان المتهمة الثانية عن أوراق باقي الممتحنين معها بشأن منهج الأخصائي الاجتماعي بدولة الإمارات العربية دليل لا يعول عليه لأنها تعمل بالفعل بتلك الدولة، هذا وقد استغنت المحكمة عن طلب ضم دفتر أحوال إدارة المباحث الأموال العامة بالرغم من أنها سبق وأن أصدرت - من تلقاء نفسها - قراراً بضم، وأخيراً فقد قضى الحكم عليه بغرامة نسبية بالرغم من أن العلاقة الجنسية لا تصلح لأن تكون منفعة مقابلاً للرشوة طبقاً للقانون ويصعب تقديرها مادياً وتحديد الفائدة المادة التي عادت عليه من ورائها، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه وصحة إسنادها إليه أدلة استمدها من اعتراف الطاعن والمتهمة الثانية في تحقيقات النيابة ومما ثبت للمحكمة من مطالعة ورقة إجابة المتهمة في مادة البحث في الخدمة الاجتماعية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً معيناً أو نمطاً يصوغ الحكم فيه بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كان ذلك محققاً لحكم القانون، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع بانتفاء القصد الجنائي لدى الطاعن وأطرحه في قولة "أما عن الدفع بانتفاء جريمة الرشوة لتخلف القصد منها فمردود بما هو مقرر من أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد والعطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته الوظيفية وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة وبكافة الممكنات العقلية. لما كان ذلك، وكانت عناصر قصد المرتشي متصلة اتصالاً وثيقاً مع عناصر قصد الراشي من حيث العلم بصفة المرتشي وباختصاصه الوظيفي بالعمل المطلوب وأن الغرض من تقديم المقابل أنه ثمن لذلك العمل وأن تتجه الإدارة لديه إلى حمل الموظف على القيام بالعمل الوظيفي أو الإخلال به. فلما كان ما تقدم، وكانت مجريات الواقعة وظروفها وملابساتها من واقع أقوال المتهمين في التحقيقات ما يتوافر به أركان جريمة الرشوة والقصد منها ذلك من قيام المتهم الأول وهو القائم بتدريس مادة البحث في الخدمة الاجتماعية موضوع الامتحان ووضع أسئلة امتحانها وتصحيح أوراق إجاباتها بالتوجه إلى مسكن المتهمة الثانية بعد أن أبعدت أولادها والعاملين لديها - ليلتقيا في المسكن منفردين ويتبادل الحديث حول الهام من الموضوعات ثم القول منه بأن الامتحان يتضمن سؤالاً واحداً ثم طلبه معاشرتها جنسياً فوافقته على ذلك فواقعها مقابل إخلاله بواجبات وظيفته وإثر ذلك أفشى لها بموضوع سؤال الامتحان وطريقة الإجابة عنها وحدد لها مشكلة خاصة بعملها كي يتعرف على ورقة إجابتها، الأمر الذي تتجلى فيه إرادتيهما طلباً وتقديماً وأخذاً أنها اتجهت إلى حمل المتهم على الإخلال بواجبات وظيفته، ومن ثم يكون النعي بانتفاء القصد الجنائي في جريمة الرشوة غير سديد لقيامه على غير سند من الواقع ولا القانون....." لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً - نحو ما سلف بيانه - على أن طلب الطاعن معاشرة المتهمة الثانية جنسياً كان مقابل إخلاله بواجبات وظيفته والإفشاء لها بموضوع سؤال الامتحان وتحدده لها مشكلة خاصة بعملها كي يتعرف على ورقة إجابتها، وهو ما يتوافر به القصد الجنائي في تلك الجريمة كما هو معرف به في القانون ويدل على أن الفعل غير المشروع الذي أتاه معها إنما كان هو المقابل في جريمة الرشوة. ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وأن لمحكمة الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى إطراح الدفع ببطلان اعتراف الطاعن لصدوره تحت تأثير الإكراه المادي والمعنوي والوعد الوعيد وأفصح عن اطمئنانه إلى صحة هذه الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهر منه باقي عناصر الدعوى وأدلتها وحصل مضمونه في بيان كاف، فإن ما يثيره الطاعن من مجادلة في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة ووزن عناصر الدعوى مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. لما كان ذلك، وإن كانت المتهمة الثانية قد دفعت ببطلان اعترافها أمام المحاكمة الأولي إلا أنه وأمام محكمة الإعادة وبجلسة الأول من أبريل 1998 تمسكت باعترافها بواقعة الرشوة وبوجود علاقة بينهما وبين المتهم الأول (الطاعن) وبما جاء بأمر الإحالة، ومن ثم فلا يقبل أن تطالب المحكمة بالرد على دفاع لم يبد أمامها، ويكون ما يثيره الطاعن بشأن هذا الاعتراف على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، فإن نعي الطاعن على الحكم بإعفاء المتهمة الثانية من العقاب لاعترافها يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات المضمومة أن ما نقله الحكم المطعون فيه بشأن اعتراف المتهمة الثانية بتحقيقات النيابة العامة - بأن الطاعن حضر إليها بمسكنها وطلب معاشرتها جنسياً وأنه واقعها وكان ذلك مقابل حصولها على موضوع الامتحان - له صداه وأصله الثابت في الأوراق، ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد وتضحي منازعة الطاعن في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى مجرد جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه - وخلافاً لما يذهب إليه الطاعن بأسباب طعنه - قد أورد مضمون اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة العامة الذي عول عليه في قضائه بما تتوافر به أركان الجريمة، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص الاعتراف كاملاً بكل فحواه، ومن ثم ينتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى. لما كان ذلك، وكان الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح ما سواه، مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها، بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية الاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة، وكان لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ذلك، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله مقابل إخلاله بواجبات وظيفته وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن، فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، فإن نعي الطاعن بأن المحقق لم يخطر المتهمة الثانية بالجريمة المسندة إليها وعقوبتها يكون في غير محله، فضلاً عن أنه لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جري في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، إذ من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحكم، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي التحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها وطالما لم يطلب الدفاع إليها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه، فإن النعي في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع المبدى من الحاضر مع الطعن ببطلان الإذن الصادر بمراقبة تليفون المتهمة الثانية لصدوره من قاض غير مختص وببطلان إذن القبض على المتهم وبطلان الإجراءات لأنها كانت بمناسبة تحقيق جريمة تهريب المتهمة الثانية لمشغولات ذهبية ومجوهرات داخل البلاد دون سداد الرسوم الجمركية وأطرحه بقوله: "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن ضبط وتفتيش مسكن المتهم فإن الثابت للمحكمة من أوراق الدعوى أنه كانت بمناسبة تحقيق جريمة تهريب المتهمة لمشغولات ذهبية ومجوهرات داخل البلاد دون سداد الرسوم الجمركية المستحقة عليها بناء على طلب مدير عام الجمارك في 25/ 6/ 1944 وما تلاه من وضع تليفون المتهمة المركب بمسكنها بالعقار رقم..... تحت المراقبة لمدة شهر بإذن السيد القاضي الجزئي وتسجيل كافة ما يدور خلاله من محادثات إرسالاً واستقبالاً وما كشفت عنه تلك المراقبة لمدة شهر بإذن السيد القاضي الجزئي وتسجيل كافة ما يدور خلاله من محادثات إرسالاً واستقبالاً وما كشفت عنه تلك المراقبة من وقوع جريمة رشوة المتهمة، وهي طالبة بالفرقة الأولى بقسم الماجستير بكلية.... للمتهم الأول بصفته عميد الكلية وقائم بالتدريس ووضع الامتحان وتصحيحه لإحدى المواد بذات الفرقة - للإخلال بواجبات وظيفته لما ثبت من حديث مسجل بينهما في 2/ 7/ 1994 بخصوص الامتحان وطلبه للحاجة السابق طلبها منها وردها بوجود المطلوب ودعوته لمسكنها لتسلمها. وحديث بينهما في يوم 6/ 7/ 1994 سألها عن الامتحان وإخبارها له بكتابة عبارة بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين في أول ورقة الإجابة كإشارة للمصحح ثم دعوته لها لمقابلته بمكتبه الخاص....، ثم مكالمة أخرى سألته فيها عن النتيجة والتقديرات وطمأنته لها بالامتياز، ثم مكالمات أخرى بينهما اتفقا فيها على إخلائها المسكن من أولادها والخدم تمهيداً للقائهما منفردين يوم 10/ 7/ 1994 واتصاله من تليفونها المراقب بزوجته في منزله وإبلاغها بانشغاله ووجوده في الجامعة مما حمل على الاعتقاد بوقوع جريمة رشوة متلبس بها كشفتها مراقبة تليفون المتهمة – عرضاً – مناسبة تحقيق التهريب الجمركي فتم القبض على المتهمة في 12/ 7/ 1994 وصح إذن النيابة العامة الصادر في 13/ 7/ 1994 بضبط المتهم الأول وتفتيش مكتبه ومسكنه لما ثبت لديها من تحقق وقوع جريمة الرشوة ونسبتها إلى المتهم الذي تقره هذه المحكمة، ومن ثم يضحى القول ببطلان إجراءات إذن مراقبة التليفون وتسجيل المكالمات وإذن القبض والتفتيش المشار إليهما مجرداً عن سنده وتلتفت عنه المحكمة". لما كان ذلك، وكان رد الحكم على الدفع كاف وسائغ، كما أنه لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في الرد على الدفع ببطلان إذن مراقبة التليفون الخاص بالمتهمة الثانية وبطلان إذن التفتيش لمسكن المتهم لعدم جدية التحريات، ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من التسجيل والتفتيش المدعي ببطلانهما وإنما أقام قضاءه على الدليل المستمد من اعتراف المتهمين وما ثبت للمحكمة من مطالعة ورقة إجابة المتهمة الثانية في مادة البحث في الخدمة الاجتماعية وهي أدلة مستقلة عن التسجيل والتفتيش. هذا فضلاً عن أنه لا صفة لغير من وقع في حقه الإجراء الباطل في أن يدفع ببطلانه، ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها بعض الوقائع ما يفيد ضمناً إطراحها واطمئنانها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمدت عليها في حكمها، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم من إغفاله التعرض لتقرير اللجنة المشكلة لاستظهار مدى إخلال المتهم بواجبات وظيفية، فضلاً عن أن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان البين من الاطلاع على محضر جلسة 24 من يناير سنة 1995 التي مثل فيها الطاعن والدفاع أن المحكمة اطلعت على أوراق الامتحان الخاصة بالمتهمة الثانية وباقي الممتحنين معها، ومن ثم كانت معروضة على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم وكان في مكنة الطاعنة الاطلاع عليها إذا ما طلب من المحكمة ذلك، فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، فإن النعي على المحكمة تعويلها في القضاء بإدانة الطاعن على ورقة إجابة المتهمة الثانية واختلافها عن باقي أوراق الممتحنين معها في مادة البحث يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة الأول من أبريل سنة 1998 التي حضر فيها الطاعن والمدافع عنه أنه استغنى عن طلب ضم دفتر الأحوال الذي سبق وأن قررت المحكمة ضمه بجلسة 1/ 2/ 1998، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً، هذا فضلاً عن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، فإن نعي الطاعن على المحكمة استغنائها عن قرارها بضم دفتر الأحوال بإدارة مباحث الأموال العامة عن الفترة من 12 من يوليو 1994 حتى 29 من يوليو سنة 1994 لا يكون في محله، إذ يجوز لها العدول عنه. وحيث إن المادة 107 من قانون العقوبات تنص على أن "يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة يحصل عليها المرتشي أو الشخص الذي عينه لذلك أو علم به ووافق عليه أياً كان اسمها أو نوعها وسواء أكانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية". فإن مفاد هذا النص أن الفائدة التي يحصل عليها المرتشي ليست قاصرة على الأمور المادية وإنما يدخل فيها أيضاً - وطبقاً للنص - الفائدة غير المادية التي تشمل الجوانب المعنوية سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة والتي يدخل فيها المتع الجنسية أياً كانت صورها والتي تجردت من صفة المشروعية، يدل على ذلك أن التعبير الوارد في النص جاء مطلقاً وذلك في قوله عن الفائدة أياً كانت اسمها أو نوعها، بل أضاف في وصفها قوله "سواء كانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية" وإذ كان الأمر كذلك، فإن طلب الطاعن من المتهمة الثانية مواقعتها لقاء إفشائه لها بموضوع الامتحان - وقد تم ذلك - فإن مقابل الرشوة يكون قد تحقق في الواقع، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم من أن العلاقة الجنسية لا تصلح لأن تكون منفعة مقابل الرشوة غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المادة 103 من قانون العقوبات تنص على أنه "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به" كما تنص في المادة 104 من ذات القانون على أنه "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103 من هذا القانون" وكان الحكم المطعون فيه قد قضى على الطاعن بضعف الحد الأدنى للغرامة المذكورة في المادة 103 سالفة البيان باعتباره موظفاً عاماً وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته - ولم يزد الغرامة عن حدها الأدنى الوارد بالنص والواجب توقيعه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من خطأ بقضائه بغرامة قدرها 2000 - ألفي جنيه - رغم عدم إمكان تقدير قيمة مقابل الرشوة يعد دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان بعيداً عن محجة الصواب. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.