مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 851

(135)
جلسة 18 من مارس سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صالح الساكت نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يحيى عبد الفتاح سليم البشرى وعبد الفتاح محمد إبراهيم صقر ومحمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي وصلاح الدين أبو المعاطي نصير - المستشارين.

الطعن رقم 663 لسنة 27 القضائية

دعوى - دفوع في الدعوى - تقادم - نظام عام.
( أ ) الدفع بالتقادم الطويل لا يتعلق بالنظام العام - ضرورة التمسك به أمام محكمة الموضوع في عبارة واضحة - لا يغني عنه طلب رفض الدعوى أو التمسك بنوع آخر من أنواع التقادم لأن لكل تقادم شروطه وأحكامه - الدفع بالتقادم الطويل دفع موضوعي - القضاء بقبوله قضاء في أصل الحق تستفد به المحكمة ولايتها - الطعن في هذا القضاء ينقل النزاع برمته إلى المحكمة الإدارية العليا - تطبيق.
(ب) دعوى - قبول الدعوى من النظام العام - على المحكمة أن تقضي به من تلقاء ذاتها حتى ولم تطلبه الجهة الإدارية - العلم اليقيني - مضي ثمانية عشر عاماً قرينة قانونية على افتراض العلم بالقرار المطعون فيه - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 29 من مارس سنة 1981 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة، قلم كتاب هذه المحكمة عريضة طعن قيدت تحت رقم 663 لسنة 27 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 29 من يناير سنة 1981 في الدعوى رقم 49 لسنة 33 القضائية المرفوعة من السيد/ إبراهيم علي البرعي ضد وزارة الحربية، والذي قضى بسقوط حق المدعي في إقامة دعواه بالتقادم الطويل وألزمته المصاريف.
وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من سقوط حق المدعي في إقامة دعواه بالتقادم الطويل والقضاء بقبول الدعوى شكلاً وفي موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه لما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى درجة صانع ممتاز وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات عن الدرجتين.
وأعلن الطعن إلى المطعون ضده، وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى شكلاً وفي موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى درجة صانع ممتاز وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات عن الدرجتين.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 12 من ديسمبر سنة 1983 وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث عين لنظره أمامها جلسة 5 من فبراير سنة 1984 وفيها استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذا النزاع تتحصل حسبما يبين من الاطلاع على الأوراق في أن السيد/ إبراهيم علي البرعي أقام الدعوى رقم 333 لسنة 21 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارة الحربية في 28/ 9/ 1974 طالباً الحكم بأحقيته في تسوية حالته أسوه بزميله كمال أمين اللحام بإرجاع أقدميته في درجة صانع ممتاز إلى 24/ 3/ 1956 مع ما يترتب على ذلك من آثار وصرف ما يستحقه من فروق مالية. وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وقال شارحاً دعواه أنه عين بسلاح المهمات التابع لوزارة الحربية بمهنة براد بدرجة صانع دقيق ورقي إلى درجة صانع دقيق ممتاز في 31/ 4/ 1952 ثم إلى درجة صانع ممتاز في 11/ 3/ 1962 وقد علم بالمصادفة أن الجهة الإدارية أجرت حركة ترقيات ورقي فيها الكثير من العمال المعينين بعده منهم العامل كمال أمين إلى درجة صانع دقيق ممتاز في 30/ 4/ 1952 ثم إلى درجة ممتاز في 24/ 3/ 1956 ولما كان المدعي أقدم منه فهو أحق بالترقية إلى هذه الدرجة ويكون القرار الصادر بترقية من هو أحدث منه مشوباً بعيب مخالفة القانون.
وطلب في مذكرة قدمها بصفة احتياطية الحكم له بالتعويض المناسب.
وبجلسة 12/ 2/ 1978 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص وأبقت الفصل في المصروفات فقيدت بجدول المحكمة تحت رقم 49 لسنة 33 ق.
وبجلسة 29/ 1/ 1981 حكمت المحكمة بسقوط حق المدعي في إقامة دعواه بالتقادم الطويل وألزمته المصاريف، وأقامت قضاءها على أن مصدر الحق في كلا الطلبين الأصلي والاحتياطي هو القرار الصادر في 24/ 3/ 1956 متضمناً تخطي المدعي في الترقية وهو لم يحرك ساكناً منذ ذلك التاريخ حتى أقام دعواه في 28/ 9/ 1974 أي بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على صدور هذا القرار ومن ثم يكون حق المدعي في إقامة دعواه قد سقط بالتقادم الطويل.
ومن حيث إن الطعن يقوم على ما ورد به من أسباب حاصلها أن قضاء المحكمة أهدر قاعدة أساسية مستقرة في القانون والقضاء الإداريين التي تقضي بأن القرارات الإدارية لا تنفذ في مواجهة الأفراد إلا إذا علموا بها سواء بالنشر أو الإعلان أو العلم اليقيني.
وقد خالفت المحكمة ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا المستقرة في مثل هذه الدعاوى ولم يرد في الأوراق ما يفيد علم المدعي بالقرار إلا حين تظلم منه في 22/ 6/ 1974 وأقامها في 28/ 9/ 1974 ومن ثم فهي مقبولة شكلاً، وبالنسبة للموضوع فإن إدارة المهمات بوزارة الحربية خالفت أوضاع الميزانية وأحكام كادر العمل الذي يشترط للترقية من درجة صانع دقيق إلى درجة صانع دقيق ممتاز أن يقضي العامل في درجته ست سنوات على الأقل كما تطلب للترقية من درجة صانع دقيق ممتاز إلى درجة صانع ممتاز قضاء العامل مدة 12عاماً على الأقل في درجتي صانع دقيق ودقيق ممتاز، والثابت أن بعض من رقوا بمقتضى القرار محل الطعن تالين في الأقدمية للمدعي، فتكون دعواه قائمة على أساس سليم من القانون.
وما دام المدعي سيجاب إلى طلبه الأصل فليس هناك محل لبحث طلبه الاحتياطي.
ومن حيث إنه يتعين القول ابتداء بأن الدفع بالتقادم الطويل لا يتعلق بالنظام العام وينبغي التمسك به أمام محكمة الموضوع في عبارة واضحة لا تحتمل الإبهام، ولا يغني عن ذلك طلب الحكم برفض الدعوى كما لا يغني عنه التمسك بنوع آخر من أنواع التقادم لأن لكل تقادم شروطه وأحكامه.
ومن حيث إن البين من الحكم المطعون فيه أن الجهة الإدارية المطعون ضدها لم تدفع الدعوى بسقوط الحق بالتقادم الطويل. فإن القضاء به وهو ليس من النظام العام، يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله.
ومن حيث إن الدفع بالتقادم هو دفع موضوعي والحكم بقبوله هو قضاء في أصل الدعوى تستنفذ به المحكمة ولايتها في النزاع وينبني على الطعن عليه أن ينتقل النزاع برمته إلى المحكمة الإدارية العليا لكي تنظر فيه على أساس ما يقدم لها من أدلة ودفوع وأوجه دفاع جديدة وما كان قد قدم من ذلك إلى محكمة الدرجة الأولى.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى أن المدعي يطالب بإلغاء القرار الصادر بتخطيه في التعيين إلى درجة صانع ممتاز اعتباراً من 24/ 3/ 1956.
ولم يقم الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري إلا في 28/ 9/ 1974 أي بعد فوات أكثر من ثمانية عشر عاماً، على الرغم من كونه يعمل طوال هذه المدة في الحكومة، وفوات هذا الوقت الطويل من تاريخ صدور القرار محل الطعن حتى تاريخ إقامة الدعوى، مما يرجح علمه بالقرار، ذلك أنه على علم تام بمركزه القانوني من وقت التعيين، وكان عليه أن ينشط دائماً إلى معرفة القرارات الصادرة في شأن زملائه المعاصرين له العاملين معه في المصالح التي يعمل بها، والقرارات تصدر شاملة للكثير منهم، وهو من بينهم، فكان من الميسور عليه دائماً وأمامه هذا الوقت الطويل أن يحدد مركزه بينهم وأن يطعن في ميعاد مناسب خاصة وأن تحديد الطعن على القرارات الإدارية بستين يوماً من تاريخ العلم بالقرار مرده في الفقه والقضاء الإداريين إلى ثبات المراكز القانونية وعدم زعزعتها، وفوات هذه المدة الطويلة بادعاء عدم العلم يؤدي إلى إهدار لمراكز قانونية استتبت على مدار السنين، ويقوم قرينه قانونية على افتراض العلم بالقرار الإداري محل الطعن وفوات مواعيد الطعن عليه مما يجعله حصيناً من الإلغاء.
ومن حيث إن قبول الدعوى من النظام العام، فعلى المحكمة إذا أن تقض به من تلقاء ذاتها حتى ولو لم تطلبه الجهة الإدارية.
ومن حيث إنه لذلك يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام المدعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى شكلاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.