أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 15 - صـ 42

جلسة 13 من يناير سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: توفيق أحمد الخشن، وأديب نصر، وأحمد موافي، ومحمد عبد الوهاب خليل.

(9)
الطعن رقم 1004 لسنة 33 القضائية

(أ، ب) قمار. محلات عامة. جريمة. قصد جنائي.
( أ ) نهت المادة 19 من القانون 371 لسنة 1956 عن لعب القمار في المحلات العامة. ورد نصها عاماً. انطباقه على الكافة. سواء أكانوا من القائمين على أمر هذه المحال أم ممن يرتادونها ويزاولون فيها لعب القمار. مسئولية مستغل المحل العام ومديره والمشرف على أعمال فيه: قيامها على قصد جنائي مفترض قانوناً. مسئولية لاعب القمار: تطلبها قيام المتهم بعمل إيجابي، هو فعل اللعب في ذاته.
(ب) لعبة "الكومي" من ألعاب القمار المؤثمة. قرار الداخلية رقم 3 لسنة 1955.
1 - نهت المادة 19 من القانون رقم 371 لسنة 1956 في شأن المحال العامة عن لعب القمار في المحلات العامة بقولها "لا يجوز في المحال العامة لعب القمار أو مزاولة أية لعبة من الألعاب ذات الخطر على مصالح الجمهور وهى التي يصدر بتعيينها قرار من وزير الداخلية - وفى حالة مخالفة حكم هذه المادة تضبط الأدوات والنقود وغيرها من الأشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة". وقد جاء هذا النص عاماً لم يختص المشرع به طائفة بالخطاب دون الأخرى، ومن ثم ينطبق على الكافة سواء أكانوا من القائمين على أمر هذه المحال أم ممن يرتادونها ويزاولون فيها لعب القمار. فالمعنى المتبادر فهمه من عبارة النص يدور مع علته التي انضبط عليها وهى دفع مفسدة القمار التي قصد الشارع القضاء عليها بجعلها عملاً مؤثماً في ذاته وتناول مقارفوها بالعقاب - وهذا النظر لا يتعارض مع القول بمساءلة مستغل المحل العام ومديره والمشرف على أعمال فيه تلك المسئولية التي أوجبها المشرع بنص المادة 38 من القانون رقم 371 لسنة 1956 وأقامها على قصد جنائي مفترض قانوناً، خلافاً لمسئولية لاعب القمار التي تتطلب لتوافرها قيام المتهم بعمل إيجابي هو فعل اللعب في ذاته [(1)].
2 - لعبة الكومي من ألعاب القمار المؤثمة طبقاً لقرار وزير الداخلية رقم 3 لسنة 1955 الصادر في 6 من فبراير سنة 1955 تنفيذاً للمادة 19 من القانون رقم 371 لسنة 1956.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما وآخرين بأنهم في يوم 25 فبراير سنة 1961 بدائرة بندر ملوى: الأول - بصفته صاحب مقهى والثاني بصفته عاملاً بها سمحا بلعب القمار بالمقهى. والثالث والرابع - لعبا قماراً في محل عام، وطلبت عقابهم بالمواد 1، 19، 31، 34، 36/ 2، 37، 38 من القانون رقم 371 لسنة 1956 المعدل بالقانون رقم 170 سنة 1957. ومحكمة ملوى الجزئية قضت حضورياً في 28 نوفمبر سنة 1961 عملاً بمواد الاتهام بالنسبة إلى المتهم الأول بحبسه خمسة يوماً مع النفاذ وبتغريمه 100 قرش وبغلق المحل لمدة خمسة عشر يوماً والمصادرة وبراءة باقي المتهمين، فاستأنف كل من المحكوم عليه والنيابة هذا الحكم ومحكمة المنيا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت بتاريخ 18/ 4/ 1962 حضورياً بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني وحضورياً اعتبارياً بالنسبة للثالث وغيابياً بالنسبة للرابع بقبول الاستئنافين شكلاً وفى الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتأييد الحكم الإبتدائى فيما انتهى إليه من تبرئة المطعون ضدهما - المتهمين الثالث والرابع - من تهمة لعبهما القمار في محل عام قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه أسس البراءة على أن المادة 38 من القانون رقم 371 لسنة 1956 في شأن المحال العامة - المطبق على واقعة الدعوى - قد حصرت المسئولية عن لعب القمار في تلك المحال في مستغليها ومديريها والمشرفين على أعمال فيها دون روادها، ورتب الحكم على هذا النظر عدم مساءلة هؤلاء الرواد فيما يزاولونه فيها من ألعاب القمار - وما خلص إليه الحكم غير سديد لمجافاته نص الفقرة الأولى من المادة 19 من ذلك القانون التي حظرت لعب القمار في المحال العامة في عبارة مطلقة خرج فيها الشارع عما كان يجرى عليه نص المادة 19 من القانون رقم 38 لسنة 1941 الملغي بالقانون رقم 371 لسنة 1956 - من قصر النهي على مجرد السماح للغير بلعب القمار، مما يكشف عن اتجاهه في القانون الأخير إلى إطلاق النهي وتوجيهه إلى رواد المحال العمومية وإلى القائمين على أمرها على حد سواء بدلالة ما أوجبته الفقرة الثانية من المادة 19 من ضبط الأدوات والنقود وغيرها من الأشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة والنص على مصادرتها عملاً بالمادة 34 وذلك بالإضافة إلى العقوبات التي أوردتها، إذ أن عقوبة المصادرة لأموال اللاعبين لا تزد إلا عن جريمة وقعت منهم، هذا إلى أن الحيدة عن نص المادة 19 من القانون الملغي رقم 38 لسنة 1941 والذي كان يؤثم فقط فعل ترك الغير يلعب القمار إلى النص الجديد، يكشف عن قصد الشارع من تحريم لعب القمار في المحال والسماح به فيها معاً، ولا يقدح في هذا النظر أن تكون المادة 38 قد نصت على مسئولية مستغل المحل ومديره والمشرف على أعمال فيه عن مخالفة أحكام القانون ذلك بأنها لا تهدف إلا إلى تقرير نوع من المسئولية الجماعية التي فرضها الشارع على هؤلاء جميعاً دون الاكتفاء بأحدهم أو ببعضهم إمعاناً منه في إحاطة المحال العامة بسياج من الرقابة الصارمة - مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الدعوى الجنائية أقيمت على المتهمين بوصف أن الأول "صاحب مقهى" والثاني "عاملاً بها" سمحا بلعب القمار بالمقهى وأن الثالث والرابع "المطعون ضدهما" لعبا قماراً في محل عام - وطلبت النيابة العامة عقابهم بالمواد 1، 19، 31، 34، 36/ 2، 37، 38 من القانون رقم 371 لسنة 1956 المعدل بالقانون رقم 170 لسنة 1957، ومحكمة أول درجة قضت حضورياً بحبس المتهم الأول خمسة عشر يوماً مع النفاذ وتغريمه مائة قرش وبغلق المحل لمدة خمسة عشر يوماً والمصادرة وببراءة باقي المتهمين فأستأنف. المتهم الأول كما استأنفت النيابة العامة ومحكمة ثاني درجة قضت حضورياً بالنسبة إلى الأول والثاني وحضورياً اعتبارياً بالنسبة إلى الثالث وغيابياً للرابع بقبول الاستئنافين شكلاً وفى الموضوع برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى في قوله "إنها تتحصل فيما أثبته الملازم أول حسن شريف رئيس مكتب حماية الآداب بمحضره المؤرخ 25/ 2/ 1961 من أنه قام وبرفقته محمد عبد الفتاح ضابط مباحث ملوى وقوة من المخبرين بالمرور ببندر ملوى وفاجأ مقهى سمعان مقار حبشي المتهم الأول لما نمى إلى علمه من أنه يدار للقمار فوجد شخصين هما المتهمان الثالث والرابع "المطعون ضدهما" يجلسان حول منضدة ويلعبان الكوتشينة وأخبره بأنهما يلعبان لعبة الكومي على ثمن المشروبات وأيدهما في ذلك المتهم الأول صاحب المقهى والمتهم الثاني العامل بها، وأنه اصطحب هؤلاء الأشخاص للتحقيق معهم - كما حفظ الكوتشينة والمنضدة والكرسيين اللذين كانا يجلسان عليهما". وبعد أن أورد الحكم أدلة الدعوى خلص إلى مساءلة المتهم الأول - صاحب المقهى - ثم عرض إلى مسئولية كل من المتهمين الثالث والرابع - المطعون ضدهما في قوله "وحيث إنه بالنسبة لباقي المتهمين فإن المادة 38 من القانون رقم 371 لسنة 1956 قصرت المسئولية عن مخالفة أحكامه على مستغل المحل ومديره المشرف على أعماله فيه... "أما المتهمان الثالث الرابع فهما من رواد المقهى ولا تربطهما به أية صلة عمل" وانتهى الحكم إلى تبرئتهما. وما ذهب إليه الحكم فيما تقدم غير سديد، ذلك بأنه لما كانت المادة 19 من القانون رقم 371 لسنة 1956 في شأن المحال العامة قد نهت عن لعب القمار في المحلات العامة بقبولها "لا يجوز في المحال العامة لعب القمار أو مزاولة أية لعبة من الألعاب ذات الخطر على مصالح الجمهور وهى التي يصدر بتعيينها قرار من وزير الداخلية - وفى حالة مخالفة حكم هذه المادة تضبط الأدوات والنقود وغيرها من الأشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة" وكان هذا النص عاماً لم يختص المشرع به طائفة بالخطاب دون الأخرى فإنه ينطبق على الكافة سواء أكانوا من القائمين على أمر هذه المحال أم ممن يرتادونها ويزاولون فيها لعب القمار، يشهد بذلك أن المشرع قد أجرى صياغة نص المادة 19 سالفة البيان حين نهى عن لعب القمار في المحال العامة في عبارة قاطعة الدلالة على حكم التحريم المطلق بأن قال "لا يجوز في المحال العامة لعب القمار" وذلك خلافاً لما كانت تنص عليه المادة 19 من القانون السابق رقم 38 لسنة 1941 الذي ألغي واستعيض عنه القانون رقم 371 لسنة 1956 من أنه "لا يجوز في المحال العامة أن يترك أحد يلعب بألعاب القمار" وقد جاءت صياغة ذلك النص في القانون الجديد وفق ما صاغ به المشرع نص المادتين العاشرة والحادية عشرة من القانون رقم 152 لسنة 1949 في شأن الأندية المعدل بالقانون رقم 152 لسنة 1955 التي يجرى نص أولاهما على أنه "لا يجوز لعب القمار في الأندية - ولوزير الداخلية أن يعين بقرارات يصدرها الألعاب التي تعتبر من ألعاب القمار والتي لا يجوز مزاولتها". ويجرى نص ثانيهما على أنه "لا يجوز لعب القمار في الأندية الملحقة بالجمعيات أو المؤسسات الاجتماعية أو التابعة للنقابات أو الخاصة بمعاهد التعليم أو بطلابها". وقد أفصح المشرع في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 18 لسنة 1955 عن مراده من النهى عن لعب القمار حين قال "إن الشريعة الإسلامية حرمت الميسر ووصفته بأنه رجس من عمل الشيطان - وجاء هذا التحريم في كثير من الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية لوضوح ضرره غير أن هذه الآفة الاجتماعية قد تفشت في البلاد منذ أمد وتفاقم خطرها وازداد شرها على مر السنين وانتشرت انتشاراً مروعاً هدد الأسرة والمجتمع فوجب على المشرع أن يتدخل للقضاء على هذه الآفة صيانة لأموال الناس ومحافظة على كيان الأسرة وقد رؤى في سبيل تحقيق هذا الهدف حظر مزاولة ألعاب القمار إطلاقاً في المحال العامة والأندية على اختلاف أنواعها وتغليظ العقاب على مخالفة هذا الحظر". فالمعنى المتبادر فهمه من عبارة النص يدور مع علته التي انضبط عليها وهى دفع مفسدة القمار التي قصد الشارع القضاء عليها يجعلها عملاً مؤثماً في ذاته وتناول مقارفوها بالعقاب إذا وقعت في الظروف والأوضاع سالفة البيان - لما كان ذلك، وكان هذا النظر لا يتعارض مع القول بمساءلة مستغل المحل العام ومديره والمشرف على أعمال فيه تلك المسئولية التي أوجبها المشرع بنص المادة 38 من القانون رقم 371 لسنة 1956 وأقامها على قصد جنائي مفترض قانوناً خلافاً لمسئولية لاعب القمار التي تتطلب لتوافرها قيام المتهم بعمل إيجابي هو فعل اللعب في ذاته - لما كان ذلك، وكانت لعبة الكومي التي كان المطعون ضدهما يزاولانها هي من ألعاب القمار المؤثمة طبقاً لقرار وزير الداخلية رقم 3 لسنة 1955 الصادر في فبراير سنة 1955 تنفيذاً لنص المادة 19. وكانت الواقعة كما صار إثباتها في الحكم المطعون فيه تتوافر بها جريمة لعب القمار في محل عام بالنسبة إلى المطعون ضدهما وهى الجريمة المعاقب عليها بمقتضى المواد 1/ 1، 19، 34 من القانون رقم 371 لسنة 1956 في شأن المحال العامة، ومن ثم يكون قضاء الحكم المطعون فيه بتبرئتهما مجافياً التطبيق الصحيح للقانون مما يتعين معه نقضه وتصحيحه بمعاقبة كل من ماهر صادق ميخائيل ووليم انجلى جيد - طبقاً للمواد المذكورة - بالحبس مع الشغل لمدة خمسة عشر يوماً وبغرامة قدرها عشرة جنيهات. وترى المحكمة نظراً لظروف الدعوى وقف تنفيذ عقوبة الحبس تطبيقاً لحكم المادتين 55، 56 من قانون العقوبات.


[(1)] هذا المبدأ مقرر أيضاً في الطعن رقم 1003 لسنة 33 ق بذات الجلسة (لم ينشر).