أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 15 - صـ 92

جلسة 27 من يناير سنة 1964

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(19)
الطعن رقم 2397 لسنة 33 القضائية

( أ ) خطأ. قتل خطأ. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
الخطأ في الجرائم غير العمدية هو الركن المميز لهذه الجرائم.
الحكم بالإدانة في جريمة القتل الخطأ: وجوب تبيانه فضلاً عن مؤدى الأدلة التي اعتمد عليها عنصر الخطأ المرتكب والدليل عليه مردود إلى أصل صحيح ثابت في الأوراق.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "خبرة". رابطة سببية.
المسائل الفنية البحتة. على المحكمة الاستعانة في إبداء الرأي فيها بخبير فني. مثال.
1 - الخطأ في الجرائم غير العمدية هو الركن المميز لهذه الجرائم، ومن ثم فإنه يجب لسلامة الحكم بالإدانة في جريمة القتل الخطأ أن يبين - فضلاً عن مؤدى الأدلة التي اعتمد عليها في ثبوت الواقعة - عنصر الخطأ المرتكب وأن يورد الدليل عليه مردوداً إلى أصل صحيح ثابت في الأوراق.
2 - متى كان الحكم قد أطرح من انقطاع رابطة السببية بين السيارة وبين الإصابات لأن السيارة لم تصطدم بالمجني عليه، بمقولة إن إصاباته الفادحة تدل على اصطدام السيارة به، وأنه لا يتصور حصولها من سقوطه من فوق دابته إلى الأرض، دون أن يبين سنده في هذا القول من واقع التقرير الفني وهو التقرير الطبي مع أن السبب في هذا الأمر يتوقف على استطلاع رأي الخبير المختص باعتباره من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها دون الاستعانة بخبير فني. فإن الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 28 أبريل سنة 1963 بدائرة مركز كوم حماده: أولاً - تسبب بغير قصد ولا تعمد في موت عبد الغفار علي بشير وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر فصدم المجني عليه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته: وثانياً - قاد سيارة بدون رخصة قيادة، وطلبت عقابه بالمواد 238 من قانون العقوبات، 20 من القانون رقم 120 لسنة 1962، 82 من القانون رقم 449 لسنة 1955. ومحكمة كوم حمادة الجزئية قضت حضورياً في 29 سبتمبر سنة 1963 - عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وكفالة 5 ج لوقف التنفيذ بالنسبة للتهمة الأولى وتغريمه 2 ج عن التهمة الثانية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة دمنهور الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 6 نوفمبر سنة 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه جاء مشوباً بالخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال، ذلك أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه اعتبر الطاعن مسئولاً عن جريمة القتل الخطأ - اقتناعاً منه بأنه صدم المجني عليه بالسيارة قيادته - في حين أن هذه الواقعة لا سند لها من الأوراق إذ لم ترد على لسان الشاهد أو في أقوال الطاعن. ثم إن الحكم استدل على مصادمة الطاعن للمجني عليه بالسيارة قيادته بقوله إنه لا يمكن تصور حصول إصابات المجني عليه الفادحة من سقوطه على الأرض نتيجة فزع الجمل وهو استدلال معيب في فهم مدلول التقرير الطبي إذ لم يرد به ما يفيد تعدد إصابات المجني عليه بل الثابت منه أنه أصيب بإصابتين فقط، وتؤكد ماديات الدعوى أن إصابات المجني عليه قد حدثت من سقوطه على الطريق الأسفلت من فوق الدابة بسبب فزع الجمل، ذلك أن الوضع الطبيعي للمجني عليه حال مسيره راكباً دابته أن يمسك بمقود الجمل بيده اليسرى وأن يقود الدابة بيده اليمنى ومؤدى ذلك أنه إذا جذب الجمل المجني عليه فإنه يقع حتماً على جانبه الأيسر ومن ثم تكون إصاباته بالجانب الأيسر من جسمه وهو ما يتفق وما ورد بالتقرير الطبي عن مواضع إصابات المجني عليه إذ ثبت أن الإصابة الأولى بالجدارية اليسرى وعظام الجبهة والإصابة الثانية بالعضد الأيسر ويؤيد ذلك أيضاً ما جاء بالتحقيقات من عدم اصطدام المجني عليه بالسيارة إذ لم يشاهد بها أي أثر ينبئ عن اصطدامها كما لو يحدث بالدابة التي كان يركبها المجني عليه أو بالجمل الذي يقوده أي إصابات.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعن أبلغ بأنه بينما كان يقود سيارة نقل على الطريق الزراعي ماراً بكوبري فرهاش إذ شاهد المجني عليه يسير في وسط الطريق ممتطياً دابته ويقود جملاً فأطلق آلة التنبيه لتحذيره واستمر في سيره إلى أن سمع طرقاً على كابينة السيارة فوقف على الفور ملتزماً الجانب الأيمن من الطريق وقد شاهد المجني عليه إثر ذلك ملقى على الأرض مصاباً كما قرر أنه لم يشاهد واقعة اصطدامه بالسيارة وليس لديه تعليل لإصابته. وقرر حمال السيارة جلال شحاته أنه كان يركب فوق السيارة وشاهد المجني عليه يركب دابته ويقود جمله في وسط الطريق وبعد أن مرت السيارة فزع الجمل فوقع المجني عليه على الأرض فطرق بيده على كابينة السيارة ليوقف السائق سيرها ثم أنهى إليه بما حدث وتوجها سوياً إلى مكان المجني عليه فوجداه مصاباً وأضاف أن السائق كان يقود السيارة بسرعة بسيطة وأنه استعمل آلة التنبيه وبأن محمد علواني شاهد الحادث إلا أن الأخير نفى رؤيته للحادث حال وقوعه وقرر أنه شاهد السيارة عند وقوفها ثم نزل منها شخصان كما شاهد المجني عليه وقتذاك ملقى على الأرض مصاباً وجملاً يجري، وبسؤال والدة المجني عليه وزوجته نفت كل منهما علمها بشيء عن الحادث ثم خلص الحكم إلى إدانة الطاعن بجريمة القتل الخطأ في قوله "وحيث إن التهمة ثابتة قبل المتهم - الطاعن - مما قرره بمحضر جمع الاستدلالات من أنه شاهد المجني عليه عن بعد وهو يركب دابته ويقود جمله ويسير وسط الطريق الأمر الذي تستدل منه المحكمة على أنه كان في مكنته مفاداة الحادث بأن يهدئ من سرعة السيارة قيادته ويوقفها بدلاً من أن يستمر في سيره بالسرعة التي كان يسير بها وقد تأيدت هذه الواقعة أيضاً بما قرره حمال السيارة هلال شحاته من مشاهدته المجني عليه قبل وقوع الحادث راكباً دابته ويقود جمله ويسير في وسط الطريق. هذا ولا تطمئن المحكمة إلى ما ذكره هذا الشاهد من أنه بعد مرور السيارة فزع الجمل الذي كان يقوده المجني عليه فألقى به على الأرض إذ أن ما تبينته المحكمة من اطلاعها على الكشف الطبي أنه وجد بالمجني عليه كسر مضاعف بعظام الجمجمة بالجدارية اليسرى وعظام أنسجة المخ مع تمزق شديد وكدم بالجفن العلوي الأيمن وتهتك بالعضلات للعضد الأيسر مع صدمة عصبية شديدة الأمر الذي تستشف منه المحكمة أن هذه الإصابات التي لحقت بالمجني عليه والتي أودت بحياته من جراء اصطدم السيارة قيادة المتهم به إذ لا يمكن تصور حصول هذه الإصابات الفادحة نتيجة لفزع الجمل ووقوع المجني عليه على الأرض خاصة وأن الدابة التي كان يمتطيها المجني عليه لا يزيد ارتفاعها عن 100 سم وترتيباً على ذلك، ولما كانت المحكمة قد انتهت إلى أن خطأ المتهم بسيره بالسيارة قيادته غير محتاط ولا متحرز بما يستلزمه حسن قيادتها فتسبب بذلك في وقوع الحادث وإصابة المجني عليه بالإصابات التي أودت بحياته، فلا ينفي مسئوليته هذه أن يكون المجني عليه قد ساعد على ذلك أيضاً بسيره بالدابة التي كان يمتطيها في وسط الطريق" لما كان ذلك، وكان الخطأ في الجرائم غير العمدية هو الركن المميز لهذه الجرائم، فإنه يجب لسلامة الحكم بالإدانة في جريمة القتل الخطأ أن يبين - فضلاً عن مؤدى الأدلة التي اعتمد عليها في ثبوت الواقعة - عنصر الخطأ المرتكب وأن يورد الدليل عليه مردوداً إلى أصل صحيح ثابت في الأوراق - ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه حين حصل أقوال الطاعن وشهادة حمال السيارة لم يذكر من مؤداها إلا أن السيارة كانت تسير بسرعة عادية وأن الطاعن أطلق آلة التنبيه محذراً المجني عليه ثم اجتازه دون أن يصطدم به، غير أنه عندما عرض للتدليل على ثبوت تهمة القتل الخطأ اعتمد على أقوالهما هذه باعتبارها مؤدية إلى ثبوت عنصر الخطأ في حق الطاعن بقيادته السيارة بغير احتياط ولا تحرز ودون أن يهدئ من سرعتها فصدم المجني عليه مع أن أقوالهما كما حصلها الحكم لا تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مما يعيبه بالفساد في الاستدلال. ومن ناحية أخرى فقط أطرح الحكم دفاع الطاعن من انقطاع رابطة السببية بين السيارة وبين الإصابات لأن السيارة لم تصطدم بالمجني عليه بمقولة إن إصابات المجني عليه الفادحة تدل على اصطدام السيارة به وأنه لا يتصور حصولها من سقوط المجني عليه من فوق دابته إلى الأرض إثر جذب الجمل له، دون أن يبين سنده في هذا القول من واقع التقرير الفني وهو التقرير الطبي مع أن البت في هذا الأمر يتوقف على استطلاع رأى الخبير المختص باعتباره من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها دون الاستعانة بخبير فني مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه - لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم والإحالة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.