مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 913

(148)
جلسة 31 من مارس سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعادل بطرس فرج وفاروق عبد الرحيم غنيم ويحيى السيد الغطريفي - المستشارين.

الطعن رقم 2178 لسنة 27 القضائية

( أ ) كنائس طائفة الإنجيليين الوطنيين - الفصل (الفرز) من عضوية الكنائس الأمر العالي الصادر سنة 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين قد خلا من حكم ينظم كيفية الفصل (الفرز) من عضوية الكنائس وإجراءاتها - وجوب الرجوع في هذا الصدد إلى الأحكام الخاصة بكنيسة نهضة القداسة التي يتبعها المشكو في حقه - تضمن نظام كنيسة نهضة القداسة تحت عنوان القوانين القضائية بأن تعين الكنيسة لجنة قضائية تكون مجلساً مستمراً لسماع كل الشكاوى وفحص جميع التهم الموجهة ضد أي عضو في الكنيسة - يجب أن تعرض كل الدعاوى على الكنيسة أولاً ثم تحيلها إلى اللجنة القضائية - راعي الكنيسة هو رئيس اللجنة القضائية - إذا كان الراعي هو المدعي أو إذا كانت الكنيسة بلا راعٍ يعين شخص آخر يرأس اللجنة - إذا لم تعين الكنيسة رئيس اللجنة فعلى اللجنة أن تختار رئيسها - إذا ثبت للجنة ذنب المتهم ترفع الأمر للكنيسة فتثبت الحكم النهائي [(1)].
(ب) كنائس - المجمع العام للكنائس - اختصاصاته - لا اختصاص للمجمع العام لكنائس نهضة القداسة بمحاكمة أعضاء الكنائس فيما يرتكبون من أخطاء أساس ذلك: أن هذا الاختصاص منوط بلجنة محلية في كل كنيسة فيما يتعلق بالمحاكمة ومنوط بالكنيسة فيما يتعلق بتثبيت الحكم النهائي - تطبيق.
(جـ) كنائس - كنائس الإنجيليين - تقديم شكوى ضد الكنيسة لمخالفتها المبادئ الأساسية أو القوانين العمومية - وجوب إخطار الكنيسة الإنجيلية لإصلاح شأنها وإذا استمرت في المخالفة يرفع الأمر للمجمع السنوي الذي يملك معاقبتها بقطع علاقته بها ويمنع القسيس أو الشماس من الخدمة بها - تطبيق.
(د) كنائس الطائفة الإنجيلية - قرار الفرز من عضوية الكنيسة هو أقسى الأحكام الكنيسية مقتضاه حرمان الفرد من أية رابطة تربطه بالكنيسة والحيلولة دونه وبين ما يؤمن به من فريضتين لا غنى عنهما في عقيدته وهما المعمودية والعشاء الرباني - فقرار الفرز من شأنه التأثير في الحرية الشخصية والعقيدة الدينية وحرية ممارستها مما يجوز طلب إلغائه - لا ينال من صحة الحكم بإلغاء القرار إمكان العدول عنه أثر توبة الخاطئ أو انتمائه إلى كنيسة إنجيلية أخرى - أساس ذلك: الفرق بين العدول عن قرار سليم أثر توبة وإلغاء القرار لعيب في الشكل والاختصاص - انتماء المدعي لكنيسة أخرى يؤكد تأثير القرار على العقيدة مما يعتبر مساساً بحريته الشخصية في اختيار العقيدة الدينية التي ينتمي إليها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 8/ 7/ 1981 أودع الوكيل عن جناب القس/ ناثان جندي خليل بصفته رئيساً للمجمع العام لكنائس نهضة القداسة للأقباط الإنجيليين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2178 لسنة 27 القضائية ضد السادة/ نصري صموئيل ونا ومنير جبرائيل إسرائيل والقس صموئيل حبيب سوريال - عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الهيئات والأفراد) بجلسة 12/ 5/ 1981 في الدعويين رقم 2886، 2887 لسنة 26 ق المقامة أولاهما من السيد/ نصري صموئيل. والثانية من السيد/ منير جبرائيل إسرائيل، الذي قضى بقبول الدعويين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت المدعى عليه الثاني بالمصاريف.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم أصلياً ببطلان الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهما الأول والثاني بالمصروفات.
واحتياطياً: -
1 - بإثبات تنازل المطعون ضده الأول عن الدعوى رقم 2886 لسنة 26 ق مع إلزامه بالمصروفات.
2 - برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدهما بالمصروفات مع حفظ كافة الحقوق الأخرى.
وبعد إعلان الطعن قانوناً، قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصروفات.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 21/ 2/ 1983. ثم قررت الدائرة بجلسة 2/ 5/ 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) وحددت أمامها جلسة 11/ 6/ 1983، وتدوول الطعن بجلسات المحكمة على النحو الثابت بالمحاضر، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات قررت بجلسة 14/ 1/ 1984 إصدار الحكم بجلسة 25/ 2/ 1984، ثم مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 19/ 2/ 1972 أقام المطعون ضده الأول السيد (نصري صموئيل ونا) الدعوى رقم 2886 لسنة 26 ق أمام محكمة القضاء الإداري مختصماً فيها كل من: رئيس المجلس الملي العام لطائفة الأقباط الإنجيليين، ورئيس المجمع العام لكنائس نهضة القداسة للأقباط الإنجيليين - طالباً فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من رئيس المجمع العام لكنائس نهضة القداسة بجمهورية مصر العربية بتاريخ 24/ 6/ 1972 فيما تضمن من فرزه من كنائس نهضة القداسة، وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بمصروفات الطلبين ومقابل أتعاب المحاماة - وفي ذات التاريخ أقام المطعون ضده الثاني (السيد/ منير جبرائيل إسرائيل) الدعوى رقم 2887 لسنة 26 ق مختصماً ذات المدعى عليهما المشار إليهما، وبذات الطلبات.
وقال المدعيان شرحاً لدعواهما أنهما ضمن الأعضاء العلمانيين بكنيسة نهضة القداسة التي يدير شئونها على مستوى الجمهورية مجمع عام برئاسة المدعى عليه الثاني (رئيس المجمع العام) ويقضي قانون تلك الطائفة بأن ينعقد لتنظيمها وبحث مشروعاتها مؤتمر دوري تمثل فيه كنائسها جميعاً بما في ذلك الأعضاء العلمانيون منهم. وقد أصدر المطعون ضده الثاني بصفته أمراً لجميع الكنائس باستبعاد العلمانيين من عضوية المؤتمر وقصر حضوره على ممثلي الكنيسة من القساوسة دون غيرهم فبادر كل من المدعيين بالاحتجاج على هذا القرار شفاهة وكتابة الأمر الذي لم يلق قبولاً لدى المدعى عليه الثاني ودفعه إلى تشكيل لجنة تسمى "لجنة القضاء" أصدرت محرراً وصف بأنه حكم قضائي انطوى على فرز كل من المدعيين من عضوية كنائس الطائفة، ونشر ذلك بمجلة الكنيسة وقراءته على منبرها. ونعى كل من المدعيين على القرار المطعون فيه صدوره من سلطة غير مختصة بإصداره، ومخالفته للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في لائحة الكنيسة من عدة وجوه منها عدم إجراء تحقيق معهما وعدم إتاحة الفرصة أمامهما للدفاع عن نفسيهما.
وقد دفع المدعى عليهما الدعوى بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - بنظر الدعوى، واحتياطياً برفض الدعوى، وقدما كتاباً مؤرخاً في 8/ 11/ 1972 صادراً من المجلس الملي العام لطائفة الإنجيليين جاء به "يقرر توكيل طائفة الإنجيليين الوطنيين بجمهورية مصر العربية والمجلس الإنجيلي العام بأن كنائس نهضة القداسة تابعة للطائفة، وأن هذه الطائفة يشرف عليها مجمع كنائس نهضة القداسة، وهذا المجمع هو الهيئة الوحيدة التي تتبع الطائفة ويشرف على هذه الكنائس وهو وحده صاحب الحق في إصدار الأحكام الخاصة بهذه الكنائس وأحكامه التي صدرت في قضيتي السيدين/ منير جبرائيل ونصري صموئيل صادرة في حدود اختصاصه وتحرر هذا إقراراً بذلك.
وبجلسة 5/ 2/ 1974 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى (بعد أن قررت ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد) - وألزمت المدعيين المصروفات. طعن المدعيان في ذلك الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 1190 لسنة 20 ق وبجلسة 20/ 12/ 1980 قضت المحكمة العليا بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباختصاص محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الهيئات والأفراد) بنظر الدعوى وبإحالتها إليها للفصل فيها.
وبجلسة 12/ 5/ 1981 قضت محكمة القضاء الإداري في الدعويين المشار إليهما بإلغاء القرار المطعون فيه وأقامت قضاءها على أنه لا اختصاص للجمع العام لكنائس نهضة القداسة بمحاكمة أعضاء الكنائس فيما يرتكبونه من أخطاء، بل إن هذا الاختصاص منوط بلجنة محلية في كل كنيسة فيما يتعلق بالمحاكمة، ومنوط بالكنيسة فيما يتعلق بتثبيت الحكم النهائي وذلك طبقاً للإجراءات المنصوص عليها بنظام كنيسة نهضة القداسة وما دامت محاكمة كل من المدعيين لم تجر أمام اللجنة القضائية لكنيسته، وإنما أمام لجنة قضائية شكلها المجمع العام، كما أن القرار الصادر بفرزه صدر من المجمع وليس من الكنيسة التي يبتعها، فإنه يكون مشوباً بعيب عدم الاختصاص، بالإضافة إلى عيب في الشكل يتمثل في عدم عرض الموضوع على الكنيسة أولاً لتحيله إلى اللجنة القضائية، وعدم توزيع الشكوى الموجهة على المدعيين كتابة للاستعداد للمحاكمة.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أسباب أربعة: -
أولها: أن الحكم المطعون فيه باطل ومعدوم لأن سكرتارية المحكمة لم تخطر الطاعن ولا المطعون ضده الثالث بجلسة 3/ 3/ 1981 ولا بجلسة 7/ 4/ 1981 بعد إعادة الدعوى من المحكمة الإدارية العليا إلى محكمة القضاء الإداري.
وثانيها: أن المطعون ضده الأول وهو المدعي في الدعوى رقم 2886 لسنة 26 ق قدم تنازلاً عن الدعوى مؤرخاً في 19/ 2/ 1980 وقد قام الطاعن بإيداعه بحافظة أمام المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1190 لسنة 20 ق بجلسة 17/ 3/ 1980 ولكن محكمة القضاء الإداري التفتت عن هذا التنازل ولم تقض بإثباته.
وثالثها: أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وتأويله حين قرر أن إجراءات محاكمة المطعون ضدهما باطلة وأنه لا يحق لمجمع الكنائس محاكمتهما. ذلك أن كنيسة نهضة القداسة بالحافظية لم يكن لها قس لأنه فصل من عمله، فلم يكن للكنيسة وجود فعلي. وفي هذه الحالة يختص المجمع بكافة مسئولياته عن هذه الكنيسة، كما أن الاتهام المسند إلى المطعون ضدهما هو توزيع منشور عام على جميع الكنائس على مستوى الجمهورية وعلى المجمع يتضمن قذفاً وسباً في المجمع والكنيسة فقام المجمع بفصلهما من عضوية الكنيسة، ولكن لهما حق حضور الصلاة وأداء كافة الشعائر الدينية.
ورابعها: أن الحكم المطعون فيه خالف القانون لأنه ساير المطعون ضده الثاني في أنه حرم من كل الامتيازات كعضو في الكنيسة في حين أنه عضو في كنيسة المعمدان وهي كنيسة إنجيلية تختلف عن كنيسة نهضة القداسة، كما أخطأ في أنه لم يرجع إلى المنشور العام الذي وزعه المطعون ضدهما المليء بالسب والقذف والافتراء الأمر الذي استوجب فصلهما من عضوية الكنيسة.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن، فإن الثابت من الأوراق أن سكرتارية محكمة القضاء الإداري قد أخطرت الطاعن بالميعاد المحدد لنظر الدعوى بعد إعادتها من المحكمة الإدارية العليا. وذلك بالكتاب المسجل برقم 1192 المؤرخ في 31 يناير سنة 1981 المتضمن إخطاره بميعاد انعقاد المحكمة لنظر الدعوى بجلسة 3/ 3/ 1981، كما أخطرت المطعون ضده الثالث بالكتاب المسجل برقم 1191 في ذات التاريخ المشار إليه، ولا عبرة بما يزعمه الطاعن في المذكرة المقدمة منه أمام هذه المحكمة بجلسة 5 من أبريل سنة 1983 من أن الإخطار لم يصله، كما لم يصل المطعون ضده الثالث فهذا الزعم ينفيه أن أياً من الإخطارين لم يرتد ومن ثم يفترض وصولهما إليهما ولا عبرة أيضاً بما ورد في تلك المذكرة من أنه لم يرد في الأوراق ما يفيد إعادة إخطارهما ذلك أن القانون لا يوجب إعادة الإخطار ما دام الإخطار الأول قد تم صحيحاً ومطابقاً للقانون، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان لهذا الوجه من أوجه الطعن يكون غير سديد.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من أوجه الطعن، وهو الخاص بإغفال الحكم المطعون فيه إثبات تنازل المطعون ضده الأول عن الدعوى بإقرار مؤرخ في 19 من فبراير سنة 1980 أودعه الطاعن بحافظة أمام المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1190 لسنة 20 ق بجلسة 17 من مارس سنة 1980، فالثابت بالحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1980 في الطعن رقم 1190 لسنة 20 ق المشار إليه أن المحكمة أطرحت هذا التنازل، وأثبتت في الحكم أن الحاضر عن الطاعن الأول - (المطعون ضده الأول في الطعن الماثل) أنكر تنازله عن الطعن مبدياً أن صحيفة التنازل محررة بمعرفة المطعون ضده (الطاعن في الطعن الماثل) وأبدى أنه أمي لا يعرف القراءة والكتابة واستمسك من جانبه بهذا الطعن بما يقتضي معه إطراح هذا التنازل وعدم الاعتداد به، وإذ سار الحكم المطعون فيه على ذات النهج الذي قضت به هذه المحكمة في الطعن رقم 1190 لسنة 20 ق المشار إليه، فالتفت عن التنازل المزعوم، فإنه يكون قد صادف - في هذا الخصوص - صحيح حكم القانون، ولا يؤثر في صحته ما أبداه الطاعن في المذكرة المقدمة منه أمام هذه المحكمة بجلسة 4 من أبريل سنة 1983 من أن المطعون ضده الأول قد حضر أمام هذه المحكمة بجلسة 21 من فبراير سنة 1983 أثناء نظر الطعن الماثل، وأقر بتنازله عن الطعن رقم 1190 لسنة 20 عليا وقدم حافظة تشتمل على إقرار بهذا التنازل مصدق عليه بمكتب توثيق إمبابة بتاريخ 5 من فبراير سنة 1983 - ذلك أن هذه الواقعة لاحقة على صدور الحكم المطعون فيه، ومن ثم فلا تعيب الحكم ولا تبطله.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث من أوجه الطعن، فإن الثابت أن الحكم المطعون فيه قد قام على أسباب محصلها أن الأمر العالي الصادر سنة 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين قد خلا من حكم ينظم كيفية الفصل "الفرز" من عضوية الكنائس وإجراءاته ومن ثم يتعين الرجوع في هذا الصدد إلى الأحكام الواردة في نظام كنيسة النهضة المقدسة التابع لها كل من المدعيين وإذ نص هذا النظام في الفصل الخامس منه تحت عنوان "القوانين القضائية" على أنه "على الكنيسة أن تعين لجنة قضائية مؤلفة من ستة أشخاص يبقون سنة في هذه الوظيفة ما لم تغيرها الكنيسة. وتكون هذه اللجنة مجلساً مستمراً لسماع كل الشكاوى وفحص جميع التهم الموجهة ضد أي عضو في الكنيسة، على أنه يجب أن تعرض كل الدعاوى على الكنيسة أولاً وهي تحيلها على اللجنة القضائية. وراعي الكنيسة يكون رئيساً للجنة القضائية ولكن إن كان الراعي هو المدعي أو إذا كانت الكنيسة بلا راع يلزمها أن تعين شخصاً آخر يترأس اللجنة وإن أهملت الكنيسة ذلك فعلى اللجنة أن تختار رئيسها..... وفي كل أدوار المحاكمة يجب على رئيس اللجنة أن يوزع الشكوى الموجهة إلى المتهم كتابة ويعطي له فرصة للاستعداد للمحاكمة لا تنقص عن الستة أيام....... وإذا ثبت للجنة ذنب المتهم ترفع الأمر للكنيسة فيثبت الحكم النهائي" - كما تضمن هذا النظام في الفصل الثامن منه بيان الأحكام الخاصة بالمجامع فنص على كيفية تشكيل المجمع العام وأوضح اختصاصاته يتعين الالتزام بها وعدم الخروج عليها، ثم أنزلت المحكمة هذه الأحكام الحدود والشرائط الآتية: -
1 - ..............
2 - لا يجوز له أن يبطل أو يغير قوانين نهضة القداسة العمومية.
3 - .............
4 - لا يجوز له أن يبطل أي قانون أو نظام يختص بتعاليم كنيستنا أو بحقوق وامتيازات أعضائها مثل قبول الأشخاص تحت الامتحان أو قبولهم نهائياً والشروط التي بموجبها يستمرون في العضوية وكيفية قبولهم تحت الامتحان أو وجودهم مذنبين وتوبيخهم وإيقاف الأشخاص الذين لا يسلكون بالترتيب وحرمانهم من امتيازات الكنيسة والجمعية "واستخلص الحكم المطعون فيه من هذه النصوص أنه لا اختصاص للمجمع العام لكنائس نهضة القداسة بمحاكمة أعضاء الكنائس فيما يرتكبون من أخطاء، وأن هذا الاختصاص منوط بلجنة محلية في كل كنيسة فيما يتعلق بالمحاكمة ومنوط بالكنيسة فيما يتعلق بتثبيت الحكم النهائي وذلك طبقاً للإجراءات المنصوص عليها والتي تعد ضمانات للمحاكمة والتحقيق يتعين الالتزام بها وعدم الخروج عليها، ثم أنزلت المحكمة هذه الأحكام على واقعات الدعويين المطروحتين عليها، وخلصت من ذلك أن القرار المطعون فيه منسوب بعيب عدم الاختصاص، لأن محاكمة كل من المدعيين لم تجر أمام اللجنة القضائية بالكنيسة التي يتبعها، وإنما جرت أمام لجنة قضائية شكلها المجمع العام، كما أن القرار الصادر بفرزه لم تصدره الكنيسة التي يتبعها وإنما أصدره المجمع العام، ثم أضافت المحكمة إلى عيب عدم الاختصاص الذي شابه القرار عيباً آخر في الشكل والإجراءات يتمثل في أن موضوع المدعيين لم يعرض على الكنيسة أولاً لتحيله إلى اللجنة القضائية - حسبما يقضي به نظام الكنيسة - كما لم توزع الشكوى الموجهة إلى كل منهما كتابة ولم تعط لهما فرصة للاستعداد للمحاكمة لا تقل عن ستة أيام، وإنما أرسلت بتاريخ 21/ 6/ 1972 برقية لاستدعاء المدعى عليه الأول ثم اجتمعت لجنة المحاكمة في 22/ 6/ 1972 أي في اليوم التالي مباشرة لإرسال البرقية، كما أوردت اللجنة في حكمها أنها اطلعت على محضر التحقيق في حين أن هذا المحضر لا وجود له لأنه لم يجر تحقيق أصلاً مع أي من المدعيين - وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن القرار المطعون فيه قد صدر ممن لم يملك إصداره، فضلاً عما شابه من عيب في الشكل والإجراءات، ومن ثم قضت بإلغائه.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد طبق الأحكام الواردة في نظام الكنيسة تطبيقاً سليماً على وقائع ثابتة بالأوراق، أما ما ينعاه الطاعن على ذلك الحكم - في الوجه الثالث من أوجه طعنه - من أن كنيسة نهضة القداسة بالحافظية (التي يتبعها المدعيان) لم يكن لها قس لأنه فصل من عمله، وكانت الكنيسة منقسمة على بعضها فلم يكن لها في الواقع وجود ككنيسة، ولم يكن لها المجلس المكون من ستة أعضاء، وفي هذه الحالة يختص المجمع بكافة مسئولياته، كما أن الاتهام المنسوب إلى المدعيين هو توزيع منشور عام ينطوي على سب للمجمع والكنيسة فكان يتعين تأديبهما - هذا النعي لا يعدو وأن يكون ترديداً لما سبق أن أثاره الطاعن من دفاع أمام محكمة القضاء الإداري، وتناولته تلك المحكمة في حكمها المطعون فيه، وردت عليه بحق - بأن الفصل الخامس من نظام كنيسة النهضة المقدسة عالج الوضع في حالة عدم وجود راع للكنيسة وذلك بأن نص على أن "يكون راعي الكنيسة رئيساً للجنة القضائية ولكن إذا كان الراعي هو المدعي، أو كانت الكنيسة بلا راعٍ يلزمها أن تعين شخصاً آخر يترأس اللجنة وإن أهملت الكنيسة ذلك فعلى اللجنة أن تختار رئيسها".
ومن حيث إن الواضح من النص المشار إليه أن عدم وجود راعٍ للكنيسة أو وجود انقسامات بها، لا يبرر نقل الاختصاص بمحاكمة أعضاء الكنيسة وفرزهم من الكنيسة إلى المجمع، كما لا يبرر فصل المدعيين من عضوية الكنيسة بغير محاكمة تسمع فيها أقوالهما ويبديان فيها ما يراه كل منهما من أوجه الدفاع، ولا مقنع فيما أبداه الطاعن في المذكرتين المقدمتين منه أمام هذه المحكمة بجلسة 4 من أبريل سنة 1983 وجلسة 5 من نوفمبر سنة 1983 من أن قانون الطائفة قد ميز (في المادة 62 منه) بين "التعديات الشخصية"، "والخطايا الجمهورية" وأنه نص على أنه في الخطايا الجمهورية يلزم محاكمة الأشخاص المذنبين بدون تأجيل، وتكون العقوبة الطرد من الكنيسة بلا محاكمة، ولا تتطلب هذه الخطايا الجمهورية تقديم شكوى ولا توزيعها ولا إعطاء فرصة، وأن العرف قد جرى على أن المجمع العام هو الذي يتولى هذه المحاكمات، ومن ثم ولما كان الذنب المنسوب إلى المدعيين من الخطايا الجمهورية، فإن فصلهما من عضوية الكنيسة بقرار من المجمع يكون صحيحاً مطابقاً للقانون - لا مقنع في ذلك لأنه بالرجوع إلى قانون الطائفة الذي أشار إليه الطاعن، يبين أنه تناول المحاكم في الفصل الخامس منه تحت عنوان "القوانين القضائية" وقسم هذا الفصل إلى أربعة أقسام خصص القسم الأول منها لمحاكمة أعضاء الجمعية، والقسم الثاني لمحاكمة القسيس. والقسم الثالث لمحاكمة الشماس والقسم الرابع لمحاكمة الأسقف، وفي القسم الأول الخاص بمحاكمة الأعضاء استهله بإجراءات المحاكمة والجهة المختصة بإجرائها على النحو الذي سبق بيانه تفصيلاً، ثم أردف في البند (2) بما يلي "في التعديات الشخصية أو الأخلاق والأقوال الردية أو إهمال الواجبات يجب اتباع أوامر سيدنا الواردة في مت 18: 15 - 17. أما في الخطايا الجمهورية مثل الاعتقاد بالتعاليم الهرطوقية وإذاعتها أو عصيان نظام النهضة وقانونها أو في خطايا المنكرات الجهارية يلزم محاكمة الأشخاص المذنبين بدون تأجيل، ثم عاد فأكد في البند (3) أنه "في كل أدوار المحاكمة يجب على رئيس اللجنة أن يوزع الشكوى الموجهة إلى المتهم كتابة ويعطي له فرصة للاستعداد للمحاكمة لا تنقص عن الستة أيام ثم نص البند (4) على أنه "إذا ثبت للجنة ذنب المتهم ترفع الأمر للكنيسة فيثبت الحكم النهائي".
ومن هذا يبين أن التمييز بين "التعديات الشخصية" "والخطايا الجمهورية" مقصور على إجراء المحاكمة بدون تأجيل، أي نظرها على وجه السرعة دون مساس بالجهة المختصة بالمحاكمة أو بالضمانات التي رسمها قانون الطائفة لهذه المحاكمة من إعطاء الفرصة لإبداء الدفاع، ومن تصديق الكنيسة على الحكم ليصبح نهائياً، ومن ثم فلا أساس لما يذهب إليه الطاعن من أن العقوبة توقع في هذه الحالة بغير محاكمة، أما ما استند إليه من أنه ورد في صفحة 67، 68 من قانون الطائفة ما يميز اختصاص المجمع العام في مثل هذه الأحوال، فينفيه أن هذه الأحكام وردت في القسم الثالث الخاص بمحاكمة الشماس أو المرشح للخدمة الدينية - وليس هذا هو حال المدعيين وقد ورد به في البند (7) أن "كل شكوى ضد أي كنيسة مذنبة ترفع إلى أقرب قسيس مفوض (وليس لراعي الكنيسة المتهمة) وهو يدعو لجنة كما في شكوى القسس. وهذه اللجنة تجتمع في المكان الذي اعتادت الكنيسة المشكوة على الاجتماع للعبادة فيه أو في أية نقطة تجاورها فتؤلف هيئة قضائية لمحاكمة الكنيسة المذكورة وتستدعي نوابها للحضور أمامها. فإن حكمت اللجنة بأن الكنيسة مذنبة بمخالفتها شيئاً من المبادئ الأساسية أو القوانين العمومية أو أي قانون أو قسم يسنه المجمع العام أو السنوي باتفاق الآراء فلابد من إعلان حكمها هذا وإن كانت الكنيسة لا ترضى بإصلاح الذنب فترفع الدعوى إلى أقرب جلسة للمجمع السنوي ويكون حكمه القول الفصل. وإذا حكم المجمع السنوي بجريمة الكنيسة فيقطع علاقته معها ولا يجوز لقسيس أو شماس أو شماسه أو مرشح للخدمة أو مبشر في النهضة أن يصير راعياً لها يمارس خدماتها ما لم تثبت وتصلح أمرها. ويشترط أيضاً أنه إذا حدث في كنيسة مخالفة لنظام الكنائس كأن تكون قد أبطلت إجراء القانون النظامي فعلى رئيس المجمع أن يجمع أعضاء الكنيسة المذكورة الطائعين الذين تتألف منهم كنيسة نهضة القداسة في تلك الجهة ويشرع في محاكمة كل الأعضاء الذين توجهت إليهم التهم بحسب قوانيننا القضائية أما إذا اعترفوا بذنبهم فلا حاجة للمحاكمة.
والواضح أن هذا الحكم حكم خاص لا يعمل به إلا في حالة تقديم شكوى ضد الكنيسة لأنها خالفت المبادئ الأساسية أو القوانين العمومية. وفي تلك الحالة تحقق الشكوى فإن ثبتت صحتها تخطر الكنيسة لإصلاح شأنها فإن لم تمثل واستمرت في المخالفة ترفع للمجمع السنوي الذي يملك معاقبتها بقطع علاقته بها، ويمنع القسيس أو الشماس من الخدمة بها، وفي جميع الأحوال يؤكد النص على وجوب المحاكمة، ولا يعني منها إلا حالة اعتراف المتهم بذنبه، ومن ثم لما كانت محاكمة المدعيين التي أجراها المجمع في غيبتهما لم تتم بناء على شكوى وجهت إلى الكنيسة ولا تتعلق بخروج الكنيسة على المبادئ الأساسية، أو بمخالفتها للنظام الكنسي، كما أن كلاً من المدعيين ليس شماساً بالكنيسة أو مرشحاً بالخدمة فيها، ولم يعترف أي منهما بذنبه فإنه لا يكون ثمة وجه لانطباق هذا البند على الدعوى الماثلة، فلا يختص المجمع بهذه المحاكمة ولا يجوز توقيع العقوبة عليهما بغير محاكمة، ومن ثم يكون هذا الوجه أيضاً من أوجه الطعن غير سديد.
ومن حيث إنه عن الوجه الرابع من أوجه الطعن، وهو المتعلق بفحوى القرار المطعون فيه فإنه لا يعدو أن يكون تزويداً للدفاع الذي أبداه الطاعن أمام محكمة القضاء الإداري وكان عماده في الدفع أمامها بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، وقد تناوله حكم هذه المحكمة الصادر بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1980 في الطعن رقم 1190 لسنة 20 ق المتعلق بذات الدعويين الماثلتين الذي خلص إلى أن الفرز من عضوية الكنيسة هو أقسى الأحكام الكنسية ويوجب حتماً حرمان المذنب من أية رابطة تربطه بالكنيسة والحيلولة دون وبين ما يؤمن به من فريضتين لا غنى عنهما في عقيدته التي لا تؤمن إلا بهما وهما المعمودية - لمن لم يسبق تعميده وهي لا تتاح إلا لمن يقبلهم بمجلس الكنيسة كما لا تمارس إلا لمن يعترفون بإيمانهم اعترافاً موثوقاً به ولأولادهم، وكذا حرمانه من فريضة العشاء الرباني والذي لا يتناوله من تصدر ضدهم أحكام كنسية - ولا ريب بهذه المثابة من أن القرار الطعين من شأنه حتماً التأثير في مركز الطاعنين وحريتهما الشخصية، في عقيدتهما الدينية وحرية ممارستها، ومن ثم فلا يقبل من الطاعن أن يعود فيدعي أن القرار المطعون فيه لم يحرم المدعيين من كل الامتيازات كأعضاء في الكنيسة أو أن القرار المطعون فيه ليس قراراً باتاً، وإنما يمكن للمجمع الرجوع فيه في حالة توبة المطعون ضده الثاني كما فعل مع المطعون ضده الأول أو أن المطعون ضده الثاني قد انخرط في عضوية كنيسة أخرى هي كنيسة المعمدان بشبرا بالخلفاوي وهي كنيسة إنجيلية تختلف وكنيسة نهضة القداسة، لا يقبل من الطاعن ذلك بعد أن أبانت هذه المحكمة بوضوح الأثر المترتب على القرار المطعون فيه، ولا يؤثر في سلامة الحكم بإلغاء ذلك إمكانية العدول عنه، أو إمكانية انتماء أحد المدعيين إلى كنيسة أخرى، ففرق بين العدول عن قرار سليم أثر توبة الخاطئ وإلغاء القرار لعيب في الشكل والاختصاص، كما أن انتماء أحد المدعيين إلى كنيسة أخرى يؤكد تأثير القرار على عقيدة المدعي، فبفصله من كنيسة نهضة القداسة أجبر على الالتجاء إلى الكنيسة الإنجيلية مما يعتبر مساساً بحريته الشخصية في اختيار العقيدة الدينية التي ينتمي إليها، ومن ثم يكون هذا الوجه من أوجه الطعن أيضاً غير سديد.
ومن حيث إنه يخلص من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد صادف صحيح حكم القانون، ومن ثم يكون الطعن فيه في غير محله حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه لما تقدم، فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن مصروفات الطعن.


[(1)] يراجع الحكم الصادر في الطعن رقم 1190 لسنة 20 ق المحكوم فيه بجلسة 20/ 12/ 1980.