مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 925

(149)
جلسة 31 من مارس سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وعبد العزيز أحمد سيد حمادة وثروت عبد الله أحمد عبد الله - المستشارين.

الطعن رقم 1732 لسنة 28 القضائية

( أ ) دعوى - عريضة الدعوى - الإيداع - اشتراط توقيع العريضة من محام.
المادة 20 من قانون المرافعات المدنية والتجارية - يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق به الغاية من الإجراء - لا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء - المادة 87 من قانون المحاماة رقم 61 سنة 1968 رتب البطلان على عدم توقيع محام مقبول للمرافعة أمام محكمة الاستئناف - المادة 3 من مواد إصدار قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 أوجبت تطبيق أحكامه وتطبيق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد به نص في قانون مجلس الدولة إلى أن يصدر قانون الإجراءات أمام القسم القضائي - المادة 25 من قانون مجلس الدولة أو غيرها من مواد هذا القانون لم ترتب البطلان على تخلف الإجراءات أو الأشكال المنصوص عليها فيها والتي من بينها أن تكون عريضة الدعوى موقعة من محام مقبول للمرافعة أمام المحكمة المختصة - لا يجوز الحكم بالبطلان لتخلف هذا الإجراء عملاً بنص المادة 20 من قانون المرافعات إلا إذا وجد عيب لم تتحقق به الغاية من هذا الإجراء - الغاية من توقيع محام على صحيفة الدعوى هي التحقق من إشراف المحامي على تحرير الصحيفة والوثوق من صياغته لها - تحقق هذه الغاية بحضور المحامي جلسات التحضير لدى الدائرة الاستئنافية بمحكمة القضاء الإداري بهيئة مفوضي الدولة وتقديمه شهادة من نقابة المحامين بناء على طلب المفوض تفيد قيده أمام محاكم الاستئناف - إيداع أصل عريضة الاستئناف بدون توقيع والتأشير على الصفحة الأولى مهنا من زميل للمحامي باستلام الأصل والصورة للإعلان - إقرار المحامي الموكل بصحة العريضة وبياناتها ونسبتها إليه - نيابة المحامين عن بعضهم هي نيابة تسوغها مقتضيات مهنة المحاماة وتجيزها المادة 90 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968 والمقابلة للمادة 56 من القانون رقم 17 لسنة 1983 - توقيع محام نيابة عن زميلة تغني عن توقيع المحامي الموكل الأصيل - الأثر المترتب على ذلك. انتفاء مخالفة نص المادة 25 من قانون مجلس الدولة التي تشترط لصحة الصحيفة أم يكون موقعاً عليها من محام مقبول أمام المحكمة المختصة - بطلان العريضة غير صحيح - تطبيق.
(ب) عاملون مدنيون بالدولة - الإجازات المرضية - قوميسيون طبي - قرار إداري - انعدامه.
المادة الأولى من القانون رقم 112 لسنة 1963 بمنح موظفي وعمال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة المرضى بالدرن أو الجذام أو بمرض عقلي أو بأحد الأمراض المزمنة إجازة استثنائية بمرتب كامل - المشرع وضع تنظيماً خاصاً لمنح الإجازات المرضية في أحوال الإصابة بأحد الأمراض المشار إليها في النص - هذا التنظيم جاء استثناء من الأحكام العامة التي تنظم الإجازات المرضية - الحكمة منه - مناط منح الإجازة وشروطه هو قيام حالة المرض - مدة الإجازة تستمر إلى أن يثبت بقرار من القومسيون الطبي أن المريض قد شفي أو أن حالته المرضية قد استقرت على نحو يمكنه من العودة إلى عمله - إذا لم يتحقق أحد الشرطين ظل حق المريض في الإجازة قائماً ويتعين منحه إياها - تتحدد المهمة الفنية للقومسيون الطبي بأحد الأمرين فلا يجوز له أن يتعداها إلى التوصية بعدم صلاحية المريض صحياً للبقاء في الخدمة بسبب إصابته بأحد الأمراض المشار إليها مهما طالت مدة العلاج - إذا تعدى القومسيون الطبي اختصاصه بإصدار مثل هذه التوصية كان قراره منعدماً - قرار الجهة الإدارية بفصل العامل والمترتب على قرار القومسيون الطبي يعتبر قراراً منعدماً بدوره. لا يتقيد الطعن في هذا القرار بالمواعيد المقررة للطعن بالإلغاء - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 5 من سبتمبر سنة 1982 أودع السيد الأستاذ المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً بالطعن قيد برقم 1732 لسنة 28 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "الدائرة الاستثنائية" بجلسة 7 من يوليه سنة 1982 في الدعوى رقم 258 لسنة 12 ق القضائية (استئناف)، والقاضي ببطلان صحيفة الطعن بالاستئناف وإلزام الطاعن المصروفات، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري "الدائرة الاستئنافية" للفصل في موضوعها. وقدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهى فيه إلى طلب الحكم بالطلبات التي تضمنها التقرير به.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من ديسمبر سنة 1983 وبجلسة 28 من ديسمبر سنة 1983 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره أمامها جلسة 28 من يناير سنة 1984. وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن السيد/ ............. أقام الدعوى رقم 143 لسنة 23 القضائية ضد السيد/ وزير الداخلية بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل والحكم المحلي والطيران المدني في 16 من مارس سنة 1976 طلب في ختامها الحكم بإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع له مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء إصدار الوزارة قراراً باطلاً بإنهاء خدمته وإحالته إلى المعاش في 24 من مايو سنة 1965. وقال شرحاً للدعوى أنه تطوع للخدمة بالقوات المسلحة في 30 من سبتمبر سنة 1953، ثم التحق بخدمة وزارة الداخلية من الأول من ديسمبر سنة 1960 حيث عمل شرطياً بشرطة النجدة، ثم نقل إلى قسم روض الفرج ثم إلى مديرية أمن أسيوط حيث أصيب بمرض عصبي ونفسي، وإذ قرر القومسيون الطبي عدم صلاحيته للخدمة لوظيفة عسكرية بسبب هذا المرض فقد أصدرت الجهة الإدارية قراراً بإنهاء خدمته وإحالته إلى المعاش في 24 من مايو سنة 1965 ونعى المدعي على هذا القرار أنه صدر بالمخالفة لأحكام القانون رقم 112 لسنة 1963 الذي ينص على منح موظفي وعمال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة المرضى بالدرن أو الجذام أو بمرض عقلي أو بأحد الأمراض المزمنة إجازات مرضية استثنائية بمرتب كامل إلى أن يشفى العامل أو تستقر حالته المرضية استقراراً يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته.
وقال المدعي أن القرار المذكور صدر وهو بعد في سن الثلاثين من عمره وأنه قد أصيب من جرائه بأضرار مادية وأدبية بالغة يقدرها بمبلغ خمسة آلاف جنيه. ثم عدل المدعي طلباته أثناء نظر الدعوى بأن أضاف إليها طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمته. وبجلسة 3 من فبراير سنة 1980 قضت المحكمة الإدارية بعدم قبول طلب الإلغاء شكلاً وبرفض ماعدا ذلك من الطلبات وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه صدر من نائب مدير أمن أسيوط بتاريخ 5 من أبريل سنة 1965 متضمناً فصل المدعي من قوة شرطة المديرية اعتباراً من 25 من مارس سنة 1965 التاريخ التالي لاستنفاذه جميع إجازاته القانونية لعدم لياقته طبياً للخدمة تنفيذاً لقرار القومسيون الطبي العام بالقاهرة بجلسة 14 من نوفمبر سنة 1964، ولما كان المدعي قد علم بهذا القرار على الأقل منذ 16 من مارس سنة 1976 تاريخ إقامته الدعوى بطلب التعويض، ولكنه تراخى في تقديم الإلغاء إلى ما بعد فوات المواعيد القانونية، ذلك أنه لم يتقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب الإعفاء رقم 106 لسنة 24 القضائية لإعفائه من رسوم دعوى الإلغاء إلا في 15 من يونيه سنة 1977 ثم تقدم بتاريخ 13 من ديسمبر سنة 1977 إلى السيد مفوض الدولة بمذكرة طلب فيها إلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمته مع تمسكه بالطلب الأصلي الخاص بالتعويض فإنه يتعين الحكم بعدم قبول طلب الإلغاء شكلاً. وأضافت المحكمة قائلة أن المادة الأولى من القانون رقم 112 لسنة 1963 المشار إليه تنص على أنه "استثناء من أحكام الإجازات المرضية لموظفي الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة وعمالها يمنح الموظف أو العامل المريض بالدرن أو الجذام أو بمرض عقلي أو بأحد الأمراض المزمنة التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة العمومية بناء على موافقة الإدارة العامة للقومسيونات الطبية إجازة مرضية استثنائية بمرتب كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته الصحية استقراراً يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته، ويجرى الكشف عليه بمعرفة القومسيون الطبي كل ثلاثة شهور على الأقل أو كلما رأى داعياً لذلك"، ومفاد هذا النص، على ما قضت به المحكمة الإدارية العليا أن القومسيون الطبي هو الجهة الفنية المختصة بتقرير الحالة المرضية ومدى تعلقها بأحد الأمراض المزمنة التي ينطبق عليها القانون ومدى قابلية هذه الحالة للشفاء وما إذا كانت قد استقرت على نحو يمكن العامل من العودة لمباشرة أعمال وظيفته أم أنها حالة ميئوس منها استقرت على نحو لا يمكنه من ذلك، أو أنها لم تستقر بعد بما يقتضي منح العامل إجازة مرضية إلى أن يشفى أو أن تستقر حالته على نحو معين. وأن القرار الذي يصدر من القومسيون الطبي على هذا النحو يكون هو ركن السبب في القرار الذي تصدره الجهة الإدارية التي يتبعها العامل المريض إما بإعادته إلى وظيفته إذا كان قد شفي أو استقرت حالته على نحو يمكنه من القيام بأعبائها، وإما بمنحه إجازة مرضية إذا كانت حالته لم تستقر بعد، وإما بفصله من الخدمة إذا استقرت حالته على نحو يدل على أنه لن يتمكن من العودة لمباشرة أعمال وظيفته. ولما كان الثابت من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه صدرت في شأنه من القومسيون الطبي العام بالتطبيق لأحكام القانون رقم 112 لسنة 1963 سالف الإشارة إليه ست تقارير طبية درجت على تقرير حالته تباعاً بوجود مرض عقلي لديه وعودته لعمل يتناسب مع حالته بعيداً عن السلاح فيما عدا التقرير الأخير الصادر بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1964 الذي قرر فيه القومسيون الطبي عدم لياقة المدعي للبقاء في الخدمة في وظيفة عسكرية بعد استنفاد جميع إجازاته المستحقة له قانوناً واعتباره عاجزاً عجزاً جزئياً، وبذلك يكون القومسيون الطبي قد قطع باستقرار حالة المدعي المرضية على نحو لا يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته لما كان ذلك فإن القرار المطعون فيه بإنهاء خدمة المدعي إذ صدر على أساس ما انتهى إليه القومسيون الطبي العام بقراره سالف الذكر، يكون قد قام على سبب صحيح يبرره قانوناً مما ينتفي معه ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، وهو ما يتعين معه الحكم برفض دعوى التعويض المقامة من المدعي وإذ لم يرتض المدعي هذا الحكم فقد أقام الطعن بالاستئناف رقم 258 لسنة 12 القضائية بعريضة صادرة من مكتب الأستاذين محمد بدر هاشم وعلاء رزق المحاميين أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري "الدائرة الاستئنافية" طلب في ختامها الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بانعدام قرار إنهاء خدمته واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار مادية وأدبية.. وكانت هذه العريضة قد تضمنت كذلك طلب الحكم بإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع للمدعي مبلغ خمسة آلاف جنيه تعويضاً له عما أصابه من أضرار مادية وأدبية نتيجة صدور قرار إنهاء خدمته سالف الذكر، إلا أن هذا الطلب تم شطبه من العريضة بتأشيرة من المدعي تفيد أن الشطب تم بمعرفته وأن طلباته قاصرة على طلب الإلغاء فقط. ونعى المدعي على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون فيما قضى به من عدم قبول طلب الإلغاء شكلاً لفوات المواعيد، وقال في بيان ذلك أن هذا القرار يعتبر قراراً معدوماً وفي حكم العمل المادي الذي لا تخضع مخاصمته للمواعيد المقررة للطعن بالإلغاء. واستطرد المدعي قائلاً أن هذا القرار قد أصابه بأضرار مادية وأدبية جسيمة يستحق التعويض عنها وأن ما قرره القومسيون الطبي بقراره الأخير من عدم لياقته للبقاء في الخدمة جاء متعارضاً مع قرارات القومسيون السابقة التي أشار فيها بإسناد عمل للمدعي يتناسب مع حالته بعيداً عن السلاح. وقدم الطاعن مذكرة أثناء نظر الاستئناف أشار فيها إلى أن مواعيد الطعن بالإلغاء لا تسري في حقه لكونه مصاباً بمرض عقلي يجعله غير مسئول عن تصرفاته الضارة به، وتمسك المدعي في هذه المذكرة بطلب التعويض عن الإضرار التي أصابته من جراء إصدار القرار المطعون فيه وبجلسة 7 من يوليه سنة 1982 قضت محكمة القضاء الإداري ببطلان صحيفة الاستئناف وألزمت الطاعن المصروفات. وأقامت قضاءها على أن هذه الصحيفة غير موقع عليها من محام مقبول للمرافعة أمامها خلافاً لما تقضي به المادة 25 من قانون مجلس الدولة إذ لم يرد بها ثمة توقيع تحت عبارة "وكيل المستأنف" المكتوبة بالآلة الكاتبة في ذيل هذه الصحيفة. وأشارت المحكمة إلى ما قام به المدعي في صحيفة الاستئناف من شطب طلب التعويض والتوقيع على هذا الشطب بإمضائه، كما أشارت إلى أنه بجلسة 17 من فبراير سنة 1982 حضر الأستاذ حسن حسني المحامي نيابة عن الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي عن الطاعن وقرر أن صحيفة الاستئناف صدرت من مكتب هذا المحامي الأخير باعتباره المحامي الأصلي في الدعوى بموجب التوكيل رقم 1547 الزيتون وأن الأستاذ محمد علاء رزق المحامي يعمل بمكتبه أي بمكتب الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون ذلك أن المادة (20) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق به الغاية من الإجراء ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء وأنه إذا كانت المادة 87 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968 قد رتبت البطلان على عدم توقيع محام مقبول للمرافعة أمام محكمة الاستئناف على صحيفة الاستئناف، إلا أن المادة (3) من مواد إصدار قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 أوجبت تطبيق الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون وتطبيق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية فيما لم يرد به نص في القانون المذكور وذلك إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي لمجلس الدولة. ولما كانت المادة 25 من قانون مجلس الدولة أو غيرها من مواد هذا القانون لم ترتب البطلان على تخلف الإجراءات أو الأشكال المنصوص عليها فيها، والتي من بينها أن تكون صحيفة الدعوى موقعة من محام مقبول للمرافعة أمام المحكمة المختصة، فمن ثم لا يجوز الحكم بالبطلان لتخلف هذا الإجراء عملاً بنص المادة (20) من قانون المرافعات سالف الإشارة إليها إلا إذا وجد عيب لم تتحقق به الغاية من هذا الإجراء. ولما كانت الغاية من توقيع المحامي على صحيفة الدعوى في ضوء المذكرة الإيضاحية لقانون المحاماة وقضاء كل من المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض هي التحقق من إشراف المحامي على تحرير الصحيفة والوثوق من صياغته لها، وكان الثابت مما حصله الحكم المطعون فيه ومن أوراق الدعوى أن هذه الغاية قد تحققت بحضور محامي المدعي جلسات التحضير أمام مفوضي الدولة لدى الدائرة الاستثنائية بمحكمة القضاء الإداري وتقديمه في جلسة 16 من أبريل سنة 1981 بناء على طلب المفوض شهادة من نقابة المحامين تفيد قيده أمام محاكم الاستئناف بتاريخ 30 من يناير سنة 1974 تحت رقم 2646، فضلاً عن أن الأستاذ علاء رزق المحامي الذي يعمل بمكتب الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي والذي حضر نيابة عنه في الجلسات أمام الدائرة الاستئنافية قد وقع على إحدى صور عريضة الاستئناف، وكان من قبل ذلك قد باشر الدفاع عن الطاعن أمام المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية، مما يقطع في إشراف الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي المقبول للمرافعة أمام محكمة الاستئناف على صحيفة الطعن بالاستئناف لما كان ما تقدم فإن صحيفة الاستئناف تكون في الحقيقة وواقع الأمر قد صدرت عن الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي المقبول للمرافعة أمام الدائرة الاستئنافية لمحكمة القضاء الإداري وهو ما تتحقق به الغاية من اشتراط لتوقيع محام مقبول للمرافعة أمام محكمة الاستئناف على صحيفة الاستئناف وإذ تحققت المصلحة التي قصد القانون حمايتها، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان صحيفة الاستئناف يكون قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على صحيفة الاستئناف مثار الطعن الماثل أنها صادرة من مكتب الأستاذين محمد بدر هاشم وعلاء رزق المحاميين وإنه وإن كان المكان المخصص للتوقيع في ذيل هذه الصحيفة تحت عبارة "وكيل المستأنف" قد ترك على بياض إلا أن الأستاذ علاء رزق المحامي قد وقع في صدر صفحتها الأولى تحت تأشيرة منه تفيد استلامه الأصل والصورة للإعلان وإن الصورة قدمت للقيد بدون مستندات. وإذا كان المحامي المذكور لم يثبت أنه من المحامين المقبولين للمرافعة أمام محاكم الاستئناف إلا أن الثابت من الأوراق أن زميله الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي المقبول للمرافعة أمام محاكم الاستئناف منذ 30 من مارس سنة 1974 طبقاً للشهادة الصادرة من نقابة المحامين في هذا الشأن والمرافقة للأوراق، قد أقر باشتراكه في إصدار هذه الصحيفة وبصحة نسبتها إليه. ذلك أنه بجلسة 17 من فبراير سنة 1982 حضر الأستاذ حسن حسني المحامي نيابة عنه أمام الدائرة الاستئنافية وقرر أن الصحيفة صادرة من مكتب الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن والمحامي الأصلي في الدعوى، وأنه كان قد أقر توقيع الأستاذ علاء رزق المحامي على الصحيفة المذكورة قبل قيدها بقلم الكتاب، وأن الأستاذ علاء رزق يعمل بمكتبة كما أنه بجلسة 7 من أبريل سنة 1982 حضر الأستاذ حسين علي ربيعي المحامي نيابة عن الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي وقدم مذكرة بدفاع الطاعن صادرة من مكتب الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي وموقعة منه شخصياً. يضاف إلى ذلك أن الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي بادر في مرحلة تحضير الاستئناف إلى إثبات قيده للمرافعة أمام محاكم الاستئناف استجابة لما طلبه السيد/ مفوض الدولة من المدعي بجلسة 26 من مارس سنة 1981 على ما يبين من شهادة نقابة المحامين سالفة الذكر. الأمر الذي يخلص منه أن ثمة تعاون تم بين كل من الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي والأستاذ علاء رزق المحامي في مباشرة إجراءات هذا الاستئناف على نحو اقتضى أن ينوب كل منهما عن الآخر في هذا الصدد، وهي نيابة تسوغها مقتضيات المهنة وتجيزها المادة (90) من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968 (المقابلة للمادة 56 من القانون رقم 17 لسنة 1983) والتي تنص على أن للمحامي سواء كان خصماً أصلياً أو وكيلاً في دعوى أن ينيب عنه في الحضور أو في المرافعات أو في غير ذلك من إجراءات التقاضي محامياً آخر تحت مسئوليته دون توكيل خاص ما لم يكن في التوكيل ما يمنع من ذلك. ومتى كان الواضح مما تقدم أنه في إطار هذا التعاون وقع الأستاذ علاء رزق المحامي على صحيفة الاستئناف نيابة عن الأستاذ محمد بدر هاشم المحامي المقبول للمرافعة أمام محاكم الاستئناف، فإن هذا التوقيع يغني عن توقيع زميله المذكور ولا تكون ثمة مخالفة بالتالي لنص المادة (25) من قانون مجلس الدولة التي تشترط لصحة الصحيفة أن يكون موقعاً عليها من محام مقبول للمرافعة أمام المحكمة المختصة، ويكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى خلاف ذلك وقضى ببطلان الصحيفة استناداً منه إلى تخلف هذا الشرط قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن الاستئناف استوفى أوضاعه الشكلية والدعوى مهيأة للفصل فيها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي أصيب أثناء الخدمة بمرض نفسي اقتضى حصوله من القومسيون الطبي العام على إجازات مرضية متتالية خلال عامي 63، 1964، وشخصت حالته بأنها اضطراب نفسي متحسن يحتاج إلى علاج طويل ويعود إلى عمله على أن يعهد إليه بأعمال تتناسب مع حالته بعيداً عن السلاح ويعاد الكشف عليه. وأنه لدى إعادة الكشف على المذكور بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1964 شخص القومسيون الطبي حالته بأنها اضطراب عقلي غير لائق للبقاء في الخدمة في وظيفة عسكرية بعد استنفاد جميع إجازاته المستحقة لها قانوناً ويعتبر عاجزاً عجزاً جزئياً، وبناء على ذلك صدر القرار المطعون فيه من مساعد مدير أمن أسيوط بتاريخ 5 من أبريل سنة 1965 متضمناً فصل المدعي من الخدمة اعتباراً من 25 من مارس سنة 1965 التاريخ التالي لاستنفاد جميع إجازاته القانونية بعدم لياقته طبياً للبقاء بالخدمة تنفيذاً لقرار القومسيون الطبي العام سالف الذكر.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 112 لسنة 1963 بشأن منح موظفي وعمال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة المرضى بالدرن أو الجذام أو بمرض عقلي أو بأحد الأمراض المزمنة إجازات مرضية استثنائية بمرتب كامل، الذي يحكم واقعة النزاع تنص على أنه "استثناء من أحكام الإجازات المرضية لموظفي الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة وعمالها يمنح الموظف أو العامل المريض بالدرن أو الجذام أو بمرض عقلي أو بأحد الأمراض المزمنة التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة بناء على موافقة الإدارة العامة للقومسيونات الطبية إجازة مرضية استثنائية بمرتب كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته المرضية استقراراً يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته، ويجرى الكشف الطبي عليه بمعرفة القومسيون الطبي كل ثلاث شهور على الأقل أو كلما رأى داعياً لذلك "ومفاد ذلك أن الشارع وضع تنظيماً خاصاً للإجازات المرضية في أحوال الإصابة بأحد الأمراض المشار إليها في النص، وأن هذا التنظيم جاء استثناء من الأحكام العامة التي تنظم الإجازات المرضية في قوانين العاملين بالحكومة والهيئات والمؤسسات العامة وبالإضافة إليها، وأفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون عن أن الحكمة من وضع هذا النظام هي معاونة الدولة للعاملين الذين يصابون بأحد هذه الأمراض ورعايتهم وأسرهم اجتماعياً طبقاً لقواعد قانونية صريحة وباعتبار أن هذه الرعاية من واجبات الدولة في المجتمع الاشتراكي ويكون ذلك بمنح العامل المريض إجازة مرضية استثنائية بمرتب كامل ليتمكن من إعالة أسرته والإنفاق على علاج مرضه الذي غالباً ما يطول أمده وبأن يستمر منح هذه الإجازة إلى أن يشفى العامل أو تستقر حالته المرضية استقراراً يمكنه من العودة إلى مباشرة عمله. والواضح من أحكام هذا القانون أن مناط منح الإجازة وشرطه هو قيام حالة المرض، وأن مدة الإجازة تستمر إلى أن يثبت بقرار من القومسيون الطبي أن المريض قد شفي أو أن حالته المرضية قد استقرت على نحو يمكنه من العودة إلى عمله فإذا لم يتحقق أحد هذين الأمرين ظل حق المريض في الإجازة قائماً وتعين منحه إياها. وقد حدد القانون الوسيلة إلى ذلك بالنص على أن يجري القومسيون الطبي الكشف على المريض بصفة دورية للتحقق من استمرار قيام موجب منح الإجازة أو زواله بتوفر أحد السببين سالفي الذكر، وفي هذا النطاق تتحدد المهمة الفنية للقومسيون الطبي وهو في مجال تنفيذ حكم هذا القانون، فلا يجوز له أن يتعداها إلى التوصية بعدم صلاحية المريض صحياً للبقاء في الخدمة بسبب إصابته بأحد الأمراض المشار إليها مهما طالت مدة العلاج منه، إذ أن تصدى القومسيون الطبي لإصدار مثل هذه التوصية ليس له سند من القانون ويخالف روحه ويجافي الاعتبارات التي دعت إلى إصداره على نحو ينحدر به إلى درجة الانعدام ويكون قرار الجهة الإدارية المبنى عليه قد صدر من ثم منعدماً بدوره ولا يتقيد الطعن فيه بالمواعيد المقررة للطعن بالإلغاء وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول الدعوى شكلاً فيما يتعلق بطلب إلغاء القرار المذكور قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم فإن ما ذهب إليه القومسيون الطبي العام من تقرير عدم لياقة المدعي للبقاء في الخدمة بعد استنفاد جميع إجازاته المرضية، وهو ما استندت إليه الجهة الإدارية في إصدار قرار الفصل المطعون فيه، ينطوي على مخالفة جسيمة لأحكام القانون رقم 112 لسنة 1963 سالف الذكر الذي جعل الإجازة الاستثنائية بمرتب كامل وفقاً لأحكامه حقاً للعامل المريض بمرض عقلي دون قيد زمني معين إلى أن يشفى العامل أو تستقر حالته على نحو يمكنه من مباشرة أعمال وظيفته ودون أن يرخص القانون للقومسيون الطبي أو الجهة الإدارية في تقرير منح هذه الإجازة أو منعها عن العامل المريض طالما توافر مناط استحقاقه لها بثبوت حالة الإصابة بمرض عقلي، ومن ثم فقد كان يتعين على القومسيون الطبي العام، وقد ثبتت لديه إصابة المدعي بالمرض العقلي أن يقرر منحه تلك الإجازة الاستثنائية بمرتب كامل مع إعادة الكشف عليه كل ثلاثة شهور أو كلما رأى داعياً لذلك إلى أن يشفى أو تستقر حالته على نحو يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته نزولاً على أحكام القانون. ومتى كان ما تقدم فإن القرار المطعون فيه إذ بني على قرار القومسيون الطبي سالف الإشارة إليه يكون قد قام على سبب معدوم قانوناً جديراً بعدم الاعتداد به وهو ما يقتضي الحكم بإلغائه. ولا ينال من بطلان هذا القرار على النحو المذكور أن الجهة الإدارية على ما يبين من الأوراق، راعت في إصداره ما تقضي به المادة 119 من قانون هيئة الشرطة رقم 61 لسنة 1964 التي تنص على أنه استثناء من الأحكام الخاصة بالإجازات التي يجوز منحها لضباط الصف وعساكر الدرجة الأولى يجوز لضباط الصف وعساكر الدرجة الأولى الانتفاع في حالة المرض بما يكون لهم من وفر في الإجازات الدورية بحد أقصى قدره تسعون يوماً في السنة الجارية والسنتين السابقتين عليها - وإذا استنفد ضابط الصف أو عسكري الدرجة الأولى الذي يصاب بمرض يحتاج إلى علاج طويل إجازاته المبينة بالفقرة السابقة يجوز لوكيل الوزارة المختص أن يمنحه إجازة خاصة بمرتب كامل المدة اللازمة لعلاجه بحيث لا تجاوز سنة - ويرجع في تحديد الأمراض التي من هذا النوع ومدة العلاج إلى الهيئة الطبية المختصة وبعد أن يستنفد ضابط الصف أو عسكري الدرجة الأولى هذه الإجازة الخاصة يستوفى إجازاته ذات المرتب المخفض في المادة السابقة - ويفصل ضابط الصف أو العسكري الذي لا يعود إلى عمله بعد انتهاء جميع إجازاته لا يصلح هذا النص سنداً لعدم تطبيق أحكام القانون رقم 112 لسنة 1963 سالف الذكر على المدعي، ذلك أن النص المذكور وسائر نصوص قانون هيئة الشرطة رقم 61 لسنة 1964 لم يتضمن ما يفيد انصراف قصد الشارع إلى حرمان ضباط الصف وعساكر الدرجة الأولى من مزايا القانون رقم 112 لسنة 1963 سالف الإشارة إليه عملاً بالإحالة الواردة في المادة (146) من قانون هيئة الشرطة سالف الذكر والتي تنص على أن يسري على أفراد هيئة الشرطة ما لا يتعارض مع هذا القانون من الأحكام الواردة في قانون نظام العاملين بالدولة وقانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة والقوانين المكملة لهما).
وبناء على ذلك فإنه لا يكون ثمة مجال لإعمال نص المادة (119) من قانون هيئة الشرطة سالف الإشارة إليه إلا في حالة الإصابة بأمراض وأن تكن مما يحتاج إلى علاج طويل حسبما تقدره الجهة الإدارية إلا أنها ليست من الأمراض التي يعنيها القانون رقم 112 لسنة 1963 سالف الذكر والتي ورد النص عليها صراحة.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض فإنه ولئن كان قد ترتب على فصل المدعي من الخدمة على خلاف أحكام القانون وفقاً لما تقدم بيانه أنه أصيب بأضرار مادية تمثلت في حرمانه من الفرق بين المرتب الذي كان يتقاضاه والمعاش الذي ربط له، إلا أنه لما كان مقتضى الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه نتيجة ما ثبت من انعدام هذا القرار أحقية المدعي في المعاملة على أساس اعتباره في إجازة استثنائية بمرتب كامل طوال المدة من تاريخ فصله إلى أن يشفى أو تستقر حالته على نحو يمكنه من العودة إلى العمل بالتطبيق لأحكام القانون رقم 112 لسنة 1963 سالف الذكر، فإن في ذلك مما يكفي لتعويض المدعي عما لحقه من أضرار مادية كانت أو أدبية مما يغني عن الحكم له بأي تعويض آخر.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم فقد تعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء حكم الدائرة الاستئنافية المطعون فيه وإلغاء الحكم المستأنف الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بجلسة 3 من فبراير سنة 1980 في الدعوى رقم 143 لسنة 23 القضائية، وبقبول هذه الدعوى شكلاً وفي موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار على التفصيل السالف بيانه وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بجلسة 3 من فبراير سنة 1980 في الدعوى رقم 143 لسنة 23 القضائية، وبقبول هذه الدعوى شكلاً وفي موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.