أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 15 - صـ 221

جلسة 30 من مارس سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، وحسين صفوت السركي، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمد عبد المنعم الحمزاوي.

(45)
الطعن رقم 11 لسنة 34 القضائية

(أ، ب) محاكمة. "إجراءاتها". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محاماة.
( أ ) حضور محام مع المتهم أمام محكمة الجنايات. المحكمة منه: هو تتبع إجراءات المحاكمة والقيام بسبب الدفاع عنه. مثال.
(ب) استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده. أمر موكول إلى تقديره حسبما يوحي إليه ضميره واجتهاده.
(ج) دفوع. "الدفع بانتفاء الصفة". "الدفع باعتبار المدعي تاركاً دعواه". نقض "أسبابه. مالا يقبل من الأسباب".
الدفع بانتفاء الصفة واعتبار المدعي تاركاً لدعواه. من الدفوع التي تستلزم تحقيقاً موضوعياً. عدم جواز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض.
(د) محكمة الجنايات. محاكمة. "إجراءاتها".
على محكمة الجنايات إذا لم تر أن الواقعة جنحة إلا بعد التحقيق أن تحكم فيها. المادة 382 من قانون الإجراءات الجنائية.
(هـ) حكم. "تسبيبه. بيانات التسبيب".
إغفال الحكم الإشارة في ديباجته إلى مواد القانون التي طلبت النيابة تطبيقها. لا بطلان.
(و) "حكم. تسبيبه. تسبيب غير معيب". رابطة السببية. محكمة الموضوع.
إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية. مسألة موضوعية. عدم جواز المجادلة فيها أمام محكمة النقض. ما دام الحكم قد أقام قضاءه على أسباب سائغة.
(ز) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة.
حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية. شرطها: أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به. مثال.
1 - المحكمة من حضور محام مع المتهم أمام محكمة الجنايات هو تتبع إجراءات المحاكمة والقيام بعبء الدفاع عنه. ولما كان الثابت من محاضر الجلسات أن إجراءات التحقيق والمرافعة قد تمت في حضور محام أو أكثر مع المتهم (الطاعن) وترافع عنه، فإنه لا محل لما يثيره من بطلان في الإجراءات وإخلال بحق الدفاع. ولا يقدح في أن يكون الثابت من محضر الجلسة الأخيرة أن الحاضر عن المدعيين بالحق المدني قد أبدى دفاعه وطلباته بعد مرافعة الدفاع عن المتهم طالما أن هذا الأخير لا يدعي أن المحكمة قد منعته من المرافعة، وسكوته عن التعقيب على طلبات المدعيين ومرافقيهما يتضمن أنه لم يجد فيها ما يستأهل الرد عليها إزاء ما أبداه من دفاع سابق أثبت بمحاضر الجلسات السابقة.
2 - استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره حسبما يوحي إليه ضميره واجتهاده.
3 - الدفع بانتفاء الصفة واعتبار المدعي المدني تاركاً لدعواه هما من الدفوع التي تستلزم تحقيقاً موضوعياً فلا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض.
4 - المادة 382 من قانون الإجراءات الجنائية صريحة في أنه إذا لم تر محكمة الجنايات أن الواقعة كما هي مبينة في أمر الإحالة - جنحة إلا بعد التحقيق، فإنه يتعين عليها أن تحكم فيها.
5 - من المقرر أن إغفال الحكم الإشارة في ديباجته إلى مواد القانون التي طلبت النيابة تطبيقها لا يبطله.
6 - إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد بتقديرها قاضي الموضوع فلا تجوز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
7 - يشترط في حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به. ولما كان فرار الطاعن من مركز الشرطة لم يكن ليسوغ له أن ينطلق في الطريق فيدفع المارين تلك الدفعة التي ألقت بالمجني عليه في طريق السيارة، خاصة وأن الطاعن لا يدعي أن المجني عليه حاول منعه أو الإمساك به ولم يرد بالأوراق ولا بمدونات الحكم أو تقرير أسباب الطعن شيء من ذلك. ومن ثم فإن دفاعه بقيام حالة الضرورة في هذه الصورة إنما يكون دفاعاً قانونياً لا يستأهل من المحكمة رداً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 28 من أبريل 1959 بدائرة قسم أول محافظة الجيزة: أحدث عمداً بمسعد سعد الدين إبراهيم الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن أفضت هذه الإصابات إلى موته بأن دفعه بعنف في عرض الطريق في محاولة له للهرب من ديوان قسم أول الجيزة فصدمته سيارة تصادف مرورها فأحدثت به الإصابات سالفة الذكر والتي أودت بحياته. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 238 من قانون العقوبات. وقد ادعى سعد الدين إبراهيم هيبة وفهيمه علي بدوي بحق مدني قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً بتاريخ 10 فبراير سنة 1963 عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبإلزامه أن يدفع للمدعيين بالحق المدني مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..........إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو بطلان في الإجراءات وإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الطاعن حضر بجلسة 7/ 11/ 1963 دون مثول محام معه، وأجلت الدعوى لجلسة 10/ 11/ 1963 لإشعار المدعيين بالحق المدني مع أنه لم يكن هناك محل لإشعارهما إذ أن تخلفهما عن الحضور كان يوجب اعتبارهما تاركين لدعواهما وفق نص المادة 261 من قانون الإجراءات الجنائية مما كان يوجب عليهما بعدئذ الادعاء من جديد في مواجهة الطاعن وهو أمر لم يحصل منهما - بل ما كان يصح توجيه الدعوى إلى الطاعن بل يجب أن توجه لولي أمره لأنه قاصر لم يبلغ الحادية والعشرين من عمره - فضلاً عن أنه بجلسة 10/ 11/ 1963 أرادت المحكمة استيفاء شكل الإجراءات ظاهرياً فحضر الأستاذ عماد الدين فهمي المحامى مع الطاعن عن الأستاذ على الرجال. وطلبت المحكمة من أحد المحامين الحضور عن المدعيين بالحق المدني في حين أن المحامي الذي مثل مع الطاعن في هذه الجلسة لم يكن ملماً بالدعوى - كما أن المحكمة لم تتثبت من سند توكيل مع من حضر عن المدعين بالحق المدني ولا رقم ذلك التوكيل وأثبتت مرافعته بعد مرافعة الدفاع عن الطاعن مع أنه بصفته متهماً فهو آخر من يتكلم، ولم يكن هدف المحكمة من كل هذه الإجراءات الباطلة سوى التعجل في الفصل في الدعوى.
وحيث إنه يبين من مراجعة محاضر الجلسات أنه تحدد لنظر الدعوى جلسة 26/ 3/ 1961 وقد حضر مع المتهم (الطاعن) الأستاذان جمال عبد القادر وعلي الرجال المحاميان، كما حضر المدعيان بالحق المدني مع محاميهما وقررا أنهما يرفعان دعواهما قبل المتهم (الطاعن) في مواجهة والده مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض، وقد حجزت الدعوى للحكم في نهاية هذه الجلسة - ثم أعيدت للمرافعة لجلسة 17/ 4/ 1961 وحضر فيها مع المتهم محاميه كما حضر الأستاذ فتحي سلام مع أحد المدعيين بالحق المدني - فأجلت القضية لجلسة 14/ 5/ 1961 وحضر المتهم وحده بهذه الجلسة فأجلت الدعوى لدور مقبل - وبجلسة 24/ 3/ 1963 لم يحضر المدعيان بالحق المدني ولا المتهم فأجلت القضية لجلسة 22/ 5/ 1963 ثم لجلسة 6/ 11/ 1963 لعدم حضور الطرفين ثم حضر بهذه الجلسة المتهم ومعه الأستاذ علي الرجال وحضرت المدعية الثانية وحجزت القضية ليصدر الحكم فيها في اليوم التالي فحضر المتهم ومعه الأستاذ عماد فهمي المحامى عن الأستاذ علي الرجال، كما حضر الأستاذ إبراهيم سعيد المحامي عن المدعيين بالحق المدني وأبدى كل من الطرفين طلباته وبعد المداولة صدر الحكم المطعون فيه - لما كان ذلك، وكانت المحكمة من حضور محام مع المتهم أمام محكمة الجنايات هو تتبع إجراءات المحاكمة والقيام بعبء الدفاع عنه. وكان الثابت من محاضر والجلسات أن إجراءات التحقيق والمرافعة قد تمت في حضور محام أو أكثر مع المتهم (الطاعن) وترافع عنه. أما الجلسات التي حضرها المتهم وحده فقد اقتصر الأمر فيها على التأجيل فحسب - فإنه لا محل لما يثيره في هذا الصدد - ولا يقدح في ذلك أن يكون الثابت في محضر الجلسة الأخيرة، أن الحاضر عن المدعيين بالحق المدني قد أبدى دفاعه وطلباته بعد مرافعة الدفاع عن المتهم طالما أن هذا الأخير لا يدعي أن المحكمة قد منعته من المرافعة وسكوته عن التعقيب على طلبات المدعيين ومرافعتيهما يتضمن أنه لم يجد فيها ما يستأهل الرد عليها إزاء ما أبداه من دفاع سابق أثبت بمحاضر الجلسات السابقة أيضاً. كما أنه لا يقبل منه القول بأن المحامي الذي حضر معه الجلسة الأخيرة لم يكن ملماً بالدعوى لأن استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره حسبما يوحي إليه ضميره واجتهاده لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر الجلسات أن المتهم (الطاعن) لم يطلب اعتبار المدعيين تاركين دعواهما وقد وجه إليه الحاضر عنهما طلباته في الجلسة الأخيرة في مواجهته دون أن يعترض على صفة من حضر وكيلاً عنهما ولم يدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة باعتباره قاصراً - كما يدعي في طعنه - فإنه لا يجوز له أن يثير شيئاً من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. ذلك أن الدفع بانتفاء الصفة واعتبار المدعي المدني تاركاً لدعواه، هما من الدفوع التي تستلزم تحقيقاً موضوعياً فلا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض. يكون بذلك هذا الوجه من الطعن غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو الإخلال بحق الدفاع وبطلان الحكم، ذلك أن المحكمة عدلت وصف التهمة دون أن تنبهه أو تلفت نظر المدافع عنه وكان عليها أن تقض بعدم اختصاصها بنظر الدعوى إذا ما تبينت أن الدعوى جنحة. هذا إلى أن الحكم قد خلا من بيان مادة العقوبة التي كانت النيابة قد طلبت تطبيقها.
وحيث إنه يبين من مطالعة محاضر الجلسات أن المحكمة قد لفتت نظر المدعي بالحق المدني في مواجهة الدفاع عن الطاعن إلى قصر مرافعته على سبيل الاحتياط باعتبار الجريمة قتل خطأ لا ضرباً أفضى إلى الموت، كما أن الدفاع عن الطاعن قد تناول في مرافعته أن الحادث لا يعتبر في نظره إحداث إصابات عمدية أفضت إلى الموت ولا جريمة قتل خطأ. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لا يتطلب إتباع شكل خاص لتنبيه المتهم إلى تغيير الوصف أو تعديل التهمة وكل ما يشترطه هو تنبيه المتهم إلى ذلك التعديل بأية كيفية تراها المحكمة محققة لهذا الغرض سواء كان التنبيه صريحاً أو ضمنياً أو باتخاذ إجراء يتم في مواجهة الدفاع وينصرف إليه مدلوله، وكان الثابت أن المحكمة قد نبهت إلى ذلك ولم يفت الدفاع عن الطاعن تناول الوصف الجديد للتهمة في مرافعته مما تنتفي معه قالة الإخلال بحق الدفاع. أما القول بأنه كان يتعين على المحكمة وقد تبينت أن الواقعة جنحة - أن تقضي فيها بعدم اختصاصها بنظرها فإنه مردود بأن المادة 382 من قانون الإجراءات الجنائية صريحة في أنه إذا لم تر محكمة الجنايات أن الواقعة كما هي مبينة في أمر الإحالة - جنحة إلا بعد التحقيق، فإنه يتعين عليها أن تحكم فيها، ولما كان الثابت من الأوراق أن الدعوى قدمت بوصفها جناية إحداث إصابات عمدية أفضت إلى الموت منطبقة على المادة 236/ 1 من قانون العقوبات إلا أن المحكمة لم تتبين أن الواقعة المروحة عليها جنحة إلا بعد أن قامت بتحقيقها فإنها إذ تصدت للحكم فيها تكون قد التزمت صحيح القانون ولا محل للنعي عليها من هذه الناحية - أما ما ينعاه الطاعن على الحكم بأنه لم يبين مادة العقوبة التي طلبت النيابة تطبيقها فمردود بما هو مقرر من أن إغفال الحكم الإشارة في ديباجته إلى مواد القانون التي طلبت النيابة تطبيقها لا يبطله.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث خطأ في تطبيق القانون وإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الثابت من وقائع الدعوى أن إصابات المجني عليه التي أودت بحياته إنما نشأت من اصطدامه بسيارة وهو عامل أجنبي يقطع رابطة السببية بين الخطأ المستند إلى الطاعن ووفاة المجني عليه إذ أن هذا الخطأ لم يرتب النتيجة التي وصلت إليها حالة المجني عليه فلو أن الطفل وقع على الأرض من صدمة الطاعن لما توفى - كما أنه (أي الطاعن) كان قد دفع مسئوليته بأنه كان في حالة ضرورة ألجأته إلى وقاية نفسه من خطر جسيم على النفس استناداً إلى حكم المادة 61 من قانون العقوبات إذ كان قد قبض عليه دون مبرر ووقع عليه اعتداء جسيم أثبته الطبيب الشرعي في تقريره مما حدا به إلى الهرب ولم يكن له من وسيلة لمنع هذا الخطر عن نفسه سوى الفرار فصدم المجني عليه وهو في طريقه بغير قصد إلا أن الحكم لم يقم وزناً لهذا الدفاع السليم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى في أن الطاعن كان بقسم أول الجيزة وأثناء اقتياده إلى الحجز بعد سؤاله أمام الضابط المنوب في المحضر 28 أحوال القسم المحرر في يوم الحادث 28/ 4/ 1995 - تمكن من الهرب من الشرطيين علي حسن عثمان وسرحان عبد المنعم سرحان وأخذ يعدو إلى أن خرج من باب القسم واتجه في هربه في زفاف مجاور حيث اصطدم بالمجني عليه وهو طفل يبلغ نحو عشر سنوات فدفعه برعونته وعدم انتباهه إلى وسط الطريق وتصادف مرور سيارة نقل فصدمت المجني عليه وسقطت تحت عجلاتها فأصيب بالإصابات الثابتة في التقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته، ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق المتهم (الطاعن) الأدلة السائغة التي ترتب النتيجة التي انتهى إليها وعض بعد ذلك لدفاع الطاعن وأطرحه في قوله "إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم الذي كذبه شهود الحادث لا سيما العسكري عبد المنعم زيدان سالم الذي شاهد المتهم وهو يصطدم بالمجني عليه ويدفعه بصدمة إلى عرض الطريق في وقت كانت سيارة النقل مارة في هذه المنطقة مما أدى إلى مرور السيارة على المجني عليه وما كان في مقدور قائمها تفادى الحادث الذي وقع نتيجة خطأ الغير" ثم أثبت علاقة السببية بين خطأ الطاعن والوفاة في قوله "إن علاقة السببية بين وفاة المجني عليه وخطأ المتهم قائمة بالفعل المادي الذي قام به المتهم نتيجة عدم تبصره واحتياطه واحترازه إذ لو لم يكن المتهم قد اصطدم بالمجني عليه ودفعه نتيجة الصدمة إلى الطريق، لما وقع الحادث على الصورة سالفة الذكر" وهذا الذي قاله الحكم من أن دفع الطاعن للمجني عليه أمام سيارة تصادف مرورها ولم يكن قائدها يستطيع تفاديه فصدمته السيارة وحدثت به الإصابات التي أودت بحياته يوفر في حق الطاعن ارتكابه خطأ ارتبط بوفاة المجني عليه ارتباط السبب بالمسبب لأنه لولا هذه الدفعة لما حصل اصطدام السيارة بالمجني عليه تلك الصدمة التي نجمت عنها إصاباته التي أودت بحياته وهو ما تتحقق به رابطة السببية في جريمة القتل الخطأ. لما كان ذلك، وكان إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد بتقديرها قاضي الموضوع فلا تجوز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه. لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم يسوغ إطراح ما دفع به الطاعن من انتفاء مسئوليته استناداً إلى المادة 61 من قانون العقوبات لانتفاء مقوماتها وشروطها، ذلك أنه يشترط في حالة الضرورة التي تسقط المسئولية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به، وما كان فراره الطاعن من مركز الشرطة ليسوغ له أن ينطلق في الطريق فيدفع المارين تلك الدفعة التي ألقت بالمجني عليه في طريق السيارة، بعرض الطريق خاصة وأن الطاعن لا يدعي أن المجني عليه حاول منعه أو الإمساك به ولم يرد بالأوراق ولا بمدونات الحكم أو تقرير أسباب الطعن شيء من ذلك، لما كان ذلك، فإن دفاعه بقيام حالة الضرورة في هذه الصورة إنما يكون دفاعاً قانونياً لا يستأهل من المحكمة رداً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.