مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 956

(153)
جلسة 3 من إبريل سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح صالح الدهري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد أنور محفوظ وعلي السيد علي وطارق عبد الفتاح البشرى وعبد اللطيف أحمد أبو الخير - المستشارين.

الطعن رقم 414 لسنة 27 القضائية

اختصاص - قواعد توزيع الاختصاص - توزيع الاختصاص بين المحاكم التأديبية ومحكمة القضاء الإداري. اختصاص القضاء التأديبي ورد محدوداً كاستثناء من الولاية العامة للقضاء الإداري في المنازعات الإدارية - الاستثناء يفسر في أضيق الحدود ويجب الالتزام بالنص وحمله على المعنى الذي قصده المشرع - يقتصر اختصاص القضاء التأديبي على الفصل في المنازعات المتعلقة بالجزاءات التي حددتها القوانين واللوائح صراحة على سبيل الحصر والتي يجوز توقيعها على العاملين كعقوبات تأديبية - اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بجزاءات غير تلك المحددة في القوانين واللوائح صراحة - أساس ذلك - القضاء الإداري صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية - القرار الصادر بجزاء مقنع لا يخرج عن كونه تعبيراً غير دقيق لعيب الانحراف بالسلطة وهو أحد العيوب التي يجوز الطعن من أجلها في القرار الإداري بصفة عامة - مثال بالنسبة لقرار النقل - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 28/ 2/ 1981 أودع الأستاذ ادوارد لويس لوقا المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن بموجب التوكيل رقم 190/ 81 توثيق الزيتون تقرير هذا الطعن ضد السيدين رئيس جامعة القاهرة وأمين عام جامعة القاهرة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 31/ 12/ 1980 في الدعوى رقم 1658/ 33 ق المرفوعة من الطاعن ضد المطعون ضدهما وذلك فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً. وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم أولاً وبصفة أصلية بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى والحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاصها وإعادة الدعوى إليها للفصل فيها.
ثانيا: وبصفة احتياطية بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري وبإلغاء القرار الصادر من جامعة القاهرة بنقل المدعي من وظيفة مشرف تغذية بالمدينة الجامعية بجامعة القاهرة. وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما بتاريخ 19/ 3/ 1981.
وتم تحضير الطعن وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 18/ 1/ 1984 إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 21/ 2/ 1984، وفيها قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على الأسباب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 29 لسنة 12 ق بتاريخ 24/ 12/ 1977 أمام المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم ضد رئيس جامعة القاهرة وأمين عام الجامعة طلب في ختام صحيفتها الحكم بإلغاء القرار الصادر بنقله من مدينة الطلبة إلى إدارة الجامعة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف والأتعاب وقال شرحاً لدعواه أنه شغل وظيفة مشرف إسكان المدينة الجامعية للطلبة بتاريخ 3/ 2/ 1973 وفي 6/ 9/ 1975 أسند إليه العمل بإدارة التغذية وظل به إلى أن قرر مراقب عام المدينة عدم الحاجة إليه وحصل على موافقة أحد الأمناء المساعدين بالجامعة بنقله من المدينة الجامعية إلى إدارة الجامعة اعتباراً من 17/ 10/ 1977. وذكر أن قرار النقل ينطوي على جزاء تأديبي يتسم بسمة العقاب. وأضاف أنه منذ أن عمل في وظيفة مشرف إسكان وهو يقوم بعمله دون تقصير أو إهمال وإبعاده على هذا النحو لا يعتبر نقلاً عادياً وإنما يعني الإيذاء له حيث وصف بأنه زائد عن حاجة العمل رغم وجود وظيفة معين عليها لا يجوز إقصاؤه عنها إلا لأسباب صحية، كما يفقده مزايا عديدة كالإقامة والوجبات والأجور الإضافية ولم يحدد القرار الجهة التي نقل إليها أو العمل الذي يسند إليه، وقد تم النقل غداة تعيين بعض العاملين بمعهد السرطان بالمدينة بمعرفة مراقب عام المدينة وعمل الأخير على نقله لشغل وظيفته بأحد هؤلاء العاملين وبجانب ذلك فإن قرار النقل غير مشروع لصدوره من الأمين العام المساعد في حين أن المختص هو الأمين العام ولم يحدد القرار الوظيفة التي نقل إليها ولم يكشف عن أسباب النقل ونظرت الدعوى أمام المحكمة التأديبية وأودعت جهة الإدارة ملف خدمة المدعي والقرار المطعون فيه ومذكرة بردها على الطعن دفعت فيها بعدم قبول الطعن لعدم سابقة التظلم، وأوضحت أن رئيسه المباشر قدم مذكرة لنقله لعدم انتظامه في العمل وإخلاله المتكرر بواجبات وظيفته ووافق المراقب العام على نقله وكذلك أمين الجامعة، كما دفعت الجهة الإدارية بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى واحتياطياًَ برفضهما موضوعاً. وبجلسة 17/ 4/ 1979 قضت المحكمة التأديبية بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص عملاً بنص المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وقيدت الدعوى بجدول المحكمة المذكور برقم 1658/ 33 ق وتداول نظرها بجلسات المحكمة إلى أن قضت بجلسة 31/ 12/ 1980 بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً. وأسست قضاءها على أن المستفاد من نص المادة (26) من القانون رقم 58/ 1971 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة الذي تم النقل في ظله أن نقل العامل من وظيفة إلى أخرى هو من الملاءمات المتروكة لجهة الإدارة بلا معقب عليها طالما استهدفت الصالح العام ولم تنحرف بالسلطة. ولما كانت الأسباب التي ساقتها جهة الإدارة لنقله تدخل في مجال سلطتها التقديرية خاصة ولم يقدم المدعي ما يفيد عدم صحتها فإن قرار نقله لا يعتبر قراراً تأديبياً ولا معقب عليه، وأنه لا صحة لما يدعيه المدعي من أن النقل صدر من أمين عام الجامعة المساعد فيكون صادراً من غير مختص، فالثابت أن القرار اعتمد من نائب رئيس الجامعة بعد أن مر بمراحله الطبيعية في هذا الشأن والتي بدأت بمذكرة بطلب نقله من رئيسه المباشر وافق عليها أمين عام الجامعة المساعد وانتهت بالموافقة ممن عليه إصدار القرار وطبقاً لسلطته التقديرية تحقيقاً للصالح العام، ومن ثم يكون طلب إلغائه في غير محله متعين الرفض.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه يتسم بالبطلان لصدوره من محكمة غير مختصة نوعياً، فقد استند الطاعن في طلب إلغاء القرار محل النزاع من المحكمة التأديبية على أساس أنه ينطوي على جزاء مقنع ولم يقصد به تحقيق الصالح العام وإنما الإضرار بالطاعن، ومن ثم تختص بنظره المحكمة المذكورة دون محكمة القضاء الإداري، وإذ قضت المحكمة التأديبية بعدم اختصاصها وباختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر النزاع والتي قضت فيه فعلاً برفضه، فإن قضاء كلا الجهتين يكون مخالفاً للقانون مما يحق معه للطاعن طلب إلغاء الحكمين وإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية للفصل فيها كما أخطأ حكم محكمة القضاء الإداري في تطبيق القانون لأن القرار المطعون فيه خرج على الهدف الذي شرع النقل من أجله وقصد به إبعاد الطاعن عن عمله لما نسب إليه من مخالفات رددتها مذكرة الإدارة العامة للمدن الجامعية وهي انقطاعه عن عمله في المدة من 24/ 8/ 1973 إلى 8/ 9/ 1983 وجوزي بالإنذار ثم بخصم يوم من راتبه لعدم حضوره نوبتجية يوم 14/ 9/ 1973، ثم وجه إليه لفت نظر لضرورة التواجد بالمطعم في المواعيد المحددة وذلك بتاريخ 27/ 5/ 1974 وقد تظلم من هذه الجزاءات ورفضت التظلمات، فضلاً عن أن مذكرة إدارة المدن الجامعية أشارت إلى أن مدير التغذية أعد مذكرة تفيد أن الطاعن لا يعمل وليس لديه استعداد ذهني للعمل في التغذية ولا يعمل بجدية وعرضت مذكرته على المراقب العام الذي وافق عليها وعلى إعادته إلى مراقبة الإسكان ورفضت الجهة الأخيرة ذلك لأن المدينة ليست في حاجة إلى خدماته، وكل هذه الظروف والملابسات لا تدع مجالاً للشك في أن قرار نقله يتسم بالسخط وعدم الرضاء ويحمل في طياته جزاءً مقنعاً خليقاً بالإلغاء على خلاف ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة ذهب إلى أن اختصاص القضاء التأديبي ورد محدوداً كاستثناء من الولاية العامة للقضاء الإداري في المنازعات الإدارية، وأن الاستثناء يفسر في أضيق الحدود فيجب الالتزام بالنص وحمله على المعنى الذي قصده المشرع، ومن ثم يقتصر اختصاص القضاء التأديبي على الفصل في المنازعات المتعلقة بالجزاءات التي حددتها القوانين واللوائح صراحة على سبيل الحصر والتي يجوز توقيعها على العاملين كعقوبات تأديبية، وعلى مقتضى ذلك يختص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الإدارية، ولا يخرج القرار الصادر بجزاء مقنع عن كونه تعبيراً تأديبية صريحة وذلك بحسبانه صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية، ولا يخرج القرار الصادر بجزاء مقنع عن كونه تعبير غير دقيق لعيب الانحراف بالسلطة وهو أحد العيوب التي يجوز الطعن من أجلها في القرار الإداري بصفة عامة طبقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون رقم 47/ 1972 بشأن مجلس الدولة، وبهذه المثابة فلا وجه للنص على الحكم المطعون فيه بالبطلان بمقولة أن محكمة القضاء الإداري التي أصدرته غير مختصة نوعياً بنظره، في حين أنها جهة الاختصاص في هذا الشأن كما أن الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بالتربية والتعليم بعدم اختصاصها بنظر النزاع وإحالته بحالته إلى محكمة القضاء الإداري عملاً بحكم المادة (110) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، يكون هو بدوره سليماً ومتفقاً مع القانون، ولا وجه للنعي عليه بأي وجه من الوجوه فضلاً عن أنه حاز قوى الشيء المقضي بفوات مواعيد الطعن فيه باعتباره من الأحكام القطعية التي يجب الطعن فيها فور صدورها، وهذا الحكم يقيد محكمة القضاء الإداري المحال إليها النزاع ويصبح لزاماً عليها الفصل فيه - على فرض عدم اختصاصها أصلاً بنظره وواقع الأمر أنها جهة الاختصاص في هذا الشأن بوصفها صاحبة الولاية العامة للفصل في المنازعات الإدارية ومنها المنازعات المتعلقة بالقرارات المعيبة بعيب الانحراف بالسلطة، كتلك الصادر بها القرار محل النزاع وفقاً لما سلف إيضاحه وبهذه المثابة يكون الطعن في هذا الشق غير قائم على أساس سليم من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إن القرار الصادر بنقل الطاعن من وظيفة مشرف تغذية بالمدينة الجامعية إدارة الجامعة تم بناء على مذكرة من مدير التغذية - وهو رئيسه المباشر - نعى عليه فيها أنه لا يعمل وليس لديه استعداد ذهني للعمل في التغذية، ولا يعمل بجدية مما يشجع باقي زملائه على الحذو حذوه، وعرضت هذه المذكرة على المراقب الذي وافق على إعادته إلى مراقبة الإسكان التي كان يعمل بها من قبل، ولكن هذه المراقبة رفضت ذلك لعدم الحاجة إلى خدماته، الأمر الذي يستفاد منه أن جميع أقسام المدينة الجامعية رفضت إلحاقه بها لعدم قابليته للعمل والانتظام به، وبناء على ذلك صدر قرار أمين عام مساعد الجامعة معتمداً من نائب رئيس الجامعة بنقله إلى إدارة الجامعة. ومن المسلم أن الاختصاص بنقل العامل من مكان إلى آخر مناطه كأصل عام تحقيق مصلحة عامة وما يتطلبه من ضمان حسن سير العمل وانتظامه دون معوقات، وأن مبررات ممارسة هذا الاختصاص تتوافر كلما دعت اعتبارات المصلحة العامة إلى وجوب التدخل لإجرائه يستوي أن يتم هذا النقل بسبب أو بمناسبة اتهام العامل بجرم يخل بواجبات وظيفته في الجهة التي يعمل بها أو لسبب آخر، ما دامت كانت جهة الإدارة تتدخل بهذا الإجراء باعتباره أمراً ضرورياً يمليه حسن سير العمل بصورة طبيعية وبلا معوقات، فإذا كان قد ثبت لدى جهة الإدارة أن الطاعن مهمل في عمله وغير منتج فيه ورأت ضماناً لحسن سير العمل الاستفادة منه في موقع آخر يتفق وقدراته، وكان تقريرها في هذا الشأن قائماً على أسباب تبرره وهو ما كشفت عنه الأوراق فعلاً وتضمنته المذكرة التي أعدها رئيسه المباشر في التغذية، وأكدها رفض مراقبة الإسكان نقله إليها وكان يعمل بها قبل نقله إلى مراقبة التغذية - بحجة عدم الحاجة إلى خدماته، الأمر الذي يقطع بأن جهة الإدارة كانت على حق حين قررت نقله إلى إدارة الجامعة بالقرار محل النزاع - ولا مجال للنعي بالقول أن قرار النقل لم يحدد له وظيفة في الجهة المنقول إليها، فأمر ذلك متروك لجهة الإدارة التي نقل إليها وهي إدارة الجامعة التي لها أن تسند إليه العمل المناسب الذي يتفق مع ميوله، وقدراته ويسد حاجتها في نفس الوقت محققاً لمصلحة العمل، وما دام لم يثبت من الأوراق أن الطاعن نقل إلى وظيفة أدنى أو تضمن نقله تنزيلاً في الدرجة. وعلى مقتضى ما تقدم يكون القرار محل النزاع قد صدر في حدود السلطة التقديرية لجهة الإدارة متوخياً المصلحة العامة، وصدر في حدود الاختصاص المقرر للجهة التي أصدرته، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى ذلك فإن الطعن عليه يضحي على غير أساس متعين الرفض وإلزام الطاعن بالمصروفات عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.