أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 258

جلسة 7 من أبريل سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(52)
الطعن رقم 2395 لسنة 33 القضائية

(أ، ب) بناء. هدم. نقض. "أحوال الطعن بالنقض". "الخطأ في تطبيق القانون". قانون. "قانون أصلح".
( أ ) مؤدى نص المادة الأولى من القانون 656 لسنة 1954 أنه يجب على من يقيم بناء أن يحصل على ترخيص من جهة الاختصاص قبل الشروع في إقامته.
ثبوت أن الطاعن حصل على الترخيص قبل البناء وأنه قام بإتمام البناء قبل صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي بإلغاء قرار الترخيص. إدانة الحكم الطاعن دون أن يبين تاريخ انتهائه من البناء. قصور يعيبه ويستوجب نقضه.
(ب) اقتصار أحكام القانون رقم 178 لسنة 1961 على حظر هدم المباني قبل موافقة لجنة توجيه أعمال الهدم دون إقامتها أو تعديلها أو ترميمها كما كانت تجرى به أحكام القانون 344 لسنة 1956 الملغي. إسناد تهمة إقامة بناء دون الحصول على موافقة هذه اللجنة إلى الطاعن. على المحكمة إعمال أحكام القانون الجديد الذي يعتبر - بجعله فعل الطاعن بمنأى عن التأثيم - قانوناً أصلح للمتهم مجانية الحكم هذا النظر. خطأ في تطبيق القانون.
1 - تنص المادة الأولى من القانون رقم 656 لسنة 1954 على أنه: "لا يجوز لأحد أن ينشئ بناء إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من السلطة القائمة على أعمال التنظيم". بمعنى أنه يجب على من يقيم بناء أن يحصل على ترخيص من جهة الاختصاص قبل الشروع في إقامته. ومؤدى ذلك أن المساءلة الجنائية على مخالفة حكم هذه المادة لا تقوم إلا حيث لا يحصل مقيم البناء الترخيص. ولما كان الثابت مما أورده الحكم أن الطاعن حصل على الترخيص قبل البناء وأنه قام بإتمام البناء قبل صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي بإلغاء قرار الترخيص، ومع ذلك فقد دانه الحكم بتلك الجريمة دون أن يبين تاريخ انتهائه من البناء، وهو بيان كان يجب إيراده، حتى تستطيع محكمة النقض مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى. فإنه يكون مشوباً بقصور يعيبه ويستوجب نقضه.
2 - اقتصرت أحكام القانون رقم 178 لسنة 1961 على حظر هدم المباني قبل موافقة لجنة توجيه أعمال الهدم، دون إقامتها أو تعديلها أو ترميمها كما كانت تجري به أحكام القانون رقم 344 لسنة 1956 الملغي. ومن ثم فإنه كان يتعين على المحكمة - طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات - إعمال أحكام القانون الجديد الذي يعتبر - بجعله فعل الطاعن بمنأى عن التأثيم - قانوناً أصلح له، أما وهي لم تفعل، فإنها تكون قد أخطأت صحيح القانون مما ييتعين معه طبقاً لنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض قبول الطعن وبراءة الطاعن من تهمة عدم إخطار لجنة توجيه أعمال الهدم والبناء.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بتاريخ 9/ 10/ 1956 بدائرة قسم ثان الجيزة: أولاً - أقام البناء المبين بالمحضر بغير ترخيص ودون الحصول على موافقة اللجنة الخاصة بأعمال الهدم والبناء: ثانياً - أقام مبان على أرض تقسيم مدينة الأوقاف مخالفاً مرسوم تقسيمها. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و3 و22 و29 و30 و33 و34 من القانون 656 سنة 1954 والمواد 1 و4 و7 و9 من القانون 344 سنة 1956 والمواد 1 و2 و9 و10 و19 و20 من القانون 52 سنة 1940 المعدل بالقانون 2 سنة 1950. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة قسم ثان الجيزة الجزئية ادعت السيدة فاطمة فتحي مدنياً قبل المتهم والدكتور رياض مصطفى فوزي بمبلغ 51 ج - وقضت المحكمة المذكورة حضورياً بتاريخ 6/ 4/ 1961: أولاً - بتغريم المتهم عشرة جنهيات بلا مصروفات جنائية عن عدم إخطار لجنة البناء والهدم. ثانياً - براءة المتهم مما نسب إليه عن تهمة البناء بدون ترخيص. ثالثاً - رفض الدعوى المدنية وألزمت المدعية مصروفاتها. رابعاً - هدم المبنى المخالف موضوع التهمة الثانية بلا مصروفات جنائية. فاستأنف هذا الحكم كل من النيابة العامة والطاعن والمدعية بالحقوق المدنية. ومحكمة الجيزة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 6/ 2/ 1963 بعدم قبول استئناف المدعية بالحق المدني للتقرير به من غير ذي صفة وإلزامها المصاريف ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وبقبول استئناف المتهم والنيابة شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وتغريم المتهم عشرة جنيهات عن تهمة البناء بدون ترخيص وعشة جنيهات عن تهمة البناء المخالف لمرسوم تقسيم أراضي الأوقاف الصادر بتاريخ 3/ 10/ 1944 وهدم المبنى موضوع المخالفة حسبما هو مبين بأسباب هذا الحكم وبتغريم المتهم عشرة جنيهات عن تهمة عدم إخطار لجنة توجيه أعمال الهدم والبناء بلا مصروفات جنائية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن حاصل الوجهين الأول والثالث من أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه، إذ دان الطاعن بجريمتي البناء بغير ترخيص، وإقامته على أرض تقسيم الأوقاف بالمخالفة لمرسومها، قد أخطأ في القانون وشابه به قصور في التسبيب، ذلك بأنه استند في إلغاء حكم محكمة أول درجة القاضي بتبرئة الطاعن من هاتين الجريمتين على أن حكم محكمة القضاء الإدارى بإيقاف الترخيص هو حكم حائز لقوة الشيء المقضي يتعين على أصحاب الشأن إعمال مقتضاه. وأن الطاعن كان سيء النية - على عكس ما ذهب إليه الحكم المستأنف - حين قام بتكملة البناء المرخص له به بالرغم من صدور ذلك الحكم. وبما اتخذه من إجراءات ملتوية مخالفة للقانون، وفات الحكم أن الترخيص بالبناء صدر في 3/5 /1956 ببناء اثنى عشر طابقاً بعد أن أفتى مستشار الرأي بمجلس الدولة بأن الأرض المرخص باقامة البناء عليها. لا تخضع لمرسوم تقسيم أرض مدنية الأوقاف نظراً لاستبدالها وثبوت حيازتها لمن تلقاها الطاعن عنه قبل صدور هذا المرسوم. كما فاته أيضاً أن جريمة إقامة البناء بدون ترخيص لا تقوم إلا حيث ينعدم الترخيص - لا لمجرد وقفه - وهو أمر لم ينشأ إلا في سنة 1959 حين صدور الحكم النهائي من المحكمة الإدارية العليا في الوقت الذي كان الطاعن قد أتم فيه البناء طبقاً لمواصفات الترخيص، وأخيراً فإن الحكم لم يورد دليلاً، على ما نسبه للطاعن من سلوكه سبلاً تخالف القانون، وكل أولئك أمور تعيبه وتستوجب نقضه.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بوصف أنه: أولاً - أقام البناء المبين بالمحضر بغير ترخيص ودون الحصول على موافقة اللجنة الخاصة بأعمال الهدم والبناء. ثانياً - أقام مبان على أرض تقسيم الأوقاف مخالفاً مرسوم تقسيمها. ومحكمة أول درجة قضت حضورياً بتغريم الطاعن عشرة جنيهات عن تهمة عدم إخطار لجنة البناء والهدم وببراءته من تهمة إقامة البناء دون ترخيص وبهدم البناء المخالف لموضوع التهمة الثانية. وإذ استأنفت النيابة العامة والطاعن في هذا الحكم. فقد قضت المحكمة الاستئنافية بإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم الطاعن عشرة جنيهات عن تهمة البناء بدون ترخيص وعشرة جنيهات عن تهمة البناء بالمخالفة لمرسوم تقسيم أراضي الأوقاف وهدم المبنى موضوع المخالفة. وتغريم الطاعن عشرة جنيهات عن تهمة عدم إخطار لجنة توجيه أعمال الهدم والبناء.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن عرض إلى أن الطاعن قد استصدر بتاريخ 3/ 5/ 1956 ترخيصاً من السلطة القائمة على أعمال التنظيم ببناء اثنى عشر طابقاً فوق الأرض، وأنه بعد أن شرع في البناء، أقيمت دعوى أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزارتي الأوقاف والشئون البلدية، أدخل فيها الطاعن - بطلب إلغاء الترخيص لمخالفته لمرسوم تقسيم مدينة الأوقاف، فأصدرت المحكمة حكماً مؤقتاً بوقف تنفيذ الترخيص وأعلن به الطاعن، وأنه في 23/ 4/ 1957 أصدرت المحكمة حكمها في الموضوع بإلغاء قرار الترخيص، فطعنت عليه هيئة مفوضي الدولة وقضى برفض طعنها بتاريخ 11/ 7/ 1958 - خلص الحكم إلى إدانة الطاعن بجريمة إقامة البناء ترخيص تأسيساً على أنه كان سيء النية حين استمر في البناء إلى أن أتمه، رغم صدور الحكم المؤقت بوقف الترخيص وإعلانه به، وانتهاء محكمة الموضوع بعد ذلك إلى إلغائه. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات حكم محكمة أول درجة الذي قضى بتبرئة الطاعن من تهمة إقامة البناء على خلاف مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف، أن السلطة القائمة على أعمال التنظيم تبينت عند بحث طلب التخيص أن الأرض تقع في تقسيم مدينة الأوقاف، فكان أن طلبت إلى الطاعن تعديل رسومات البناء بما يتفق والاشتراطات الخاصة بتلك المدينة، غير أنه عارضها فيما ذهبت إليه بدعوى أن الأرض لا تخضع لمرسوم التقسيم، لأن مزادها رسا على سلفه قبل صدور المرسوم، فكان أن استطلعت جهة التنظيم رأي مجلس الدولة فأفتى مستشار الرأي بعدم انطباق المرسوم على الأرض موضوع الدعوى، وعلى سند من هذه الفتوى صدر الترخيص بالبناء. هذا ويبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بالرغم من إيراده دفاع الطاعن القائم على النظر سالف الذكر فقد ألغي الحكم المستأنف ودانه دون أن يرد على هذا الدفاع. ولما كان ما تقدم، وكانت المادة الأولى من القانون رقم 1956 لسنة 1954 - الذي جرت الواقعة في ظله، تنص على أنه: "لا يجوز لأحد أن ينشئ بناء.... إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من السلطة القائمة على أعمال التنظيم". بمعنى أنه يجب على من يقيم بناء أن يحصل على ترخيص من جهة الاختصاص قبل الشروع في إقامته، ومؤدى ذلك أن المساءلة الجنائية على مخالفة حكم هذه المادة لا تقوم إلا حيث لا يحصل مقيم البناء الترخيص. وكان الثابت مما أورده الحكم أن الطاعن حصل على الترخيص قبل البناء وأنه قام بإتمام البناء قبل صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي في الموضوع، ومع ذلك فقد دانه الحكم بتلك الجريمة دون أن يبين تاريخ انتهائه من البناء، وهو بيان كان يجب إيراده، حتى تستطيع محكمة النقض مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى، لما كان ذلك، وكان ما أثاره الطاعن حول صدور فتوى مجلس الدولة بعدم انطباق مرسوم تقسيم مدينة الأوقاف على الأرض، دفاعاً هاماً لم يعرض له الحكم المطعون فيه بالرد على حين قضى بإلغاء الحكم المستأنف الذي برأ الطاعن من تهمة البناء بالمخالفة لمرسوم التقسيم، فإنه يكون مشوباً بقصور يعيبه ويستوجب نقضه والإحالة بالنسبة لتهمتي البناء بدون ترخيص وإقامة المبنى على أض تقسيم الأوقاف بالمخالفة لمرسوم تقسيمها.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني من أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه، إذ دان الطاعن بجريمة إقامة بناء قبل الحصول على موافقة لجنة أعمال البناء بالتطبيق للقانون رقم 344 لسنة 1956، قد شابه خطأ في الإسناد والاستدلال حين أطرح الإيصال الصادر من لجنة توجيه أعمال الهدم والبناء بتاريخ 8/ 10/ 1956 الذي يتضمن استلامها مستندات النموذج رقم 2 بدعوى أن هذا الايصال قد يكون عن مبنى آخر غير المبنى موضوع المخالفة، مع أن الثابت بكتاب وزارة الإسكان والمرافق المؤرخ 27/ 1/ 1962 أن النموذج خاص بالعمارة موضوع الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه صدر فيه 6/ 2/ 1963 ودان الطاعن بالتطبيق لأحكام القانون قم 344 لسنة 1956، وهو تاريخ كان قد ألغي فيه هذا القانون بصدور القانون رقم 178 لسنة 1961، لما كان ذلك، وكانت أحكام هذا القانون الأخير قد اقتصرت على حظر هدم المباني قبل موافقة لجنة توجيه أعمال الهدم. دون إقامتها أو تعديلها أو ترميمها كما كانت تجرى به أحكام القانون الملغي. فإنه كان يتعين على المحكمة - طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات - إعمال أحكام القانون الجديد الذي يعتبر - بجعله فعل الطاعن بمنأى عن التأثيم - قانوناً أصلح له، أما وهي لم تفعل، فإنها تكون قد أخطأت صحيح القانون مما ييتعين معه طبقاً لنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، قبول الطعن وبراءة الطاعن من تهمة عدم إخطار لجنة توجيه أعمال الهدم والبناء.