أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 289

جلسة 13 من أبريل سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ محمود إسماعيل، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محفوظ، وبطرس زغلول.

(57)
الطعن رقم 215 لسنة 34 القضائية

( أ ) إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إقرار الطاعن بتحرير إذني الصرف - المزورين - مع تنصله من التوقيع عليهما. لا يعد اعترافاً بجريمة التزوير التي دين بها كما هي معرفة به قانوناً. خطأ المحكمة في تسمية هذا الإقرار اعترافاً. لا تأثير له على سلامة الحكم. طالما أنه تضمن من الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى. وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف.
(ب) إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير آراء الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع بلا معقب عليها.
1 - إقرار الطاعن بتحرير إذني الصرف - المزورين - مع تنصله من التوقيع عليهما وإن كان لا يعد اعترافاً بجريمة التزوير التي دين بها كما هي معرفة به قانوناً، إلا أنه يتضمن في ذاته إقراراً بتحرير إذني الصرف موضوع الدعوى ومن ثم فإن خطأ المحكمة في تسمية هذا الإقرار اعترافاً لا يقدح في سلامة الحكم طالما أنه تضمن من الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى، وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف - وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود.
2 - الآمر في تقدير آراء الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع إذ هو يتعلق بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ولا معقب عليها فيه. فإذا كان الحكم الإبتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أخذ بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي واستند إليه في قضائه بإدانة الطاعن فإن هذا يفيد أنه أطرح التقرير الاستشاري دون أن تلتزم المحكمة بالرد عليه استقلالاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن مع آخرين حكم ببراءتهما بأنهم في الفترة ما بين 13 مايو سنة 1955 و20 أبريل سنة 1955 بدائرة مركز ميت غمر: - المتهم (الطاعن) ارتكب تزويراً في ورقتين عرفيتين هما إذني صرف الكسب رقم 11363 و11365 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن انتحل اسم أبو زيد عطية عيسى ووقع الإذن الأول بهذه الصفة. كما انتحل اسم رمضان على ووقع على الإذن الثاني بهذه الصفة. المتهمون الثلاثة: استعملوا ورقتين مزورتين هما إذني صرف الكسب رقم 11365 و11363 بأن قاموا بصرف الكميات الواردة بهما مع علمهم بتزويرهما وطلبت عقابهم بالمواد 211، 213، 214، 215 من قانون العقوبات. وقد ادعى المجني عليه الأول بحق مدني قبل المتهمين متضامنين وشركة معامل الخليج والزيوت المتحدة بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية متضامنين مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة ميت غمر الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 17 فبراير سنة 1960 عملاً بالمادة 215 من قانون العقوبات بحبس المتهم (الطاعن) ستة شهور مع الشغل وكفالة 10 جنيهات لوقف التنفيذ وإلزامه والمسئول عن الحقوق المدنية ممثل شركة معامل الحليج والزيوت المتحدة بميت غمر بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت ومصروفات الدعوى المدنية. فاستأنف هذا الحكم كل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية والنيابة العامة. ومحكمة المنصورة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 11 مارس سنة 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبسه ثلاثة شهور مع الشغل وتأييده فيما عدا ذلك. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب ذلك أن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد نسب إلى الطاعن الاعتراف بصحة ما أسند إليه في حين أن أقوال الطاعن في التحقيقات خلت من هذا الاعتراف بل الثابت أنه نفى الجريمتين المسندتين إليه نفياً باتاً وأصر على ذلك في مذكراته المقدمة في درجتي التقاضي وحرص على إثبات أن التوقيعين المثبتين على إذني الصرف موضوع الاتهام ليسا بخطه وقدم تقريراً استشارياً يظاهر دفاعه ومن ثم يكون الحكم قد اعتمد في إدانته على ما لا أصل له في الأوراق وأخطأ في فهم أقوال الطاعن ودفاعه ثم إن الطاعن دفع أمام محكمة ثاني درجة بأن التوقيعين المثبتين على إذني الصرف ليسا بخطه شأنهما في ذلك شأن باقي التوقيعات التي اشتبه فيها ثم تبين من المضاهاة أنها لم تصدر منه وقدم إلى المحكمة تقريراً استشارياً يؤيد دفاعه إلا أن المحكمة قضت بتأييد الحكم المستأنف دون أن ترد على دفاعه أو تعرض للتقرير الاستشاري مع أنها صرحت للخبير الاستشاري بالاطلاع على الأوراق لأداء مأموريته.
وحيث إن النيابة العامة اتهمت الطاعن بأنه: أولاً - ارتكب تزويراً في ورقتين عرفيتين هما إذني صرف الكسب رقم 11365 و11363 بأن جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن انتحل اسم أبو زيد عطية عيسى ووقع الإذن الأول بهذه الصفة كما انتحل اسم رمضان علي ووقع على الإذن الثاني بهذه الصفة. ثانياً - استعمل والمتهمان الثاني والثالث ورقتين مزورتين هما إذني صرف الكسب رقم 11365 و11363 بأن قاموا بصرف الكميات الواردة بهما مع علمهم بتزويرهما وطلبت عقابهم بالمواد 211 و213 و214 و215 من قانون العقوبات. وبجلسة المحاكمة ادعى المجني عليه الأول مدنياً قبل المتهمين وشركة معامل الحليج والزيوت المتحدة بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية ومحكمة أول درجة قضت حضورياً بحبس الطاعن ستة شهور مع الشغل وإلزامه والمسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وببراءة المتهمين الثاني والثالث فاستأنف الطاعن والمسئول عن الحقوق المدنية والنيابة العامة هذا الحكم ومحكمة ثاني درجة قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس الطاعن ثلاثة شهور مع الشغل وتأييد الحكم فيما عدا ذلك وحصل الحكم الابتدائي الذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه واقعة الدعوى بما مؤداه أن المجني عليه أبو زيد عطية عيسى - المدعي بالحق المدني - أبلغ بأنه صدر له إذن صرف كمية من الكسب من المعصرة التي يعمل فيها الطاعن والمتهم الثاني بصفته مرب للماشية برقم 11365 وترامى إلى علمه في 13/ 4/ 1955 أن الكسب المصرح به قد تم صرفه بعد التوقيع على الإذن بإمضاء نسب إليه وذلك على الرغم من عدم استلامه لهذا القدر فتوجه إلى المتهم الثاني واستفسر منه عن الإذن الصادر له فأجابه بأنه لم يرد من وزارة التموين بيد أنه علم بعد ذلك من عبد الواحد محمد عيسى أن اسمه تردد في المعصرة بما يفيد صدور الإذن له فتوجه إلى المتهم الثاني مرة أخرى فأكد له أن الإذن لم يرد بعد إلا أنه لاحظ أثناء قيام الطاعن بمراجعة السجل الخاص بأسماء أصحاب الأذون - أن اسمه مرصود ضمن هذه الأسماء ولما نبه المتهم الثاني إلى ذلك علله بأن هذا الإذن غير خاص به ولكنه أسمى له من بلدة كفر رجب التابعة لمركز مينا القمح فأخطر مفتش التموين الذي باشر ضبط الواقعة فتبين من الاطلاع على كشوف المعصرة أن اسم المبلغ كان مقيداً برقم 19721 ضمن المتعاملين في الكسب خلال موسم 1953 - 1954 إلا أنه أوقف صرف الكسب إليه عقب صدور قرار الكسب الجديد لعدم انطباقه عليه ثم أعيد قيد اسمه من جديد تحت رقم 11365 كمربي للماشية من بلدة كفر رجب مركز مينا القمح كما بان من الاطلاع على الإذن أنه برقم 11365 صادر باسم المبلغ ويحمل توقيعاً منسوباً إليه وتم بمقتضاه صرف خمسة أطنان من الكسب نقلت بالسيارة رقم 1655 شرقية وبسؤال سائقها قرر أنه نقل الكسب من المعصرة بتكليف من المتهم الثالث إلى بلدة بعينها وثبت من التحقيق أيضاً أن ثمة إذن آخر صدر باسم رمضان علي وصرفت بمقتضاه كميات من الكسب دون أن يستدل على صاحبه كما لم يسفر البحث بين إقرارات أصحاب الأذون التي يتقدمون بها قبل استخراجها على الإذن الخاص بالمبلغ وبرمضان علي وتبين أيضاً أنه لا توجد بدائرة مركز مينا القمح بلدة باسم كفر رجب وبسؤال المتهم الثاني قرر أنه يعرف المبلغ كما يعرف سيما له من بلدة كفر رجب التابعة لمركز مينا القمح وأن زمليه الطاعن هو الذي قام بتحرير إذن الصرف الخاص بالمبلغ وأقر الطاعن بأنه حرر إذني الصرف الخاصين بالمبلغ وبرمضان علي وثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أن الطاعن هو الكاتب للتوقيعين المثبتين على هذين الإذنين وبمواجهته بذلك قرر أنه لا يعتقد أن التوقيعين بخطه وإن كان من المحتمل أن يكون صاحباً الإذنين قد كلفاه بالتوقيع عليهما بدلاً عنهما لجهلهما بالكتابة واستند الحكم في قضائه بإدانة الطاعن إلى اعترافه وإلى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال الطاعن في قوله إن المتهم الأول الطاعن، قرر أنه قام بتحرير الإذن الخاص بالمبلغ ومن يدعي رمضان علي وقام بتسليمهما إليهما بعد أن حصل على توقيع كل منهما وأضاف أنه يعرف الذين يتعاملون في استلام الكسب من المعصرة التي يعمل بها وأنه يعرف المبلغ كما يعرف الشخص الآخر الذي يدعى أبو زيد عطية عيسى من كفر رجب التابعة لمركز منيا القمح ولكنه لا يعرف رمضان علي كما حصل الحكم أقواله عندما ووجه بما أثبته تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بأنه الكاتب للتوقيعين المزورين بقوله "وبمواجهة المتهم الأول بهذه النتيجة قرر أنه يحتمل أن يكون صاحبا الإذنين قد احتجا بعدم معرفتهما للتوقيع وطلبا منه التوقيع بدلاً عنهما باسم كل منهما وإن كان يعتقد أن الخط ليس له" ثم خلص الحكم إلى ثبوت التهمة في حق الطاعن بقوله "ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المتهم الأول اصطنع إذني صرف الكسب أحدهما برقم 11365 باسم المدعي بالحق المدني والآخر رقم 11363 باسم رمضان علي كما وقع توقيعين مزورين عليهما نسبهما إلى المدعي المدني ورمضان علي كما دل ذلك على استعماله لهذين الإذنين المزورين اللذين تم بمقتضاهما صرف الكمية المبينة بهما من الكسب وقد ثبت ذلك من اعتراف المتهم ونتيجة تقرير قسم الأبحاث والتزييف بمصلحة الطب الشرعي. ولما كان مفاد ما خلص إليه الحكم فيما تقدم أنه أقام قضاءه بثبوت اصطناع الطاعن لإذني الصرف على إقراره بتحرير هذين الإذنين وعلى ما ثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أنه الكاتب للتوقيعين المزورين المثبتين بالإذنين وهو تدليل سليم مردود إلى أصوله الثابتة في الأوراق ويؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه. لما كان ذلك، وكان إقرار الطاعن بتحرير إذني الصرف مع تنصله من التوقيع عليهما وإن كان لا يعد اعترافاً بجريمة التزوير التي دين بها كما هي معرفة به قانوناً. إلا أنه تضمن في ذاته إقراراً بتحرير إذني الصرف موضوع الدعوى فإن خطأ المحكمة في تسمية هذا الإقرار اعترافاً لا يقدح في سلامة الحكم طالما أنه تضمن من الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى، وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن بأن التوقيعين المثبتين على الإذنين لم يكتبا بخطه إنما هو من قبيل الجدل الموضوعي الذي لا يقبل منه أمام محكمة النقض وهو باعتباره دفاعاً موضوعياً لم تكن المحكمة ملزمة بالرد عليه استقلالاً اكتفاء بأخذها بأدلة الإثبات القائمة في الدعوى. أما النعي على الحكم المطعون فيه بأنه أغفل الرد على التقرير الاستشارى المقدم من الطاعن لمحكمة ثاني درجة فإنه مردود بأن الأمر في تقدير رأي الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع إذ هو يتعلق بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى ولا معقب عليها فيه. ولما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أخذ بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي واستند إليه في قضائه بإدانة الطاعن فإن هذا يفيد أنه أطرح التقرير الاستشاري دون أن تلتزم المحكمة بالرد عليه استقلالاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.