أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 303

جلسة 14 من أبريل سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(60)
الطعن رقم 1282 لسنة 33 القضائية

( أ ) دعوى. "نظرها". قضاه. "تنحى القضاة وردهم عن الحكم". رد.
الأحوال التي يمتنع فيها على القاضي نظر الدعوى التي حددتها المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية: من بينها قيام القاضي في الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة أو بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة. تعلق هذا النص بالنظام العام. التحقيق والإحالة في مفهوم حكم المادة المذكورة هو ما يجريه القاضي أو يصدره في نطاق قانون الإجراءات الجنائية سواء بصفته سلطة تحقيق أو حكم. لا يجوز أن يقاس عليه التحقيق الذي يقوم به قاضي محكمة الأحوال الشخصية في نطاق اختصامه القانوني وما ينبني عليه من قرار بإحالة أمر معين إلى الجهة المختصة. مثال.
(ب) دعوى مدنية. "إجراءات نظرها أمام القضاء الجنائي".
انتهاء المحكمة الجنائية إلى أن تقدير التعويض يستلزم إجراء تحقيق خاص لتحديد قيمة الأموال المسروقة ومقدارها مما لا يتسع له وقتها. قضاؤها بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية طبقاً لنص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية. لا تعارض بين الفصل في الدعوى الجنائية بالإدانة وبين إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة. علة ذلك؟ قيمة المسروقات ليست عنصراً من عناصر جريمة السرقة.
(ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة التي تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها. سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة. متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
(د) إجراءات المحاكمة. شهود.
استغناء المحكمة عن سماع الشهود. شرطه: قبول المتهم أو المدافع عنه ذلك. يستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً. يتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه.
1 - حددت المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية الأحوال التي يمتنع فيها على القاضي نظر الدعوى لما بينها وبين وظيفة القضاء من تعارض، ومن بين هذه الأحوال أن يكون القاضي قد قام في الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة أو بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة، وهو نص مقتبس مما ورد في المادة 313 من قانون المرافعات ومتعلق بالنظام العام. وأساس وجوب امتناع القاضي عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأياً في الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوع الدعوى ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً. والتحقيق والإحالة في مفهوم حكم المادة 247 إجراءات - كسبب لامتناع القاضي عن الحكم - هو ما يجريه القاضي أو يصدره في نطاق تطبيق قانون الإجراءات الجنائية سواء بصفته سلطة تحقيق أو حكم. ولا يجوز أن يقاس عليه التحقيق الذي يقوم به قاضي محكمة الأحوال الشخصية في نطاق اختصاصه القانوني وما ينبني عليه من قرارات بإحالة أمر معين إلى الجهة المختصة، فإذا كان الثابت من دعوى الأحوال الشخصية أن القاضي قام بتحقيق اعتراضات الوصية على محضر الجرد وما أثارته حول الأموال والمجوهرات التي خلفها المورث واستمع في هذا الشأن إلى أقوال الخصوم وشهودهم بحثاً عن حقيقة أموال القاصرين ومصيرها - وهو ما يدخل في صميم اختصاصه كقاض للأحوال الشخصية - فلما عرضت له واقعة السرقة أحالها إلى النيابة العامة لتحقيقها دون أن يبدي رأياً فيها أو يتخذ أي قرار يكشف عن اعتقاده بصحتها، وهي إجراءات لا تعد من أعمال جمع الاستدلالات أو التحقيق في موضوع واقعة السرقة، ولا تفيد في حد ذاتها أن القاضي كون رأياً معيناً ثابتاً بصدد إدانة المتهمين فيها، فإنه ليس هناك ما يمنعه بعد ذلك من نظر موضوع الدعوى الجنائية والفصل فيها.
2 - إذا كانت المحكمة قد قدرت في نطاق اختصاصها الموضوعي المطلق أن تقدير التعويض يستلزم إجراء تحقيق خاص لتحديد قيمة الأموال المسروقة ومقدارها بالضبط وهو ما لا يتسع له وقتها وقضت بإحالة دعوى المدعية بالحق المدني إلى المحكمة المدنية على مقتضى ما تجيزه المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية، وكانت قيمة المسروقات ليست عنصراً من عناصر جريمة السرقة فإنه ليس ثمة تعارض بين الفصل في الدعوى الجنائية بالإدانة وبين إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة التي تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها وهي ليست مطالبة بأن تأخذ بالأدلة المباشرة وحدها بل إن لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
4 - للمحكمة أن تستغني عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، ويستوي في ذلك أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم 9 أبريل سنة 1962 بدائرة مركز أبو تيج: الأول - سرق الأشياء المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لورثة حليم حنا الريدى من منزله. والثاني - أخفى المسروقات سالفة الذكر والمتحصلة من جريمة سرقة مع علمه بذلك - وطلبت عقابهما بالمادتين 317/ 1، 44 مكرر من قانون العقوبات. وادعت فكتوريا إبراهيم مدنياً طالبة القضاء لها قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 500 ج على سبيل التعويض. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة أبو تيج الجزئية عدلت المحكمة وصف التهمة في مواجهة المتهمين على أساس أنهما في خلال المدة من 6 فبراير سنة 1962 إلى 9 أبريل سنة 1962 سرقا الأشياء المبنية وصفاً وقيمة بالمحضر والمملوكة لورثة حليم حنا، كما دفع الحاضر عن الطاعن بعدم صلاحية قاضي محكمة أول درجة بنظر الدعوى. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 28 أبريل سنة 1963 عملاً بالمادة 317 من قانون العقوبات: أولاً - بحبس المتهم الأول ثلاثة أشهر مع الشغل والنفاذ وبحبس المتهم الثاني (الطاعن) سنتين مع الشغل والنفاذ. ثانياً - بإلزام المدعي عليهما (المتهمين) بأن يدفعا للمدعية بالحق المدني بصفتها خمسمائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت بطريق التضامن مع إلزامهما متضامنين أيضاً بمصاريف الدعوى المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وأمرت المحكمة بشمول الحكم في الدعوى المدنية بالنفاذ رغم استئنافه. فاستأنف المتهمان هذا الحكم. ومحكمة أسيوط الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 11 يونيه سنة 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى الجنائية وإلغائه فيما قضى به في الدعوى المدنية وإحالة القضية لمحكمة أبو تيج المدنية لنظرها، فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو الخطأ في تأويل القانون والبطلان في الإجراءات، ذلك أن الطاعن دفع بعدم صلاحية قاضي محكمة أول درجة بنظر الدعوى وفقاً لنص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية واستند في ذلك إلى أن القاضي سبق أن قام في هذه الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي حينما كان رئيساً لمحكمة الأحوال الشخصية إذ سأل المدعية بالحق المدني في البلاغ المقدم منها إلى هذه المحكمة بصفتها وصية عن واقعة السرقة موضوع الدعوى المطروحة كما سأل شقيق المورث في هذا الشأن مما يعد بمثابة جمع استدلالات في هذه الدعوى، كما أنه أجرى تحقيقاً فيها إذ ورد بحكم محكمة أول درجة أن المتهمين (الطاعن والمتهم الآخر) حضر أمام القاضي في محكمة الأحوال الشخصية بجلسة 11/ 6/ 1962 بأمر صادر منه واستجوبهما فاعترف المتهم الآخر بارتكاب السرقة وتسليم المسروقات إلى الطاعن وأنكر الأخير ما أسند إليه ثم أحال الأوراق إلى النيابة العامة للتصرف فيها، بيد أن محكمة أول درجة ومن بعدها محكمة ثاني درجة رفضتا هذا الدفع وما أوردتاه رداً على هذا الدفع ينطوي على خطأ في تأويل القانون، ومن ناحية أخرى فقد أخطأ الحكم في رفض هذا الدفع إذ هو في حقيقته رد للقاضي الجزئي عن نظر الدعوى والحكم فيها لأن اعتراض الطاعن على صلاحية القاضي بمثل الأسباب التي أبداها هو بمثابة رد له مما كان يتعين معه أن يطرح الأمر على رئيس المحكمة إعمالاً لنص المادة 349 من قانون الإجراءات الجنائية أو يعرض الأمر على المحكمة الابتدائية لتفصل فيه باعتباره رداً للقاضي عن الحكم في الدعوى ولو لم يتبع في شأنه ما هو وارد في قانون المرافعات مادام القاضي قد بادر بالرد على تلك الأسباب ولم يعترض بشكلياتها.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على المتهم الأول والطاعن لأن أولهما سرق الأشياء المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لورثة حليم حنا الديوى من منزله ولأن الطاعن أخفى المسروقات سالفة الذكر والمتحصلة من جريمة سرقة مع علمه بسرقتها - بالتطبيق للمواد 317/ 1 و44 مكرر من قانون العقوبات - وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة طلبت النيابة العامة في حضور الطاعن تعديل التهمة المسندة إلى الأخير إلى سرقة ولفتت المحكمة نظر الدفاع عنه إلى هذا التعديل ثم قضت حضورياً بحبس المتهم الأول ثلاثة شهور مع الشغل وبحبس الطاعن سنتين مع الشغل وإلزامهما متضامنين وبأن يدفعا للمدعية بالحق المدني 500 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف والأتعاب على اعتبار أن الواقعة تكون جريمة سرقة بالنسبة إلى المتهمين. فاستأنف المحكوم عليهما، ومحكمة ثاني درجة قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى الجنائية وإلغائه فيما قضى به في الدعوى المدنية وإحالة القضية إلى المحكمة المدنية لنظرها. وحصل الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه واقعة الدعوى بما مؤداه أن المرحوم حليم حنا توفى عن تركة وقصر وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الأحوال الشخصية طعنت الوصية بجلسة 26/ 2/ 1962 على محضر الجرد لأنه لم يتضمن ما تركه المورث من أموال كثيرة وحلي استولى عليها ولده البالغ فكري حليم حنا - المتهم الأول - وصهره فهمي خله مكاري - الطاعن - بقصد حرمان القاصرين من نصيبهما فيها منتهزين فرصة وجودهما بالقاهرة عند وفاة المورث وأيدها في ذلك شقيق المتوفى فهيم حنا فأحالت المحكمة الأمر إلى نيابة الأحوال الشخصية التي ندبت ضابط المباحث للتحري عن جدية هذا البلاغ فأسفرت تحرياته على أن المورث ترك أموالاً سائلة ذهباً وفضة ونقوداً تقدر بستة آلاف من الجنيهات وأن المتهم الأول استولى عليها وأخفاها في مكان لم توصل التحريات إلى تحديده وبجلسة 11/ 6/ 1962 حضر المتهمان أمام محكمة الأحوال الشخصية واعترف أولهما من تلقاء نفسه وفى حضور الثاني (الطاعن) بأنه استولى على ما خلفه المورث من ذهب ومجوهرات تقدر بألفين من الجنيهات فضلاً عن جنيهات ذهبية لا يعرف عددها وسلمها جميعاً إلى صهره الطاعن ليحتفظ بها له إلا أنه عندما طالبه بها رفض إعادتها إليه واختلسها لنفسه إضراراً به وبباقي الورثة واستطرد أنه أبلغ شيخ البلد عمران عبد الوارث بهذا الأمر وطلب منه التدخل لدى الطاعن في رد هذه الأموال وأيده الأخير في أقواله وأنكر الطاعن ما نسب إليه دون أن يجرح المتهم الأول بمطعن ما. ثم أحالت محكمة الأحوال الشخصية الأمر للنيابة العامة التي باشرت التحقيق وسألت المتهم الأول فردد اعترافه وأضاف بأن المجوهرات والأموال كانت داخل صفيحة مدفونة في باطن الأرض وأنه عندما طالب الطاعن بإعادتها إليه رفض وامتنع حتى عن مجرد الإنفاق عليه. وأصر الطاعن على الإنكار وقرر أنه سبق أن نشب نزاع بينه وبين المتهم الأول ولكنهما تصالحا بعد ذلك. لما كان ما تقدم، وكان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات دعوى الأحوال الشخصية المنضمة أن الوصية قررت بجلسة 26/ 2/ 1962 أن عم القاصرين فكري حليم حنا وصهره فهمي خله (الطاعن) قد أخفيا بعض أموال المورث من حلي ومجوهرات وذهب وفضة وأيدها في ذلك شقيق المورث فكلفت المحكمة نيابة الأحوال الشخصية تحرى الأمر وأجلت الدعوى ثلاث مرات حتى ترد التحريات وبجلسة 9/ 4/ 1962 سمعت المحكمة أقوال ضابط المباحث فقرر أن تحرياته أسفرت عن صحة بلاغ الوصية فكلفته المحكمة بالاستمرار في التحري عن مصير هذه الأموال ثم قررت بجلسة 16/ 4/ 1962 إحالة عم القاصرين والطاعن إلى النيابة العامة للتحقيق. وفي جلسة 11/ 6/ 1962 حضر كلاهما أمام محكمة الأحوال الشخصية وأقر أولهما بأنه استولى على ما تركه المورث من مجوهرات ونقود ذهبية وأنه سلمها إلى صهره الطاعن على أن يتعاونا سوياً إلا أن الأخير امتنع بعد ذلك عن ردها إليه وأنكر الطاعن هذه الواقعة فقررت المحكمة التحفظ على الأخير وإحالته إلى النيابة العامة للتحقيق دون أن تتخذ من جانبها أي قرار بشأن أحقية القاصرين لهذه الأموال والمجوهرات. لما كان ذلك، وكان حكما محكمتى أول وثاني درجة عرضا إلى ما أثاره الطاعن من عدم صلاحية قاضي محكمة أول درجة للفصل في الدعوى تأسيساً على ما قاله من سابقة قيام القاضي بعمل من أعمال جمع الاستدلالات والتحقيق في دعوى الأحوال الشخصية المنضمة، ورد الحكمان عليه بما مؤداه أن هذا القاضي لم يقم في تلك الدعوى بأى عمل من أعمال التحقيق يمنعه من نظرها طبقاً لنص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية لأن دوره في دعوى الأحوال الشخصية لم يعدو سماع أقوال المتهمين عن حقيقة الأمر بالنسبة لأموال القاصرين ثم إحالة هذين المتهمين إلى النيابة العامة للتحقيق معهما في أمور عرضت في أقوال من سمعهم كما أن هذه الإحالة لا تعد إحالة بالمعنى المقصود في قانون الإجراءات الجنائية، وما أورده الحكمان فيما تقدم سديد في القانون، ذلك بأن المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية حددت الأحوال التي يمتنع فيها على القاضي نظر الدعوى لما بينها وبين وظيفة القضاء من تعارض ومن بين هذه الأحوال أن يكون القاضي قد قام في الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة أو بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة، وهو نص مقتبس مما ورد في المادة 313 من قانون المرافعات ومتعلق بالنظام العام. وقد جاء في المذكرة الإيضاحية المصاحبة لقانون الإجراءات الجنائية تعليقاً على ذلك النص أن أساس وجوب امتناع القاضي عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأياً في الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوع الدعوى ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً، ولما كان الثابت من دعوى الأحوال الشخصية أن القاضي قام بتحقيق اعتراضات الوصية على محضر الجرد وما أثارته حول الأموال والمجوهرات التي خلفها المورث واستمع في هذا الشأن إلى أقوال الخصوم وشهودهم بحثاً عن حقيقة أموال القاصرين ومصيرها - وهو ما يدخل في صميم اختصاصه كقاض للأحوال الشخصية - فلما عرضت له واقعة السرقة أحالها إلى النيابة العامة لتحقيقها دون أن يبدي رأياً فيها أو يتخذ أي قرار يكشف عن اعتقاده بصحتها، وهي إجراءات لا تعد من أعمال جمع الاستدلالات أو التحقيق في موضوع واقعة السرقة، ولا تفيد في حد ذاتها أن القاضي كون رأياً معيناً ثابتاً بصدد إدانة المتهمين فيها، ومن ثم فليس هناك ما يمنعه بعد ذلك من نظر موضوع الدعوى الجنائية والفصل فيها. ذلك بأن أحوال التعارض يجب تفسيرها في نطاق ضيق إذ هي استثناء من أصل صلاحية القاضي للفصل فيما يعرض عليه من قضايا، فما لم يتمثل التعارض في الجمع بين صفات تتنافر وأصول النظام الطبيعي العام المفهومة بالضرورة والتي من شأنها إذا ما توافرت أن تقطع بوهم القضاء بالميل لجانب معين، فإنه لا يقبل القياس على صور التعارض المقننة قانوناً طالما أن الصفة لا تندرج تحت الأصل العام سالف البيان. لما كان ذلك، وكان التحقيق والإحالة في مفهوم حكم المادة 247 إجراءات - كسبب لامتناع القاضي عن الحكم - هو ما يجريه القاضي أو يصدره في نطاق تطبيق قانون الإجراءات الجنائية سواء بصفته سلطة تحقيق أو حكم، فإنه لا يجوز أن يقاس عليه التحقيق الذي يقوم به قاضي محكمة الأحوال الشخصية في نطاق اختصاصه القانوني وما ينبني عليه من قرارات بإحالة أمر معين إلى الجهة المختصة كما هي الحال في القرار الصادر في الدعوى المضمومة. أما التحفظ على الطاعن فهو إجراء وقائي لا يكشف عن رأي القاضي في موضوع الدعوى. لما كان ما تقدم، وكان لا محل لما ينعاه الطاعن على محكمة أول درجة من امتناعها عن عرض الأمر على رئيس المحكمة الابتدائية وفقاً للمادة 249 من قانون الإجراءات الجنائية طالما أن القاضي لم يستشعر حرجاً من نظر الدعوى ومادام الطاعن لم يتخذ إجراءات الرد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية عملاً بالمادة 250 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الوجه غير سديد.
وحيث إن مبنى أوجه الطعن الثلاثة الباقية هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون وشابه فساد في الاستدلال وبطلان في الإجراءات ذلك بأن الحكم دانه بجريمة السرقة مع أن اعتراف المتهم الأول - وهو أساس الدعوى - يتحصل في أنه استولى على المسروقات قبل وفاة والده بيومين وسلمها إلى صهره الطاعن للمحافظة عليها وهو ما يوفر في حق الطاعن جريمة خيانة الأمانة لا السرقة لحصول القسيم المانع للاختلاس وبالتالي فإن الإثبات لا يجوز إلا بالكتابة وقد ترتب على اعتبار الواقعة سرقة حرمان الطاعن من حماية القانون بتطبيق قواعد الإثبات المقررة فيه. ثم إن اعتراف المتهم الأول بجلسة 11/ 6/ 1963 أمام المحكمة الاستئنافية بأن الطاعن قام بوضع المسروقات داخل دولاب بمنزل المورث واحتفظت زوجة الأول بمفتاحه يفيد عدم حصر الاتهام في الطاعن وحده لاحتمال حصول السرقة من الزوجة أو غيرها من سكان المنزل مما يعيب استدلال الحكم بالفساد. كما أن ما أورده الحكم المطعون فيه بصدد قضائه بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية لتعذر الفصل فيها بسبب عدم إمكان تحديد المال المسروق وقيمته على وجه يقيني يفيد أن المحكمة لم تتأكد من حصول السرقة، وهو ما كان يقتضيها إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية حتى تتحقق من ماهية المسروقات وقيمتها لما قد يترتب عليه من تعارض بين الأحكام إذا ما ثبت من تحقيق المحكمة المدنية أن المورث لم يترك الأموال المدعي بسرقتها وخاصة أن محضر الجرد جاء خلواً من إثباتها ويضاف إلى ذلك أن ما أثبته الحكم من أن الطاعن أبدى رغبته في فترة حجز القضية للحكم بأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغاً معيناً من المال حتى تتنازل عن دعواها المدنية لا يصلح دليلاً على اقتراف الطاعن لجريمة السرقة. فضلاً عن أن الحكم لم يبين كيفية وصول هذه الرغبة ومدى صحتها. كما أن المحكمة لم تحقق شفوية المرافعة في الدعوى بسماع أقوال الشهود وعلى الرغم من أن محكمة أول درجة لم تسمعهم كذلك.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أثبت في حق الطاعن اتفاقه مع صهره المتهم الأول على اختلاس نصيب الورثة من المال المنقول المخلف عن المورث بأن أخرجها الأخير من مكانها وسلمها إلى الطاعن الذي انصرف بها، واستند الحكم في حصول الواقعة على هذا النحو إلى أدلة استمدها من اعتراف المتهم الأول وأقوال ضابط المباحث وشيخ البلد عمران عبد الوارث وشقيق المورث فهيم حنا ومن دلالة حضور الطاعن من القاهرة إلى أبو تيج في فترة احتضار المورث وإقامته بها عقب الوفاة ملازماً المتهم الأول ومن الصورة الرسمية للمذكرة التي قدمها المورث قبل وفاته في إحدى الدعاوى والتي تتضمن احتفاظه بأموال سائلة وإلى ما أبداه الطاعن بجلسة 21/ 4/ 1963 من رغبته في دفع مبلغ 400 ج للمدعية بالحق المدني مقابل تنازلها عن شكواها، وأطرح الحكم ما قرره المتهم الأول بجلسة 11/ 6/ 1963 من أنه ما سلم المسروقات إلى الطاعن إلا بقصد حفظها لحين توزيعها على الورثة بقوله "إن هذا التصوير غير مقبول في السير العادي للأمور وما كانت هناك حاجة تدعو المتهم الأول إلى هذا التصرف وكان في وسعه التحفظ هو على الأموال في مكانها حتى يتقاسمها مع أصحاب الحق فيها دون أن يحتاج إلى إيداعها أولاً لدى المتهم الثاني - الطاعن - ما لم تكن حقيقة الأمر هي أن المتهم الأول متفاهم مع المتهم الثاني على اختلاس هذه الأموال والاستئثار بها دون باقي الورثة عقب وفاة المورث ولهذا يعدو دفاع المتهم الثاني بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود والقرائن استناداً إلى ادعاء الوديعة بحسب تصوير المتهم الأول أمر غير ذي موضوع" كما عرض الحكم مرة أخرى إلى دفع الطاعن بعدم جواز الإثبات بالبينة ورد عليه بما مؤداه أنه بفرض صحة منعى الطاعن من أن الواقعة خيانة أمانة، فإنه لا محل لاشتراط إثبات واقعة تسليم الأموال من المتهم الأول للطاعن إلا بالكتابة لأن علاقة المصاهرة التي تربطهما مانع أدبي تحول دون الحصول على دليل كتابي. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة السرقة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة التي تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها، وهي ليست مطالبة بأن تأخذ بالأدلة المباشرة وحدها بل إن لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - على أنه لا جدوى للطاعن فيما يثيره من أن الواقعة لا تعدو أن تكون خيانة أمانة طالما أن العقوبة المقضي بها تدخل في نطاق العقوبة المقررة في القانون لهذه الجريمة ولأن في قيام المانع الأدبي ما يكفي لجواز الإثبات بالبينة، أما ما يثيره الطاعن عن شيوع التهمة فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى الدعوى المدنية وقضى بإحالتها إلى المحكمة المدنية في قوله: "وبما أنه عن الدعوى المدنية فترى المحكمة أن مقدار المال المسروق هو العنصر الأساسي في تقدير التعويض الذي يقضي به، وهذا المقدار لم يتحدد بعد على وجه يقيني يسمح بالاستناد إليه لتحديد مدى التعويض المذكور ويستلزم تحديده تحقيقاً تضيق به الدعوى الجنائية ويؤدي إلى إرجاء فيها ومن أجل ذلك ترى المحكمة إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية لنظرها بلا مصاريف". ولما كانت المحكمة قد قدرت في نطاق اختصاصها الموضوعي المطلق أن تقدير التعويض يستلزم إجراء تحقيق خاص لتحديد قيمة الأموال المسروقة ومقدارها بالضبط وهو ما لا يتسع له وقتها وقضت بإحالة دعوى المدعية بالحق المدني إلى المحكمة المدنية على مقتضى ما تجيزه المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية، ولما كانت قيمة المسروقات ليست عنصراً من عناصر جريمة السرقة فإنه ليس ثمة تعارض بين الفصل في الدعوى الجنائية بالإدانة وبين إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بهذا الصدد لا يكون سديداً - لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة 21/ 4/ 1963 أن الطاعن أبدى استعداده لأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ 400 جنيه واتخذ الحكم المطعون فيه من هذا الإقرار قرينة مؤيدة للأدلة الأخرى التي ساقها لإثبات اقتراف الطاعن فعل السرقة، وهو تدليل سائغ له أصله الصحيح في الأوراق ويؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الفساد في الاستدلال يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكانت إجراءات المحاكمة قد تمت في ظل تعديل المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 113 لسنة 1957، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة الابتدائية والاستئنافية أن الطاعن ومحاميه لم يطلبا من المحكمة سماع أقوال شهود الإثبات، وكان للمحكمة أن تستغني عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، ويستوي في ذلك أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً  .