مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1263

(201)
جلسة 16 من يونيه سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمود عبد العزيز الشربيني ونصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وعبد العزيز أحمد سيد حمادة - المستشارين.

الطعن رقم 185 لسنة 25 القضائية

( أ ) تقام - قطع التقادم.
صحيفة الدعوى المرفوعة بحق ما لا تعتبر قاطعة للتقادم إلا في خصوص هذا الحق وما لحق به من توابعه - إذا تغاير الحقان أو تغير مصدرهما فإن الادعاء بأحدهما لا يكون قاطعاً لمدة التقادم بالنسبة إلى الحق الآخر - يستثنى من ذلك حالة ما إذا كان حق واحد ينشئ دعويين مختلفين ضد مدين واحد فإن قطع التقادم في إحدى الدعويين يقطع التقادم في الدعوى الأخرى.
(ب) دعوى الإلغاء ودعوى التعويض - تقادم.
طلب إلغاء القرار غير المشروع وطلب التعويض عنه يقوم في بنيانه على أساس قانوني واحد هو عدم مشروعية القرار الإداري - القرار الإداري - القرار غير المشروع يعطي لذي المصلحة الحق في رفع إحدى دعويين، دعوى الإلغاء أو دعوى التعويض - رفع دعوى الإلغاء يقطع سريان المواعيد بالنسبة لدعوى التعويض - أساس ذلك: مما يتنافى مع طبائع الأشياء أن يبقى الحق في طلب الإلغاء قائماً أمام المحكمة بينما يكون طلب التعويض وهو الإلغاء غير المباشر قد سقط بالتقادم - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 27 من يناير سنة 1979 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 185 لسنة 25 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1978 في الدعوى رقم 1069 لسنة 30 القضائية المقامة من السيد/ ........ ضد السيد/ رئيس الجمهورية والسيد وزير التربية والذي قضى بسقوط دعوى التعويض بالتقادم وألزمت المدعي بالمصروفات.
وقد طلبت هيئة مفوضي الدولة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه - بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام وزارة التربية والتعليم بتعويض مؤقت للعامل المذكور قدره قرش صاغ واحد والمصروفات.
وبعد أن أعلن تقرير الطعن إلى ذوي الشأن على النحو المبين بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى طلب قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بتعويض مؤقت للعامل المذكور وقدره قرش صاغ واحد.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من يناير سنة 1984 وبجلسة 22 من فبراير سنة 1984 قررت الدائرة إحالته إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 25 من فبراير سنة 1984، وبجلسة 28 من إبريل سنة 1984 قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق أنه بتاريخ 17 من يناير سنة 1972 أقام السيد/ ........ الدعوى رقم 1069 لسنة 30 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 985 لسنة 1959 فيما تضمنه من فصله من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وعلى الأخص فيما يتعلق بتحديد درجته المالية وأقدميته فيها وتحديد راتبه.
وقال شارحاً لدعواه أمام محكمة القضاء الإداري أنه تخرج من كلية الآداب سنة 1956 والتحق بوزارة التربية والتعليم في وظيفة مدرس بمعهد المعلمين الخاص وفي مارس سنة 1959 اعتقل وقد أفرج عنه في 20 مارس سنة 1964، وقد تظلم من قرار فصله الصادر في 3 من يونيه سنة 1959 وقد أعيد إلى عمله في 20 من مارس سنة 1965 بنفس درجته ثم أعيدت تسوية حالته بحساب مدة فصله ضمن مدة خدمته تطبيقاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 3603 لسنة 1961 وأضاف المدعي أنه بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا في 6 من نوفمبر سنة 1971 بعدم دستورية القانون رقم 31 لسنة 1963 بادر إلى رفع هذه الدعوى مبرراً عدم رفعها في الفترة السابقة باعتقاله من سنة 1959 حتى سنة 1964 بعدم علمه بقرار فصله إلا بعد إطلاق سراحه وأن اعتقاله كان يحول دون ذلك.
وقد نعى المدعي على قرار فصله مخالفته للقانون تأسيساً على أنه لم يقم أي دليل على ما نسب إليه من مباشرة نشاط سياسي إذ لم يقدم إلى أية محاكمة كما أن جهة الإدارة سلمت بعدم وجود وجه لإقصائه عن وظيفته حيث أعادته إلى عمله في عام 1965 وانتهى المدعي في عريضة دعواه إلى طلباته سالفة البيان.
وبجلسة 29 من ديسمبر سنة 1977 قرر المدعي أنه ما زالت له مصلحة في إلغاء القرار المطعون فيه لأنه من آثار الإلغاء أن يصرف مرتبه عن مدة الفصل ثم عاد فعدل عن طلباته إلى طلب الحكم بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد.
وبجلسة 3 من نوفمبر سنة 1978 قضت محكمة القضاء الإداري بسقوط دعوى طلب التعويض بالتقادم وألزمت المدعي بالمصروفات وأقامت قضاءها على أن المدعي لم يحدد عناصر التعويض المطلوب بمقولة أنه تعويض مؤقت على الرغم مما أثاره الحاضر عن الحكومة من أن خير تعويض هو عودة المدعي إلى عمله، ولما كان التعويض الذي يطالب به المدعي لا يعدو أن يكون عن الأضرار الأدبية ومرتبه عن مدة الفصل والزيادة في مرتبات من سبقوه في الترقية ومن ثم فهي منازعة في راتب لا تخضع لميعاد الستين يوماً المقررة في شأن دعوى الإلغاء ومن ثم تكون مقبولة شكلاً، ولما كانت المحكمة الإدارية العليا قد جرى قضاؤها على أن التعويض المترتب على الإخلال بالتزام هو من طبيعة الحق الناشئ عنه هذا الالتزام لأنه هو المقابل له فتسري بالنسبة للتعويض مدة التقادم التي تسري بالنسبة للحق الأصلي، فإذا كان التعويض مطلوباً مقابل حرمان الموظف من مرتبه بسب فصله بدون وجه حق سقطت دعوى التعويض بمضي مدة التقادم المسقط للمرتب وهي خمس سنوات طبقاً للمادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات.
ولما كان المدعي قد طلب التعويض لأول مرة بالنسبة للدعوى الماثلة في 29 من ديسمبر سنة 1977 وكان له الحق في رفعها من 22 من يناير سنة 1971 ومن ثم يكون قد انقضى أكثر من خمس سنوات على نشوء الحق له في طلب التعويض مما يترتب عليه أن يصبح حقه في رفع هذه الدعوى في شقها الخاص بالتعويض عن مرتبه قد سقط بالتقادم.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقام من هيئة مفوضي الدولة أن المدعي كان قد أعيد إلى عمله في 20 من مارس سنة 1960 بذات درجته ثم سويت حالته بحساب مدة فصله في مدة خدمته إعمالاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 3602 لسنة 1966 ومن ثم فليس من شك والحال ما تقدم في أنه حين أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري كان يهدف إلى صرف ما فاته من مرتبات بسبب فصله وليس أقطع في ذلك مما أفصح عنه المدعي صراحة حيث قرر بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1977 أنه ما زالت له مصلحة في طلب إلغاء قرار رئيس الجمهورية المشار إليه والذي قرر فصله، لأن من آثار هذا الإلغاء أن يصرف له مرتبه عن مدة الفصل، ومن ثم فإن تعديل المدعي لطلباته إلى طلب التعويض على الوجه المتقدم لم يضف في واقع الأمر جديداً في هذا الصدد فقد أفرغ طلباته في الشكل الصحيح الذي اتجهت إليه نيته عند إقامة الدعوى وبما يتفق مع واقع الحال في شأنه آنذاك.
ومن حيث إن الأصل أن صحيفة الدعوى المرفوعة بحق ما لا تعتبر قاطعة للتقادم إلا في خصوص هذا الحق أو ما لحق به من توابعه، مما يجب لزوماً بوجوبه أو يسقط كذلك بسقوطه فإن تغاير الحقان أو تغير مصدرهما، فالادعاء بأحدهما لا يكون قاطعاً لمدة التقادم بالنسبة إلى الحق الآخر، واستثناء من ذلك حالة ما إذا كان حق واحد ينشئ دعويين مختلفتين ضد مدين واحد فإن قطع التقادم في إحدى الدعويين يقطع التقادم في الدعوى الأخرى.
ومن حيث إنه لا مراء في أن كلاً من طلب إلغاء القرار غير المشروع وطلب التعويض عنه يقوم في بنيانه على أساس قانوني واحد هو عدم مشروعية القرار الإداري، ذلك أن الطعن بالإلغاء هو طعن فيه بالطريق المباشر وطلب التعويض عنه هو طعن فيه بالبطلان بطريق غير مباشر، وبمعنى آخر فإن القرار غير المشروع يعطي لذي المصلحة الحق في رفع إحدى دعويين دعوى الإلغاء أو دعوى التعويض، ومن ثم فإن رفع دعوى الإلغاء يقطع سريان المواعيد بالنسبة لدعوى التعويض فما يتنافى وطبائع الأشياء أن يبقى الحق في طلب الإلغاء قائماً بينما يكون طلب التعويض وهو الإلغاء غير المباشر قد سقط بالتقادم الخمسي.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن العامل المذكور قد اعتقل بمعتقل الواحات الخارجة في المدة من مارس سنة 1959 حتى مارس سنة 1964 بسبب اعتناقه للأفكار الشيوعية، وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 985 لسنة 1959 في 3 من يونيه سنة 1959 بفصله من العمل وفي 20 من مارس سنة 1965 أعيد إلى عمله وفي 17 من يناير أقام الدعوى الماثلة أمام محكمة القضاء الإداري طالباً إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 985 لسنة 1959 المشار إليه فيما تضمنه من فصله من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وعلى الأخص فيما يتعلق بتحديد درجته المالية وأقدميته فيها.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري قد انتهت بحق إلى أن دعوى الإلغاء المشار إليها قد رفعت في المواعيد القانونية استناداً إلى أن اعتقال العامل المذكور في معتقل لا تطبق عليه نظم السجون التي تكفل للمسجونين القيام بالإجراءات القانونية، يعتبر من قبيل القوة القاهرة التي من شأنها أن توقف مواعيد الطعن بالإلغاء، كذلك فإن حكم المحكمة العليا المنشور في 22 من نوفمبر سنة 1971 بعدم دستورية القانون رقم 31 لسنة 1963 بفتح ميعاداً جديداً في القرارات الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي.
ومن حيث إن طعن العامل المذكور على القرار الصادر بفصله من الخدمة بالإلغاء في المواعيد المقررة يخوله في ذات الوقت الحق في مطالبة جهة الإدارة بالتعويض إذا ما كان القرار المطعون فيه قد صدر مخالفاً للقانون أي متى ثبت الخطأ في جانب جهة الإدارة.
ومن حيث إنه إذا ما كانت دعوى إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 985 لسنة 1959 الصادر في 3 من يونيه سنة 1959، وقد رفعت في الميعاد، فإن رفع هذه الدعوى يقطع تقادم دعوى التعويض عن قرار رئيس الجمهورية المشار إليه، ويكون لصاحب الشأن أن يطالب بهذا التعويض طوال قيام دعوى الإلغاء أمام المحكمة، إذ ليس من المقبول وكما سبق القول أن يكون للمحكمة إلغاء القرار الإداري ويكون الحق في التعويض عن هذا القرار قد سقط بالتقادم، وحيث طلبه العامل المذكور بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1977 أنه بالرغم من إعادته إلى الخدمة فلا زالت له مصلحة في إلغاء القرار المطعون فيه لأن من آثار الإلغاء أن يصرف له مرتبه عن مدة الفصل، ثم عاد فعدل طلباته إلى طلب الحكم بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد.
ومن حيث إنه طبقاً لما سلف بيانه وكانت دعوى المدعي بإلغاء القرار الصادر بفصله قد رفعت في المواعيد القانونية كما ذهب إلى ذلك بحق الحكم المطعون فيه، فإن دعوى الإلغاء هذه تقطع التقادم في دعوى التعويض عن ذات القرار المطعون عليه ومن ثم إذا ما عدل المدعي طلباته أثناء دعوى الإلغاء وحصرها في طلب التعويض عن هذا القرار فإن هذه الدعوى تكون قد رفعت في المواعيد القانونية إذ وكما سلف القول لا يسقط الحق في المطالبة بالتعويض عن قرار إداري طالما كان الحق في طلب إلغائه أمام المحكمة لا زال قائماً.
ومن حيث إن البادي من الأوراق أن المدعي قد فصل من عمله بقرار رئيس الجمهورية رقم 985 لسنة 1959 الصادر في 3 من يونيه سنة 1959 - بسبب اعتناقه للمبادئ الشيوعية، وإذ خلت الأوراق من دليل صادق على هذه الواقعة وهي بفرض ثبوتها لم تدفع المدعي إلى ارتكاب جريمة تستدعي عقابه طبقاً لقانون العقوبات، كما لم تنعكس في أثرها على سلوكه الوظيفي بما يشكل إخلالاً بواجبات وظيفته أو خروجاً على مقتضياتها، وإذ كانت حرية الرأي من الحريات الأساسية التي حرصت الدساتير كافة على كفالتها، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر فاقداً ركن السبب ومن ثم مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه مما لا شك فيه أن ذلك القرار قد ألحق بالمدعي ضرراً مادياً وأدبياً فمن ثم كان حقاً له طلب التعويض عن هذه الأضرار في الحدود التي رسمها القانون.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون حينما قضى بسقوط حق المدعي في التعويض عن القرار الصادر بفصله بالتقادم الخمسي، ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه والحكم للمدعي - إجابة إلى طلبه - بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد وإلزام الجهة المطعون ضدها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام وزارة التربية والتعليم بدفع تعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد للسيد/ ..... مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.