مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1274

(203)
جلسة 23 يونيه سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعبد الفتاح السيد بسيوني وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 790 لسنة 22 القضائية

( أ ) قرار إداري - تعريفه - قرار إداري سلبي - اختصاص مجلس الدولة - القرار الإداري هو تطبيق أو تنفيذ للقانون فإنه في الوقت ذاته مصدر لمركز قانوني فردي أو خاص متميز عن المركز القانوني العام المجرد المتولد عن القانون ومن ثم فلا يمكن القول بأن العمل الإداري الذي يكون تطبيقاً لنص عام مقيد لا ينشئ أو يعدل مركزاً قانونياً لأن كل قرار منشئ لمركز قانوني هو في الوقت ذاته تطبيق لقاعدة قانونية أعلى - امتناع جهة الإدارة عن صرف المعاش الذي يطالب به المطعون ضده إنما يشكل قراراً إدارياً بمعناه المتعارف عليه وهو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بها لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة - اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظره - تطبيق.
(ب) قرار إداري - رجعية القرار الإداري - عدم جوازه.
القرار الإداري لا ينتج أثره إلا من تاريخ صدوره - الأصل عدم المساس بالحقوق المكتسبة والمراكز القانونية التي تمت وتكاملت إلا بقانون - عدم رجعية القرارات الإدارية - لزوم عدم سريانها بأثر رجعي حتى ولو نص فيها على هذا الأثر - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء 10 من أغسطس سنة 1976 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير الخزانة والهيئة العامة للتأمين والمعاشات، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 790 لسنة 22 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 15 من يونيو سنة 1976 في الدعوى رقم 971 لسنة 25 قضائية والقاضي بإلغاء قرار الهيئة العامة للتأمين والمعاشات - بالامتناع عن صرف المعاش المقرر بالقانون رقم 80 لسنة 1944 لمورث المدعيين موريس جاستون جربوعه اعتباراً من الخمس سنوات السابقة على رفع الدعوى وحتى تاريخ وفاته بواقع أربعين جنيهاً شهرياً وما يرتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وطلب الطاعنان للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم محل الطعن وفي الموضوع بإلغاء الحكم المذكور ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن الطعن إلى المطعون ضدهم في 30 من أغسطس سنة 1976.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني في الطعن انتهت فيه لما ارتأته من أسباب، إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بصفة أصلية برفض الطعن وبصفة احتياطية بتعديل الحكم المطعون فيه وباعتبار المعاش المستحق لمورث المطعون ضدهما هو ثلاثة أرباع معاش التقاعد أي ثلاثون جنيهاً شهرياً ورفض الطعن فيما عدا ذلك، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 18 من يناير سنة 1982 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 27 من فبراير سنة 1982 وتم تداول الطعن على النحو الثابت في المحاضر إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص على ما يبين من أوراق الطعن، في أن مورث المطعون ضدهم أقام الدعوى رقم 971 لسنة 25 قضائية ضد وزارة الخزانة، والهيئة العامة للتأمين والمعاشات بأن أودع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 10 من إبريل سنة 1971 طالباً فيها الحكم بإلغاء القرار القاضي بعدم أحقيته للمعاش المقرر بالقانون رقم 80 لسنة 1944 ومنحه المعاش المذكور بواقع أربعين جنيهاً شهرياً اعتباراً من أول إبريل سنة 1967 أي لمدة الخمس سنوات السابقة على رفع الدعوى وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال المدعي بياناً لدعواه أنه مارس مهنة المحاماة أمام المحاكم المختلطة اعتباراً من 23 من ديسمبر سنة 1920 حتى 14 من أكتوبر سنة 1949، تاريخ إلغاء هذه المحاكم، ونقل ابتداء من هذا التاريخ إلى نقابة المحامين الوطنيين واستمر في ممارسة مهنته حتى 26 من ديسمبر سنة 1956 عندما شطب اسمه من الجدول طبقاً لأحكام الأمر رقم 5 لسنة 1956 ثم أعيد إلى الجدول في 12 من يوليو سنة 1959 ولعدم تمكنه من العودة إلى مصر نقل اسمه إلى جدول المحامين غير المشتغلين، وتم فعلاً نقل اسمه إلى هذا الجدول في 18 من إبريل سنة 1963، وأضاف المدعي أنه عندما تقرر إلغاء المحاكم المختلطة وضعت الحكومة الأنظمة الكفيلة بالمحافظة على حقوق موظفي ومحامي تلك المحاكم وكان من ذلك صدور القانون رقم 80 لسنة 1944 بإنشاء صندوق المعاشات والمرتبات للمحاماة المختلطة وفي 14 من إبريل سنة 1959 تقدم المدعي إلى وزارة الخزانة بطلب لإحالته إلى المعاش ومنحه كامل المعاش الذي كان يصرف وقتئذ للمحامين وأقام طلبه على أنه جاوز سن الستين فهو من مواليد 17 من أكتوبر سنة 1898 كما أنه زاول مهنة المحاماة مدة تزيد على الثلاثين عاماً من 23 من ديسمبر سنة 1920 حتى تاريخ استبعاده من البلاد في 26 من ديسمبر سنة 1956 ورغم أحقيته في هذا المعاش إلا أن الوزارة لم تجبه إلى طلبه وخلص المدعي إلى التماس الحكم له بطلباته سالفة الذكر وعقبت الهيئة العامة للتأمين والمعاشات بمذكرة جاء فيها أن المدعي تقدم بطلب الانتفاع بمعاش التقاعد في إبريل سنة 1959 طبقاً لأحكام القانون رقم 80 لسنة 1944 وكان يبلغ من العمر وقتئذ 61 عاماً وزاول المحاماة لمدة 36 عاماً أدى خلالها الاشتراكات السنوية للنقابة، إلا أنه تبين أن اسم المدعي قد استبعد من جدول المحامين في 26 من ديسمبر سنة 1956 تطبيقاً للأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 باعتباره من الرعايا الفرنسيين وفي 12 من يوليو سنة 1959 قررت لجنة قبول المحامين إعادة اسمه إلى الجدول وفي 18 من إبريل سنة 1963 نقل اسمه إلى قائمة غير المشتغلين اعتباراً من 12 يوليو سنة 1959 ثم استبعد اسمه في 21 من مايو سنة 1961 لعدم أداء الاشتراك السنوي عن سنة 1960 إلا أن اللجنة سالفة الذكر قررت في أول أغسطس سنة 1963 استبعاد اسمه اعتباراً من 12 من يوليو سنة 1959 أي من ذات اليوم الذي سبق أن قررت فيه إعادته إلى الجدول. الأول الذي يجعل من القرارين بين إعادته واستبعاده ليس لهما أي أثر إيجابي ويعود بالمدعي إلى ما كان عليه قبل 12 من يوليو سنة 1959 أي إلى حالة محو الاسم منذ 26 من ديسمبر سنة 1956 وأضافت المذكرة أن قرار إعادة اسم المدعي إلى الجدول اعتباراً من 12 من يوليو سنة 1959 اتخذ دون التأكد من إقامة المدعي في البلاد وهو شرط أساسي لإدراج اسم المحامي الأجنبي في جدول المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم المصرية، الأمر الذي يجعل هذا القرار باطلاً بطلاناً مطلقاً ويستتبع بالتالي الاعتداد بقرار لجنة قبول المحامين بمحو اسم المدعي اعتباراً من 26 من ديسمبر سنة 1956.
وترتيباً على ذلك فإن اسم المدعي لم يكن مقيداً في الجدول منذ 26 من ديسمبر سنة 1956 وعلى وجه التحديد في الفترة التي كان يجوز خلالها الفصل في طلبه وهي الفترة من 14 من إبريل سنة 1959 تاريخ تقديم الطلب حتى 30 من يونيو سنة 1959 على النحو الذي رسمته المادتان 13/ 1، 18 من القانون رقم 80 لسنة 1944 هذا إلى أن المدعي لم يستكمل طلبه بالأوراق المؤيدة لكي يفصل فيه في النطاق الذي حددته المادة 19 من القانون أي في ميعاد غايته آخر يونيو سنة 1959 بل استكمل تلك الأوراق في 19 من يوليو سنة 1964 وخلصت جهة الإدارة مما تقدم إلى أن المدعي لا تتوافر فيه شروط استحقاق المعاش الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض دعواه وأضافت أنه بافتراض توافر هذه الشروط وهو ما لم يتحقق فإنه لا يستحق إلا ثلاثة أرباع المعاش المقرر، وذلك طبقاً للمادة 14 من القانون رقم 80 لسنة 1944 باعتبار أنه يبلغ من العمر 58 عاماً في سنة 1956 تاريخ استبعاده من البلاد وشطب اسمه من جدول المحامين.
وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري توفى المدعي وباشر وارثاه السير في الدعوى.
وفي جلسة 15 من يونيو سنة 1976 أصدرت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) حكمها في الدعوى ويقضي بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار الهيئة العامة للتأمين والمعاشات بالامتناع عن صرف المعاش المقرر بالقانون رقم 80 لسنة 1944 لمورث المدعيين موريس جاستون جربوعة اعتباراً من الخمس سنوات السابقة على رفع الدعوى وحتى تاريخ وفاته بواقع أربعين جنيهاً شهرياً وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المادة 13 من القانون رقم 80 لسنة 1944 بإنشاء صندوق المعاشات والمرتبات للمحاماة المختلطة قد حددت الشروط اللازمة توافرها في المحامي لكي يكون له الحق في المعاش وأول هذه الشروط أن يكون اسمه مقيداً بجدول المحامين، وقد توافرت هذه الشروط في حق مورث المدعيين ومن بينها الشرط الأول إذ أنه ظل مقيداً في جدول المحامين حتى 12 من يوليو سنة 1959 حيث استبعد اسمه لاستقالته، ولا يفيد من ذلك ما قالت به جهة الإدارة من أنه بوصفه فرنسي الجنسية ويخضع لأحكام الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 فقد شطب اسمه من جدول المحامين اعتباراً من 26 من ديسمبر سنة 1956 وحتى تقديم طلب المعاش وبذلك ينتفي في حقه شرط القيد بالجدول ويفقد بالتالي حقه في المعاش، ذلك أن الثابت أن لجنة قبول المحامين قررت إعادة قيد اسمه في الجدول في 12 من يوليو سنة 1959 وقبول اشتراكاته حتى هذا التاريخ واعتباره مستقيلاً من التاريخ المذكور كما أن المادة 4 من اتفاق تسوية المسائل المالية بين مصر وفرنسا قد أجازت للرعايا الفرنسيين مزاولة نشاطهم في مصر دون أن يكون انقطاع هذا النشاط حجة عليهم أو أن يغير شيئاً من حقوقهم، الأمر الذي يكون معه لمورث المدعيين حق إعادة قيد اسمه في جدول المحامين وإذ تم له ذلك في 12 من يوليه سنة 1959 فإنه يعتبر مقيداً في الجدول حتى هذا التاريخ دون اعتداد بفترة الانقطاع وبالتالي يتوافر فيه شرط القيد في الجدول، كشرط لازم لاستحقاق المعاش، وذلك في تاريخ تقديم طلب المعاش في شهر إبريل سنة 1959، كما لا ينال مما تقدم القول بأن قرار إعادة قيد اسم مورث المدعيين في جدول المحامين قد تم دون التأكد من إقامته في البلاد طالما أن لجنة قبول المحامين قد قررت قيد اسم المذكور باعتبارها الجهة المختصة بذلك ولم يظهر من ملف خدمة مورث المدعيين أن اللجنة عدلت عن قرارها السابق فإن هذا القرار يبقى قائماً ولا يجوز إهداره ومتى كان ما تقدم فإن مورث المدعيين وقد توافرت فيه شروط استحقاق المعاش فإنه يستحق هذا المعاش كاملاً طبقاً للمادة 22 من القانون رقم 80 لسنة 1944 وقدره أربعون جنيهاً اعتباراً من الخمس سنوات السابقة على إقامة دعواه ويكون بالتالي القرار بالامتناع عن صرف هذا المعاش في المدة المشار إليها غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين من ثم إلغاؤه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ فيما قضى به من أحقية المطعون ضدهما في المعاش استناداً إلى توافر شرط القيد في جدول المحامين في حقه ذلك أن الثابت من ملف المذكور أنه بوصفه فرنسي الجنسية خضع لأحكام الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 وتقرر شطب اسمه من جدول المحامين اعتباراً من 26 من ديسمبر سنة 1956، وإذ ظل اسمه مستبعداً من الجدول حتى تاريخ طلب صرف المعاش فمن ثم يكون امتناع الجهة الإدارية عن تقرير المعاش له متفقاً وحكم المادة 13 من القانون رقم 80 لسنة 1944 ولا يغير من ذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أنه قد أعيد إدراج اسم مورث المطعون ضدهما في جدول المحامين في 12 من يوليو سنة 1959 وبالتالي يكون قد استوفى شرط القيد في الجدول من تاريخ تقديم طلب صرف المعاش في إبريل سنة 1959، ذلك أن لجنة قبول المحامين قد عدلت عن هذا القرار بعد أن تبين لها أنه صدر مخالفاً لواقعة مادية وهو عدم إقامة المذكور بالبلاد منذ 26 من ديسمبر سنة 1956 وذلك بأن أصدرت قراراً في أول أغسطس سنة 1963 باستعباد اسم مورث المطعون ضدهما من الجدول اعتباراً من 12 يوليو سنة 1959 وهو ما يفيد ضمناً إلغاء قرارها السابق صدوره في 12 من يوليو سنة 1959 وبذلك يعود وضع المذكور إلى الحالة التي كان عليها قبل صدور هذا القرار الأخير أي إلى الحالة التي كانت قائمة منذ 26 من ديسمبر سنة 1956 أي بوصفه مستبعداً من الجدول وبالتالي يتخلف فيه شرط القيد بهذا الجدول وهو شرط لازم لاستحقاقه المعاش.
ومن حيث إن جهة الإدارة قدمت مذكرة بدفاعها طلبت فيها القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى واحتياطياً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات، وأقامت جهة الإدارة دفعها بعدم الاختصاص على أن المناط في اختصاص محاكم مجلس الدولة بالمنازعات الخاصة بالمعاشات أن يكون المعاش مستحقاً لأحد الموظفين العموميين أو رثته طبقاً لحكم البند (ثانياً) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وأنه متى كان مورث المطعون ضدهما يعمل محامياً بالمحاكم المختلطة وبالتالي انحسرت عنه صفة الموظف العام فمن ثم فإن المنازعة حول مدى أحقيته في المعاش تنأى عن اختصاص محاكم مجلس الدولة هذا إلى أنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، في سبيل مد اختصاص محاكم مجلس الدولة على المنازعة الماثلة من أن هذه المنازعة تتعلق بإلغاء قرار إداري سلبي بالامتناع عن صرف المعاش، ذلك أن استحقاق المعاش أو عدم استحقاقه إنما يرجع فيه إلى القانون مباشرة ويتوقف على توافر الشروط الواردة به التي تضع الجهة الإدارية أمام سلطة مقيدة لا مجال للترخيص أو التقدير فيها وبالتالي فإن المركز القانوني في استحقاق المعاش لا ينشأ إلا من القانون وعلى ذلك فإن القرارات التي تصدر في نطاق المعاشات لا يكون لها من أثر في إنشاء مثل هذا المركز ولا ترقى بالتالي إلى مرتبة القرارات الإدارية أما عن الموضوع فقد أوردت جهة الإدارة في مذكرتها ما سبق أن أوردته في تقرير الطعن.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر هذه المنازعة فإن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه إذا كان من الصحيح أن القرار الفردي هو تطبيق أو تنفيذ للقانون فإنه في الوقت ذاته مصدر لمركز قانوني فردي أو خاص متميز عن المركز القانوني العام المجرد المتولد عن القانون ومن ثم فلا يمكن القول بأن العمل الإداري الذي يكون تطبيقاً لنص عام مقيد لا ينشئ أو يعدل مركزاً قانونياً لأن كل قرار منشئ لمركز قانوني في الوقت ذاته تطبيق لقاعدة قانونية أعلى، وعلى هذا الأساس فإن امتناع جهة الإدارة عن صرف المعاش الذي يطالب به المطعون ضدهما إنما يشكل قراراً إدارياً بمعناه المتعارف عليه وهو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة ومتى كان الحكم المطعون فيه قد بسط اختصاصه على الدعوى بحسبان أن امتناع جهة الإدارة عن صرف المعاش الذي يطالب به الطعون ضدهما إنما يشكل قراراً إدارياً سلبياً مما يدخل الطعن فيه في اختصاص محاكم مجلس الدولة فإنه يكون قد أصاب الحق فيما ذهب إليه ويضحي بالتالي الدفع بعدم الاختصاص لا سند له من القانوني ويتعين من ثم الالتفات عنه.
ومن حيث إن المادة 13 من القانون رقم 80 لسنة 1944 بإنشاء صندوق المعاشات والمرتبات للمحاماة المختلطة تنص على أن "لا يكون للمحامي الحق في معاش التقاعد إلا إذا توافرت فيه الشروط الآتية: -
1 - أن يكون اسمه مقيداً بجدول المحامين.
2 - أن يكون قد زاول بالفعل مهنة المحاماة مدة ثلاثين سنة ميلادية بما فيها مدة التمرين ويجوز أن تكون هذه المدة متصلة أو منفصلة إذا بلغت في مجموعها ثلاثين سنة.
3 - أن تكون سنه قد بلغت ستين سنة ميلادية.
4 - أن يكون قد دفع اشتراك النقابة منذ قيد اسمه بالجدول إلى يوم التقاعد إلا إذا أعفى من دفع الاشتراك من مجلس النقابة.
ومن حيث إنه لا خلاف بين طرفي النزاع على توافر الشروط الثلاثة الأخيرة في شأن مورث المطعون ضدهما وإنما يثور الخلاف على مدى توافر الشرط الأول الخاص بالقيد في جدول المحامين، إذ بينما يذهب المطعون ضدهما إلى توافر هذا الشرط وقت إحالة مورثهما إلى التقاعد تذهب جهة الإدارة إلى تخلف هذا الشرط في شأن المذكور.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مورث المطعون ضدهما كان من المحامين المقيدين أمام المحاكم المختلطة منذ 23 من ديسمبر سنة 1920 وبعد إلغاء هذه المحاكم نقل إلى جدول المحامين الوطنيين اعتباراً من 15 من أكتوبر سنة 1949، وعقب الاعتداء الثلاثي على مصر سنة 1956 قررت لجنة قبول المحامين شطب اسمه من الجدول تطبيقاً للأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956. وقد سويت المسائل المالية بين مصر وفرنسا بمقتضى اتفاق عقد في زيورخ في 22 من أغسطس سنة 1958 ونص هذا الاتفاق في المادة 4 على أنه "في حدود القوانين واللوائح المعمول بها في كل من البلدين يؤذن للرعايا الفرنسيين والمصريين بالإقامة من جديد في مصر وفي فرنسا على التوالي وباستئناف مزاولة نشاطهم فيهما دون أن يكون انقطاع هذا النشاط حجة عليهم أو أن يغير شيئاً من حقوقهم المكتسبة" واستناداً إلى أحكام هذا الاتفاق تقدم مورث المطعون ضدهما بطلب إعادة قيد اسمه في جدول المحامين وقبول اشتراكاته ممن تاريخ الشطب وحتى تاريخ إعادة القيد وقبول استقالته، وفي 12 من يوليو سنة 1959 قررت لجنة قبول المحامين إعادة قيد اسم المذكور بجدول المحامين مع قبول استقالته ومؤدى هذا القرار ولازمه هو إنشاء مركز قانوني لمورث المطعون ضدهما باعتباره مقيداً في جدول المحامين ليس فقط من هذا التاريخ بل إن إعادة القيد تستصحب معها المدة التي استبعد فيها اسم المذكور من الجدول نزولاً على حكم المادة الرابعة من اتفاق تسوية المسائل المالية بين مصر وفرنسا سالف الذكر، ومتى كان ذلك وكان مورث المطعون ضدهما قد تقدم في شهر إبريل سنة 1959 بطلب أحقيته في المعاش طبقاً لأحكام القانون رقم 80 لسنة 1944 بإنشاء صندوق المعاشات والمرتبات للمحاماة المختلطة فمن ثم فإنه يكون قد توافر في شأن المذكور وقت تقديم طلب المعاش، شرط القيد في جدول المحامين بالإضافة إلى الشروط الأخرى التي حددتها المادة 13 من القانون سالف الذكر، ولا يغير من ذلك أو ينال منه ما ذهبت إليه جهة الإدارة من أن قراراً قد صدر من لجنة قبول المحامين في أول أغسطس سنة 1963 باستبعاد اسم مورث المطعون ضدهما من الجدول اعتباراً من 12 من يوليو سنة 1959 ذلك أنه فضلاً عن أن الإدارة عجزت عن تقديم هذا القرار رغم إتاحة الفرصة لها أكثر من مرة لتقديمه فإن القرار المذكور بافتراض صدوره وهو أمر لم يثبت، لا يقوى على زحزحة المركز القانوني الذي نشأ واستقر لمورث المطعون ضدهما بالقرار الصادر بإعادة قيده بجدول المحامين اعتباراً من 12 من يوليو سنة 1959 وذلك باعتباره مقيداً بهذا الجدول وقت طلب صرف المعاش في إبريل سنة 1959، ذلك أن القرار الذي تزعم الإدارة صدوره، إن كان قد صدر فإنه لا ينتج أثره إلا من تاريخ صدوره أخذاً بقاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية إذ الأصل هو حظر المساس بالحقوق المكتسبة أو المراكز القانونية التي تمت وتكاملت إلا بقانون ومن ثم لزم بحكم هذا الأصل ألا تسري القرارات الإدارية بأثر رجعي حتى ولو نص فيها على هذا الأثر.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أنه وقد توافرت في شأن مورث المطعون ضدهما شروط استحقاق المعاش طبقاً لأحكام القانون رقم 80 لسنة 1944 سالف الذكر، فإن امتناع جهة الإدارة عن صرف هذا المعاش على فهم أنه لم يكن مقيداً بجدول المحامين، إنما يشكل قراراً سلبياً بالامتناع عن صرف المعاش وإذ جاء هذا القرار مخالفاً للقانون، على النحو السابق بيانه فمن ثم يتعين الحكم بإلغائه وما ترتب عليه من آثار وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه ووافق حكم القانون فيما انتهى إليه، ويضحى بالتالي هذا الطعن غير قائم على سند صحيح من القانون حقيقاً لذلك رفضه.
ومن حيث إن جهة الإدارة خسرت هذا الطعن فقد حق إلزامها بمصروفاته عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية مصروفات طعنها