مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1039

(164)
جلسة 21 من إبريل سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمود عبد العزيز الشربيني ونصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وعبد العزيز أحمد سيد حمادة - المستشارين.

الطعن رقم 58 لسنة 25 القضائية

( أ ) اختصاص - اختصاص المحاكم التأديبية - قواعد تحديد الاختصاص بين المحاكم التأديبية.
المادة 8 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 - المناط في تحديد دائرة اختصاص كل من المحاكم التأديبية بمكان وقوع المخالفة المنسوبة للعامل أو العاملين المحالين للمحاكمة التأديبية وليس مكان عمل هؤلاء عند إقامة الدعوى التأديبية عليهم أو نقلهم إلى عمل في جهة تقع في دائرة اختصاص محكمة تأديبية أخرى - أساس ذلك الجهة التي وقعت فيها المخالفة تستطيع أن تقدم ما قد تطلبه المحكمة من بيانات أو مستندات في وقت ملائم يساعد على سرعة الفصل في الدعوى.
(ب) دعوى - دفوع الدعوى - الدفع بعدم الاختصاص المحلي - نظام عام.
الدفع بعدم الاختصاص المحلي لمحاكم مجلس الدولة من الدفوع المتعلقة بالنظام العام التي تثار في أية حالة كانت عليها الدعوى - للمحكمة ذاتها ومن تلقاء نفسها أن تبحث في اختصاصها فإن ثبت لها عدم وجوده تقضي بعد اختصاصها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 14 من ديسمبر سنة 1978 أودع الأستاذ صادق حسن المحامي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا بالنيابة عن الأستاذ عبد الحليم حسن رمضان المحامي والوكيل عن الدكتور/ ....... تقرير طعن قيد بجدول المحكمة تحت رقم 58 لسنة 25 القضائية في الحكم الصادر بجلسة 29 من نوفمبر سنة 1978 من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة في الدعوى رقم 23 لسنة 11 القضائية المقامة من الطاعن ضد السادة وزير الصحة ومدير الشئون الصحية بمحافظة الجيزة ومدير مستشفى صدر الجيزة ومدير الشئون الصحية بمحافظة الغربية ومدير معهد السرطان بالغربية، والذي قضى بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة التأديبية بمدينة طنطا للاختصاص.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ثم القضاء بإلغائه وبإحالة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بوزارة الصحة للفصل فيها، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة.
وبعد إعلان تقرير الطعن عقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفض طلب وقف التنفيذ وبرفض الطعن موضوعاً، وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من ديسمبر سنة 1983 وبجلسة 11 من يناير سنة 1984 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) لنظره بجلسة 11 من فبراير سنة 1984 وبتلك الجلسة سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ثم أرجأت إصدار الحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من الأوراق - في أن المدعي الدكتور/ ....... أقام الدعوى رقم 23 لسنة 11 القضائية ضد السادة وزير الصحة ومدير الشئون الصحية بمحافظة الجيزة ومدير مستشفى صدر الجيزة ومدير الشئون الصحية بمحافظة الغربية ومدير معهد السرطان بطنطا وذلك بعريضة أودعت سكرتارية المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة في 30 من يناير سنة 1977 طلب فيها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ قرار الجزاء رقم 149 لسنة 1976 الصادر من إدارة مستشفى صدر الجيزة بخصم يومين من مرتبه لما أسند إليه بمحضر الشرطة رقم 1907 لسنة 1976 إداري بولاق الدكرور في واقعة تحريض المرضى على كتابة الشكاوى ضد إدارة المستشفى ثم القضاء بإلغاء القرار المذكور واعتباره كأن لم يكن وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا للمدعي قرش صاغ واحد بصفة تعويض مؤقت مع المصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. وقال المدعي شرحاً للدعوى أنه تلقى في 19 من سبتمبر سنة 1976 إخطاراً من إدارة شئون العاملين بمعهد السرطان بطنطا بتوقيع جزاء خصم يومين بالقرار رقم 149 لسنة 1976 لاتهامه في محضر الشرطة رقم 1907 لسنة 1976 إداري بولاق الدكرور بتحريض المرضى بمستشفى صدر الجيزة على كتابة الشكاوى ضد إدارة المستشفى فبادر للاطلاع على المحضر المشار إليه فلم يجد له أثراً كما تظلم في 29 من أكتوبر سنة 1976 من القرار المطعون فيه إلى إدارة معهد السرطان بطنطا وإلى باقي المدعى عليهم غير أنه لم يتلق رداً على تظلمه فأقام دعواه للحكم له بطلباته.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن قدمت التحقيق الإداري رقم 143 لسنة 76 الذي أجري مع المدعي ومحضر الشرطة رقم 1907 لسنة 1976 إداري قسم شرطة بولاق كما قدمت صورة القرار المطعون فيه وملف التظلم الذي قدمه المدعي.
وطلبت الجهة الإدارية رفض الدعوى بشقيها وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة تأسيساً على أن القرار المطعون فيه صدر صحيحاً وقائماً على سببه ومطابقاً للقانون، ذلك لأن المدعي خرج على مقتضيات واجباته الوظيفية وخالف التعليمات لسوء نيته تجاه إدارة مستشفى صدر الجيزة التي كان يعمل بها بتحريض المرضى على الشكوى ضد إدارة المستشفى على الرغم من أنه طبيب بها وذلك بالإيعاز لهم بتقديم شكاواهم إلى الوزارة وعدم تمكينهم من الاتصال بمدير المستشفى بحجة تعذر الاتصال التليفوني وسمح للمرضى بمغادرة المستشفى لتمكينهم من إرسال الشكاوى لوزارة الصحة ومجلس الشعب.
وبجلسة 29 من نوفمبر سنة 1978 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى المحكمة التأديبية بمدينة طنطا للاختصاص وأبقت الفصل في أتعاب المحاماة وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت أن المدعي يعمل منذ وقت رفع الدعوى بمعهد السرطان بطنطا ومن ثم فإن المحكمة التأديبية بمدينة طنطا تكون هي المختصة بنظر الدعوى وذلك طبقاً لحكم المادة 3 من قرار رئيس مجلس الدولة رقم 127 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة المذكورة ليشمل اختصاصها الدعاوى التأديبية الخاصة بالعاملين في محافظات الغربية وكفر الشيخ والقليوبية والمنوفية ووحدات الحكم المحلي في هذه المحافظات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه ذلك لأن قرار رئيس مجلس الدولة رقم 127 لسنة 1973 بإنشاء محكمة تأديبية بطنطا محدداً اختصاصها بنظر قضايا معينة، لا يفرض لهذه المحكمة اختصاصاً محلياً يتعلق بقاعدة من قواعد النظام العام بحيث تتصدى المحكمة من تلقاء نفسها للدفع بعدم الاختصاص ثم ترتب على ذلك آثاره إذ لا يخل القرار المذكور بقواعد الاختصاص المحلي للمحاكم كما قررتها القوانين التي تعلو عن أي قرار تصدره السلطة الإدارية، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه وقد أعمل قرار رئيس مجلس الدولة وأهدر نص المادة 108 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الذي جعل قواعد الاختصاص المكاني للمحاكم من شئون الخصوم ليتواضعوا عليها بتراض في اتفاق أو قبول صريح أو ضمني فإن الحكم يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وإذ لم يدفع أي من المدعى عليهم بعدم اختصاص المحكمة التأديبية لوزارة الصحة بنظر الدعوى وباشروا المرافعة في موضوعها وكان الاختصاص بنظر هذه الدعوى معقوداً لتلك المحكمة وفقاً لحكم المادة 49 من قانون المرافعات فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى يكون قد صدر بالمخالفة لشريعة القانون متعين الإلغاء.
ومن حيث إن المادة 8 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تقضي بأن يكون مقار المحاكم التأديبية للعاملين من مستوى الإدارة العليا في القاهرة والإسكندرية، ويكون مقار المحاكم التأديبية للعاملين من المستويات الأول والثاني والثالث في القاهرة والإسكندرية ويجوز بقرار من رئيس مجلس الدولة إنشاء محاكم تأديبية في المحافظات الأخرى ويبين القرار عددها ومقارها ودوائر اختصاصها بعد أخذ رأي مدير النيابة الإدارية وتنص المادة 18 من القانون المذكور على أن تكون محاكمة العاملين المنسوبة إليهم مخالفة واحدة أو مخالفات مرتبطة ببعضها ومجازاتهم أمام المحكمة التي وقعت في دائرة اختصاصها المخالفة أو المخالفات المذكورة، فإذا تعذر تعيين المحكمة عينها رئيس مجلس الدولة بقرار منه. ومفاد ذلك أن قانون مجلس الدولة جعل المناط في تحديد دائرة اختصاص كل من المحاكم التأديبية بمكان وقوع المخالفة المنسوبة إلى العامل أو العاملين المحالين إلى المحاكمة التأديبية وليس مكان عمل هؤلاء عند إقامة الدعوى التأديبية عليهم. ومن ثم فإن المعول عليه قانوناً في تحديد المحكمة المختصة بنظر الدعوى هو مكان وقوع المخالفة أو المخالفات ولو نقل من نسبت إليهم هذه المخالفات بعد ذلك إلى عمل في جهة أخرى تقع في دائرة اختصاص محكمة تأديبية أخرى. وهذا الضابط يتفق مع طبائع الأشياء وحسن سير المصلحة العامة، باعتبار أن الجهة التي وقعت فيها المخالفة تستطيع أن تقدم ما قد تطلبه المحكمة من بيانات أو مستندات في وقت ملائم يساعد على سرعة الفصل في الدعوى.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى - على غير ما جاء بتقرير الطعن الماثل - على أن الدفع بعدم الاختصاص المحلي لمحاكم مجلس الدولة من الدفوع المتعلقة بالنظام العام التي تثار في أية حالة كانت عليها الدعوى بل وللمحكمة من تلقاء نفسها أن تبحث في اختصاصها فإن ثبت لها عدم وجوده لها أن تقضي بعدم اختصاصها من تلقاء نفسها، ولا حجة في الاستناد إلى حكم المادة 108 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على ما قال به تقرير الطعن للقول بسقوط الحق في إبداء الدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية لعدم إبدائه قبل إبداء الدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية لعدم إبدائه قبل إبداء الدفاع الموضوعي، لا حجة في ذلك لأن قواعد توزيع الاختصاص بين المحاكم التأديبية وفقاً لأحكام قانون مجلس الدولة على ما سلف بيانه من النظام العام الذي لا يجوز معه لأي من أطراف الخصومة صراحة أو ضمناً أو للمحكمة ذاتها الخروج على قواعد الاختصاص هذه، وبهذه المثابة لا يسوغ في هذا الشأن إعمال حكم المادة 108 من قانون المرافعات سالف الإشارة إليه والذي يحكم قواعد الاختصاص بين محاكم القضاء العادي، لتعارضه مع نظام توزيع الاختصاص بين المحاكم التأديبية.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم وكان الثابت أن المخالفة المنسوبة إلى المدعي قد وقعت إبان عمله بمستشفى الصدر بالجيزة التابعة لمديرية الصحة بمحافظة الجيزة، وتولت إدارة الشئون القانونية بتلك المديرية التحقيق فيها ثم أصدر وكيل الوزارة للشئون الصحية بالجيزة القرار المطعون فيه بمجازاة المدعي بخصم يومين من مرتبه لما ثبت في حقه. فإنه لذلك يكون الفصل في الطعن في هذا القرار معقوداً للمحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة باعتبار أن المخالفة التي جوزي المدعي عنها قد وقعت في دائرة اختصاص تلك المحكمة ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه وقد ذهب غير هذا المذهب وقضي بعدم اختصاص المحكمة المذكورة بنظر الدعوى وباختصاص المحكمة التأديبية بطنطا بنظرها مستنداً في قضائه على أن المدعي يعمل منذ رفع الدعوى بمعهد السرطان في طنطا، يكون قد خالف القانون وأهدر قاعدة من قواعد النظام العام المتعلق بتوزيع الاختصاص بين المحاكم التأديبية.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة بنظر الدعوى وبإعادتها إليها للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى