مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1065

(169)
جلسة 28 من إبريل سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمود عبد العزيز الشربيني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وأبو بكر دمرداش أبو بكر وعبد العزيز أحمد سيد حمادة - المستشارين.

الطعن رقم 165 لسنة 25 القضائية

( أ ) مسئولية - تعويض - اللائحة المالية للميزانية والحسابات.
مسئولية الإدارة عن القرارات المخالفة للقانون والصادرة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي - لا تنسب إلى العمل غير المشروع كمصدر من مصادر الالتزام وإنما إلى القانون مباشرة - أساس ذلك: أن هذه القرارات تصرفات قانونية وليست أعمالاً مادية - نتيجة ذلك: الحق في التعويض عن حرمان الموظف من مرتبه نتيجة لهذه القرارات لا يسقط بالتقادم الثلاثي وإنما يسقط بالتقادم الخمسي المنصوص عليه في المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات - التعويض المترتب على الإخلال بالالتزام هو من طبيعة الحق الناشئ عن هذا الالتزام لأنه هو المقابل له فتسري بالنسبة لهذا التعويض مدة التقادم التي تسري بالنسبة للحق الأصلي - تطبيق [(1)].
(ب) عاملون مدنيون بالدولة - انتهاء الخدمة - الفصل بغير الطريق التأديبي - تقادم - القانون رقم 31 لسنة 1963 بفصل العاملين بغير الطريق التأديبي - منع التعقيب القضائي على قرارات رئيس الجمهورية بفصل العاملين بغير الطريق التأديبي - يعتبر عقبة حالت دون المطالبة بإلغاء هذه القرارات وألزمت صاحب الشأن أن يتخذ موقفاً سلبياً من هذه المطالبة - الأثر المترتب على ذلك: وقف مدة التقادم إلى أن يزول المانع فتستأنف المدة سريانها - يتعين الاعتداد في حساب مدة التقادم بالمدة السابقة على الوقف والمدة اللاحقة لزوال المانع بصدور حكم المحكمة الدستورية اعتباراً من 23/ 11/ 1971 تاريخ نشره بالجريدة الرسمية - رفع الدعوى بعد اكتمال مدة التقادم - سقوط الحق في طلب التعويض - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 21 من يناير سنة 1979 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن كل من السيد رئيس الجمهورية والسيد وزير الخارجية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 165 لسنة 25 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1978 في الدعوى رقم 935 لسنة 29 القضائية المقامة من السيد/ ...... ضد الطاعنين والقاضي برفض الدفع بسقوط الحق في التعويض بالتقادم وبإلزام الجهة الإدارية بأن تدفع للمدعي تعويضاً مادياً يعادل الفرق بين مرتبه ومعاشه عن المدة من إحالته إلى المعاش حتى تاريخ بلوغه السن القانونية للمعاش ورفض ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبسقوط حق المطعون ضده في التعويض بالتقادم واحتياطياً برفض دعواه مع إلزامه المصروفات في الحالتين. وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 7 من مارس سنة 1979، وقدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من ديسمبر سنة 1983 وبجلسة 22 من فبراير سنة 1984 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره أمامها جلسة 17 من مارس سنة 1984. وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن السيد/ ..... أقام الدعوى رقم 935 لسنة 29 القضائية ضد كل من السيد رئيس الجمهورية والسيد وزير الخارجية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في الأول من إبريل سنة 1975 طلب في ختامها الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يؤديا له مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض المادي والأدبي عن الأضرار التي أصابته بصدور القرار الجمهوري رقم 48 لسنة 1961 فضلاً عن المصروفات. وقال شرحاً للدعوى أنه من مواليد 6 من نوفمبر سنة 1903، وأنه عين بوزارة الخارجية في يناير سنة 1928 بعد حصوله على ليسانس الحقوق، وتدرج في وظائف السلك الدبلوماسي إلى أن عين في سبتمبر سنة 1953 سفيراً لمصر في أندونيسيا، واستمر في هذا المنصب حتى أواخر نوفمبر سنة 1959 حيث نقل إلى ديوان الوزارة مديراً لإدارة الصحافة، وفوجئ في 14 من فبراير سنة 1961 بصدور القرار الجمهوري رقم 48 لسنة 1961 بإحالته إلى المعاش بغير الطريق التأديبي ضمن سبعة عشر سفيراً ووزيراً مفوضاً، ونعى المدعي على هذا القرار مخالفته للقانون لصدوره على غير سبب يبرره. وقال في بيان ذلك أنه كان طوال مدة خدمته موضعاً للثقة لكفاءته ونزاهته، وأشار في هذا الصدد إلى المناصب التي تقلدها والأعباء الهامة التي كلف بها وأنجزها على خير وجه حتى أنه حصل من الحكومة الأندونيسية في عام 1971 على أرفع وسام بالرغم من أنه كان قد مضى على مغادرته أندونيسيا اثنا عشر عاماً، ولما كان قد أصيب من جراء صدور ذلك القرار الجمهوري بأضرار مادية وأدبية بالغة أوضحها المدعي تفصيلاً في صحيفة الدعوى فإنه من ثم يطلب الحكم بإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي له مبلغ التعويض سالف الذكر. وبجلسة 23 من نوفمبر سنة 1978 قضت محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) برفض الدفع بسقوط الحق في التعويض بالتقادم وبإلزام الجهة الإدارية بأن تدفع للمدعي تعويضاً مادياً يعادل الفرق بين مرتبه ومعاشه عن المدة من إحالته إلى المعاش حتى تاريخ بلوغه السن القانونية للمعاش وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت الجهة الإدارية المصروفات. وأقامت قضاءها برفض الدفع بسقوط الحق في التعويض بالتقادم على أن الحق في التعويض الذي يطالب به الموظف مقابل حرمانه من مرتبه بسبب فصله من الخدمة دون وجه حق يسقط بالتقادم الخمسي طبقاً لنص المادة (50) من اللائحة المالية للميزانية والحسابات. ولما كان الثابت أن قرار إحالة المدعي إلى المعاش صدر في 14 من فبراير سنة 1961، وإن المدة المسقطة للحق في التعويض عن الفرق بين المرتب والمعاش لم تكن قد انقضت عندما صدر القانون رقم 31 لسنة 1963 المعمول به اعتباراً من 11 من مارس سنة 1963، والذي منع الطعن في قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي باعتبارها من أعمال السيادة. وأنه لما كان ميعاد الطعن في هذه القرارات قد انفتح من جديد اعتباراً من 22 من نوفمبر سنة 1971 تاريخ نشر الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون رقم 31 لسنة 1963 سالف الذكر بالجريدة الرسمية، وكان المدعي قد أقام الدعوى في الأول من إبريل سنة 1975 قبل انقضاء مدة خمس سنوات على تاريخ نشر حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه فإن الدفع بسقوط الحق في التعويض بالتقادم يكون في غير محله جديراً بالرفض. وأقامت المحكمة قضاءها بالتعويض على أن الأوراق خلت من بيان السبب الذي قام عليه القرار الجمهوري رقم 48 لسنة 1961 بإحالته إلى المعاش قبل بلوغ السن القانونية وهو ما يتحقق به ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، وإذ كان قد ترتب على هذا القرار إصابة المدعي بأضرار مادية تتمثل في حرمانه من الفرق بين المرتب والمعاش عن المدة من تاريخ فصله حتى تاريخ بلوغه السن القانونية للمعاش، فمن ثم تكون أركان المسئولية التقصيرية قد توافرت، ويتعين من ثم إجابة المدعي إلى هذا الطلب. ورفضت المحكمة الحكم بالتعويض عن الضرر الأدبي على أساس أن المدعي كان قد صدر لصالحه القرار الجمهوري رقم 729 لسنة 1974 قبل إقامة الدعوى بمنحه معاشاً استثنائياً مقداره 110 جنيهات وهو يعتبر تعويضاً كافياً للمدعي عن هذا الضرر.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون فيما قضى به من أن حق الموظف في التعويض عن الضرر المادي الذي أصابه من جراء قرار الفصل يسقط بمضي خمس سنوات أسوة بتقادم الحق في المرتبات، ذلك أن مصدر هذا الحق هو العمل غير المشروع، وليس القانون، ومن ثم يسقط بالتقادم الثلاثي لا بالتقادم الخمسي طبقاً لقواعد المسئولية التقصيرية المقررة في المادة 172/ 1 مدني. كما أخطأ الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه من أنه بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون رقم 31 لسنة 1963 ونشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 22 من نوفمبر سنة 1971 ينفتح ميعاد جديد للطعن في القرارات الصادرة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي بحيث تحسب مدة التقادم من جديد اعتباراً من تاريخ نشر هذا الحكم، ذلك أن القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يعدو أن يكون مانعاً مؤقتاً موقفاً لمدة التقادم يتعين استكمال المدة بعد زواله لا حسابها من جديد. هذا فضلاً عن أن القرار المطعون فيه صدر على أي حال صحيحاً قائماً على أسبابه المبررة له قانوناً في حدود السلطة التقديرية لجهة الإدارة بغير تعسف أو انحراف مما ينتفي معه ركن الخطأ وهو ما كان يقتضي رفض دعوى التعويض موضوعياً.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن مسئولية الإدارة عن القرارات المخالفة للقانون الصادرة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي لا تنسب إلى العمل غير المشروع كمصدر من مصادر الالتزام وإنما إلى القانون مباشرة باعتبار أن هذه القرارات تصرفات قانونية وليست أعمالاً مادية ومن ثم فإن الحق في التعويض عن حرمان الموظف من مرتبه نتيجة لهذه القرارات لا يسقط بالتقادم الثلاثي وإنما بالتقادم الخمسي المنصوص عليه في المادة (50) من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، وذلك على اعتبار أن التعويض المترتب على الإخلال بالالتزام هو من طبيعة الحق الناشئ عن هذا الالتزام لأنه هو المقابل له فتسري بالنسبة لهذا التعويض مدة التقادم التي تسري بالنسبة للحق الأصلي. وهو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه وبحق وجاء قضاؤه في ذلك صحيحاً لا مطعن عليه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى كذلك على أن القانون رقم 31 لسنة 1963 سالف الإشارة إليه الذي أضفى صفة إعمال السيادة على قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين إلى المعاش بغير الطريق التأديبي مما أدى إلى منع التعقيب القضائي على هذه القرارات يعتبر عقبة حالت دون المطالبة بهذا الحق وألزمت صاحب الشأن بأن يتخذ موقفاً سلبياً من هذه المطالبة، مما يقتضي وقف مدة التقادم بالنسبة له إلى أن يزول هذا المانع فتستأنف المدة سريانها، ومن ثم يتعين الاعتداد في حساب مدة التقادم بالمدة السابقة على هذا الوقف والمدة اللاحقة له. ولما كان الثابت أن القرار الصادر بإحالة المدعي إلى المعاش قد صدر في 14 من فبراير سنة 1961 وليس ثمة منازعة من جانب المدعي في أنه علم بهذا القرار منذ صدوره، وأن القانون رقم 31 لسنة 1963 قد صدر وعمل به اعتباراً من 11 من مارس سنة 1963. بعد أن كان قد انقضى على مدة التقادم سنتان وثمانية وعشرون يوماً ولم يبق على اكتمال المدة سوى ثلاث سنوات إلا ثمانية وعشرون يوماً تحسب اعتباراً من 22 من نوفمبر سنة 1971 بحيث تكتمل المدة في موعد غايته 23 من أكتوبر 1974. وإذ أقام المدعي الدعوى في الأول من إبريل سنة 1975 فإنه يكون قد أقامها بعد اكتمال مدة التقادم مما كان يقتضي الحكم بسقوط الحق في التعويض.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف ذلك مستنداً إلى أن القانون رقم 31 لسنة 1963 سالف الذكر يعتبر قاطعاً للتقادم بحيث تسري المدة كاملة من جديد اعتباراً من 22 من نوفمبر سنة 1971 تاريخ نشر حكم المحكمة الدستورية العليا في الجريدة الرسمية فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون متعيناً الحكم بإلغائه والقضاء بسقوط حق المدعي في التعويض.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم فقد تعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبسقوط حق المدعي في التعويض مع إلزامه المصاريف.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبسقوط حق المدعي في المطالبة بالتعويض وألزمته المصروفات.


[(1)] يراجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا - الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 في الطعن رقم 567 لسنة 29 المحكوم فيه بجلسة 15/ 12/ 1985.