أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 343

جلسة 11 من مايو سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(68)
الطعن رقم 2032 لسنة 33 القضائية

( أ ) قذف. محكمة الموضوع. "نقض". "أحوال الطعن بالنقض". "مخالفة القانون".
مجرد تقديم شكوى في حق شخص إلى جهات الاختصاص وإسناد وقائع معينة إليه. لا يعد قذفاً ما دام القصد منه لم يكن إلا التبليغ عن هذه الوقائع لا مجرد التشهير للنيل منه. استظهار ذلك القصد. موضوعي.
(ب) قذف. محكمة الموضوع. أمر حفظ. أمر بألا وجه.
تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع. عدم تقيدها بقرار الحفظ الذي تصدره النيابة العامة أو الهيئات الأخرى. عليها أن تفصل في الواقعة المطروحة أمامها حسبما ينتهي إليه تحقيقها لها.
(ج) نقض. "أسباب الطعن". "سلطة محكمة النقض".
الرخصة المخولة لمحكمة النقض لقبول الأسباب التي تبدى خارج الميعاد القانوني. عدم جواز إعمالها إلا إذا تعلق الأمر بمصلحة المتهم، المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959.
1 - من المقرر أن مجرد تقديم شكوى في حقه شخص إلى جهات الاختصاص وإسناد وقائع معينة إليه لا يعد قذفاً معاقباً عليه ما دام القصد منه لم يكن إلا التبليغ عن هذه الوقائع لا مجرد التشهير للنيل منه. واستظهار ذلك القصد من اختصاص محكمة الموضوع تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها دون معقب عليها في ذلك ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج. فإذا كان مفاد ما خلص إليه الحكم انتفاء سوء القصد عن المطعون ضدهما وكان هذا الاستخلاص سائغاً وسليماً فإن تكييفه الواقعة بأنها لا تعد قذفاً ليس فيه مخالفة للقانون [(1)].
2 - تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب، وهي لا تتقيد في هذا الشأن بقرار الحفظ الذي تصدره النيابة العامة أو الهيئات الأخرى بل عليها أن تفصل في الواقعة المطروحة أمامها حسبما ينتهي إليه تحقيقها لها [(1)].
3 - الرخصة المخولة لمحكمة النقض لقبول الأسباب التي تبدى خارج الميعاد القانوني لا يجوز إعمالها طبقاً للمادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن بالنقض أمام محكمة النقض إلا إذا تعلق الأمر بمصلحة المتهم.


الوقائع

تخلص وقائع هذا الطعن في أن المدعي بالحقوق المدنية "الطاعن" أقام دعواه بالطريق المباشر بعريضة معلنة للمتهمين "المطعون ضدهما" متهماً إياهما بأنهما في يوم 18 يناير سنة 1961 بدائرة قسم السيدة زينب: أولاً - أسندا إليه وهو موظف عام بسوء النية الأمور الواردة بعريضة الدعوى بالطريق المبين بها والتي لو صحت لأوجبت عقابه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً ولأوجبت احتقاره عند أهل وطنه ولم تثبت حقيقة ما أسنداه إليه. ثانياً - أخبرا مصلحة الضرائب والجهات الإدارية مع سوء القصد بالأمور الكاذبة الواردة في تلك العريضة والتي نسباها للطالب والتي لو صحت لاستوجبت عقابه قانوناً. وطلب في نهايتها عقابهما طبقاً للمواد 302 و303/ 2 و304 و305 من قانون العقوبات. كما طلب القضاء له بمبلغ ألفي جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين متضامنين. ومحكمة السيدة زينب الجزئية قضت حضورياً للأول وغيابياً للثاني بتاريخ 23/ 4/ 1962 عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين بلا مصاريف جنائية ورفض الدعوى المدنية مع إلزام رافعها بالمصاريف. استأنف المدعي بالحقوق المدنية هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 13/ 6/ 1962 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المدعي بالحق المدني المصروفات المدنية الاستئنافية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ذلك بأن الحكم الابتدائي الذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه خلص إلى أن المحكمة لا ترى في ألفاظ الشكوى ما يعتبر سباً أو قذفاً مع أنها تضمنت أن الطاعن يشتغل بالتجارة وأنه يتخذ من تأجير أملاكه وسيلة للاتجار والإثراء غير المشروع وأنه دأب على الإضرار بالمطعون ضده الأول وبغيره وهو ما يتضمن قذفاً وسباً...، وقال الحكم إن تحويل مبلغ اثنين وثلاثين جنيهاً من مرتب الطاعن شهرياً إلى شركة سيارات يؤكد قيامه بعمليات تجارية يقتطع من مرتبه أقساط ثمنها إن لم يكن أصيلاً فبالواسطة مع أن الأوراق خلو من الدليل على ذلك وقد قدم الطاعن إلى محكمة ثاني درجة المستندات الدالة على أنه كان ضامناً لشقيقته ثم لزوجته في عقود شراء سيارات وأن لزوجته نشاطاً تجارياً في تشغيلها منذ عام 1954 قبل زواجه بها إلا أن الحكم التفت عن هذا الدفاع ولم يعن بالرد عليه... كما أن الحكم قد خلط بين الفقرتين الأولى والثانية من المادة 302 من قانون العقوبات إذ لا يقبل في القانون إثبات صحة الوقائع المسندة إلا في الحالة المبينة في الفقرة الثانية والطاعن وإن كان موظفاً عاماً إلا أن الوقائع المسندة إليه لا تتصل بأعمال وظيفته وإنما تتعلق بأعماله وتصرفاته الشخصية، وفضلاً عن ذلك فإن تطبيق الفقرة الثانية توجب على القاذف أن يقيم الدليل على صحة الوقائع المسندة وأن يثبت القذف عن حسن نية وهو ما لم يتطرق إليه الحكم بل أخذ يبحث عن سوء نية الطاعن المقذوف في حقه ويقيم عليها القرائن. وقد خلط الحكم في أسبابه بين جرائم القذف والسب والبلاغ الكاذب مع أن لكل أركانها القانونية التي يتعين على المحكمة بيان توافرها أو عدم توافرها على حدة. ومن ناحية أخرى فقد ذهب الحكم إلى أن المطعون ضده الثاني وقع على الشكوى بصفته محامياً ووكيلاً بجوار توقيع موكله المطعون ضده الأول الذي سمعت أقواله وحده في الشكوى والذي يتخذ من مكتب محاميه محلاً مختاراً وهو ما لا يتفق وصحيح القانون الذي ينص على شخصية الجريمة والعقوبة وما دامت الشكوى قد تضمنت واقعة تنطوي على جريمة ووقع عليها المطعون ضدهما فيعتبر كل منهما مسئولاً عن الجريمة إذ لا وكالة في ارتكاب الجرائم وقد قدم الطاعن مذكرة إلى محكمة ثاني درجة شرح فيها الواقعة الصحيحة للدعوى ومؤيدة بالمستندات وأوضح الرأي القانوني السليم فيما يترتب على توقيع المطعون ضده الثاني على الشكوى من مسئولية جنائية وصحح الأخطاء المادية التي وقع فيها الحكم الابتدائي بيد أن المحكمة التفتت في حكمها المطعون فيه عن هذا الدفاع ولم تعن بالرد عليه. وأضاف الطاعن بالجلسة وجهاً جديداً يتحصل في أن محكمة الجنح وقد قضت في الدعوى الجنائية بالبراءة فإنه كان من المتعين عليها أن تقضي بعدم الاختصاص بالنسبة إلى الدعوى المدنية.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بقوله إن الطاعن رفع هذه الدعوى بالطريق المباشر ناسباً إلى المطعون ضدهما أنهما قدما شكوى ضده بتاريخ 18 يناير سنة 1961 إلى مصلحة الضرائب التي يعمل بها موظفاً ولغيرها من الجهات المختصة قالا فيها أنه يشتغل بالتجارة في التاكسيات ويؤجر شقته مفروشة من الباطن للغير ويتخذ من تأجير أملاكه وسيلة للاتجار والإثراء غير القانوني كما دأب على الإضرار بالمطعون ضده الأول وقد أجرت مصلحة الضرائب والجهات التي قدمت إليها هذه الشكوى تحقيقات واسعة انتهت جميعها بحفظها لعدم ثبوت ما ورد فيها من اتهامات وطلب الطاعن معاقبة المتهمين عن تهمة البلاغ الكاذب طبقاً للمادتين 304 و305 من قانون العقوبات. وبعد أن عرض الحكم إلى المستندات المقدمة من طرفي الخصومة وحصل مضمونها وخلص منها إلى أن الطاعن يقوم بعمليات تجارية قال: "وحيث إن المحكمة تخلص من كل ذلك إلى أن البلاغ صادق وأن المدعي بالحق المدني إنما أثار هذا الاتهام الكيدي نكاية في المتهمين - المطعون ضدهما - وهو أمر تستشفه المحكمة من سلوكه الخاص الذي ضمنه المتهم الأول حافظة مستنداته تحت رقم 3 من مشاغبته سكان منزله وصلته غير السليمة مع أخوته وأمه الأمر الذي انتهى بهؤلاء إلى عزله من التوكيل لإساءته استعمال هذا التوكيل. ومن حيث إن ما أسنده المدعي بالحق المدني إلى المتهم الأول من أنه سب في حقه وقذف فإن المحكمة لا ترى في ألفاظ الشكوى وعباراتها ما يعتبر سباً وقذفاً وإنما استعمل المتهم الأول حقه في شكوى موظف عمومي وانتهت هذه الشكوى بإفساد خطط المدعي بالحق المدني ورفض دعاويه الكيدية".
لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى وكانت المحكمة قد خلصت - بعد أن أحاطت بالوقائع المنسوبة إلى المتهمين التبليغ عنها - إلى صحة هذا التبليغ وكان تقدير صحة التبليغ من كذبه أمراً متروكاً لمحكمة الموضوع التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب وهي لا تتقيد في هذا الشأن بقرار الحفظ الذي تصدره النيابة العامة أو الهيئات الأخرى بل عليها أن تفصل في الواقعة المطروحة أمامها حسبما ينتهي إليه تحقيقها لها.
لما كان ذلك، وكانت عبارات الشكوى المقدمة من المطعون ضدهما تتضمن إسناد وقائع معينة إلى الطاعن هي اشتغاله بالتجارة واتخاذه من تأجير أملاكه وسيلة للاتجار والإثراء غير المشروع والإضرار بالمطعون ضده الأول فإن الحكم إذ انتهى إلى أن عبارات هذه الشكوى ليس فيها ما يعتبر سباً يكون صحيحاً في القانون. ولما كان من المقرر أن مجرد تقديم شكوى في حق شخص إلى جهات الاختصاص وإسناد وقائع معينة إليه لا يعد قذفاً ما دام القصد منه لم يكن إلا التبليغ عن هذه الوقائع لا مجرد التشهير للنيل منه واستظهار ذلك القصد من اختصاص محكمة الموضوع تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها دون معقب عليها في ذلك ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافى عقلاً مع هذا الاستنتاج وكان مفاد ما خلص إليه الحكم فيما تقدم انتفاء سوء القصد عن المطعون ضدهما وهو استخلاص سائغ وسليم فإن تكييفه الواقعة بأنها لا تعد قذفاً ليس فيه مخالفة للقانون. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض.
أما بالنسبة إلى ما أثاره الطاعن بالجلسة من نعي على الحكم خطأه في تصديه للدعوى المدنية بعد إذ قضى بالبراءة فلا محل للالتفات إلى هذا الوجه طالما أنه لم يبد في الميعاد القانوني إذ الأصل أن الرخصة المخولة لمحكمة النقض لقبول الأسباب التي تبدى خارج هذا الميعاد القانوني لا يجوز إعمالها طبقاً للمادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن بالنقض أمام محكمة النقض إلا إذا تعلق الأمر بمصلحة المتهم وهو مالا يتوافر بالنسبة إلى الطاعن. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين لذلك رفض الطعن ومصادرة الكفالة عملاً بنص المادة 36 من القانون سالف البيان وإلزام الطاعن المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.


[(1)] هذا المبدأ مقرر أيضاً في الطعن رقم 2375 لسنة 33 ق جلسة 30/ 6/ 1964 (لم ينشر).