أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 349

جلسة 11 من مايو سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، وبطرس عوض الله.

(69)
الطعن رقم 22 لسنة 34 القضائية

موظفون عموميون. رشوة. شخصية معنوية. دعوى جنائية. "قبولها". شركة. مؤسسة عامة.
الشركة العامة لاستصلاح الأراضي. إلحاقها بالمؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي. بقاؤها متمتعة بشخصية معنوية وكيان مستقل عن شخصية الدولة. إفصاح المشرع في المذكرة الإيضاحية للقانون 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة عن اتجاهه إلى عدم اعتبار موظفي هذه الشركة من الموظفين العامين. اعتبارهم في حكم الموظفين العامين في صدد جريمة الرشوة وحدها.
موظفو المؤسسات العامة: إخضاعهم لأحكام القوانين والنظم السارية على موظفي الدولة.
يبين من استقراء نصوص القانون رقم 20 لسنة 1957 في شأن المؤسسة الاقتصادية وقرار رئيس الجمهورية رقم 1465 لسنة 1959 بتأسيس الشركة العامة لاستصلاح الأراضي وقرار مجلس إدارة المؤسسة الاقتصادية بإنشاء هذه الشركة وقرار رئيس الجمهورية رقم 1899 لسنة 1961 بإنشاء المجلس الأعلى للمؤسسات العامة أنه قد رخص للمؤسسة الاقتصادية بتأسيس شركة مساهمة متمتعة بجنسية الجمهورية العربية المتحدة تدعي الشركة العامة لاستصلاح الأراضي لتحقيق غرض معين وهو القيام بعمليات استصلاح الأراضي الزراعية في الجمهورية العربية المتحدة وتعميرها وإقامة المنشآت والمشروعات والقيام بالدراسات اللازمة لذلك - ثم ألحقت هذه الشركة بالمؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي وبقيت تتمتع بشخصية معنوية وكيان مستقل عن شخصية الدولة ولا تخضع قراراتها لاعتماد المؤسسة العامة إلا في مسائل محدودة مثل تلك التي تمس السياسة العامة والتخطيط والتسويق - وقد أفصح المشرع عن ذلك صراحة في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة كما أفصح عن اتجاهه إلى عدم اعتبار موظفي هذه الشركة من الموظفين العامين بما نص عليه في قرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي وعمال الشركات التي تتبع المؤسسات العامة من سريان قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية على موظفي هذه الشركات وذلك على خلاف موظفي المؤسسات العامة الذين أخضعتهم لأحكام القوانين والنظم السارية على موظفي الدولة طبقاً لما نص عليه في قرار رئيس الجمهورية رقم 1528 لسنة 1961 - وذلك فيما عدا جريمة الرشوة إذ أضاف المشرع إلى المادة 111 من قانون العقوبات فقرة مستحدثة نصت على أنه يعد في حكم المرتشي "الموظف العمومي" مستخدمو الشركات التي تساهم الدولة في مالها بنصيب ما. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى أن الطاعن وهو يعمل سائقاً بالشركة العام لاستصلاح الأراضي لا يعد موظفاً أو مستخدماً عمومياً ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية قبله لرفعها من غير ذي صفة يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 18/ 7/ 1962 بدائرة مركز الحسينية (1) تسبب بغير قصد ولا تعمد في قتل محمد محمد علي وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد جراراً بدون رخصة قيادة وبحالة ينجم عنها الخطر بالكيفية المبينة بالمحضر (2) تسبب بغير قصد ولا تعمد في إصابة عيسى عبد الفتاح وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد جراراً بدون رخصة قيادة وبحالة ينجم عنها الخطر (3) قاد جراراً بدون رخصة قيادة. وطلبت معاقبته طبقاً للمواد 238 و244 من قانون العقوبات و1 و2 و3 و4 و84 و90 من القانون رقم 449 لسنة 1955 مع توقيع أقصى العقوبة ومحكمة الحسينية قضت غيابياً بتاريخ 13/ 2/ 1963 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 1 من قانون العقوبات بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ عن التهم الثلاث بلا مصاريف. فعارض وقضى في معارضته بتاريخ 22 مايو سنة 1963 بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنف المتهم والنيابة العامة هذا الحكم ومحكمة الزقازيق الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 19 نوفمبر سنة 1963 بقبول الاستئنافين شكلاً وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى وفى الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم الأخير بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الطاعن دفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها عليه دون استئذان النائب العام أو المحام العام أو رئيس النيابة المختص - مع أنه موظف بشركة تابعة للقطاع العام ووقع منه الفعل المسند إليه أثناء تأديته عمله إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع خلافاً لما تقضي به المادة 63/ 3 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات وعلى مدونات الحكم أن الجرائم التي نسب إلى الطاعن ارتكابها قد وقعت منه أثناء تأديته وظيفته - سائقاً - لدى الشركة العامة لاستصلاح الأراضي - وقد أقيمت عليه الدعوى الجنائية بغير إذن من النائب العام أو المحام العام أو رئيس النيابة العامة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض للدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لأن المتهم موظف في شركة تابعة لمؤسسة حكومية ومن ثم يعتبر موظفاً حكومياً ورد عليه بقوله "وحيث إنه يلزم للرد على هذا الدفع التفريق بين العلاقة اللائحة والعلاقة التعاقدية والأولى هي التي تربط الموظفين العموميين والمستخدمين بالدولة والثانية هي التي تربط العمال بأصحاب الأعمال. وحيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 1528 لسنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي وعمال المؤسسات العامة نص في مادته الأولى على أنه: يسري على موظفي المؤسسات الخاضعين لأحكام هذا النظام أحكام القوانين والنظم السارية على موظفي الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذه اللائحة وتسري على عمال المؤسسات العامة المشار إليها التشريعات الخاصة بعمال الحكومة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذه اللائحة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة لشئون العمال.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي وعمال الشركات الخاضعين لأحكام هذا النظام - أحكام قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية والقرارات المتعلقة بها فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذه اللائحة يكون أكثر سخاء ويعتبر هذا النظام جزءاً متمماً لعقد العمل. وحيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإنه ينبغي التفرقة بين موظفي وعمال المؤسسات العامة الذين يعتبرون في حكم الموظفين العموميين التابعين للدولة وبين موظفي وعمال الشركات التابعة لها الذين يعتبرون في حكم العمال وتربطهم بشركاتهم العلاقة التعاقدية. ولما كان المتهم يعمل سائقاً بالشركة العامة لاستصلاح الأراضي فإنه لا يعد موظفاً أو مستخدماً عمومياً ومن ثم يكون الدفع في غير محله" - لما كان ذلك، وكان يبين من استقراء نصوص القانون رقم 20 لسنة 1957 في شأن المؤسسة الاقتصادية وقرار رئيس الجمهورية رقم 1465 لسنة 1959 بتأسيس الشركة العامة لاستصلاح الأراضي وقرار مجلس إدارة المؤسسة الاقتصادية بإنشاء هذه الشركة وقرار رئيس الجمهورية رقم 1899 لسنة 1961 بإنشاء المجلس الأعلى للمؤسسات العامة أنه قد رخص للمؤسسة الاقتصادية بتأسيس شركة مساهمة متمتعة بجنسية الجمهورية العربية المتحدة تدعي الشركة العامة لاستصلاح الأراضي لتحقيق غرض معين وهو القيام بعمليات استصلاح الأراضي الزراعية في الجمهورية العربية المتحدة وتعميرها وإقامة المنشآت والمشروعات والقيام بالدراسات اللازمة لذلك - ثم ألحقت هذه الشركة بالمؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي وبقيت تتمتع بشخصية معنوية وكيان مستقل عن شخصية الدولة ولا تخضع قراراتها لاعتماد المؤسسة العامة إلا في مسائل محدودة مثل ذلك التي تمس السياسة العامة والتخطيط والتسويق - وقد أفصح المشرع عن ذلك صراحة في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة كما أفصح عن اتجاهه إلى عدم اعتبار موظفي هذه الشركة من الموظفين العامين بما نص عليه في قرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي وعمال الشركات التي تتبع المؤسسات العامة من سريان قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية على موظفي هذه الشركات وذلك على خلاف موظفي المؤسسات العامة الذين أخضعتهم لأحكام القوانين والنظم السارية على موظفي الدولة طبقاً لما نص عليه في قرار رئيس الجمهورية رقم 1528 لسنة 1961 - وذلك فيما عدا جريمة الرشوة إذ أضاف المشرع إلى المادة 111 من قانون العقوبات فقرة مستحدثة نصت على أنه يعد في حكم المرتشي "الموظف العمومي" مستخدمو الشركات التي تساهم الدولة في مالها بنصيب ما. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى أن الطاعن وهو يعمل سائقاً بالشركة العام لاستصلاح الأراضي لا يعد موظفاً أو مستخدماً عمومياً ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية قبله لرفعها من غير ذي صفة يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الوجه في غير محله.
وحيث إن مبنى أوجه الطعن الأخرى هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم القتل والإصابة الخطأ وقيادة جرار بدون رخصة قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في الإسناد - ذلك بأنه قد دان الطاعن رغم انتفاء خطئه وعدم توفر علاقة السببية في حقه فهو إذ كان يقود جراراً يتصل بمقطورة تقع إلى الخلف منه ولم يكن له شأن في تركيبها في الجرار فإن المسئولية عما حدث تقع على عاتق المهندس الذي قام بتوصيلها بالجرار - كما أن الحكم أسند إليه بأنه كان يقود الجرار بسرعة في حين أن أحداً من الشهود لم يذكر ذلك - وقد جاء بتقرير المهندس الفني أن الجرار كان يسير على أرض رخوة مما تنتفي معه السرعة وقد أثار الطاعن هذا الدفاع ولكن المحكمة لم تحققه أو ترد عليه أو تناقش المهندس الفني في ذلك. هذا وأن المحكمة أسست خطأ الطاعن على أنه قاد الجرار دون وجود فرامل في مقطورته مع أن الحادث لم يقع بسبب عدم وجود فرامل في المقطورة وإنما بسبب كسر المسمار الذي يربط بين تلك المقطورة مما تنتفي معه رابطة السببية بين عدم وجود الفرامل والحادث مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بعد أن حصل أقوال الشهود والتقرير الطبي وتقرير المهندس الفني وأقوال المجني عليه عيسى عبد الفتاح بما مؤداه أن الطاعن كان يقود الجرار بسرعة ونتج عن ذلك انفصال المقطورة عن الجرار وطلب منه الطاعن القفز من المقطورة وحينئذ أصيب - خلص الحكم إلى ثبوت التهمة ضد الطاعن من أقوال الشهود والتقريرين الطبي والفني فضلاً عن قيادة الطاعن المقطورة بسرعة وبدون رخصة قيادة رغم خلوها من الفرامل مما ترتب عليه انفصالها عن الجرار ووقوع الحادث مما يتعين معه عقابه طبقاً لمواد الاتهام وردد الحكم المطعون فيه هذا القول في مجال الرد على ما أثاره الدفاع من عدم ثبوت التهمة وانتفاء الخطأ ورابطة السببية في حقه في قوله: "إن علاقة السببية قائمة بين خطأ المتهم (الطاعن) والضرر الذي حاق بالمجني عليهما من قيادة الجرار بسرعة غير عادية على أرض رخوة ودون أن يكون بالمقطورة فرامل مما نتج عنه كسر مسمار تثبيت المقطورة بالجرار وانقلابها وحدوث القتل والإصابة الخطأ ومن ثم يتعين تأييد الحكم المستأنف". لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً لهذا الوجه من الطعن أن المجني عليه عيسى عبد الفتاح شهد بمحضر ضبط الواقعة المؤرخ 13/ 7/ 1962 بأنه كان يركب فوق مقطورة تتصل بجرار يقوده الطاعن بسرعة فانفصل المسمار الذي كان يوصلها به وعندئذ أمره الطاعن بأن يقفز من المقطورة ففعل إلا أن المقطورة انقلبت عليه وأكد هذا القول في المناقشة بأن الطاعن كان يقود الجرار بسرعة - كما تبين من تقرير المهندس الفني المرافق بالأوراق أن تلك المقطورة - لا توجد بها فرامل يمكن التحكم فيها لإيقافها تطبيقاً للقانون رقم 449 سنة 1955 وثبت من المعاينة أن "البنز" المثبتة به الوصلة الحديدية التي تصل بين الجرار والمقطورة مجبور والوصلة ملتوية نتيجة مباشرة لسقوط الصهريج وانقلابه أثناء تثبيته بالجرار مع ملاحظة أن الأرض التي كان يعمل عليها الجرار والمقطورة أرض رخوة ومازالت في دور الإنشاء والتمهيد غير مستوية الجوانب. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه كان يقود جراراً بسرعة وبدون رخصة قيادة ويقطر مقطورة ليس بها فرامل مما ترتب عليه انفصالها عن الجرار فأصيب المجني عليهما بالإصابات الواردة في التقرير الطبي والتي أودت بحياة أحدهما. وكان الحكم قد أورد على ثبوت هذه الواقعة أدلة سائغة لها مأخذ صحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها - ثم رد على دفاع الطاعن من انتفاء علاقة السببية بين خطئه والضرر رداً سائغاً بما يفنده - لما كان ذلك، وكان سير الجرار على أرض رخوة لا ينفي قيادته بسرعة وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن وكان لا يبين من محاضر الجلسات أن الطاعن طلب مناقشة المهندس الفني فيما ورد بتقريره مما لا يصح معه النعي على المحكمة بأنها لم تتخذ هذا الإجراء. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذه الأوجه لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع مما لا يصح مصادرتها في اعتقادها بشأنه أو مجادلتها فيه أمام محكمة النقض - ويتعين لذلك رفض الطعن.