أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 384

جلسة 18 من مايو سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، وبطرس زغلول.

(75)
الطعن رقم 1719 لسنة 33 القضائية

( أ ) إجراءات المحاكمة. إعلان. دعوى. "نظرها". "حجزها للحكم". "إعادتها إلى المرافعة".
متى صح إعلان الدعوى بداءة فعلي أطرافها تتبع سيرها من جلسة إلى أخرى، طالما كانت متلاحقة حتى يصدر الحكم فيها. إعادة الدعوى إلى المرافعة بعد حجزها للحكم. وجوب دعوة الخصوم للاتصال بها إما بإعلانهم قانوناً أو ثبوت حضورهم وقت النطق بالقرار.
(ب) إعلان.
الإعلان لا يثبت إلا بورقة من أوراق المحضرين مثبتة لحصوله. عدم جواز الاستدلال عليه بأي دليل آخر مستمد من غير ورقة الإعلان ذاتها مهما بلغت قوة هذا الدليل.
(ج) حكم. "تسبيب. بيانات التسبيب". بطلان.
عدم إفصاح الحكم المطعون فيه عن أخذه بأسباب الحكم المستأنف. إنشاؤه لنفسه أسباباً جديدة. إغفاله الإشارة إلى النص الذي حكم بموجبه. بطلانه. إشارته في ديباجته إلى المواد التي طلبت النيابة العامة تطبيقها. لا يعصمه من هذا البطلان. ما دام لم يفصح عن أخذه بهذه المواد.
(د، هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
(د) على المحكمة ألا تبني حكمها إلا على الوقائع الثابتة في الدعوى. ليس لها أن تقيم قضاءها على أمور لا سند لها من التحقيقات.
(هـ) الأدلة في المواد الجنائية. متساندة. يكمل بعضها بعضاً. منها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي. سقوط أحدها أو استبعاده. أثره: تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم.
(و) نقض. "الطعن بالنقض". "ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام".
الطعن بطريق النقض: عدم قبوله في الحكم ما دام الطعن فيه بطريق المعارضة جائزاً. المادة 32 من القانون 57 لسنة 1959.
1 - إنه وإن كان الأصل - متى صح الإعلان بداءة - أن يتتبع أطراف الدعوى سيرها من جلسة إلى أخرى - طالما كانت متلاحقة - حتى يصدر الحكم فيها، إلا أنه من جهة أخرى إذا بدا للمحكمة بعد حجز الدعوى للحكم أن تعيدها إلى المرافعة استئنافاً للسير فيها تحتم دعوة الخصوم للاتصال بالدعوى، ولا تتم هذه الدعوة إلا بإعلانهم على الوجه المنصوص عليه في القانون أو ثبوت حضورهم وقت النطق بالقرار.
2 - الإعلان لا يثبت إلا بورقة من أوراق المحضرين مثبتة لحصوله، لأنه متى رسم القانون شكلاً خاصاً لإجراء من إجراءات الدعاوى كان هذا الشكل وحده هو الدليل القانوني على حصول هذا الإجراء، فلا يجوز الاستدلال عليه بأي دليل آخر مستمد من غير ورقة الإعلان ذاتها مهما بلغت قوة هذا الدليل.
3 - إذا كان الحكم المطعون فيه لم يفصح عن أخذه بأسباب الحكم المستأنف بل أنشأ لنفسه أسباباً جديدة وقد أغفل الإشارة إلى النص الذي حكم بموجبه فإنه يكون باطلاً ولا يعصمه من عيب هذا البطلان أنه أشار في ديباجته إلى المواد التي طلبت النيابة العامة تطبيقها ما دام لم يفصح عن أخذه بهذه المواد في حق الطاعن.
4 - يتعين على المحكمة ألا تبني حكمها إلا على الوقائع الثابتة في الدعوى وليس لها أن تقيم قضاءها على أمور لا سند لها من التحقيقات.
5 - الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض الآخر فتتكون عقيدة القاضي منها مجتمعة بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر الوقوف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم.
6 - تنص المادة 32 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على أنه "لا يقبل الطعن بطريق النقض في الحكم ما دام الطعن فيه بطريق المعارضة جائزاً". ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه صدر حضورياً اعتبارياً وكان قابلاً للمعارضة فيه بالشروط المبينة بالمادة 241 من قانون الإجراءات الجنائية. فإن الطعن المقدم من الطاعنة عن هذا الحكم يكون غير جائز قانوناً ويتعين القضاء بذلك.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن الأول وآخر بأنهما في يوم 7/ 5/ 1959 بدائرة مركز دمنهور: أولاً - تسببا بغير قصد ولا تعمد في قتل حلمي المنياوي وإصابة مصطفى أمين صالح ومحمد سيف الدين تيمور بأن كان ذلك ناشئاً عن إهمالهما وعدم إتباعهما اللوائح بأن قاد أولهما سيارة بكيفية ينجم عنها الخطر - ولم يهدئ من سيرها عند مفترق الطريق فاصطدم بسيارة المتهم الثاني الذي كان يقودها على يسار الطريق ولم يهدئ بدوره من سرعتها حين وصل إلى مفترق الطرق فأصيب المجني عليهم بالإصابات الموضحة بالتقارير الطبية والتي أودت بحياة أولهم. وثانياً - قادا سيارتين بكيفية ينجم عنها الخطر بأن لم يهدئا من سير السيارتين عند اتجاههما عند مفترق الطرق. وثالثاً - المتهم الثاني أيضاً لم يلتزم الجانب الأيمن للطريق أثناء قيادته السيارة. وطلبت عقابهما بالمادتين 238 و244 من قانون العقوبات وبالمواد 72/ 1 و81 و88 و90 من القانون رقم 449 لسنة 1955 وبالمادتين 2 و4 من قرار وزارة الداخلية الصادر في 19/ 12/ 1955. وقد ادعت السيدة/ زبيدة عبد الوهاب عبد الرازق والسيد/ عبد الحميد محمود المنياوي والسيد/ حسن محمود المنياوي والدكتور عبد السلام محمود المنياوي بحق مدني قبل المتهمين والشركة العربية المتحدة للملاحة البحرية والسيد/ فيليب جرجس حبشي وشركة القاهرة للتأمين - بصفتهم مسئولين عن الحقوق المدنية بمبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة دمنهور الجزئية دفع الحاضر عن شركة القاهرة للتأمين بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر دعوى الضمان.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 31 يناير سنة 1961 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات: أولاً - بتغريم المتهم الأول مائة جنيه وحبس المتهم الثاني سنة مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً لوقف التنفيذ - وثانياً - بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الموجهة إلى شركة القاهرة للتأمين. وثالثاً - برفض الدعوى المدنية ضد شركة مصر للملاحة البحرية. ورابعاً - بإلزام المتهمين والمسئول عن الحقوق المدنية فيليب جرجس حبشي متضامنين بدفع مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض للمدعين بالحق المدني ونصف مصروفات الدعوى المدنية. فاستأنف هذا الحكم كل من المتهمين والمسئول المدني - فيليب جرجس حبشي - والمدعين بالحقوق المدنية. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت بتاريخ 27 فبراير سنة 1962 حضورياً اعتبارياً للشركة العربية المتحدة للملاحة البحرية وحضورياً للباقين: أولاً - بقبول استئناف المتهم الأول شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية. وثانياً - بقبول استئناف المتهم الثاني والمسئول بالحق المدني شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم الثاني بلا مصاريف جنائية ورفض الدعوى المدنية وإلزام المدعين بالحق المدني المصروفات المدنية بالنسبة لهذا الشق ومبلغ 500 قرش أتعاب محاماة عن الدرجتين. وثالثاً - بقبول استئناف المدعين بالحق المدني شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الشركة العربية المتحدة للملاحة البحرية بصفتها مسئولة بالحق المدني أن تؤدي للمدعين بالحق المدني متضامنة مع المتهم الأول عشرة آلاف جنيه تعويضاً والمصروفات المدنية المناسبة عن الدرجتين ومبلغ 500 قرش أتعاباً للمحاماة ورفضت ما عدا ذلك، فعارضت الشركة العربية المتحدة في هذا الحكم، وقضى في معارضتها بتاريخ 26 يونيه سنة 1961 بعدم قبول المعارضة لرفعها عن حكم غير قابل لها. فطعن الطاعن الأول في الحكم الصادر بتاريخ 27 فبراير سنة 1962 بطريق النقض كما طعنت الشركة العربية المتحدة (الطاعنة الثانية) في الحكم ذاته وفي الحكم الصادر في 26 يونيه سنة 1962.


المحكمة

أولاً - عن الطعن المقدم من الطاعنة الثانية "المسئولة عن الحقوق المدنية" - عن الحكم الصادر في 27/ 2/ 1962.
وحيث إنه لما كان يبين من الحكم المؤرخ 27/ 2/ 1962 أنه قد صدر حضورياً اعتبارياً بالنسبة إلى الطاعنة الثانية - المسئولة عن الحقوق المدنية - وكان قابلاً للمعارضة فيه بالشروط المبينة بالمادة 241 من قانون الإجراءات الجنائية وقت أن بادرت الطاعن إلى الطعن فيه بطريق النقض. وكانت المادة 32 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تنص على أنه: "لا يقبل الطعن بطريق النقض في الحكم ما دام الطعن فيه بطريق المعارضة جائزاً". فإن الطعن المقدم من الطاعنة عن هذا الحكم يكون غير جائز قانوناً ويتعين القضاء بذلك ومصادرة الكفالة المسددة عنه وإلزامها المصاريف المدنية وإبقاء الفصل في الإلزام بمقابل أتعاب المحاماة إلى حين بحث الطعن المقدم من هذه الطاعنة عن الحكم الصادر بتاريخ 26/ 6/ 1962.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول عن الحكم الصادر بجلسة 27/ 2/ 1962 والطعن المقدم من الطاعنة الثانية عن الحكم الصادر بجلسة 26/ 6/ 1962 قد استوفيا الشكل المقرر في القانون.
ثانياً - عن الطعن المقدم من الطاعن الأول "جلال أحمد فهمي" عن الحكم الصادر في 27/ 2/ 1962.
من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل والإصابة الخطأ قد انطوى على بطلان، كما أخطأ في الإسناد وأخل بحقه في الدفاع. وفى ذلك يقول إن دفاعه قام أساساً على أن سائق السيارًة النقل - المتهم الثاني معه في الدعوى - عندما انحرف بها إلى اليمين استعرض الطريق واستغرق العرض كله بطول السيارة وأنه (أي الطاعن) اضطر إلى الانحراف بسيارته إلى أقصى اليمين ليتجنب الاصطدام به وأنه ما كان في استطاعته أن يستمر في هذا الانحراف لوجود منخفض بجوار الطريق يؤدي إلى المزارع مما أدى إلى اصطدام مقدم سيارته بمؤخرة السيارة النقل. وقد طلب في دفاعه معاينة مكان الحادث تحقيقاً لذلك ولكن المحكمة رفضت هذا الدفاع الجوهري دون أن تحققه قولاً منها بأن المعاينة التي أجراها نائب المأمور والنيابة أثبتت عدم وجود هذا المنخفض وهو رد خاطئ لأن كلتيهما لم تشر إلى وجود المنخفض أو عدم وجوده. كما جاء الحكم باطلاً إذ لم يشر إلى نص القانون الذي عاقب الطاعن على موجبه ولا يعصمه من هذا البطلان أن يكون قد ذكر المواد التي طلبت النيابة تطبيقها ما دام لم يقل إن هذه المواد التي أخذت بها المحكمة وعاقبت الطاعن بمقتضاها.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن الطاعن الأول دفع في المذكرة المقدمة منه لمحكمة ثاني درجة بجلسة 27/ 2/ 1962 المصرح له بتقديمها والتي لم يسبقها استيفاء دفاعه شفهياً بأنه لم يقع خطأ من جانبه وقرر أنه كان يسير سيراً عادياً ولم يكن في مكنته إن يتفادى وقوع الحادث لأنه إذا انحرف إلى اليمين أكثر مما انحرف لأدى ذلك إلى أن تسقط سيارته في المزارع المنخفضة المتخامة للطريق الزراعي على يمين الطريق، ثم استطرد إلى تفنيد ما قاله الحكم المستأنف في رفض هذا الدفاع من أن معاينة نائب المأمور والنيابة أثبتا عدم وجود منخفض في مكان الحادث، وقرر أن ما يقصده من وجود هذا المنخفض في المزارع إلى جوار الطريق، وطلب من المحكمة معاينة مكان الحادث لتتبين هذه الحقيقة. كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه إذ عرض إلى هذا الدفاع ورفضه تأسيساً على أن "هذا القول قد نفته معاينة النيابة التي لم يأت بها ما يدل على وجود أي منخفض بالطريق" ثم قال في موضع آخر إن معاينة النيابة قد جاءت نافية هذا الزعم وأثبتت أن الطريق كان ممهداً في الجزء الذي كان يسير فيه المتهم "الطاعن الأول". لما كان ذلك، وكان الأصل أنه يتعين على المحكمة ألا تبني حكمها إلى على الوقائع الثابتة في الدعوى وليس لها أن تقيم قضاءها على أمور لا سند لها من التحقيقات. وكانت المحكمة قد استندت في إدانة الطاعن وفى إطراح دفاعه إلى أن المعاينة التي أجريت في الدعوى تكذبه وأنها جاءت نافية إلى وجود أي منخفض في الطريق مع ما هو ثابت من أن الطاعن عول في نفي وقوع أي خطأ منه على أن المنخفض الذي يقصده يوجد بالمزارع على يمين الطريق وليس في الطريق ذاته، وقد خلصت المحكمة إلى مساءلته عن الحادث على أساس ما استقر في يقينها من أن انحراف الطاعن بسيارته إلى ناحية سيارة النقل في أثناء سيرها واصطدامه بمؤخرتها لم يكن له ما يبرره سوى عامل السرعة وعدم الانتباه. وكان يبين من المعاينة أنها لا تتضمن ولا تفيد ما أوردته المحكمة في الحكم. وكان دفاع الطاعن يعد طلباً جوهرياً - في خصوص الدعوى المطروحة - لتعلقه بواقعة لها أثرها في الدعوى وقد ينبني على تحقيقها أن يتغير وجه الرأي فيها لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض الآخر فتتكون عقيدة القاضي منها مجتمعة بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر الوقوف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم - لما كان ذلك، فإن المحكمة تكون قد استندت إلى ما لا أصل له في الأوراق وأخلت بحق الدفاع، ولما كان الحكم المطعون فيه فوق ما تقدم وعلى ما يبين من مدوناته، لم يفصح عن أخذه بأسباب الحكم المستأنف بل أنشأ لنفسه أسباباً جديدة، وقد أغفل الإشارة إلى النص الذي حكم بموجبه، فإنه يكون باطلاً ولا يعصمه من عيب هذا البطلان أنه أشار في ديباجته إلى المواد التي طلبت النيابة العامة تطبيقها ما دام لم يفصح عن أخذه بهذه المواد في حق الطاعن - لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون معيباً ويتعين لذلك نقضه والإحالة مع إلزام المطعون ضدهم المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.
ثالثاً - عن الطعن المقدم من الطاعنة الثانية (الشركة المسئولة عن الحقوق المدنية) عن الحكم الصادر ضدها بجلسة 26/ 6/ 1962.
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول المعارضة المقدمة من الطاعنة في الحكم الاستئنافي الصادر بجلسة 27 من فبراير سنة 1962 والمعتبر حضورياً، قد أخطأ في القانون ذلك بأن الثابت في الأوراق أن المحكمة بعد أن حجزت القضية للحكم لجلسة 2/ 1/ 1962 إعادتها للمرافعة نظراً لتغير الهيئة، وكلفت النيابة بإعلان الخصوم، ولكنها لم تقم بإعلان الطاعنة، وإذ صدر الحكم في غيبة الطاعنة، فقد كان من حقها أن تعارض فيه، ولكن المحكمة رفضت قبول معارضتها وافترضت أنها أعلنت للجلسة التي أعيدت الدعوى للمرافعة فيها على الرغم من تسليمها بأن الأوراق خلت من ورقة الإعلان، وهو ما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المعارضة الاستئنافية أن الحاضر عن الطاعنة تمسك بأنها لم تعلن للحضور بجلسة المرافعة التي صدر فيها الحكم المعارض فيه وقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى القضاء بعدم قبول المعارضة المرفوعة من الطاعنة في قوله بأن "الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الشركة المعارضة أعلنت للحضور لجلسة 7 من أكتوبر سنة 1961. وبهذه الجلسة حضر وكيلها وظل يباشر الدعوى وترافع فيها بجلسة 21/ 11/ 1961 وبهذه الجلسة حجزت الدعوى للحكم لجلسة 2/ 1/ 1962 وفيها لم تحضر الشركة وأعيدت القضية للمرافعة لجلسة 6/ 2/ 1962 حيث حضر جميع الخصوم عدا الشركة وبهذه الجلسة حددت المحكمة للنطق بالحكم جلسة 27/ 2/ 1962 بالهيئة الجديدة، وبالجلسة الأخيرة صدر الحكم واعتبر حضورياً للشركة المعارضة. ولما كان تأجيل الدعوى لجلسات متلاحقة فلم يكن بلازم إعلان الشركة من جديد. وحيث إنه من جهة أخرى فإنه على الرغم من أن الشركة تنكر أنها أعلنت بالجلسة التي حددت في 6/ 2/ 1962 فإن الثابت من رول الجلسة أن المحكمة أثبتت ورود الإعلانات جميعها أما وقد اختفى إعلان الشركة من أوراق الدعوى فلا يسع المحكمة إلا أن تعتبر الشركة معلنة طبقاً للثابت من رول الجلسة" - لما كان ذلك، وكان يبين من الأوراق أن محكمة ثاني درجة حجزت القضية للحكم لجلسة 2/ 1/ 1962 ثم أعادتها للمرافعة لجلسة 6/ 2/ 1962 نظراً لتغير الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى، وكلفت النيابة العامة بإعلان الخصوم. وفي الجلسة الأخيرة نظرت المحكمة الدعوى في غيبة الطاعنة، ثم قررت حجز القضية للحكم لجلسة 27/ 2/ 1962 حيث قضت حضورياً اعتبارياً بإلزامها بالتعويض المحكوم به، وكان الثابت أن الطاعنة قد عارضت في هذا الحكم، وبينت للمحكمة أنها لم تعلن بالجلسة التي أعيدت إليها الدعوى للمرافعة، وقد خلت القضية من ورقة إعلان الشركة كما هو ظاهر من مدونات الحكم - لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول معارضة الطاعنة تأسيساً على أن القانون لا يوجب إعلانها بتلك الجلسة، وأن إعلانها ثابت من التأشير في الرول بإعلان الخصوم، يكون قد خالف القانون، ذلك بأنه وإن كان الأصل - متى صح الإعلان بداءة - أن يتتبع أطراف الدعوى سيرها من جلسة إلى أخرى - طالما كانت متلاحقة - حتى يصدر الحكم فيها، إلا أنه من جهة أخرى إذا بدا للمحكمة بعد حجز الدعوى للحكم أن تعيدها إلى المرافعة استئنافاً للسير فيها تحتم دعوة الخصوم للاتصال بالدعوى، ولا تتم هذه الدعوة إلا بإعلانهم على الوجه المنصوص عليه في القانون أو ثبوت حضورهم وقت النطق بالقرار - لما كان ذلك، وكان الإعلان لا يثبت إلا بورقة من أوراق المحضرين مثبتة لحصوله، لأنه متى رسم القانون شكلاً خاصاً لإجراء من إجراءات الدعاوى كان هذا الشكل وحده هو الدليل القانوني على حصول هذا الإجراء، فلا يجوز الاستدلال عليه بأي دليل آخر مستمد من غير ورقة الإعلان ذاتها مهما بلغت قوة هذا الدليل - لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد سلم بأن أوراق الدعوى قد خلت من ورقة الإعلان المثبتة لحصوله وهو ما يظاهر دعوى الطاعنة بأنها لم تعلن بالجلسة التي أعيدت إليها القضية للمرافعة، فإنها تكون قد أثبتت قيام العذر الذي منعها من الحضور ولم تستطع تقديمه قبل الحكم، وتكون المعارضة المقدمة منها مقبولة شكلاً إعمالاً للمادة 241 من قانون الإجراءات الجنائية ويتعين القضاء بذلك وإعادة القضية إلى محكمة ثاني درجة للفصل في موضوعها. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة وإلزام المطعون ضدهم المصاريف المدنية وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة.