مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1346

(211)
جلسة 26 من يونيه سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح صالح الدهري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الرؤوف محمد محيي الدين ومحمد كمال سليمان أيوب وطارق عبد الفتاح البشري والدكتور وليم سليمان قلاده - المستشارين.

الطعن رقم 651 لسنة 26 القضائية

إصلاح زراعي - قرار الاستيلاء.
المادة 13 مكرراً من قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 - الأصل أن تعتبر الدولة مالكة للأرض المستولى عليها في قرار الاستيلاء النهائي وذلك اعتباراً من التاريخ المحدد للاستيلاء عليها في قرار الاستيلاء الابتدائي - الإجراءات المتبعة في هذا الشأن - يستثنى من الأصل حالات لا يصدر بها قرار بالاستيلاء النهائي ولكن تتحد معه في العلة وتأخذ حكمه وهي حالات الأراضي الخاضعة للاستيلاء التي لا يقوم بشأنها نزاع من أي من ذوي المصلحة في المواعيد التي فرضها القانون لإثارة النزاع بشأنها دون أن يدعي أحد حقاً عليها والحالات التي يقوم بشأنها نزاع وانتهى نهائياً لصالح الهيئة العامة للإصلاح الزراعي - لا تثريب على الهيئة العامة للإصلاح الزراعي في الحالتين السابقتين أن هي بدأت في اتخاذ إجراءات التوزيع دون الانتظار حتى يصدر قرار بالاستيلاء النهائي عليها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 12 من مارس سنة 1980 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 651 لسنة 26 ق عليا عن القرار الصادر من اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي بجلسة 12 من يناير سنة 1980 في الاعتراض رقم 126 لسنة 1976 الذي قضى أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص اللجنة ولائياً بنظر الاعتراض وباختصاصها. ثانياً: بقبول الاعتراض شكلاً وفي الموضوع برفع استيلاء الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن مساحة 15 س 9 ط 196 ف بناحية المحمودية مركز ههيا شرقية والمملوكة للجمعية الخيرية الإسلامية والمستولى عليها عملاً بأحكام القانون رقم 178 لسنة 1952.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير طعنه الحكم بقبول طعنه شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه بكافة مشتملاته، وبرفض الاعتراض موضوعاً مع إلزام المطعون ضدها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وتم تحضير الطعن بهيئة مفوضي الدولة التي قدمت تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي المصروفات.
وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية تم نظر الطعن بدائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 20 إبريل سنة 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 10 من مايو سنة 1983 - وفي هذه الجلسة وفي الجلسات التالية سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن الجمعية الخيرية الإسلامية تملك أطياناً زراعية بناحية المحمودية مركز ههيا شرقية مساحتها 15س 9 ط 196 ف على قطعتين الأولى مساحتها 18 س 10 ط 188 ف والثانية 21 س 22 ط 7 ف - ولاستيلاء الإصلاح الزراعي عليها بقرار نشر في 23 من فبراير سنة 1976 لجأت الجمعية إلى اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي بالاعتراض رقم 126 لسنة 1976 طالبة إلغاء قرار الاستيلاء - والحكم بأحقيتها لملكية المساحة المشار إليها - وبنت ذلك على أن قرار الاستيلاء المذكور يعتبر باطلاً لمخالفته لأحكام القانون رقم 35 لسنة 1971 الذي لا يجيز الاستيلاء على الأرض المملوكة للجمعيات الخيرية قبل صدور القانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي، وأنه لا حجة فيما يزعمه الإصلاح الزراعي من أنه سبق أن قام بتوزيع هذه الأطيان لأنه بفرض صحة ذلك فإن هذا التوزيع يكون مخالفاً للقانون ولا يعتد به إذ لم يسبقه قرار بالاستيلاء طبقاً لما يستلزمه قانون الإصلاح الزراعي ولائحته التنفيذية وقدمت الجمعية تأييداً لاعتراضها الصحيفة الخامسة من عدد جريدة الأخبار الصادر في 22 من فبراير سنة 1976 وثابت به النشر عن الاستيلاء الابتدائي على بعض الأطيان ومنها الأطيان موضوع الاعتراض تنفيذاً لقانون الإصلاح الزراعي.
كما قدم الحاضر عن الإصلاح الزراعي حافظة بالمستندات عبارة عن 1 - صورة عرفية من قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي رقم 48 الصادر في 28/ 6/ 1964 بشأن اعتماد توزيع أراضي الجمعية الخيرية الإسلامية. 2 - صورة رسمية من قرار مجلس الإدارة الصادر بالجلسة 24 في 4 من سبتمبر سنة 1963 بالاستيلاء ابتدائياً على أراضي الجمعية الخيرية الإسلامية.
3 - صورة رسمية من قرار مجلس الإدارة الصادر بالجلسة رقم 43 في 29 من سبتمبر سنة 1965 بإرجاء الاستيلاء على الأطيان الخاضعة للاستيلاء لدى الجمعية الخيرية الإسلامية - إلى أن يبت في هذا الموضوع لأنه محل دراسة مجلس الوزراء، وبمذكرته المقدمة لجلسة 15 من يناير سنة 1978 دفع الحاضر عن الإصلاح الزراعي بعدم اختصاص اللجنة بنظر الاعتراض في الشق الخاص بطلب بيع الأرض محل النزاع لهيئة الإصلاح الزراعي ودفع الثمن الذي يتفق عليه بين الطرفين فوراً - مستنداً في ذلك على أن اختصاص اللجنة القضائية مقصور على كل نزاع يتعلق بأرض مستولى عليها أو خضعت للاستيلاء طبقاً لأي من قوانين الإصلاح الزراعي وفقاً لأحكام المادة 13 مكرراً من قانون الإصلاح الزراعي.
وفي موضوع الاعتراض طالب برفضه استناداً إلى أن حالة الجمعية الخيرية الإسلامية لا ينطبق في شأنها أحكام القانون رقم 35 لسنة 1971 الذي أجاز للجمعيات الخيرية التي كانت قائمة وقت العمل بالقانونين رقمي 178 لسنة 1952، 15 لسنة 1963 الاحتفاظ بالأراضي الزراعية التي كانت تمتلكها في ذلك التاريخ وما في حكمها من الأراضي البور والصحراوية بعد استبعاد ما سبق لها التصرف فيه منها قبل العمل بأحكام هذا القانون واستثنى من ذلك الأراضي التي سبق اعتماد توزيعها من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي - وهو ما تم في شأن أراضي الجمعية المذكورة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم 48 الصادر في 28 من يونيو سنة 1964 كما أنه من جهة أخرى فقد فوتت هذه الجمعية على نفسها فرصة التصرف في القدر الزائد على مائتي فدان وفقاً لأحكام المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم/ 178 لسنة 1952 حسبما ذهبت إلى ذلك الفقرة (هـ) من المادة الثانية من ذلك القانون. وبجلسة 12 من يناير سنة 1980 قضت اللجنة القضائية أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الاعتراض وباختصاصها.
ثانياً: بقبول الاعتراض شكلاً وفي الموضوع برفع استيلاء الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن مساحة 15 س 9 ط 196 ف بناحية المحمودية مركز ههيا شرقيا والمملوكة للجمعية الخيرية الإسلامية والمستولى عليها عملاً بأحكام القانون رقم 178 لسنة 1952.
وبنت اللجنة قرارها أولاً: فيما يتعلق برفض الدفع بعدم الاختصاص في شأن طلب بيع الأرض محل النزاع بأن هذا الطلب لم يثبت أمام اللجنة وأن طلبات الجمعية الختامية هي الثابتة في صحيفة الاعتراض وهي طلب إلغاء قرار الاستيلاء الصادر بالنسبة للأطيان الموضحة مع أحقيتها في ملكية هذه الأطيان ومع حفظ حقها في المطالبة بالريع - وهي أمور تدخل في اختصاص اللجنة بنص المادة 13 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 وتعديلاته التي تقضي باختصاصها بفحص ملكية الأراضي المستولى عليها لتعيين ما يجب الاستيلاء عليه.
ثانياً: وبالنسبة لموضوع الاعتراض فقد بنت اللجنة حكمها فيه بعد استعراضها للخطوات التي قررها القانون ولائحته التنفيذية للاستيلاء على الأراضي الخاضعة له - تم توزيعها - على أن الهيئة قد خالفت أحكام القانون رقم 35 لسنة 1971 حيث قامت بالاستيلاء ابتدائياً على الأطيان موضوع الاعتراض وتم النشر عن هذا الاستيلاء بتاريخ 11 من فبراير سنة 1976 - وأن المستندات المقدمة منها ومضمونها أن استيلاء ابتدائياً قد تم بتاريخ 4 من سبتمبر سنة 1963 على الأطيان موضوع الاعتراض فهي مستندات اصطنعها الإصلاح الزراعي - إذ يدحضها في ذات الوقت إعلان الشر في جريدة الأخبار - الذي أجرته الهيئة الهامة للإصلاح الزراعي والذي تضمن أن الاستيلاء الابتدائي على هذه الأطيان قد تم النشر عنه في الوقائع المصرية بتاريخ 11 من فبراير سنة 1976 أما المستند الآخر ومضمونه أن مجلس إدارة الهيئة قد وافق بتاريخ 28 من يونيو سنة 1964 على إلغاء عقود الإيجار واعتماد التوزيع بالنسبة للأطيان موضوع الاعتراض فهو مستند عرفي يدحضه أن الاستيلاء قد تم ابتدائياً ونشر عنه في 11 من فبراير سنة 1976 - وليس من المقبول أو المعقول أن يتم توزيع الأطيان موضوع الاعتراض من سنة 1964 في حين أن الاستيلاء الابتدائي قد تم النشر عنه في سنة 1976 - وإذ فرض وصح ما ادعته الهيئة من أنها قامت بتوزيع الأرض على صغار المزارعين قبل الاستيلاء الابتدائي أو النهائي على هذه الأطيان فإن ذلك يعد خطأ من الهيئة تتحمل نتيجته.
ومن حيث إنه لذلك فقد رفعت الهيئة الطعن الماثل طالبة إلغاء هذا القرار بكافة مشتملاته والحكم برفض الاعتراض موضوعاً وإلزام الجمعية المصروفات - وبنته على أمرين:
الأول: أن الاستيلاء تم على الزائد لدى الجمعية من أطيان في 4 من سبتمبر سنة 1963.
والثاني: أن الإصلاح الزراعي قام بتوزيع هذه الأطيان تنفيذاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 وصدر قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي باعتماد التوزيع بتاريخ 28 من يونيو سنة 1964 واعتبر التوزيع نهائياً - وبذلك لا تخضع هذه الأراضي لأحكام القانون رقم 35 لسنة 1971.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 قد صدر وعمل به من تاريخ نشره في 9 من سبتمبر سنة 1952 - ونصت المادة الأولى منه على أنه "لا يجوز لأي شخص أن يمتلك من الأراضي الزراعية أكثر من مائتي فدان وكل عقد يترتب عليه مخالفة هذا الحكم يعتبر باطلاً ولا يجوز تسجيله" - ونصت المادة الثانية منه على أنه "استثناء من حكم المادة السابقة.
( أ ) يجوز للشركات والجمعيات أن تمتلك أكثر من مائتي فدان في الأراضي التي تستصلحها لبيعها وذلك على الوجه المبين في القوانين واللوائح". ثم بالقانون رقم 108 لسنة 1953 الذي نصت المادة العاشرة منه على أن يعمل به من تاريخ العمل بالمرسوم بقانون 178 لسنة 1952 أضيف البند (هـ) إلى المادة الثانية وجرى نصه على أنه "يجوز للجمعيات الخيرية الموجودة قبل صدور هذا القانون أن تمتلك من الأراضي الزراعية ما يزيد على مائتي فدان على ألا يجاوز ما كانت تمتلكه قبل صدوره، ويجوز لها التصرف في القدر الزائد على مائتي فدان وفقاً لأحكام المادة 4 ويكون للحكومة الاستيلاء على المساحة الزائدة لدى الجمعية خلال عشر سنوات وأن تؤدي إليها التعويض نقداً على أساس حكم المادة الخامسة، - وقد بينت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون العلة في هذه الإضافة فذكرت أن ذلك رغبة من الشارع في تجنيب تلك الجمعيات أثر المفاجأة بتطبيق حكم التحديد والاستيلاء على ما تملكه من أراضي زراعية - وأنه رغبة في تمكين هذه الجمعيات من تحويل ثروتها إلى غير الزراعة من ميادين الاستثمار أبيح لها التصرف في القدر الزائد على مائتي فدان إلى صغار الزراع أو إلى خريجي المعاهد الزراعية في حدود أحكام المادة 4 من القانون - فإذا بقى في حوزة الجمعية بعد ذلك شئ من تلك الأراضي الزائدة حق للحكومة الاستيلاء عليه - وقد جعلت للجمعيات ميزتان في خصوص تطبيق أحكام الاستيلاء رعاية لأغراض البر التي تقوم عليها.
الأولى: وهي مضاعفة المدة التي يجوز الاستيلاء خلالها حيث جعلت عشر سنوات من تاريخ صدور القانون بدلاً من خمس لإفساح المجال أمام الجمعيات للتصرف فيما تحت يدها.
الثانية: أن يؤدى التعويض إليها نقداً لا سندات.
وفي سنة 1971 وبالقانون رقم 35 لسنة 1971 ألغيت الفقرة (هـ) من المادة الثانية من القانون رقم 178 لسنة 1952 استثنيت الجمعيات الخيرية التي كانت قائمة وقت العمل بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 من أحكام هذا المرسوم بقانون فنصت المادة الأولى منه على أنه يجوز لهذه الجمعيات الاحتفاظ بالمساحات التي كانت تملكها في ذلك التاريخ (تاريخ صدور هذا القانون) من الأراضي الزراعية وما في حكمها من الأراضي البور والصحراوية بعد استبعاد ما سبق لها التصرف فيه من هذه الأراضي قبل العمل بأحكام هذا القانون ويصدر بتحديد الجمعيات الخيرية الأجنبية التي يسري عليها هذا الحكم قرار من رئيس الجمهورية - ونصت المادة الرابعة على أنه "لا تسري أحكام المادتين الأولى والثانية على الأراضي التي صدرت قرارات من مجلس إدارة الهيئة باعتماد توزيعها قبل العمل بهذا القانون وكذلك الأراضي التي تكون الهيئة قد تصرفت فيها قبل العمل بهذا القانون ولو لم يكن قد تم تسجيل هذه التصرفات. وتسلم الأراضي المستثناه المشار إليها في المادتين الأولى والثانية إلى الجهات صاحبة الشأن محملة بحقوق واضعي اليد عليها من المستأجرين أو بغيرها من حقوق الارتفاق.
ونصت المادة الخامسة على أنه "لا يترتب على تنفيذ أحكام هذا القانون أية التزامات مالية سواء في ذمة الدولة أو في ذمة الجهات المستثناه وذلك عن المدة السابقة على العمل به".
ونص في المادة السادسة: على أنه "يلغي كل نص يخالف أحكام هذا القانون" هذا وقد ورد في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه تنفيذاً لأحكام البند (هـ) من المادة 2 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 تقدمت الجمعيات الخيرية التي تنطبق عليها أحكامه بإقرارات عن ملكيتها من الأراضي الزراعية وتوالى بحث حالة كل جمعية منها بمعرفة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي وصدر قرار من مجلس إدارة هذه الهيئة باعتبارها من الجمعيات الخيرية التي تخضع لأحكام هذا البند - ولفوات مهلة العشر سنوات المحددة في ذلك البند والتي رخص خلالها لتلك الجمعيات بالتصرف في الأراضي الزائدة لديها إلى صغار الزراع أو خريجي المعاهد الزراعية وفقاً لأحكام المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه في 8 من سبتمبر سنة 1962 - فقد قامت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالاتصال بتلك الجمعيات لحصر الأراضي الزائدة على مائتي فدان لدى كل منها المحتفظ بها تمهيداً للاستيلاء عليها وصدر قرار مجلس إدارة الهيئة في 4 من أغسطس سنة 1963 بالاستيلاء الابتدائي لدى بعض هذه الجمعيات غير أن الجمعية الخيرية الإسلامية تقدمت بالتماس لاستثنائها من أحكام الاستيلاء المشار إليها - وبعرض الموضوع على مجلس الوزراء في سنة 1965 أصدر قراراً بإرجاء الاستيلاء على الأراضي الزائدة لدى هذه الجمعية وعملاً بذلك أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتاريخ 21 من سبتمبر سنة 1965 - قراراً بإرجاء استلام هذه الأراضي إلى حين البت في موضوعها كما تقرر أيضاً معاملة باقي الجمعيات الخيرية الأخرى بذات المبدأ وذلك بالنسبة لما يخضع من أراضيها للمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952.
كما جاء بالمذكرة الإيضاحية وحماية للتصرفات التي تكون الهيئة العامة للإصلاح الزراعي قد أجرتها في بعض الأراضي التي تناولها هذا المشروع بالاستثناءات - فقد نصت المادة 3 (المادة 4 فيما بعد) من المشروع على ألا تخل أحكام المادتين السابقتين بقرارات مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي التي صدرت قبل العمل بهذا القانون باعتماد التوزيع الابتدائي أو باعتماد التصرف في بعض الأراضي التي تسري عليها أحكام هذا القانون وذلك تأسيساً على أن الهيئة عندما أجرت هذه التصرفات كان لها حق إجرائها في نطاق القوانين القائمة وقد تعلقت بها حقوق الغير حسن النية مما لا يجوز معه إهدار هذه الحقوق - وجاء في تقرير لجنة التنمية الزراعية والري بمجلس الأمة بالنسبة لهذه المادة "نظراً لأن الفقرة الأولى من هذه المادة قد أوردت في مشروع القانون الحالات التي لا تخل بها أحكام المادتين السابقتين في صياغة موجزة (اعتماد التوزيع الابتدائي) مما قد يؤدي إلى اللبس والغموض ويثير بالتالي مشاكل عند التطبيق فقد رأت اللجنة تعديل هذه الفقرة بحيث يصبح نصها "لا تسري أحكام المادتين على الأراضي التي صدرت قرارات من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي باعتماد توزيعها ولو لم توزع فعلاً والأراضي التي ربطت عليها أقساط التمليك ولو لم يصدر باعتماد توزيعها قرار من مجلس إدارة الهيئة قبل العمل بهذا القانون...".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم جميعه أن النزاع يدور بين الطرفين حول انطباق أحكام القانون رقم 35 لسنة 1971 على حالة الجمعية الخيرية الإسلامية - فالهيئة الطاعنة تدعي عدم انطباقه على الجمعية فلا تستفيد من أحكامه لدخولها في الحالات التي استثنتها المادة الرابعة من تطبيق أحكامه لصدور قرار بالاستيلاء عليها وكذا قيام الهيئة بتوزيع الأرض محل النزاع على الفلاحين - وتذهب الجمعية إلى أن الاستثناء الوارد في المادة المذكورة من هذا القانون لا يسري عليها باعتبار أن ما ادعى أنه توزيع للأرض لم يكن متفقاً وأحكام القانون - التي تستوجب إجراءات معينة لقيام الهيئة بالتوزيع.
ومن حيث إنه باستقراء أحكام قانون الإصلاح الزراعي بتعديلاته المختلفة يبين بوضوح أن الاستيلاء النهائي هو خاتمة المطاف بالنسبة للإجراءات التي تطلبها هذا القانون لتصبح الأرض الخاضعة للاستيلاء وفقاً لأحكامه في ملكية الدولة خالصة من كل ما يشوبها من حقوق للغير بحيث إذا أعملت الهيئة في توزيعها على ذوي الشأن آلت إليهم مطهرة من كل حق للغير يعطل حق المنتفع بتوزيعها عن ممارسة كافة ما يرتب له القانون بشأنها من حقوق الاستعمال والاستغلال والتصرف - فالفقرة الثانية من المادة 13 مكرراً تنص على أن تعتبر الدولة مالكة للأرض المستولى عليها المحددة في قرار الاستيلاء النهائي وذلك اعتباراً من التاريخ المحدد للاستيلاء عليها في قرار الاستيلاء الابتدائي - ويصبح العقار خالصاً من جميع الحقوق العينية - وكل منازعة من أولى الشأن تنتقل إلى التعويض المستحق عن الأطيان المستولى عليها وتفصل فيه جهات الاختصاص وذلك بمراعاة ما تقضي به اللائحة التنفيذية من إجراءات في هذا الشأن وإلا برئت ذمة الحكومة في حدود ما يتم صرفه من التعويض - أما التوزيع فقد خصه القانون بالمواد 8، 9، 11، 13 مكرراً 14، 15، 16، 25، 26 من اللائحة التنفيذية - فالمادة 8 تمهد للتوزيع فتقضي بحصر المساحات المستولى عليها في كل قرية وتجميعها عند الضرورة بالاستيلاء على الأرض التي تتخللها وتبين المادة التاسعة المستحقين في التوزيع والشرائط التي يجب توفرها في المنتفع. وتبين المادة 11 كيفية تقدير ثمن الأرض الموزعة وطرق التظلم من القيمة المقدرة للأرض. أما المادة 13 مكرراً فتعطي اللجنة القضائية دون غيرها اختصاص الفصل في المنازعات المتعلقة بتوزيع الأراضي المستولى عليها - وتنص على أن تبين اللائحة التنفيذية إجراءات التقاضي أمام اللجان القضائية.
كما تبين اللائحة البيانات التي تنشر في الوقائع المصرية عن الأراضي المستولى عليها أو الموزعة ابتدائياً. وتقضي المادة 14 بأن تسلم الأرض لمن آلت إليه من صغار الفلاحين خالية من الديون ومن حقوق المستأجرين وتسجل باسم صاحبها دون رسوم..........
وجملة القول في هذا الشأن أن التوزيع هو هدف قانون الإصلاح الزراعي الأصيل وهو لا يخرج عن كونه نقلاً لملكية الأرض المستولى عليها من الدولة إلى صغار الفلاحين المنتفعين بالتوزيع - ومن ثم لا تبدأ إجراءاته إلا بعد انتقال ملكية الأرض إلى الدولة مطهرة من أي حق للغير أي بعد الاستيلاء النهائي عليها وبمعنى أوضح عندما تحسم كافة المنازعات حول الأرض المستولى عليها أو الخاضعة للاستيلاء بصفة نهائية.
هذا هو الأصل إلا أن هذا الأصل يجد حالات أخرى لا تندرج تحته أي لم يصدر بها قرار بالاستيلاء النهائي ولكن تتحد معه في العلة تماماً وتأخذ حكمه وهي حالات الأراضي الخاضعة للاستيلاء التي لا يقوم بشأنها نزاع من أي من ذي المصلحة في المواعيد التي فرضها القانون لإثارة النزاع بشأنها دون أي يدعي أحد حقاً عليها والحالات التي يقوم بشأنها نزاع وانتهى نهائياً لصالح الهيئة العامة للإصلاح الزراعي وهذه الحالات تأخذ حكم الأصل فلا تثريب على الهيئة العامة للإصلاح الزراعي إن هي بدأت في اتخاذ إجراءات التوزيع التي فرضها القانون ولائحته التنفيذية دون الانتظار حتى يصدر قرار باستيلاء النهائي عليها بل تكون الهيئة مقصرة إن هي تراخت في اتخاذ هذه الإجراءات وتكون كافة الإجراءات التي تتخذها في شأنها صحيحة ومتفقة وأحكام القانون - ذلك أن القانون عندما صدر حدد في المادة 15 منه مدة خمس سنوات التالية للعمل به على الأكثر للانتهاء من توزيع الأرض وفق برنامج تضعه الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بحيث توزع الأراضي المستولى عليها في كل سنة. وهو وإن كان ميعاد حث إلا أنه يستظهر حرص الشارع على الانتهاء من عملية التوزيع في أضيق وقت للوصول بقانون الإصلاح الزراعي إلى هدفه المنشود.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن التوزيع في مفهوم المادة الرابعة من القانون رقم 35 لسنة 1971 لا يخرج عما سبق ولعل الفرع الأخير من حالات التوزيع هو مما عنا المشرع بحمايته حتى لا يضار بإلغائه المنتفعون ممن لم تتم إجراءات إصدار القرار بالاستيلاء النهائي بشأن الأراضي التي انتفعوا بها بحسبان أن الأراضي التي صدرت قرارات بالاستيلاء النهائي عليها قد خرجت من ملكية أصحابها ودخلت في ملكية الدولة خالية من كل حق عليها للغير.
فطالما أن الأرض قد صدر قرار من مجلس إدارة الهيئة باعتماد توزيعها فقد تعلق للمنتفعين بها حق بشأنها ولو لم توزع فعلاً عليهم وكذا الحال بالنسبة للأراضي التي وزعت وربطت عليها أقساط التمليك ولو لم يصدر باعتماد توزيعها قرار من مجلس إدارة الهيئة قبل العمل بهذا القانون. ولا شك أن الشارع قد هدف من ذلك استقرار أوضاع أناس انتفعوا بالأرض أي تملكوها بإجراءات تمت سليمة وفقاً لأحكام القانون.
بل لقد بالغ الشارع في مراعاة هذا الاستقرار وعدم الأضرار بمن وضعوا يدهم عليها من المستأجرين وأصحاب حقوق الارتفاق عندما نص في الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة على أن تسلم الأرض المستثناه في المادتين الأولى والثانية إلى الجهات صاحبة الشأن محملة بحقوق واضعي اليد عليها من المستأجرين أو بغيرها من حقوق الارتفاق وكذلك عندما نص في المادة الخامسة على أنه لا يترتب على تنفيذ أحكام هذا القانون أية التزامات مالية سواء في ذمة الدولة أو في ذمة الجهات المستثناه وذلك عن المدة السابقة على العمل به.
ومن حيث إنه إذا كان ذلك وكان قانون الإصلاح الزراعي قد أعطى في المادة الثانية منه للجمعيات الخيرية القائمة عند صدوره الحق في الاحتفاظ بما زاد لديها عن الحد الأقصى للملكية آنذاك وهو مائتا فدان - مدة عشر سنوات تنتهي في 8 من سبتمبر سنة 1962 يحق للحكومة بفواتها الاستيلاء عليها وأجاز لها التصرف فيها خلال هذه المدة.
ومن حيث إنه بفوات هذه المدة قامت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي وفقاً لما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 35 لسنة 1971 بحصر الأراضي الباقية لدى الجمعية الخيرية الإسلامية والجمعيات الأخرى من الأراضي الخاضعة للاستيلاء والزائدة على القدر الجائز لها الاحتفاظ به - وهي أراضي تعتبر بحكم القانون خاضعة للاستيلاء يجوز التصرف فيها بالتوزيع وفقاً لأحكام القانون لخلوها من أي نزاع بعدم التصرف فيها خلال المهلة التي حددها القانون - ومن ثم أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بجلسته الرابعة والعشرين قراراً برقم 7 في 4 من سبتمبر سنة 1963 - بالاستيلاء ابتدائياً عليها - وتم الاستيلاء عليها فعلا بالمحضر المؤرخ 28 من ديسمبر سنة 1963 أعقبه قرار برقم 48 بالجلسة الثانية والثلاثين في 28 من يونيو سنة 1964 قضى بإلغاء عقود إيجار المستأجرين بالأراضي المستولى عليها قبل الملاك المبينة بالكشوف المرفقة بها وتوزيعها عليهم ومقدارها بالنسبة للجمعية الخيرية الإسلامية 17 س و10 ط 188 ف بناحية المحمودية مركز الزقازيق أما باقي المساحات وقدرها 21 س و22 ط و7 ف فلم يتم توزيعها وإنما بقيت مؤجرة فقط.
ومن حيث إن إجراءات التوزيع هذه قد تمت في فترة سبقت صدور القانون رقم 35 لسنة 1971 بحوالي سبع سنوات. وهي فترة كان يحق فيها للهيئة العامة للإصلاح الزراعي الاستيلاء على هذه الأرض وتوزيعها - وقد قامت بالاستيلاء والتوزيع - وصدر قرار من مجلس إدارتها باعتماد التوزيع، فهي إجراءات في وقتها صدرت صحيحة متفقة وأحكام القانون وفقاً للسابق تفصيله - وتعلقت بالأرض حقوق المنتفعين ممن صدر قرار مجلس الإدارة باعتماد التوزيع عليهم - ومن ثم يمتنع تطبيق أحكام القانون رقم 35 لسنة 1971 على الجمعية الخيرية الإسلامية - وإذا لم يشمل التوزيع 21 س و22 ط و7 ف بقيت مربوطة بالإيجار على المنتفعين بها فهذه المساحة وحدها التي يشملها تطبيق أحكام القانون المذكور فيتعين الحكم برفع الاستيلاء عنها وتبقى في يد الجمعية إعمالاً لأحكامه. فإذ أضيف إلى ذلك أن نص المادة 4 من القانون رقم 35 لسنة 1971 واضح في الدلالة على اكتفائه بصدور قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي باعتماد التوزيع ليمنع تطبيق أحكام القانون - ومن ثم فلا مجال للاجتهاد عند وضوح النص وفقاً للمستقر عليه في هذا الشأن.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم يكون القرار المطعون فيه قد جانبه الصواب متعيناً الحكم بإلغائه فيما تضمنه من استبعاد المساحة التي تم توزيعها من الاستيلاء ومقدارها 17 س و10 ط و188 ف وتثبيت الاستيلاء بالنسبة لها - وإلزام الجمعية المطعون ضدها المصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وبإلغاء الاستيلاء على القدر البالغ 21 س و22 ط و7 ف (سبعة أفدنة واثنان وعشرون قيراطاً وواحد وعشرون سهماً) بحوض الهماج/ 1 ص 144 و143 ناحية المحمودية مركز ههيا محافظة الشرقية مبينة الحدود والمعالم بقرار الاستيلاء ورفضت ما عدا ذلك من طلبات وألزمت الجمعية المطعون ضدها المصروفات.