مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1127

(181)
جلسة 19 من مايو سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمود عبد العزيز الشربيني ونصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وأبو بكر دمرداش أبو بكر - المستشارين.

الطعن رقم 466 لسنة 24 القضائية

( أ ) قرار إداري - تحصنه بفوات مواعيد الطعن فيه.
متى تحصن القرار الإداري فإنه يصبح حجة على ذوي الشأن فيما أنشأه أو رتبه من مراكز أو آثار قانونية - لا تقبل أية دعوى يكون القصد فيها تجريده من قوته التنفيذية في مواجهتهم - تطبيق.
(ب) نيابة إدارية - فصل أعضاء النيابة الإدارية - الفصل بغير الطريق التأديبي.
المادة 35 من قانون النيابة الإدارية تنظم العلاقة الوظيفية لأعضاء النيابة الإدارية من حيث التعيين والنقل والترقية ويؤخذ في شأنها رأي لجنة الوكلاء العامين قبل إصدار القرارات المتعلقة بها - المادة 77 من القانون رقم 46 لسنة 1964 هي الواجبة التطبيق في شأن فصل أعضاء النيابة الإدارية بغير الطريق التأديبي ومن ثم لا تتطلب أية إجراءات شكلية في القرار الذي يصدر من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكامها أساس ذلك: نظام الفصل بغير الطريق التأديبي يستهدف التيسير على جهة الإدارة في إنهاء خدمة الموظف بغير الطريق التأديبي المعتاد مما اقتضى ترك الأمر في شأنه لرئيس الجمهورية دون قيد في حين أن التعيين والنقل والترقية تتعلق بتنظيم العلاقة الوظيفية ومن ثم رؤي أن يؤخذ بشأنها رأى لجنة الوكلاء العامين قبل إصدارها لا وجه للتحدي بقاعدة من يملك التعيين يملك الفصل توصلاً لاستلزام ذات الإجراء بأخذ رأي لجنة الوكلاء - الأثر المترتب على ذلك: قرار رئيس الجمهورية الصادر في ظل العمل بالقانون رقم 46 لسنة 1964 بفصل عضو النيابة الإدارية دون سابقة العرض على لجنة الوكلاء صحيح - تطبيق..
(جـ) نيابة إدارية - إعادة التعيين.
القانون رقم 28 لسنة 1974 بشأن إعادة العاملين المدنيين بالدولة المفصولين بغير الطريق التأديبي إلى وظائفهم - المشرع استبعد العاملين الذين تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة من مجال تطبيقه دون النظر فيما إذا كانت هذه القوانين قد تضمنت تنظيماً خاصاً لأحكام الفصل بغير الطريق التأديبي بالنسبة إليهم - طلب عضو النيابة الإدارية الإفادة من أحكام القانون رقم 28 لسنة 1974 غير صحيح - تطبيق.
(د) نيابة إدارية - قرار فصل عضو النيابة الإدارية - سببه - تعويض.
المادة 28 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية - متى ثبتت كفاية عضو النيابة لشغل الوظيفة القيادية التي تتم الترقية إليها بحسب درجة الكفاية فإن القرار الجمهوري بإحالته للمعاش بغير الطريق التأديبي يكون مخالفاً للقانون لافتقاده ركن السبب المبرر لإصداره - الأثر المترتب على ذلك الحكم بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية تعويضاً شاملاً - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 30 من مايو سنة 1978 أودع السيد الأستاذ الدكتور السيد محمد مدنى المحامي الوكيل عن السيد الأستاذ...... قلم كتاب المحكمة الإدارية لعليا تقريراً بالطعن قيد برقم 466 لسنة 24 القضائية في الحكم لصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) بجلسة 6 من إبريل سنة 1978 في الدعوى رقم 1008 لسنة 28 القضائية المقامة من السيد المذكور ضد كل من السيد رئيس الجمهورية والسيد وزير العدل والسيد مدير النيابة الإدارية والسيد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين والمعاشات، والقاضي بعدم قبول طلب إلغاء القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 بإحالة المدعي إلى المعاش شكلاً وبرفض باقي الطلبات وألزمت المدعي المصروفات.
وطلب للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء باعتبار القرار الجمهوري الصادر بإحالة المدعي إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية وحرمانه من الترقية إلى وكيل عام النيابة الإدارية قراراً منعدماً لافتقاده لركن أساسي في تكوينه بالنسبة للعزل والتخطي في الترقية، هو العرض على لجنة شئون الأعضاء بالنيابة للعزل والتخطي في الترقية، هو العرض على لجنة شئون الأعضاء بالنيابة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار من حيث إعادة تسوية معاشه وتدرج مرتبه بالعلاوات والترقية واستحقاقه للفروق المالية حتى تاريخ بلوغه السن القانونية في 14 من يناير سنة 1972، فضلاً عن تعويضه تعويضاً مؤقتاً قدره قرش صاغ واحد، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن تقرير الطعن إلى إدارة قضايا الحكومة في 22 من يوليه سنة 1978.
وقدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 23 من فبراير سنة 1983. وبجلسة 14 من سبتمبر سنة 1983 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره أمامها جلسة 17 من ديسمبر سنة 1983، وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة 31 من مارس سنة 1984. ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن السيد الأستاذ/ ...... أقام الدعوى رقم 1008 لسنة 28 القضائية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في الأول من يوليه سنة 1974 طلب في ختامها الحكم بإلغاء القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش قبل بلوغ السن القانونية، وبإعادة تسوية معاشه على أساس بقائه في الخدمة حتى بلوغه سن الستين في 14 من يناير سنة 1972 مع تدرج مرتبه بالعلاوات والترقية، وباستحقاقه الفروق المالية عن المدة من تاريخ إحالته إلى المعاش حتى 14 من يناير سنة 1972، وبتعويضه تعويضاً مؤقتاً قدره قرش صاغ واحد عن الأضرار الأدبية والمعنوية التي لحقت به نتيجة إحالته إلى المعاش بغير الطريق التأديبي قبل بلوغه السن القانونية، مع إلزام الجهة الإدارية في جميع الأحوال بالمصاريف والأتعاب.
وقال شرحاً للدعوى أنه من مواليد 14 من يناير سنة 1912 وأنه عين عضواً بالنيابة الإدارية منذ إنشائها في 15 من ديسمبر سنة 1954 وظل يعمل بها بكفاءة وإخلاص حتى رقي في 1959 إلى درجة رئيس نيابة إدارية، واستمر يؤدي عمله كرئيس للنيابة الإدارية في مختلف الإدارات على أكمل وجه إلى أن فوجئ بصدور القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 في 13 من ديسمبر سنة 1967 بإحالته إلى المعاش بغير الطريق التأديبي قبل بلوغ السن القانونية مع منحه معاشاً استثنائياً. ونعى المدعي على هذا القرار أنه صدر مخالفاً للقانون لعدم قيامه على سبب صحيح يبرره، ذلك أن المدعي اختير عضواً بالنيابة الإدارية منذ إنشائها في سنة 1954، واستمر في خدمتها حتى رقي عام 1959 إلى وظيفة رئيس نيابة إدارية دون أن تشوب كفايته أو صلاحيته أية شائبة، وإلا كان قد نقل ضمن من صدرت في شأنهم قرارات جمهورية متوالية بالنقل إلى وظائف أخرى خارج النيابة الإدارية خلال أعوام 1958، 1961، 1962، 1965، وهم نسبة كبيرة تزيد على 40% من مجموع عدد الأعضاء.
وقد ظل المدعي لمدة عام قبل إحالته إلى المعاش يرأس بكل جدارة نيابة من أكبر النيابات الإدارية هي نيابة الدعوى التأديبية، وأن السبب الحقيقي لإحالته على المعاش هو إفساح مجال الترقية إلى وظيفة وكيل عام نيابة إدارية أمام زملائه الأحدث منه الذين صدر بالفعل القرار الجمهوري رقم 314 لسنة 1968 في 7 من مارس سنة 1968 بترقيتهم إليها عقب إحالته إلى المعاش.
ولما كان قد ترتب على إحالة المدعي إلى المعاش وهو بعد في سن السادسة والخمسين حرمانه من مرتبه طوال المدة حتى تاريخ بلوغه سن الستين فضلاً عن حرمانه من فرصة الترقية إلى وظيفة وكيل عام نيابة إدارية، بالإضافة إلى ما أصاب سمعته وكرامته وحالته النفسية من أذى فقد أقام هذه الدعوى للحكم له بالطلبات سالفة الذكر، مقرراً أن مواعيد الطعن لم تنفتح أمامه إلا بصدور حكم المحكمة العليا بجلسة 6 من نوفمبر سنة 1971 المنشور بالجريدة الرسمية في 22 من نوفمبر سنة 1971 بعدم دستورية القرار بقانون رقم 31 لسنة 1963 باعتبار القرارات الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي من أعمال السيادة.
وبجلسة 6 من إبريل سنة 1978 قضت محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) بعدم قبول طلب إلغاء القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 بإحالة المدعي إلى المعاش شكلاً ورفض ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت المدعي المصروفات.
وأقامت قضاءها بعدم قبول طلب الإلغاء شكلاً على أنه لم يثبت من الأوراق أن المدعي تظلم من القرار المطعون فيه قبل إقامته الدعوى، فضلاً عن أنه أقام الدعوى في أول يوليه سنة 1974 بعد أكثر من سنتين ونصف منذ تاريخ نشر حكم المحكمة العليا بعدم دستورية القانون رقم 31 لسنة 1963 سالف الذكر في حين أنه كان يتعين عليه إقامتها خلال الستين يوماً التالية لنشر الحكم المذكور في الجريدة الرسمية بتاريخ 22 من نوفمبر سنة 1971.
أما فيما يتعلق بطلب المدعي في تسوية معاشه على أساس بقائه في الخدمة حتى سن الستين وعن طلب الفروق المالية بين المرتب والمعاش حتى سن الستين، فقد أقامت المحكمة قضاءها برفض هذين الطلبين على أنه لما كان قد تقرر الحكم بعدم قبول طلب إلغاء القرار الجمهوري الصادر بإحالة المدعي إلى المعاش شكلاً فإن هذا القرار يبقى من ثم قائماً ومنتجاً لكافة آثاره القانونية، ولا يجوز بالتالي إعادة تسوية معاش المدعي على أساس آخر غير الأساس الذي قام عليه القرار الجمهوري المذكور.
وفيما يتعلق بطلب التعويض فقد أقامت المحكمة قضاءها برفضه على أنه يبين من الرجوع إلى أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية أنه لم يتضمن أية حصانات لأعضاء النيابة الإدارية كالحصانة المقررة لرجال القضاء وأعضاء مجلس الدولة بعدم القابلية للعزل، ومن ثم تسري في شأنهم الأحكام العامة المقررة بشأن انتهاء الخدمة في قوانين العاملين المدنيين بالدولة ومنها القانون رقم 46 لسنة 1964، الذي صدر القرار الجمهوري المطعون فيه في ظله، والذي يجيز في الفقرة (6) من المادة (77) منه إنهاء خدمة العاملين بغير الطريق التأديبي بقرار من رئيس الجمهورية.
ولما كان الثابت من مذكرة النيابة الإدارية المقدمة من المستشار مدير النيابة الإدارية إلى رئيس الجمهورية لاستصدار القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 أن المدعي كان من العناصر ذات المستوى الضعيف في النيابة الإدارية وأن تخطيه في الترقية إلى وظيفة وكيل عام النيابة الإدارية يؤدي إلى خلق عناصر معوقة للعمل في جهاز النيابة الإدارية، وأن المصلحة العامة وحسن انتظام العمل يستوجب إبعاد المدعي لعدم صلاحيته بسبب ضعف مستواه الفني، وإضافة سنتين إلى مدة خدمته في حساب المعاش.
وإذ لم يدحض المدعي شيئاً مما جاء في هذه المذكرة فإن ما ورد بها من الأسباب يكون كافياً لإثبات عدم صلاحيته لشغل وظائف النيابة الإدارية في المستوى القيادي الخاص بالوكلاء العامين وبالتالي يكون القرار الجمهوري بإنهاء خدمة المدعي قد قام على أسباب تبرره قانوناً مما ينتفي معه ركن الخطأ في تصرف الجهة الإدارية ويستوجب الحكم بالتالي برفض دعوى التعويض.
ومن حيث إن الطعن يقوم على ما جاء في تقرير الطعن ومذكرة الطاعن على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون.
ذلك لأنه لا وجه لما قضى به هذا الحكم من عدم قبول طلب الإلغاء شكلاً لأن الطاعن لم يطلب الحكم بإلغاء القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 بعد إذ كان قد بلغ سن الستين وقت إقامة الدعوى، وإنما طلب الحكم ببطلان هذا القرار توصلاً إلى الحكم له بما يترتب على هذا البطلان من آثار من ناحية إعادة تسوية معاشه واستحقاقه الفروق على النحو الذي أوضحه في صحيفة الدعوى.
وأنه ليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تحصن القرار الجمهوري سالف الذكر بفوات مواعيد الطعن فيه بالإلغاء يحول دون ترتيب الآثار المشار إليها لأن تحصن القرار أمر منبت الصلة بصحة أو بطلان القرار، يضاف إلى ذلك من ناحية أخرى أن القرار المذكور يعتبر قراراً منعدماً لا تلحقه أية حصانة لعدم أخذ رأي لجنة الوكلاء العامين بالنيابة الإدارية فيه، الأمر الذي ينطوي على تفويت ضمانة جوهرية من ضمانات الأعضاء.
وقال الطاعن في بيان ذلك أن المادة (35) من قانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 تقضي بأن يكون تعيين أعضاء النيابة الإدارية وترقيتهم ونقلهم بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض مدير عام النيابة الإدارية بعد أخذ رأي لجنة تشكل من المدير العام والوكلاء العامين، ولما كانت القاعدة أن السلطة التي تملك التعيين هي التي تملك العزل، فإن مؤدى ذلك أن فصل أعضاء النيابة الإدارية بغير الطريق التأديبي وفقاً للأحكام العامة المقررة في قوانين العاملين المدنيين بالدولة لا يصح إلا بذات الأداة التي يتم بها تعيين هؤلاء الأعضاء وهي قرار من رئيس الجمهورية يصدر بناء على عرض مدير النيابة الإدارية بعد أخذ رأي لجنة الوكلاء، وإذ صدر القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 بإحالة الطاعن إلى المعاش بناء على مذكرة من مدير النيابة الإدارية دون أخذ رأي الوكلاء، فإن القرار الجمهوري المذكور يكون قد افتقد أحد أركانه الشكلية الجوهرية وانطوى على غصب لسلطة الوكلاء مما يجعله معيباً إلى درجة الانعدام، وليس من المتصور أن يكون لمدير النيابة الإدارية سلطة الانفراد وحده بما يتعلق بإنهاء خدمة الأعضاء بغير الطريق التأديبي في الوقت الذي لا يملك فيه أن ينفرد وحده بمجرد نقلهم من وظائفهم. هذا بالإضافة إلى أن عزل الطاعن إذ قصد به إبعاده لإفساح مجال الترقية إلى وظيفة الوكيل العام أمام من هم أحدث منه على ما كشفت عنه صراحة مذكرة مدير النيابة الإدارية التي عرضت على رئيس الجمهورية، فإنه بهذه المثابة يدخل في عموم اختصاص لجنة الوكلاء بالترقية. يضاف إلى ما تقدم أن مذكرة مدير النيابة الإدارية سالفة الذكر لا تصلح سبباً صحيحاً لإصدار قرار الفصل، إذ ليس ثمة أصول في الأوراق تؤيد ما زعمته هذه المذكرة من أن المدعي كان من العناصر ذات المستوى الضعيف في النيابة الإدارية بل العكس هو الصحيح طالما كان الثابت أن كفاية المدعي بحسب تقارير الكفاية المقدمة عنها قد أهلته لشغل وظيفة رئيس نيابة إدارية التي تعتبر من الوظائف القيادية بالنيابة الإدارية.
وقد قلب الحكم المطعون فيه عبء الإثبات فيما ذهب إليه من أن الطاعن لم يدحض ما جاء بمذكرة مدير النيابة الإدارية سالف الإشارة إليها، مع أن الأمر كان يقتضي أن الجهة الإدارية هي التي تثبت ادعاءها بعدم صلاحية الطاعن.
ومتى كان القرار الصادر بإحالة الطاعن إلى المعاش بغير الطريق التأديبي قد صدر معيباً إلى درجة الانعدام على النحو المتقدم بيانه فقد كان يتعين على محكمة القضاء الإداري أن تقضي بإجابة المدعي إلى طلباته وبأحقيته في الإفادة من أحكام القانون رقم 28 لسنة 1974 بشأن إعادة العاملين المدنيين المفصولين بغير الطريق التأديبي إلى وظائفهم، وإعادة تسوية معاشه بالتالي بالتطبيق لأحكام القانون المذكور، أخذاً في الاعتبار أنه ولئن كان أعضاء النيابة الإدارية يخضعون لنظام خاص فيما يتعلق بشئونهم من حيث التعيين والترقية والمكافآت، إلا أنهم فيما يتعلق بفصلهم بغير الطريق التأديبي يخضعون للقواعد العامة المطبقة في قوانين العاملين المدنيين بالدولة، ومن ثم لا يعتبرون فيما يتعلق بفصلهم بغير الطريق التأديبي من العاملين الذين تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة الذي استبعدتهم المادة الأولى من القانون رقم 28 لسنة 1974 سالف الذكر من مجال تطبيقه.
ومن حيث إنه ليس صحيحاً ما ذهب إليه الطاعن من أنه وإن كان القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 بإحالته إلى المعاش بغير الطريق التأديبي قد تحصن بفوات مواعيد الطعن بالإلغاء إلا أن ذلك لا يحول دون الإقرار ببطلانه وترتيب آثار هذا البطلان من ناحية إعادة تسوية معاشه على أساس بقائه في الخدمة حتى سن الستين مع صرف الفروق المترتبة على هذه التسوية.
لا صحة في هذا القول لأنه متى تحصن القرار الإداري فإنه يحمل على الصحة ويصبح حجة على ذوي الشأن فيما أنشأه أو رتبه من مراكز أو آثار قانونية بحيث لا تقبل أية دعوى يكون القصد منها تجريده من قوته التنفيذية في مواجهتهم وإلا انطوى الأمر على إلغاء ضمني للقرار وإخلال بالاستقرار الذي استهدفه القانون للمراكز والآثار القانونية المشار إليها بعد إذ انقضت مواعيد الطعن فيها بالإلغاء.
ومن حيث إنه لا وجه كذلك لما ذهب إليه الطاعن من أن القرار المطعون فيه صدر معدوماً لعدم أخذ رأي لجنة الوكلاء العامين بالنيابة الإدارية قبل إصداره مما ينطوي على غصب لاختصاص هذه اللجنة وتفويت لإجراء شكلي جوهري يمثل ضمانة جوهرية لأعضاء النيابة الإدارية، وذلك بمقولة أنه لما كانت القاعدة أن من يملك التعيين يملك الفصل، وكانت المادة (35) من قانون النيابة الإدارية قد نصت على أن يكون تعيين أعضاء النيابة الإدارية وترقيتهم ونقلهم بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض مدير النيابة الإدارية بعد أخذ رأي لجنة الوكلاء فإن فصل أعضاء النيابة الإدارية بغير الطريق التأديبي بنص الفقرة (6) من المادة (77) من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة الذي صدر القرار الجمهوري المطعون فيه وفقاً لأحكامه كان يلزم - ومن باب أولى - أن يتم أيضاً بناء على عرض مدير النيابة الإدارية بعد أخذ رأي لجنة الوكلاء المشار إليها قياساً على حالات التعيين والترقية والفصل.
لا وجه لما ذهب إليه الطاعن في هذا الخصوص، ذلك لأن المادة (77) من القانون رقم 46 لسنة 1964 الواجبة التطبيق في شأن أعضاء النيابة الإدارية على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه وبحق، لم تتطلب استيفاء أية إجراءات شكلية في القرار الذي يصدر من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكامها، ولا وجه للاجتهاد مع صراحة النص ووضوحه، فضلاً عن أن نظام الفصل بغير الطريق التأديبي إنما يستهدف التيسير على جهة الإدارة في إنهاء خدمة الموظف بغير الطريق التأديبي المعتاد، مما اقتضى ترك الأمر في شأنه لاختصاص رئيس الجمهورية دون ثمة قيد آخر، في حين أن حالات التعيين والنقل والترقية المنصوص عليها في المادة (35) من قانون النيابة الإدارية تتعلق بتنظيم العلاقة الوظيفية لأعضاء النيابة الإدارية ولا تثور في شأنها مقتضيات التيسير سالفة الذكر، ومن ثم رؤي أن يؤخذ في شأنها رأي لجنة الوكلاء العامين قبل إصدار القرارات المتعلقة بها، مما يتضح منه أن اختلاف إجراءات إصدار القرار في كلتا الحالتين اختلاف مقصود لذاته، الأمر الذي تنتفي معه علة القياس بينهما، ولا يكون ثمة وجه بالتالي للتحدي في هذا المجال بقاعدة أن من يملك التعيين يملك الفصل توصلاً إلى استلزام ذات الإجراءات في كلتا الحالتين.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم وكان القرار المطعون فيه قد تحصن بعد إذ تراخى المدعي في رفع الدعوى، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب المدعي تسوية معاشه على أساس استمرار بقائه في الخدمة حتى سن الستين مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك يكون قد أصاب الحق ولا مطعن عليه من هذه الناحية.
ومن حيث إنه لا وجه كذلك لما ذهب إليه الطاعن من أحقيته في إعادة تسوية معاشه طبقاً لأحكام القانون رقم 28 لسنة 1974 بشأن إعادة العاملين المدنيين بالدولة المفصولين بغير الطريق التأديبي إلى وظائفهم، بمقولة أنه وإن كانت المادة الأولى من القانون المذكور منذ قصرت الإفادة من أحكامه على العاملين الذين لا تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة، إلا أن أعضاء النيابة الإدارية لا يعتبرون من عداد هؤلاء العاملين في مجال فحص مشروعية القرارات الصادرة بفصلهم بغير الطريق التأديبي طالما أن قانون النيابة الإدارية لم ينظم إجراءات الفصل بغير الطريق التأديبي بالنسبة إليهم، وطالما أن هذه القرارات تصدر في شأنهم إعمالاً للأحكام العامة في قوانين العاملين المدنيين بالدولة الذين تسري في شأنهم أحكام القانون رقم 28 لسنة 1974 سالفة الذكر لا وجه لهذا القول، ذلك لأنه ليس في أحكام القانون رقم 28 لسنة 1974 المشار إليه ما يسانده ولأن المستفاد من إطلاق عبارة النص وعمومه أن الشارع قصد استبعاد العاملين الذي تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة من مجال تطبيقه دون نظر لما إذا كانت هذه القوانين قد تضمنت تنظيماً خاصاً لأحكام الفصل بغير الطريق التأديبي بالنسبة إليهم أو أنها سكتت عن ذلك اكتفاء بالأحكام الواردة في قوانين العاملين المدنيين بالدولة.
ومتى كان ذلك فإن طلب المدعي الإفادة من أحكام القانون رقم 28 لسنة 1974 سالف الذكر يكون في غير محله حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض، فإن الثابت من مطالعة المذكرة التي أعدتها النيابة الإدارية رداً على الدعوى أن القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 قد بني على أساس ما جاء بمذكرة مدير النيابة الإدارية التي جاء بها إنه "لما كان تعزيز جهاز النيابة الإدارية لمواجهة المسئوليات الملقاة على عاتقه في الوقت الحاضر يتطلب ضرورة اختيار العناصر الصالحة لشغل الوظائف الرئاسية وإبعاد من عداهم، ولما كان استمرار وجود من تبين ضعف مستواهم الفني مما كان سبباً في تخطيهم في الترقية إلى وظائف وكلاء عامين أو رؤساء نيابة سيؤدي إلى إيجاد عناصر معوقة للعمل في الجهاز، ومن ثم فإن الحاجة تدعو إلى النظر في وضع أعضاء النيابة الإدارية الذين تبين عدم صلاحيتهم أما لسبب ضعف المستوى الفني أو لأسباب أخرى وذلك بإبعاد بعض العناصر التي ثبت عدم صلاحيتهم لضعف المستوى الفني.
كما لوحظ أنه يوجد بين أعضاء النيابة الإدارية من جاوز السن المناسب لشغل الوظائف التي يشغلونها بعد أن تخطوا في الترقية أكثر من مرة.
وقد رؤي اقتراح إحالة السادة رؤساء ووكلاء النيابة الممتازة المبينة أسماؤهم في مشروع القرار إلى المعاش مع منح كل منهم معاشاً استثنائياً بإضافة سنتين لمدة الخدمة ومنح العلاوات المقررة خلال هذه المدة.
وقد روعي في ذلك صالح العمل في النيابة مع مراعاة الاعتبارات الخاصة لمن شملهم القرار، وأن المحالين إلى المعاش بالقرار الجمهوري المشار إليه قد بلغوا سناً يقرب من الخامسة والخمسين عاماً أو تزيد ولهم مدة خدمة طويلة وأن في إضافة سنتين إلى مدة خدمة كل منهم ما يحقق لهم معاشاً مناسباً".
ومن حيث إن المآخذ التي أشارت إليها مذكرة مدير النيابة الإدارية سالفة الذكر جاءت في عبارات عامة مرسلة بالنسبة إلى جميع أعضاء النيابة الإدارية الذي تضمن القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 المشار إليه إحالتهم إلى المعاش، دون أن تتضمن هذه المذكرة تخصيصاً لكل من هؤلاء الأعضاء يكشف عن مدى انطباق هذه المآخذ عليه.
وأن المستفاد من هذه المذكرة على أية حال أن أعضاء النيابة الإدارية المعينين بها هم من تبين ضعف مستواهم الفني مما كان سبباً في تخطيهم في الترقية إلى وظائف وكلاء عامين أو وظائف رؤساء نيابة إدارية أو من جاوزوا السن المناسب لشغل الوظائف التي يشغلونها بعد أن تخطوا لأكثر من مرة.
والمدعي ليس واحداً من هؤلاء حيث خلت الأوراق مما يفيد سبق تخطيه في الترقية إلى وظيفة رئيس نيابة إدارية أو غيرها من الوظائف، كما لم تكشف الأوراق عن أنه قد قام به سبب آخر يصلح سنداً لإحالته إلى المعاش بغير الطريق التأديبي، وأن ما أشير إليه من ضعف المستوى الفني لمن شملهم القرار الجمهوري سالف الذكر أمر لا تظاهره الأوراق بالنسبة إلى المدعي، لأن الثابت أنه قد أعيد تعيينه في وظائف النيابة الإدارية بعد إعادة تنظيمها بالقانون رقم 117 لسنة 1958.
ولو صح ما قيل من ضعف مستواه الفني لشمله النقل إلى إحدى وظائف الكادر العام خارج النيابة الإدارية مع من اتخذ معهم هذا الإجراء من أعضاء النيابة الإدارية طبقاً لأحكام المادة (48) من القانون المشار إليه، فضلاً عن أن المدعي رقي إلى وظيفة رئيس نيابة إدارية في ظل العمل بهذا القانون اعتباراً من 30 من إبريل سنة 1959، وهي من الوظائف الرئاسية في هذا الجهاز على ما عبر عنه مدير النيابة الإدارية نفسه في مذكرته سالفة الذكر، الأمر الذي يكشف بذاته عن كفاية المدعي لشغل هذه الوظيفة القيادية التي تتم الترقية إليها بحسب درجة الكفاية طبقاً لنص المادة (28) من قرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكم التأديبية.
ومتى كان ما تقدم فإن القرار الجمهوري رقم 2404 لسنة 1967 بإحالة المدعي إلى المعاش بغير الطريق التأديبي يكون قد افتقد السبب المبرر لإصداره ومن ثم يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه قد ترتب على صدور القرار الجمهوري سالف الذكر في حق المدعي حرمانه من الفرق بين المرتب والمعاش طوال المدة التالية لبلوغه السن القانونية للإحالة إلى المعاش، فضلاً عما انطوى عليه هذا القرار من الإساءة إلى المدعي والتقليل من شأنه بين أقرانه وذويه، وهي أضرار مادية وأدبية ترى المحكمة تعويضه عنها تعويضاً شاملاً بمبلغ ألفين من الجنيهات بمراعاة أن المدعي أحيل إلى المعاش في نحو الخامسة والخمسين من عمره وأنه منح معاشاً استثنائياً بضم مدة سنتين إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم فقد تعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي إلى المدعي تعويضاً قدره ألفين من الجنيهات وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية بان تؤدي للمدعي تعويضاً قدره ألفين من الجنيهات وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.