مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1210

(194)
جلسة 9 من يونيه سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم ويحيى السيد الغطريفي - المستشارين.

الطعن رقم 3313 لسنة 27 القضائية

( أ ) دعوى - تنازل عن الدعوى - إقرار - حجيته - الإقرار القضائي والإقرار غير القضائي - إكراه.
الإقرار الذي يتمتع بحجية قاطعة هو الإقرار القضائي الصادر من الخصم أمام المحكمة التي تنظر الدعوى التي تتعلق بها واقعة الإقرار - أما الإقرار الذي يقع على خلاف ذلك فلا يعد إقراراً قضائياً ويخضع لتقدير المحكمة - تطبيق: طلب إلغاء قرار محافظ القاهرة المطعون فيه - تقديم الحاضر عن الحكومة بتنازل المدعي عن الدعوى مع تحمله بمصروفاتها وتنازله عن جميع الحقوق المتعلقة بها - حجز الدعوى للحكم - طلب المدعي فتح باب المرافعة مشيراً في طلبه أنه بعد ترك محافظ القاهرة منصبه فإنه يستطيع أن يوضح وسائل الإكراه التي مارسها عليه المحافظ لانتزاع الإقرار سالف الذكر منه - ترك الخصومة في الدعوى هو تصرف إرادي يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضاء - الإقرار المذكور لا يعتبر في ضوء ما تقدم إقراراً قضائياً وبالتالي فهو يخضع لتقدير المحكمة.
(ب) حكم بالإلغاء - حجيته.
الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه في دعوى أخرى - صيرورة هذا الحكم نهائياً حائز لقوة الشيء المقضي فيه - حكم الإلغاء يتمتع بحجية مطلقة ويسري في مواجهة الكافة - طلب إلغاء هذا القرار في المنازعة الماثلة بعد أن انتفى عنصر النزاع فيه - اعتبار الخصومة منتهية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت 22 من أغسطس سنة 1981 أودع الأستاذ محمد نصر الدين عطية المحامي بصفته وكيلاً عن جابر سعد محمد الممثل القانوني لشركة سيارات الوحدة، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بالجدول تحت رقم 3313 لسنة 27 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد) بجلسة 23 من يونيو سنة 1981 في الدعوى رقم 1529 لسنة 25 القضائية والقاضي برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصاريف، وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضدهما بتعويض قدره 30000 (ثلاثون ألفاً من الجنيهات) والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن الطعن إلى المطعون ضدهما في 20 من سبتمبر سنة 1981.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني في الطعن انتهت فيه، لما ارتأته من أسبابه، إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدعوى موضوعاً والحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من حظر ممارسة المدعي لنشاطه مع رفض طلب إلغاء شق القرار المتعلق بتحديد الموقف. والحكم بإلزام المطعون ضده الأول بصفته بأن يدفع للطاعن التعويض الذي تراه المحكمة مناسباً لجبر الضرر الذي أصابه نتيجة لهذا القرار وإلزام المطعون ضده الأول بالمصروفات.
وحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 18 من إبريل سنة 1983 وبجلسة 6 من يونيو سنة 1983 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 29 من أكتوبر سنة 1983، وتم تداول الطعن على النحو الثابت في المحاضر إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص على ما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعي (الطاعن) أقام الدعوى رقم 1529 لسنة 25 قضائية ضد كل من محافظ القاهرة، ووزير الإدارة المحلية بأن أودع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) في 27 من يونيو سنة 1971 طالباً فيها الحكم باعتبار القرار رقم 73 لسنة 1967 الصادر من محافظ القاهرة بشأن إنشاء وتشغيل موقف سيارات الأجرة والأقاليم بشارع أحمد حلمي كأن لم يكن وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهما متضامنين بمبلغ التعويض المطالب به وقدره 30000 (ثلاثون ألف جنيه) والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال المدعي بياناً لدعواه أنه في 25 من أكتوبر سنة 1966 فوجئت الشركة التي يمثلها بقوات من الشرطة يتهجمون على مقر عملها ويحاصرون سيارات الأجرة التي تربطها بالشركة عقود واتفاقات ويغلقون مقر الشركة والجراج الملحق به وذلك بناء على أمر محافظ القاهرة، وفي 26 من أكتوبر سنة 1966 عاد المحافظ وقرر فتح مقر الشركة والجراج على أن تتوقف الشركة على نشاطها أو العمل مع سيارات أجرة الأقاليم التي تم تخصيص موقف جديد لها بشارع أحمد حلمي بشبرا، وكجزاء على تظلم الشركة من موقف المحافظ قرر الأخير إعادة غلق الجراج مرة أخرى في 27 من مارس سنة 1967 وظل الجراج مغلقاً قرابة ستة أشهر منذ التاريخ المذكور، وفي 28 من فبراير سنة 1967 أصدر محافظ القاهرة قراره المطعون فيه رقم 73 لسنة 1967 بشأن إنشاء وتشغيل موقف سيارات أجرة الأقاليم بشارع أحمد حلمي الذي قضى بأن تسند إدارة الموقف المذكور إلى النقابة العامة للنقل البري مقابل نسبة مئوية قدرها 5% من الأجرة تقوم النقابة بتحصيلها، كما نص القرار المشار إليه أن يكون الموقف المذكور هو الموقف الوحيد لوقوف سيارات أجرة الأقاليم وعدم السماح لجميع المكاتب السابقة - أو المكاتب المستجدة من مباشرة نشاطها في هذا النوع من العمل، وأخذ المدعي على هذا القرار مخالفته للقانون لصدوره خارج نطاق التفويض المقرر للمحافظين بمقتضى القانون رقم 124 لسنة 1960 بنظام الإدارة المحلية ومصادرته لحق الأفراد في مزاولة نشاط مشروع دون سند من القانون، وهذه المخالفة على درجة من الجسامة تنحدر بالقرار المذكور إلى درجة الانعدام، وأضاف المدعي أنه لما كان ما قام به محافظ القاهرة يمثل اعتداء على الحقوق وانتزاعاً لجهد بذلت فيه الشركة التي يمثلها المدعي وغيرها من مكاتب السيارات الأخرى الكثير، لا لشيء إلا الرغبة في إسناد أعمال الشركة وغيرها من الشركات لمجموعة من المقربين محاولاً أن يقيم من القرار المطعون فيه سنداً يعطيهم حق احتكار العمل والانفراد به دون سند صحيح من القانون لما كان ذلك فقد أقام المدعي دعواه بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بجلسة 5 من مايو سنة 1970 في الدعوى رقم 392 لسنة 23 ق التي سبق أن أقامها المدعي طعناً في ذات القرار بإثبات ترك المدعي للخصومة في الدعوى استناداً على إقرار حصل عليه محافظ القاهرة من المدعي بطريق الإكراه، وقد أشار محامي المدعي في طلب قدمه قبل النطق بالحكم في الدعوى المذكورة إلى وقوع هذا الإكراه وقام رئيس المحكمة بالتأشير على هذا الطلب وإرفاقه ملف الدعوى إلا أن الحكم صدر خالياً من أية إشارة إلى تقديم هذا الطلب وأضاف المدعي أن الإكراه كان هو السبيل إلى حصول محافظ القاهرة على تنازل المدعي عن الخصومة في الدعوى رقم 392 لسنة 23 ق سالفة الذكر، وإذ زال هذا الإكراه في 15 من مايو سنة 1971 بعد إلقاء القبض على المحافظ المذكور فقد بادر المدعي بإقامة هذه الدعوى طالباً فيها إلغاء القرار المطعون فيه وبأحقيته في التعويض عن الأضرار التي أصابته بسبب صدور هذا القرار وذكر المدعي أن هذه الأضرار تتمثل فيما تكبدته الشركة من إيجارات شهرية ومصروفات ضرورية بلغت أربعة آلاف جنيه من تاريخ تنفيذ القرار المطعون فيه حتى تاريخ إقامة الدعوى السابقة وإذ كان دخل الشركة الشهري يبلغ ثلاثمائة جنيه فإن ما فاتها من كسب نتيجة توقف نشاطها يبلغ ستة آلاف جنيه حتى تاريخ إقامة الدعوى السابقة، وإذ حاق بالشركة ضرر أدبي ومادي يقدره المدعي بمبلغ عشرين ألفاً من الجنيهات بالإضافة إلى ما تقدم فمن ثم تبلغ قيمة التعويض المطالب به ثلاثين ألفاً من الجنيهات.
وعقبت جهة الإدارة على الدعوى بمذكرتين دفعت فيهما بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وعلى غير ذي صفة كما طلبت من باب الاحتياط الحكم برفض الدعوى موضوعاً وأقامت دفاعها في هذا الشأن على أن قرار محافظ القاهرة المطعون فيه برقم 73 لسنة 1967 قد صدر مشروعاً ومطابقاً للقانون استناداً إلى السلطة المخولة له في قانون الإدارة المحلية وقانون المرور وقرارات وزير الداخلية، هذا ولم يحدث أن المدعي قد منع من مزاولة نشاطه في موقف السيارات الذي حدده القرار المذكور ولا هو استطاع أن يثبت قيام هذا المنع، هذا إلى أن المدعي لم يزعم أن ثمة قرار صدر بسحب ترخيص له بمزاولة هذا النشاط بل أن مكتبه ما زال مفتوحاً ونشاطه مستمراً أما الجراج فقد تنازل المدعي عن عقد إيجاره وتأيد هذا التنازل بالحكم الصادر من محكمة القاهرة الابتدائية بجلسة 29 من إبريل سنة 1973 في الدعوى رقم 342 لسنة 72 مدني كلي جنوب، أما عن التعويض الذي يطالب به المدعي فإنه لا وجه له بعد ما ثبت أن القرار المطعون فيه صدر صحيحاً ومطابقاً للقانون إذ أنه جاء منظماً للنشاط الذي يباشره المدعي دون مصادرة أو منع أما عن قيمة التعويض ذاته فإنه لم يثبت على خلاف ما يزعم المدعي وجود عمال لديه، كما أن عقود الإيجار التي قدمها يشوبها التناقض، هذا إلى أن ما يطالب به المدعي من تعويض عما فاته من كسب لا يقوم على أساس سليم، إذ لا يقيم هذا الادعاء أو يسانده ما قدمه المدعي من إخطار ضريبي، ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الإخطار عن سنة 1967 فإنه لا يعدو أن يكون تقديراً مبدئياً وليس نهائياً، وبالإضافة إلى ما تقدم فإن المدعي لا يعدو أن يكون مجرد وسيط بين الركاب وأصحاب السيارات وبالتالي فإن ما يدعيه من أحقية في تعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي يدعيها لا يجد له سنداً من الواقع أو القانون.
وبجلسة 23 من يونيو سنة 1981 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه وأقامت حكمها بالنسبة لرفض الدعوى موضوعاً وهو ما يقتصر عليه هذا الطعن، على أن الثابت من الاطلاع على ملف الدعوى رقم 392 لسنة 23 قضائية السابق إقامتها من المدعي نفسه بذات الطلبات التي قضت فيها المحكمة بتاريخ 5 من مايو سنة 1970 بإثبات ترك المدعي للخصومة، إن هذا الملف قد حوي محضر تنازل بتاريخ 30 من ديسمبر سنة 1968 موقعاً عليه من المدعي شخصياً يقر فيه صراحة بتنازله عن الدعوى رقم 1765 لسنة 1968 والتي أحيلت إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص وقيدت بجدولها تحت رقم 392 لسنة 23 قضائية وبتحمله بمصروفات الدعوى وعن جميع الحقوق المتعلقة بالموضوع وأنه لما كان المدعي لم ينكر صدور هذا الإقرار منه فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى بشقيها، إلغاءً وتعويضاً، بعد تنازل المدعي عن جميع حقوقه المتعلقة بموضوع النزاع، ولا يغير من ذلك ما ذهب إليه المدعي من أن هذا التنازل قد صدر نتيجة إكراه من جانب محافظ القاهرة لما عرفه عنه آنذاك من بطش وجبروت وتهديده إياه بالاعتقال إن لم يوقع على التنازل، ذلك أن هذا القول من جانب المدعي هو قول مرسل لا يوجد في الأوراق ما يؤيده ولا ينال من هذا النظر أن تكون محكمة استئناف القاهرة (الدائرة الثلاثون) في حكمها الصادر بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1977 في الاستئناف رقم 4422 لسنة 90 قضائية المقام من المدعي ضد وزير الداخلية ومحافظ القاهرة قد أثبتت في هذا الحكم أن تنازل المدعي عن الجراج الخاص به، والذي كان مغلقاً أيضاً، تنفيذاً للقرار المطعون فيه كان نتيجة إكراه من محافظ القاهرة الذي تم التنازل بمكتبه، ذلك أن ما انتهت إليه محكمة استئناف القاهرة في هذا الخصوص كان بناء على الأدلة التي قدمها المدعي، وشهود الإثبات الذين استشهد بهم في دعواه تلك، وثبوت هذا الإكراه بالنسبة للتنازل عن عقد إيجار الجراج ليس معناه ثبوت هذا الإكراه تلقائياً وبصورة مباشرة لواقعة تنازل المدعي عن حقوقه في الدعوى الماثلة وذلك لاستقلال كل من الواقعتين، ولعدم وجود تعاصر زمني بين الواقعتين، إذ أن واقعة التنازل عن الجراج، الذي أقام المدعي دعواه المدنية بقصد استرداده، تم في أول إبريل سنة 1969 في حين أن واقعة إقراره بالتنازل عن جميع حقوقه المتعلقة بالنزاع الماثل تمت في 30 من ديسمبر سنة 1968 أي قبل واقعة التنازل عن الجراج بثلاثة أشهر.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله كما صدر على خلاف حكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم فيه، وبيان ذلك أن الحكم المذكور قد أخطأ في رفض الأخذ بدفاع المدعي من أن الإقرار الصادر منه بالتنازل عن الدعوى وعن جميع الحقوق المتعلقة بها والمؤرخ 30 من ديسمبر سنة 1968 قد صدر نتيجة إكراه من جانب محافظ القاهرة. وبني الحكم المذكور قضاءه في هذا الخصوص على أن ادعاء المدعي في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً لا يوجد في الأوراق ما يؤيده، مع أن الثابت من الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1977 في الاستئناف رقم 4422 لسنة 90 ق أن تنازل المدعي عن الجراج الخاص به والذي كان مغلقاً نتيجة لتنفيذ القرار المطعون فيه كان نتيجة إكراه وذلك بناء على الأدلة التي قدمها المدعي (الطاعن) وشهود الإثبات الذين استشهد بهم في دعواه تلك ومؤدى هذا أن التحقيق الذي أجرته محكمة الاستئناف لم يكن مقصوراً على واقعة غلق الجراج والتنازل عن عقد إيجاره فحسب بل امتد أيضاً فشمل واقعة تنازل الطاعن عن دعوى الإلغاء والتعويض التي كانت قائمة أمام محكمة القضاء الإداري تحت رقم 392 لسنة 23 ق يؤكد ذلك أن الطلب المقدم من المدعي إلى محافظ القاهرة في 26 من ديسمبر سنة 1968 الذي قرر فيه بتنازله عن الدعوى المشار إليها، أشر عليه المحافظ في 30 من ديسمبر سنة 1968 لأحد القانونيين في المحافظة لإعداد صحيفة التنازل عن الدعوى فأعد المذكور صحيفة التنازل في ذات التاريخ وتم توقيع المدعى عليها في مبنى المحافظة وورد في هذا التنازل بعد إعادة صياغته أن المدعي يتنازل عن الدعوى ويتحمل مصروفاتها وعن جميع الحقوق المتعلقة بهذا الموضوع مع أن التنازل عن الحقوق التي رفعت عنها الدعوى لم ترد بشأنه أية إشارة في طلب المدعي بل أضافها الموظف تزيداً ومزايدة وليس من المقصود عقلاً أن يتنازل مدعي عن دعواه وعن حقوقه المرفوعة بها تلك الدعوى وهي مؤكدة الكسب بإرادته الحرة دون مقابل خصوصاً وأن تقرير مفوضي الدولة كان يؤيد المدعي في دعواه، هذا وقد صادر الحكم المطعون فيه قاعدة حجية الأمر المقضي فيه بأن صدر على خلاف حكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم فيه، وآية ذلك أن محكمة القضاء الإداري قد انتهت في الدعوى رقم 392 لسنة 23 ق إلى أن التنازل المقدم من المدعي ينطوي على مجرد ترك الخصومة فقضت تبعاً لذلك بإثبات ترك المدعي للخصومة في الدعوى بعد أن ثار النزاع بين طرفي الدعوى في مدى شموله الخصومة والحق، ومن ثم فما كان يجوز للمحكمة مع ذلك إذا ما جدد المدعي إجراءات الدعوى للمطالبة بحقوقه التي ما زالت قائمة لم تسقط بالتقادم، أن تعيد تقدير ذات المستند وتعتبر أنه لا ينطوي على مجرد ترك الخصومة فحسب بل إنه يتناول الحق في ذاته متضمناً التنازل عنه، وإذ فعلت المحكمة ذلك فإن حكمها المطعون فيه برفض دعوى المدعي، استناداً إلى النظر السابق، يتضمن تعديلاً لقضائها الأول وهو أمر لا تملكه بعد أن حاز حكمها السابق قوة الأمر المقضي فيه، وأخيراً فقد تناقض الحكم المطعون فيه وتهاترت أسبابه، ذلك أنه بعد أن أشار إلى أنه سبق القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 249 لسنة 26 ق الذي تأيد بحكم المحكمة الإدارية العليا، فقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن هذا القرار المعدوم موجود بالنسبة للمدعي رغم أن أحكام الإلغاء لها حجية على الكافة.
ومن حيث إن الجهة الإدارية قدمت مذكرة بدفاعها رددت فيها دفاعها السابق أمام محكمة القضاء الإداري وأضافت بالنسبة لطلب التعويض، أن المدعي لم يقدم ما يثبت وقوع الضرر الذي يدعي وقوعه بسبب إصدار القرار المطعون فيه ومن ثم فلا حق له في طلب هذا التعويض، وانتهت جهة الإدارة في مذكرتها إلى طلب الحكم برفض الطعن.
ومن حيث إن المادة 408 من القانون المدني تنص على أن "الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة" ويبين من حكم هذه المادة أن الإقرار الذي يعتد به في مواجهة الصادر منه هذا الإقرار، والذي يستصحب معه حجية قاطعة هو الإقرار القضائي الصادر من هذا الشخص أمام المحكمة التي تنظر الدعوى التي تتعلق بها واقعة الإقرار أما الإقرار الذي يقع على خلاف ذلك فلا يعد إقراراً قضائياً وبالتالي فإنه يخضع لتقدير المحكمة، ولقد سبق لهذه المحكمة أن قضت إعمالاً للنظر المتقدم بأنه متى ثبت أن إقرار المدعي بتنازله عن دعواه الإدارية لم يحدث أثناء سير هذه الدعوى أمام المحكمة الإدارية، وإنما حدث في دعوى مرفوعة أمام محكمة أخرى فإنه لا يعتبر بالنسبة إلى الدعوى الإدارية إقراراً قضائياً، ولا يعدو أن يكون إقراراً غير قضائي لصدوره في دعوى أخرى ومن ثم يخضع لتقدير المحكمة فلها مع تقدير الظروف التي صدر فيها والأغراض التي حصل من أجلها أن تعتبره حجة على المدعي كما لها ألا تأخذ به أصلاً.
ومن حيث إن الثابت في خصوصية هذه المنازعة أن المدعي بصفته سبق أن أقام الدعوى رقم 1765 لسنة 1968مدني كلي القاهرة طالباً فيها الحكم باعتبار قرار محافظ القاهرة رقم 73 لسنة 1967 وهو ذات القرار المطعون فيه في هذه المنازعة كأن لم يكن وإلزام جهة الإدارة بتعويض قدره 30000 ألفاً من الجنيهات وفي 7 من ديسمبر سنة 1968 قضت محكمة القاهرة الابتدائية (الدائرة العاشرة كلي) بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري، وتنفيذاً لهذا الحكم أحيلت الدعوى إلى المحكمة الأخيرة وقيدت بجدولها تحت رقم 392 لسنة 23 قضائية وأثناء نظر هذه الدعوى تقدم الحاضر عن الحكومة بإقرار مؤرخ 30 من ديسمبر سنة 1968 صادر عن المدعي، يقر فيه بتنازله عن الدعوى مع تحمله بمصروفاتها وبتنازله أيضاً عن جميع الحقوق المتعلقة بها، وفي 2 من مايو سنة 1970 تقدم المدعي إلى المحكمة بطلب فتح باب المرافعة في الدعوى التي كانت قد حجزت لإصدار الحكم فيها بجلسة 5 من مايو سنة 1970 وأشار المدعي في طلبه أنه بعد أن ترك محافظ القاهرة منصبه فإنه يستطيع أي المدعي أن يوضح وسائل الإكراه التي مارسها المحافظ عليه لانتزاع الإقرار سالف الذكر منه، بيد أن المحكمة أصدرت في 5 من مايو سنة 1970 حكمها في الدعوى ويقضي بإثبات ترك المدعي الخصومة في الدعوى وألزمته بالمصروفات.
ومن حيث إن ترك الخصومة في الدعوى هو تصرف إرادي يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضاء ومتى كان الإقرار المقدم من المدعي بتنازله عن الدعوى رقم 1765 لسنة 1967 مدني كلي القاهرة والتي قيدت فيما بعد تحت رقم 392 لسنة 23 قضاء إداري، لا يعتبر في ضوء ما تقدم إقراراً قضائياً لعدم حصوله أمام المحكمة وبالتالي لا يحوز حجية قاطعة، على التفصيل السابق بيانه فإنه يخضع لتقدير المحكمة التي لها أن تأخذ المدعى به أو أن تعرض عنه إذا ما تبين لها أن ثمة عيب من عيوب الرضا شاب إرادة المدعي عند التوقيع على هذا الإقرار.
ومن حيث إن المدعي يطعن على الإقرار الصادر منه بتاريخ 30 من ديسمبر سنة 1968 بتنازله عن دعواه وجميع الحقوق المتعلقة بهذا الموضوع بالبطلان لصدوره وبعد إكراه مارسه عليه محافظ القاهرة الأسبق مصدر القرار المطعون فيه بأن هدده بالاعتقال إن لم يتنازل عن دعواه بطلب إلغاء هذا القرار والتعويض عنه، وتحت وطأة هذا التهديد تقدم المدعي في 30 من ديسمبر سنة 1968 بإقرار يتنازل فيه عن هذه الدعوى فقام المحافظ بالتأشير على هذا القرار بإحالته إلى أحد الموظفين القانونيين بالمحافظة لإعداد صحيفة التنازل عن الدعوى فأضاف إليها المذكور ما يفيد تنازل المدعي عن الدعوى وعن جميع الحقوق المتعلقة بالموضوع وقام المدعي بالتوقيع على هذا الإقرار بعد تعديل صياغته على النحو السابق، وتم هذا التوقيع في مبنى المحافظة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 342 لسنة 1972 مدني كلي القاهرة طلب فيها الحكم ببطلان التنازل الصادر منه عن عقد إيجار الجراج المؤجر للشركة التي يمثلها المدعي، والذي أغلق بناء على القرار المطعون فيه، وقال المدعي في دعواه تلك أن التنازل عن هذا العقد قد تم بناء على إكراه مارسه عليه محافظ القاهرة الأسبق، وقد قضت محكمة القاهرة برفض الدعوى المذكورة لعدم ثبوت الإكراه المدعي به، وطعن المدعي في هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 4422 لسنة 9 قضائية، وجاء في الحكم الصادر في هذا الاستئناف أن المحكمة سمعت شهود الإثبات والتي جاءت في مجموعها مقررة حصول التنازل عن عقد إيجار الجراج تحت ضغط الإكراه الذي وقع على المستأنف من المحافظ السابق.
ومن حيث إن الظروف والملابسات التي صاحبت توقيع المدعي على الإقرار الصادر منه في 30 من ديسمبر سنة 1968 بالتنازل عن دعواه بطلب إلغاء القرار المطعون فيه والتعويض عنه وتنازله أيضاً عن جميع الحقوق المتعلقة بالموضوع بما صحاب هذه الظروف من إعادة صياغة التنازل على النحو السابق بيانه والتوقيع عليه في مبنى المحافظة وما أعقب هذا التنازل من تنازل آخر صادر من المدعي في أول إبريل سنة 1969 عن عقد إيجار الجراج الذي قام المحافظ بإغلاقه كأثر من آثار القرار المطعون فيه والذي انتهت محكمة استئناف القاهرة في حكمها في الاستئناف رقم 4422 لسنة 9 قضائية بعد ما أجرته من تحقيق أنه وقع تحت إكراه من، جانب المحافظ على شخص المدعي، هذه الظروف وتلك الملابسات تقطع بأن إرادة المدعي في التوقيع على التنازل عن دعواه بطلب إلغاء القرار المطعون فيه وبالتعويض عن هذا القرار لم تكن إرادة حرة صدرت عن رضاء صحيح بل إن هذه الإرادة قد اعتورها عيب من العيوب المفسدة للرضا وهو إكراه المدعي على توقيع هذا التنازل تحت وطأة التهديد بالاعتقال ومما يرسى هذا الاعتقاد ويؤكده أنه ما أن أقصى المحافظ المذكور عن منصبه حتى بادر المدعي إلى تقديم طلب لفتح باب المرافعة في الدعوى رقم 392 لسنة 23 قضائية لإثبات ما وقع عليه من إكراه في توقيع هذا التنازل كما تقدم بشكوى إلى وزارة الداخلية أشار فيها إلى أن المحافظ المذكور استدعاه بعد رفع الدعوى وهدده بالاعتقال إن لم يتنازل عن دعواه ومتى كان ما تقدم فإن الإقرار الصادر عن المدعي بتنازله عن دعواه باعتباره تصرفاً إرادياً، يكون قد وقع باطلاً وليس من شأنه بالتالي أن يرتب أي أثر قانوني وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد اخطأ في تحصيل الواقع على نحو أدى به إلى الخطأ في تطبيق القانون الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغاء هذا الحكم فيما قضى به من رفض دعوى المدعي بشقيها إلغاء وتعويضاً.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري سبق أن أصدرت في 8 من مايو سنة 1973 حكمها في الدعوى رقم 249 لسنة 26 قضائية المقامة من السيد حسن أبو طبل ضد محافظ القاهرة طعناً في ذات القرار المطعون فيه في هذه المنازعة بإلغاء هذا القرار وما ترتب عليه من آثار وأقامت المحكمة قضاءها على أن هذا القرار قد جاء معدوماً لما تضمنه من مصادرة نشاط أصحاب مكاتب تشغيل السيارات الأجرة القائمة وقت صدروه والمستجدة بعده لخروجه على حدود التفويض المخول للمحافظ في هذا الشأن كما قضت المحكمة الإدارية العليا (دائرة فحص الطعون) في 16 من فبراير سنة 1976 برفض الطعن رقم 815 لسنة 19 قضائية المقام من محافظ القاهرة عن حكم محكمة القضاء الإداري سالف الذكر وبذلك أصبح هذا الحكم نهائياً حائزاً لقوة الشيء المقضي فيه، وكان هذا الحكم باعتباره حكماً بالإلغاء يتمتع بحجية مطلقة ويسري في مواجهة الكافة فمن ثم فإن طلب إلغاء هذا القرار في المنازعة الماثلة، يضحى غير ذي موضوع بعد أن انتفى عنصر النزاع فيه، الأمر الذي يتعين معه الحكم باعتبار الخصومة منتهية في طلب إلغاء هذا القرار.
ومن حيث إن قرار محافظ القاهرة رقم 73 لسنة 1967 سالف الذكر وقد قضى بإلغائه على النحو السابق بيانه، لما تضمنه من مصادرة نشاط أصحاب مكاتب تشغيل السيارات الأجرة، فإنه يشكل ركن الخطأ الموجب للمسئولية في تعويض الأضرار التي تسبب فيها هذا القرار ومتى كان المدعي قد أضير بسبب صدور هذا القرار ويتمثل وجه الضرر في مصادرة نشاط المدعي في تشغيل المكتب الذي تملكه الشركة التي يمثلها في مجال تشغيل سيارات الأجرة وكان الخطأ الماثل في إصدار القرار المذكور سبباً مباشراً في إلحاق الضرر بالشركة المشار إليها. فمن ثم تكون قد تكاملت أركان المسئولية التي توجب إلزام جهة الإدارة بتعويض المدعي بصفته عن الأضرار التي لحقت الشركة التي يمثلها بسبب إصدار هذا القرار.
ومن حيث إنه عن تقدير التعويض المستحق للمدعي بصفته فإن عناصر التعويض كما حددها المدعي تتمثل في الإيجارات التي تحملتها الشركة التي يمثلها المدعي بسبب غلق الأمكنة التي كانت تباشر فيها الشركة نشاطها وأجور العمال وما فات الشركة من ربح بالإضافة إلى الأضرار المادية والأدبية الأخرى التي لم يبين المدعي ماهيتها، ومتى كان الثابت من الشهادة الصادرة من مأمورية ضرائب النقل في 22 من فبراير سنة 1984 أن الأرباح التي قررت للشركة التي يمثلها المدعي عن السنوات من 1962 إلى 1965 هي 1768 جنيه أي بمعدل قدره 589.333 جنيه سنوياً فمن ثم فإن المحكمة تقدر التعويض المستحق للمدعي بصفته بمبلغ ألف جنيه كتعويض جابر لكافة ما لحق المدعي من أضرار تتمثل فيما فاته من ربح وما يكون قد تكبده من إيجارات الأمكنة التي كانت تباشر فيها الشركة نشاطها وما يكون قد تكبده من أجور للعمال.
ومن حيث إن جهة الإدارة خسرت هذا الطعن فقد حق إلزامها بمصروفاته عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض المدعي باعتبار الخصومة منتهية في طلب إلغاء القرار المطعون فيه وبأن تؤدي جهة الإدارة للمدعي بصفته تعويضاً قدره 1000 جنيه (ألف جنيه) وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.