مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1160

(185)
جلسة 27 من مايو سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي يوسف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يحيى عبد الفتاح سليم البشرى وعبد الفتاح محمد إبراهيم صقر ومحمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي وصلاح الدين أبو المعاطي نصير - المستشارين.

الطعن رقم 948 لسنة 27 القضائية

( أ ) مجلس الدولة - تأديب أعضائه - مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة - الفصل السابع من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 - إسباغ الطبيعة القضائية على عمل مجلس التأديب وإضفاء صفة الأحكام القضائية على ما يصدر منه - الأثر المترتب على ذلك: لا يعتبر ما يصدر عنه من القرارات الإدارية مما عنته المادة 104 المتعلقة بالمنازعات الوظيفية لشئون أعضاء مجلس الدولة والتي تختص المحكمة الإدارية العليا بنظر الطعن فيها - تطبيق.
(ب) أحكام مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن - أساس ذلك: المادة 119 من قانون مجلس الدولة - قضاء المحكمة الدستورية العليا بدستورية نص المادة 119 - أساس ذلك: مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة يعتبر هيئة قضائية عهد إليه المشرع باختصاص قضائي محدد وما يصدر عنه في هذا الشأن يكون أحكاماً قضائية وليست قرارات إدارية.
(جـ) طعن - الطعن في الأحكام - النص على عدم جواز الطعن في بعض الأحكام القضائية وقصر التقاضي بالنسبة لما فصلت فيه على درجة واحدة هو من الملائمات التي يستقل المشرع بتقديرها - أساس ذلك:
(د) دستور - مبدأ المساواة - لا يعني المساواة بين جميع الأفراد رغم اختلاف ظروفهم ومراكزهم القانونية - المشرع يملك لمقتضيات الصالح العام وضع شروط عامة مجردة للمراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون - توفر العمومية والتجريد فيما نصت عليه المادة 119 من قانون مجلس الدولة من عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة من مجلس التأديب بالنسبة لجميع رجال مجلس الدولة الذين تتماثل مراكزهم القانونية - الأثر المترتب على ذلك: النعي على المادة 119 من قانون مجلس الدولة بأنها خالف المادتين 40، 68 من الدستور بأن تضمنت حظراً للتقاضي وحصنت قراراً إدارياً من رقابة القضاء وأهدرت مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق - غير صحيح.
(هـ) المحكمة الإدارية العليا - ما يخرج عن اختصاصها.
اختصاص المحكمة الإدارية العليا بالمنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء مجلس الدولة الوظيفية المنصوص عليها بالمادة 104 لا يتناول ما تعلق منها بالطعن في أحكام مجلس التأديب المختص بمحاكمة أعضائه وتوقيع عقوبة مما يجوز توقيعها على عضو منهم - أساس ذلك: لا تعتبر قرارات إدارية بل هي أحكام تصدر من هيئة قضائية ولم يجز الشارع الطعن فيها بأي وجه من الوجوه.
(و) مجلس الدولة - مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة - أحكامه.
يجوز استثناء طلب إلغاء أحكام مجلس التأديب إذا ما قام بأحد الأعضاء الذين أصدروها سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في قانون المرافعات - الطعن في هذه الحالة يكون أمام الهيئة التي أصدرت الحكم - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 14 من مايو سنة 1981 أودع الأستاذ حنا ناروز المحامي بصفته وكيلاً عن السيد المستشار/ ...... وكيل مجلس الدولة، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طلباً قيد بجدولها برقم 948 لسنة 27 القضائية ضد السادة رئيس مجلس الدولة، ووزير العدل، ورئيس الجمهورية بصفاتهم طلب فيه للأسباب الواردة به الحكم ببطلان وانعدام الحكم الصادر من مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة بجلسة 16 من مارس سنة 1981 في الطلب رقم 1 لسنة 26 ق فيما قضى به من مجازاته بعقوبة اللوم، مع حفظ كافة حقوقه الأخرى. وأعلن الطعن في 6 من يونيه سنة 1981. وردت إدارة قضايا الحكومة عليه بمذكرة طلبت فيها أصلياً الحكم بعدم جواز الطعن في حكم مجلس التأديب واحتياطياً، بعدم قبوله أمام المحكمة الإدارية العليا، ومن باب الاحتياط الكلي، عدم جواز إعادة نظر النزاع، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها مسبباً قالت فيه برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الإدارية العليا وقبول الطلب شكلاً، وفي الموضوع ببطلان وانعدام حكم مجلس التأديب الصادر في الطلب رقم 1 لسنة 26 ق وإلزام المدعى عليهم المصروفات. وعرض على المحكمة الإدارية العليا، فنظرته على ما هو مبين بمحاضر جلساتها، حيث سمعت ما رأت لزوماً له من إيضاحات ذوي الشأن وقدم الطالب مذكرات بتأييد طلبه، وقررت المحكمة إرجاء إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة، تخلص على ما يبين من الأوراق في أن السيد المستشار/ ........ تقدم في 14 من مايو سنة 1981 بطلب إلى هذه المحكمة قيد بجدولها برقم 948 لسنة 27 ق عليا ضد السادة رئيس مجلس الدولة ووزير العدل ورئيس الجمهورية بصفاتهم، قال فيه أنه في 20 من نوفمبر 1980 طلب رئيس مجلس الدولة بقراره رقم 531 لسنة 1980 إلى مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة النظر في إحالة الطالب إلى المعاش بسبب ما نسب إليه في مذكرة نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس إدارة التفتيش الفني من إمكان مساءلته عن سعيه للحصول من كلية الحقوق بجامعة القاهرة على أوراق إجابات امتحاناتها في مادة القانون الإداري رغم عدم وجود قرار بندبه لذلك من مجلس الكلية، باتصاله مباشرة بالأستاذ المسئول عن توزيعها بادعاء أنه موفد من قبل عميد الكلية وأستاذ القسم، ودفع أمام مجلس التأديب ببطلان التحقيق الذي تم بطريق الاتصال هاتفياً ببعض الشهود أو من قابلهم المحقق في أروقة الكلية ممن لا صلة لهم بموضوعه، مما يجعله محضر جمع استدلالات، ولم ينته مع ذلك إلى توجيه اتهام له، فرفض مجلس التأديب الدفع، في ذات الوقت الذي انتدب فيه أحد أعضائه للتحقيق فجاءت أقوال الشهود، فيه مغايرة لما جاء بالشكوى المقدمة من السيد المستشار/ ........ نائب رئيس مجلس الدولة في الخصوص فضلاً عما أدلى به إليه الدكتور........ رئيس قسم القانون العام بالكلية من وقائع غير صحيحة ولما جاء بمذكرة رئيس التفتيش الفني وبجلسة 16 من مارس سنة 1981 انتهى مجلس التأديب إلى الحكم:
أولاً: برفض الطلب المقدم من رئيس مجلس الدولة لإحالته إلى المعاش.
ثانياً: مجازاته بعقوبة اللوم، لما أورده في أسبابه من أن ما ثبت من وقائع ضده، هي تسلمه أوراق الإجابة من الدكتور....... مع علمه بأنه لم ينتدب لتصحيح هذه الأوراق وقيامه بتصحيح بعضها، ثم مطالبته بمكافأة التصحيح عنها، لا تكفي سبباً لفقدانه الثقة والاعتبار وإنما تشكل ذنباً إدارياً في حقه لما في تصرفه من سلوك غير سليم، وإنه لما كان لمجلس التأديب على ما استقر عليه قضاؤه إنه بمجرد اتصاله بالمنازعة موضوعاً سواء طرحت عليه بطلب من رئيس مجلس الدولة، كهيئة صلاحية، أو بقرار اتهام من نائب رئيس مجلس الدولة للتفتيش الفني كمجلس تأديب، يكون في الحالين هو الجهة المختصة التي تهمين على الطلب أو الدعوى وتكييف الوقائع المسندة إلى العضو تبعاً ووزنها من حيث صلاحيتها لأن يقوم عليها طلب الإحالة إلى المعاش أو النقل فيجيبه أو يرفضه من حيث صلاحيتها أو عدمها لذلك، كما يكون له إذا شكلت ذنباً إدارياً يستوجب توقيع إحدى العقوبات التأديبية أن ينزل حكم القانون عليها ويفصل فيها. وهذا الحكم وأن نص في المادة 119 من قانون مجلس الدولة على نهائيته وعدم قابليته للطعن، إلا أنه منعدم أولاً: لاشتراك السيد المستشار نائب رئيس مجلس الدولة في الهيئة التي أصدرته مع قيام إحدى حالات عدم الصلاحية به (م 146/ فقرة أخيرة من قانون المرافعات) إذ أنه هو الذي أثار ما نسب إلى الطالب من وقائع، في آخر سبتمبر سنة 1980 في اجتماع اللجنة الخماسية، حسبما أثبت في الشكوى التي تضمنت هذه الوقائع وقدمها، نقلاً عن الدكتور رئيس قسم القانون العام، فيكون قد أبدى رأيه في صحتها وفي كونها تحول دون ترقيته، وهي تضمنت وقائع غير صحيحة بشهادة الشهود وسواء جاءت نقلاً عن الدكتور لتشويه موقف الطالب أو أصابها تحريف عند النقل بمعرفته فهي على أسوأ الفروض بلاغ منه إلى رئيس المجلس ضده يمنعه من أن يجلس قاضياً. ثانياً: لعدم صلاحية أعضاء مجلس التأديب للفصل في الدعوى التأديبية التي أقامها ضده بعد أن انتهى إلى عدم إجابة طلب إحالته إلى المعاش لعدم صلاحية سببه، فكان يتعين أن تحال إلى مجلس تأديب آخر لا يشترك فيه أحد منهم. ثالثاً: لعدم اتصال مجلس التأديب بالاتهام بطريقة قانونية إذ لم يصله قرار به من رئيس التفتيش الفني بأدلة محددة بناء على تحقيق أجراه، ولم يعلن الطالب به، خلافاً للقانون. رابعاً: لعدم دستورية النص الوارد في المادة 119 من قانون مجلس الدولة بمنع الطعن فيه. والحكم بعد ذلك باطل لإهداره الضمانات والإجراءات الواجب التزامها مما يترتب عليه بطلانه لما ذكر وعدم استناد الهيئة التي أصدرته إلى دليل مادي أو شهادة شهود تحمل ما انتهت إليه، وإهدارها أقوال عميد الكلية وهي تقتضي عدم ثبوت ما نسب إليه، ولوجود الارتباط بين ندبه للتدريس بالكلية وتصحيح أوراق الإجابة بحسب الغالب. ولذلك انتهى الطالب إلى طلب الحكم ببطلان وانعدام حكم مجلس التأديب هذا فيما قضى به من مجازاته بعقوبة اللوم" وردت إدارة قضايا الحكومة على ذلك بمذكرة دفعت فيها أصلياً بعدم جواز الطعن في حكم مجلس التأديب عملاً بالمادة 119 من قانون مجلس الدولة لأنه غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، واحتياطياً، بعدم جواز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، لأنه لا يقبل أمامها إلا الطعن في القرارات التي أشارت إليها المادة 104، ولا ينال من ذلك قول الطالب بقيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بمجلس التأديب إذ لا ولاية للمحكمة في نظره، بل لذلك المجلس بطلب يقدم له. وأخيراً، فحكم مجلس التأديب نهائي، يمنع من إثارة النزاع في كل ما تعلق به وأثير أمامه أو لم يثر من مسائل، بما في ذلك أمر صحة اتصاله بالدعوى التأديبية ضد الطالب أو سلامة إجراءاته وأسبابه، وأبدت هيئة مفوضي الدولة رأيها، وفيه انتهت إلى بطلان قرار مجلس التأديب لعدم الالتزام في تشكيله بحكم المادة 112 من قانون مجلس الدولة، سواء من حيث عدد الأعضاء أو ترتيب الأقدمية، إذ زاد العدد عما هو مقرر فيها واشترك من لا يقدمه دوره في ترتيب وكلاء المجلس، متخطياً من قبله، بل واشترك فيه الخامس والعشرون في الترتيب (المستشار/ .........). ولقيام سبب من أسباب عدم الصلاحية برئيسة المستشار نائب رئيس مجلس الدولة، إذ هو الذي قدم الشكوى، وهي إما عمل من أعمال التحقيق كلف به من اللجنة الخماسية عند مناقشتها واقعتها أو من قبيل أداء الشهادة، وبتقديمها قامت خصومة بينه وبين الطالب تجعله غير صالح لنظر الدعوى التأديبية، كما أن تصدي مجلس التأديب لإقامة الدعوى التأديبية عليه يشكل اغتصاباً لسلطة رئيس مجلس الدولة ورئيس التفتيش الفني المنوط به إقامتها مما يرتب البطلان لكل ما قام به من إجراءات المحاكمة والحكم، ويتجرد بذلك من صفته وتختص المحكمة الإدارية العليا بنظر الطلب، طبقاً للمادة 104 من قانون مجلس الدولة لتوفر شرائطها.
ومن حيث إن المادة 104 من قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنة 1972، معدلة وفق ما اقتضاه حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 16 من مايو سنة 1982 في القضية رقم 10 لسنة 1 ق دستورية القاضي بعدم دستورية ما تضمنه من استثناء قرارات النقل والندب من عداد القرارات المنصوص عليها فيها - تنص على أن "تختص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها رجال مجلس الدولة بإلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بأي شأن من شئونهم متى كان مبنى الطلب عيباً في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو خطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة". وهذا النص على عمومه فيما يتعلق بموضوع القرارات الإدارية التي جعل للمحكمة الإدارية العليا الاختصاص بالفصل في طلبات إلغائها إذ ينعقد لها ذلك أياً كان الشأن الذي صدرت فيه من شئونهم الوظيفية" إلا أنه لا يتناول طلب إلغاء العقوبات التأديبية التي توقع على أعضاء مجلس الدولة من مجلس التأديب المختص بذلك، إذ يكون بأحكام تصدر منه بالتشكيل الذي نصت عليه المادة 112، في الدعوى التأديبية التي تقام ضد العضو من نائب رئيس مجلس الدولة لإدارة التفتيش الفني بناء على تحقيق جنائي أو إداري يتولاه أحد نواب رئيس المجلس بالنسبة إلى المستشارين أو مستشار بالنسبة إلى باقي الأعضاء، يندب للتحقيق بقرار من رئيس المجلس، وتشتمل عريضتها على التهمة والأدلة المؤيدة، تودع سكرتارية المجلس ليصدر قراره بإعلان العضو بها للحضور أمامه، وله أن يجري ما يراه لازماً من التحقيقات يقوم بها طبقاً للمادة 114 من يندبه لهذا الغرض فإذا رأى المجلس وجهاً للسير في إجراءات المحكمة كلف على ما تنص عليه المادة (115) العضو بالحضور أمامه بتكليف يشتمل على بيان موضوع الدعوى وأدلة الاتهام ويجوز لمجلس التأديب عند تقرير السير في إجراءات المحاكمة، وقف العضو عن مباشرة أعمال وظيفته أو منحه إجازة حتمية (م 116)، وتنقضي الدعوى التأديبية باستقالة العضو أو إحالته إلى المعاش، (م 117) وتكون جلسات المحاكمة التأديبية سرية ويحكم المجلس في الدعوى بعد إتباع ما أوجبته المادة 118 عليه من أوضاع لاستقامة المحاكمة من سماع رأي إدارة التفتيش ودفاع العضو... إلخ، ثم يصدر الحكم في الدعوى الذي يجب على ما تنص عليه المادة أن يكون مشتملاً على الأسباب التي بني عليها تتلى عند النطق به، في جلسة سرية (م 119) إذ مفاد تلك الأحكام الواردة في الفصل السابع من القانون الخاص بتأديب أعضاء مجلس الدولة، إسباغ الطبيعة القضائية على عمل مجلس التأديب وهيئته على الوجه المبين بها وإضفاء صفة الأحكام القضائية تبعاً على ما يصدر منه في هذا الشأن، وهي صفة أضفاها الشارع عليها على ما ورد في غير موضوع من النصوص سالفة البيان، ومن ثم فهي لا تعتبر قرارات إدارية مما عنته المادة 104، إذ هي على عمومها من حيث موضوع المنازعات الوظيفية المتعلقة بشئون أعضاء مجلس الدولة التي عقدت الاختصاص بالفصل فيها مخصوصة بصريح نص بتعلقها بقرار إداري صادر فيها، فلا تتعدى ذلك إلى أحكام مجلس التأديب مراعاة لوصف الشارع لها، ولما نص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 119 من أن يكون الحكم الصادر في الدعوى التأديبية نهائياً غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن. وقد انتهت المحكمة الدستورية العليا في حكمها بجلسة 16 من مايو سنة 1982 في الدعوى رقم 10 لسنة 1 ق دستورية، إلى رفض الطعن بعدم دستوريتها، لما أوردته في أسبابه من أن مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة يعتبر هيئة قضائية عهد إليها المشرع باختصاص قضائي محدد، فيكون ما يصدر عنه في هذا الشأن أحكاماً قضائية وليست قرارات إدارية، ومن المقرر أن النص على عدم جواز الطعن في بعض الأحكام القضائية وقصر التقاضي بالنسبة لما فصلت فيه على درجة واحدة هو من الملاءمات التي يستقل بتقديرها المشرع الذي ارتأى في تشكيل مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة من سبعة من أقدم أعضائه ما يدعو إلى عدم إجازة الطعن في أحكامه واعتبار التقاضي أمامه من درجة واحدة، ومبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين لا يعني المساواة بين جميع الأفراد رغم اختلاف ظروفهم ومراكزهم القانونية، ذلك أن المشرع يملك لمقتضيات الصالح العام وضع شروط عامة مجردة للمراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون وإذ توفر شرطا العموم والتجريد فيما نصت عليه المادة 119/ 112 من قانون مجلس الدولة من عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة من مجلس التأديب بالنسبة لجميع رجال مجلس الدولة الذين تتماثل مراكزهم القانونية فإن النعي على المادة 119 المشار إليها بأنها خالفت المادتين 40 و68 من الدستور بمقولة إنها تضمنت حظراً للتقاضي وحصنت قراراً إدارياً من رقابة القضاء وأهدرت مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق يكون من جميع وجوهه على غير أساس.
ومن حيث إنه وإن كان مؤدى ما تقدم - أن اختصاص المحكمة الإدارية العليا بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء مجلس الدولة الوظيفية المنصوص عليه في المادة 104 من قانون مجلس الدولة، لا يتناول ما تعلق منها بالطعن في أحكام مجلس التأديب المختص بمحاكمة أعضائه بتوقيع عقوبة تأديب مما يجوز توقيعها على عضو منهم إذ لا تعتبر قرارات إدارية، بل أحكاماً تصدر من هيئة قضائية عهد لها الشارع بالاختصاص بمسائل تأديبهم، وما يصدر منها بتوقيع العقوبة من أحكام، لم يجز الشارع الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، إلا أن ذلك لا يجعل ما يصدر من مجلس التأديب من أحكام بمنأى من الإلغاء إذا ما قام بأحد الأعضاء الذين أصدروها سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في قانون المرافعات، إذ يجيز ذلك استثناء طلب إلغائه، على أن يقدم إلى المجلس المذكور، وسبيل الطالب إلى ذلك إن كان له وجه الالتجاء إلى الهيئة التي أصدرت الحكم.
ومن حيث إنه لما سبق، يتعين الحكم بعدم قبول الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة، بعدم قبول الطعن.