مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1184

(190)
جلسة 2 من يونيه سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمود عبد العزيز الشربيني ونصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وأبو بكر دمرداش أبو بكر - المستشارين.

الطعن رقم 682 لسنة 26 القضائية

( أ ) قرار إداري - ركن السبب - مدى خضوعه لرقابة القضاء في مجال الترقية بالاختيار - متى أفصحت الجهة الإدارية عن أسباب قرارها حتى ولو لم تك ملزمة قانوناً بتسبيب قراراتها أو بإبداء هذه الأسباب فإن الأسباب المذكورة تخضع حتماً لرقابة القضاء الإداري - للقضاء الإداري أن يباشر وظيفته القضائية في الرقابة عليها للتحقق من مدى قيامها وما إذا كانت تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها الجهة الإدارية من عدمه - عبء الإثبات يقع على الجهة الإدارية التي تتمسك بهذه الأسباب - لا يعد ذلك في مجال الترقية بالاختيار حلولاً من جانب المحكمة فيما هو متروك لمطلق تقدير الجهة الإدارية - هو مجرد إعمال من جانب المحكمة لوظيفتها القضائية في الرقابة على مدى مشروعية الأسباب التي طرحت عليها وأضحت عنصراً من عناصر الدعوى - تطبيق.
(ب) دعوى - إثبات في الدعوى - (إدارة قضايا الحكومة) (شرطة) (المجلس الأعلى للشرطة).
لا وجه للاحتجاج بأن مذكرة قضايا الحكومة المقدمة للمحكمة والتي أعدت خصيصاً للرد على الدعوى أن بياناتها مستقاة من الإدارة العامة لشئون الضباط بوزارة الداخلية ولم تصدر عن الجهة المختصة وهى المجلس الأعلى للشرطة - أساس ذلك: المجلس الأعلى للشرطة لا يعدو أن يكون أحد الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية المختصة في الدعوى - أوجه الدفاع التي تقدمها إدارة قضايا الحكومة باعتبارها ممثلة لوزارة الداخلية تكون حجة على هذه الوزارة بكل أجهزتها التابعة لها - تطبيق.
(جـ) قرار إداري - سببه - رقابة القضاء الإداري.
تتسبيب جهة الإدارة لقرارها بتخطي الطاعن في الترقية بالاختيار والوارد بمذكرة دفاعها أمام المحكمة بأن ثمة تحريات وشكاوى قدمت ضد الطاعن مما يعكس أثره على حسن سير العمل وانتظامه - عدم تقديم أوراق الشكاوى والتحريات للمحكمة رغم تأجيل الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري لأكثر من مرة بناء على طلب الجهة الإدارية لتقديم ما لديها من مستندات تؤيد قرارها - ما ساقته جهة الإدارة سبباً للقرار المطعون فيه لا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً لم تدعمه الجهة الإدارية بأي واقعة محددة أو قرينة تؤيده - إلغاء القرار لانتفاء ركن السبب - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 19 من مارس سنة 1980 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد وزير الداخلية، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 682 لسنة 26 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) بجلسة 31 من يناير سنة 1980 في الدعوى رقم 1899 لسنة 31 القضائية المقامة من ورثة المرحوم اللواء/ ....... ضد وزارة الداخلية، والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع:
أولاً: بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إحالة مورث المدعين إلى المعاش وما يترتب على ذلك من آثار.
ثانياً: بصرف ما كان يستحقه المورث من مرتبات وبدلات، وعلاوات ومكافآت بافتراض أنه لم يحل إلى المعاش حتى تاريخ وفاته، وذلك بعد استقطاع ما صرف إليه خلال هذه الفترة.
ثالثاً: بإعادة تسوية معاشه بافتراض أنه رقي لرتبة اللواء العامل وظل بالخدمة حتى تاريخ وفاته مع صرف الفروق الناجمة عن هذه التسوية للورثة.
رابعاً: برفض ماعدا ذلك من طلبات.
خامساً: وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً وفي موضوعة بإلغاء ذلك الحكم والقضاء برفض الدعوى الأصلية وإلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم في 13 من إبريل سنة 1980. وقدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) جلسة 13 من يونيه سنة 1983 وفيها أمرت الدائرة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضدهم مصروفات هذا الطلب كما قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث حدد لنظرة أمامها جلسة 13 من نوفمبر سنة 1983.
وبجلسة 29 من يناير 1984 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا للاختصاص، وحدد لنظرة أمام الدائرة المذكورة جلسة 31 من مارس سنة 1984. وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة 19/ 5/ 1984 وفيها تقرر مد أجل النطق بالحكم بجلسة 2/ 6/ 1984 حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن اللواء شرطة بالمعاش....... أقام الدعوى رقم 1899 لسنة 31 القضائية ضد وزارة الداخلية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 31 من أغسطس سنة 1977 طلب في ختامها الحكم بإلغاء القرار الصادر من رئيس الوزراء ووزير الداخلية في 17 من مارس سنة 1977 بترقيته إلى رتبة لواء مع إحالته إلى المعاش وذلك فيما تضمنه هذا القرار من إحالته إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال شرحاً للدعوى أنه تخرج من كلية البوليس عام 1949. ثم حصل على ليسانس الحقوق سنة 1967، وكان طوال خدمته محلاً للتقدير لكفاءته وامتيازه، إذ كان وهو بعد في رتبة ملازم أول يشغل وظيفة رئيس مراقبة الأجانب ببور سعيد، وعندما رقي إلى رتبة رائد عين مفتشاً للمباحث الجنائية لشئون الأحداث، ولما رقي إلى رتبة مقدم شغل منصب مأمور قسم المنشية بمحافظة الإسكندرية ثم عين سنة 1973 رئيساً للمباحث الجنائية بالإسكندرية فمديراً للمباحث الجنائية بالإسكندرية واستمر بها حتى إحالته إلى المعاش وما كان له لولا كفايته وامتيازه أن يبقى في مدينة الإسكندرية وحدها نحو عشرين عاماً على خلاف القواعد المعمول بها في وزارة الداخلية.
وأضاف أنه لم ينسب إليه أي لوم أو تقصير في عملة وكان يحصل بصفة مطردة على تقارير كفاية بمرتبة ممتاز، كما حصل العديد من المكافآت المالية بقرارات من المجلس الأعلى للشرطة تشجيعاً له وتقديراً لجهوده في خدمة الأمن وأبحاثه العلمية التي كانت محل اهتمام المسئولين ودراستهم ووقع عليه الاختيار عام 1975 لزيارة إيران ممثلاً لشرطة جمهورية مصر العربية لتنمية العلاقات بين البلدين في مجال الأمن العام.
وقد فوجئ بصدور القرار المطعون فيه بالرغم من أن العرف في هيئة الشرطة جرى على أن من يشغل وظيفة مدير إدارة البحث الجنائي في أي مديرية من مديريات الأمن يرقى إلى رتبة لواء عامل إقراراً بأهمية هذه الوظيفة القيادية التي لا يشغلها إلا الأكفاء الممتازين.
وقال المدعي أن مفاد أحكام المواد 4، 5، 19، 20 من القانون رقم 109 لسنة 1971 الخاص بهيئة الشرطة أن الترقية إلى رتبة اللواء تتم على أساس حياة الضابط الوظيفية مستقاة من ملف خدمته وشهادة رؤسائه وأنه إذا أعملت الجهة الإدارية سلطتها في عدم الإبقاء على الضابط بعد ترقيته إلى هذه الرتبة وجب أن يكون قرار المجلس الأعلى للشرطة في هذا الصدد مسبباً، ولما كانت الجهة الإدارية لم تفصح عن أسابب قرارها بإحالة المدعي إلى المعاش وكانت كل الشواهد تؤكد كفاية المدعي وصلاحيته للاستمرار في الخدمة فإن القرار المطعون فيه يكون والحال كذلك قد جانب الصالح العام ووقع مخالفاً للقانون جديراً بالإلغاء.
وقدمت وزارة الداخلية مذكرة عقبت فيها على الدعوى قائلة أنه سبقت مجازاة المدعي بخصم ثلاثة أيام من مرتبه للغياب بدون إذن وبالإنذار لاستعمال القسوة عام 1952 وأنه تقرر محو هذين الجزاءين عام 1959، وقد قرر المجلس الأعلى للشرطة بجلسته المنعقدة في 14 من مارس سنة 1977 ترقيته إلى رتبة اللواء، إلا أنه عند عرض قرارات المجلس على السيد رئيس الوزراء ووزير الداخلية للاعتماد طبقاً لنص المادة الخامسة من القانون رقم 109 لسنة 1971 اعترض سيادته في 16 من مارس سنة 1977 على صلاحية المدعي للترقية مع البقاء وأشار بإعادة بحث حالته في ضوء معلومات جديدة أظهرتها تحريات الأجهزة المختصة في شكاوى مقدمة ضده.
وبجلسة 17 من مارس سنة 1977 أعاد المجلس الأعلى للشرطة دراسة حالة المدعي وانتهى إلى الاكتفاء بترقيته إلى رتبة اللواء مع إحالته إلى المعاش اعتباراً من 17 من مارس سنة 1977، واعتمد القرار في ذات التاريخ.
ذلك أن التحريات التي أجريت عن المدعي في الشكاوى المقدمة ضده إبان عمله مديراً لإدارة البحث الجنائي بالإسكندرية كشفت عن بعض الأمور التي لا تتفق مع مركزه ووضعه كضابط شرطة إذ اتضح أنه كان يحتضن بعض الضباط المنحرفين من رؤساء الوحدات بإدارة البحث الجنائي الذين يتولون قضاء حاجياته وتقديم الخدمات له عن طريق معارفهم المشبوهين من المهربين وتجار المخدرات، وأنه يتقبل الهدايا العينية من هؤلاء المشبوهين، إلى غير ذلك من الأمور التي كان من نتيجتها أن أصبح المدعي يخضع لتأثير وسيطرة هؤلاء الضباط المنحرفين الذين زادوا من انحرافهم لانعدام الرقابة عليهم، كما أن الضباط المذكورين أصبحوا يديرون دفة العمل حسب أهوائهم لاطمئنانهم إلى أن رئيسهم يعمل على عدم إثارة أي مشاكل، وقد انعكس ذلك على حسن سير العمل وانتظامه بإدارة البحث الجنائي بالإسكندرية. وفي أثناء نظر الدعوى توفى المدعي إلى رحمة الله بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1978، وحل محله في الدعوى ورثته وهم زوجته/ ...... وولده/ ....... ووالدته....... وأولاده البلغ...... و...... والقاصر....... بوصاية والدته، الذين حددوا طلباتهم في الدعوى بطلب إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إحالة مورثهم إلى المعاش ما يترتب على ذلك من آثار، وتسوية معاش مورثهم على أساس المادتين 71، 194 مكرراً من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 المعدل بالقانون رقم 49 لسنة 1978، وإلزام وزارة الداخلية بأن تؤدي إليهم تعويضاً قدره ألفان من الجنيهات عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابتهم من جراء القرار المطعون فيه. وبجلسة 31 من يناير سنة 1980 قضت محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع:
أولاً: بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إحالة مورث المدعين إلى المعاش وما يترتب على ذلك من آثار.
ثانياً: بصرف كامل ما يستحقه المورث من مرتبات وبدلات وعلاوات ومكافآت بافتراض أنه لم يحل إلى المعاش حتى تاريخ وفاته وذلك بعد استقطاعها مما صرف إليه خلال هذه الفترة.
ثالثاً: بإعادة تسوية راتبه بافتراض أنه رقي إلى رتبة اللواء العامل وظل بالخدمة حتى تاريخ وفاته مع صرف الفروق الناجمة عن هذه التسوية للورثة.
رابعاً: برفض ما عدا ذلك من طلبات.
خامساً: بإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وأقامت قضاءها على أن المادة (17) من القانون رقم 109 لسنة 1971 بنظام هيئة الشرطة تنص على أن تكون الترقية إلى كل رتبة من الرتب السابقة عليها مباشرة بالأقدمية المطلقة حتى رتبة عميد مع مراعاة حكم المادة (15) من هذا القانون. وتنص المادة (19) على أن تكون الترقية إلى ربتة لواء بالاختيار المطلق ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة لواء إلا إذا رأى المجلس الأعلى للشرطة لأسباب هامة عدم ترقيته. وتنص المادة (20) على أن يصدر وزير الداخلية قراراً بترقية الضابط بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة وتكون الترقية نافذة من تاريخ صدور هذا القرار ويمنح الضابط من هذا التاريخ بداية مربوط الرتبة أو الدرجة المرقى إليها أو علاوة من علاواتها أيهما أكبر. وأنه وإن كان نص المادة (19) سالفة الذكر تقضي بأن تكون الترقية إلى رتبة اللواء بالاختيار المطلق إلا أن ذلك لا يعني أن يكون هذا الاختيار طليقاً من كل قيد وإنما يتعين أن يكون مقيداً باستهداف الصالح العام، وكذلك الحال فيما يتعلق باستبعاد من لا تتم ترقيته إلى رتبة لواء عامل إذ يتعين أن يكون الهدف من ذلك هو الصالح العام، وتأكيداً لهذا المعنى نص المشرع صراحة في المادة الرابعة من القانون على أن تكون قرارات المجلس الأعلى للشرطة مسببة حتى يعمل القضاء الإداري سلطته في مراقبتها. وأنه إذا كانت الجهة الإدارية قد أفصحت عن أن سبب عدم ترقية مورث المدعين إلى رتبة لواء عامل هو المعلومات الواردة للوزارة نتيجة التحريات في الشكاوى المقدمة ضده إبان عمله مديراً لإدارة البحث الجنائي بمديرية أمن الإسكندرية، إلا أن الجهة الإدارية لم تقدم الشكاوى المشار إليها ولم توضح تاريخ تقديمها أو أسماء مقدميها والجهات التي أحيطت علماً بمضمونها وما تم بشأنها من تحريات، وليس من المتصور عقلاً وعدلاً أن يبت في مصائر الأفراد على مجرد القول بتقديم شكاوى ضدهم لم يثبت حتى وجودها أصلاً، ومما يؤكد ويؤيد عدم صحة هذه الواقعة أن المجلس الأعلى للشرطة كان قد وافق على ترقية مورث المدعين إلى رتبة اللواء العامل بجلسته المنعقدة في 14 من مارس سنة 1977، ولو صح ما قيل عن الشكاوى المقدمة ضده لكان قد تضمنها التقرير الذي جرى العمل على أن تقوم إدارة شئون الضباط بإعداده وعرضه على المجلس الأعلى للشرطة عند النظر في الترقية ولما وافق المجلس المذكور بالتالي على ترقية مورث المدعين إلى رتبة اللواء العامل. ومتى كان ذلك وكان ملف خدمة مورث المدعين قد جاء قاطع الدلالة في صلاحيته لهذه الترقية فإن السبب الذي بني عليه قرار إحالته إلى المعاش يكون من ثم سبباً غير صحيح، وبالتالي يكون هذا القرار قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
ولما كان قد ترتب على هذا القرار حرمان مورث المدعين من راتبه وعلاواته وترقياته فضلاً عن أنه أصابه بأضرار نفسية يتعين تعويضه عنها، فمن ثم ترى المحكمة في سبيل تقدير قيمة هذا التعويض لورثته الحكم بأحقيتهم في صرف كامل ما كان يستحقه مورثهم من مرتبات وبدلات وعلاوات ومكافآت بافتراض أنه لم يحل إلى المعاش حتى تاريخ وفاته، وأحقيتهم كذلك في إعادة تسوية معاش مورثهم من جديد على هذا الأساس طبقاً لنص المادة 114 مكرراً المضافة بالقانون رقم 49 لسنة 1979.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه وقع مخالفاً للقانون، إذ جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن الترقية بالاختيار من إطلاقات جهة الإدارة التي لا تتقيد في مباشرتها إلا بعدم الانحراف بالسلطة، وأن عيب عدم الانحراف بالسلطة من العيوب القصدية التي يتعين إقامة الدليل عليها، وإذ لم يستظهر الحكم المطعون فيه عناصر هذا الانحراف ولم يقم الدليل على أن جهة الإدارة قد استهدفت بالقرار المطعون فيه إساءة استعمال السلطة لدوافع شخصية لا تمت إلى الصالح العام فإن الحكم المذكور يكون من ثم مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
وإذا كان القانون قد استلزم تسبيب قرارات المجلس الأعلى للشرطة فإن هذا التسبيب لا محل له إلا بالنسبة إلى الترقيات التي تتم بالأقدمية إلى الوظائف الأدنى، أما فيما يتعلق بالترقية بالاختيار إلى الوظائف العليا التي تركها القانون لمطلق تقدير الجهة الإدارية فإنه يكفي في شأنها مجرد إفصاح الجهة الإدارية عن عدم صلاحية الموظف للترقية إلى هذه الوظائف. وإن ما ورد في مذكرة وزارة الداخلية التي قدمت إلى المحكمة تبريراً للقرار الصادر بإحالة مورث المدعين إلى المعاش لا يعد تسبيباً للقرار حتى تفرض المحكمة رقابتها عليه لأن هذا التسبيب إجراء غير لازم أصلاً، ولأن المذكرة المنوه عنها لم تصدر عن المجلس الأعلى للشرطة.
وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من توافر عناصر الصلاحية لدى مورث المدعين للبقاء في الخدمة بعد ترقيته إلى رتبة اللواء ينطوي على حلول من المحكمة محل الجهة الإدارية فيما هو متروك لمطلق تقديرها، فضلاًَ عن أنه ينطوي على الإخلال بالمحكمة التشريعية التي أجيز من أجلها إحالة الضابط إلى المعاش بعد ترقيته إلى رتبة اللواء والتي تتمثل فيما عبرت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 234 لسنة 1955 من رغبة الشارع في ترك الاختيار فيمن يشغلون هذه المناصب الرئيسية لمطلق تقدير الجهة الإدارية بحسب ما تقدره وتطمئن إليه من حيث توافر عناصر الكفاية والصلاحية وقوة الشخصية لدى الضباط حتى يكون زمام الأمن في يد أحسن العناصر بحسب تقديرها وحتى ينفسح مجال الترقي أمام عدد كبير من الضباط في جميع الرتب ابتغاء حسن سير المرفق العام.
يضاف إلى ما تقدم أن المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن ملف خدمة الموظف وما يحويه من تقارير وإن يكن في الأصل هو الوعاء الطبيعي لحياته الوظيفية إلا أنه بشمل حتماً كل ما يتعلق بالموظف من معلومات وبيانات أو عناصر لها أثرها في التقدير، إذ أن من هذه البيانات والمعلومات ما قد يستقيه ذوو الشأن سواء بأنفسهم أو بواسطة الأجهزة الرسمية المتخصصة في استجماع مثل تلك البيانات. ومتى كان ذلك وكان المجلس الأعلى للشرطة قد عدل عن قراره الأول بترقية مورث المدعين إلى رتبة اللواء العامل بعد إذ اعترض رئيس الوزراء ووزير الداخلية على هذا القرار، وإن هذا العدول تم بناء على ما طرح على المجلس الأعلى للشرطة من معلومات جديدة عن مورث المدعين تضمنتها تقارير الأجهزة المتخصصة المنوه عنها والتي من شأنها أن تؤثر في صلاحيته للبقاء في الخدمة بعد الترقية فإن القرار المطعون فيه يكون قد صادف صحيح حكم القانون ولا مطعن عليه.
ومن حيث إنه لا مجال في خصوص النزاع الماثل لما احتجت به الجهة الإدارية الطاعنة من أن القانون أخضع الترقية إلى رتبة اللواء العامل لمطلق اختيار الجهة الإدارية بلا معقب عليها إلا لعيب الانحراف بالسلطة الذي يقع عبء إثباته على المدعي، ومن أن للجهة الإدارية المذكورة مطلق الحرية في استقاء المعلومات التي تقيم عليها تقديرها حول مدى صلاحية الضباط لهذه الترقية سواء بنفسها أو بواسطة الأجهزة المتخصصة في جمع هذه المعلومات كما لا محل لما أثارته حول مدى الالتزام بتسبيب قرارات المجلس الأعلى للشرطة في خصوص الترقيات المنوه عنها. لا محل للاحتجاج بشيء من ذلك طالما أن الثابت في خصوص النزاع الماثل أن الجهة الإدارية المذكورة كشفت في مذكرة دفاعها أمام محكمة القضاء الإداري عن الأسباب التي حملتها على تخطي مورث المدعين في هذه الترقية، لم تكن ملزمة قانوناً بتسبيب قراراتها أو بإبداء هذه الأسباب فإن الأسباب المذكورة تخضع حتماً لرقابة القضاء الإداري الذي يكون له حينئذ أن يباشر وظيفته القضائية في الرقابة عليها للتحقق من مدى قيامها ومما إذا كانت تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها الجهة الإدارية من عدمه وهو ما يقع عبء إثباته على الجهة الإدارية التي تتمسك بهذه الأسباب، دون أن يعد ذلك تدخلاً من جانب المحكمة فيما هو متروك لمطلق تقدير الجهة الإدارية، وإنما هو مجرد إعمال من جانب المحكمة لوظيفتها القضائية في الرقابة على مدى مشروعية الأسباب المذكورة طالما أنها طرحت عليها وأضحت بذلك عنصراً من عناصر الدعوى الثابتة في الأوراق. وغنى عن البيان، أنه لا يقبل من الجهة الإدارية الطاعنة التنصل من مذكرة دفاعها سالفة الذكر بمقولة أن ما حوته هذه المذكرة من أسباب للقرار المطعون فيه لا يعد تسبيباً لهذا القرار طالما أن هذه المذكرة لم تصدر عن المجلس الأعلى للشرطة. ذلك أن المجلس الأعلى للشرطة لا يعدو أن يكون أحد الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية المختصمة في الدعوى.
ومن ثم فإن أوجه الدفاع التي تقدمها إدارة قضايا الحكومة باعتبارها ممثلة للوزارة المذكورة أمام المحكمة تكون حجة على هذه الوزارة بكل الأجهزة التابعة لها والتي تعتبر مختصمة ضمناً في الدعوى خاصة وأن المذكرة المنوه عنها صادرة عن وزارة الداخلية ذاتها (الإدارة العامة لشئون الضباط) وإنها أعدت خصيصاً رداً على هذه الدعوى.
ومن حيث إن ما نسبته الجهة الإدارية إلى مورث المدعين في مذكرة دفاعها السالفة الذكر أن التحريات في الشكاوى التي قدمت ضده إبان عمله مديراً لإدارة البحث الجنائي بمديرية أمن الإسكندرية كشفت عن أنه يحتضن بعضاً من الضباط المنحرفين رؤساء الوحدات بإدارة البحث الجنائي الذين يتولون قضاء حاجاته وتقديم الخدمات له عن طريق معارفهم المشبوهين من المهربين وتجار المخدرات وأنه يتقبل الهدايا العينية من هؤلاء المشبوهين إلى غير ذلك من الأمور التي كان من نتيجتها أنه أصبح يخضع لتأثير وسيطرة هؤلاء الضباط مما انعكس أثره على حسن سير العمل وانتظامه.
إن هذا الذي صاغته الجهة الإدارية سبباً للقرار المطعون فيه جاء قولاً مرسلاً لم تدعمه الجهة المذكورة بأية واقعة أو قرينة تؤيده رغم تأجيل الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري أكثر من مرة بناء على طلبها لتقديم أوراق التحريات المقول بها. ومتى كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ استخلص مما تقدم أن عدم اختيار مورث المدعين للترقية إلى رتبة اللواء العامل لم يقم على سبب صحيح يبرره فإنه يكون قد صادف الصواب ولا مطعن عليه، خاصة وأن ما أثير من أسباب تبريراً لتخطي مورث المدعين في هذه الترقية لم يكن مطروحاً على المجلس الأعلى للشرطة بجلسة 14 من مارس سنة 1977 التي كان رأيه فيها قد انتهى إلى صلاحية مورث المدعين لهذه الترقية، أخذاً في الاعتبار أن ما يعرض على هذا المجلس من موضوعات، خاصة ما يتعلق منها بالترقية إلى المناصب العليا في جهاز الشرطة، المفروض فيه أن يكون مستوفياً ما يقتضيه الحال من دراسة بمعرفة الأجهزة المختصة على النحو الذي يكفل عرضها على المجلس المذكور شاملة كل ما يتعلق بها من بيانات أو معلومات يكون لها أثرها فيما يتخذه هذا المجلس بشأنها.
وإذ قضى الحكم المطعون فيه بناء على ما تقدم بإلغاء القرار المطعون فيه وبأحقية الورثة المدعين للتعويض على النحو الذي قضى لهم به فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه ولا مطعن عليه مما يتعين معه الحكم برفض الطعن.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، فقد تعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.